مقال قانوني حول منازعات الاعتمادات المستندية في القانون العماني
د. عبد القادر ورسمه غالب –
تقوم غرفة التجارة الدولية (أي سي سي) بباريس، ممثلة في لجانها الفنية المختلفة، بإصدار العديد من اللوائح والأنظمة ذات الصفة «الموحدة» لدعم وتنظيم مرافق التجارة الدولية التي تتم عبر الخدمات المصرفية. ولتحقيق هذا الغرض أصدرت غرفة التجارة الدولية عدة لوائح تنظيمية هامة منها نذكر كأمثلة، القواعد الموحدة والممارسات المصرفية لتنظيم الاعتمادات المستندية (يو سي بي) ومن أشهرها (يو سي بي 600)، والقواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية لإعادة الدفع بين البنوك للاعتمادات المستندية (يو آر آر)، والقواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية للتحصيل (يو آر سي)، والقواعد الموحدة لأحكام الضمانات المصرفية (يو آر دي جي)… والقائمة تطول لتنظيم التجارة الدولية بدعم كامل من البنوك.
وفق هذه القواعد والأحكام الموحدة تقوم البنوك يوميا بتقديم الخدمات المصرفية التي يطلبها الزبائن وهذه القواعد الفنية «الموحدة» يتم استخدامها في كل العالم وفي نفس الوقت يتم تحديثها وتنقيحها ومراجعتها، كلما دعي الأمر، لتتماشي مع ما يطرأ من تطورات في العمليات التجارية وما يرتبط بها من الممارسات المصرفية السليمة، ولتجاوز ما يطرأ من عقبات أثناء التنفيذ. وهناك عدة لجان فنية تعمل تحت مظلة غرفة التجارة الدولية بصفة شبه دائمة لتلاحق الزمن في كل ما يطرأ من طوارئ وكل ما يستجد من مستجدات. والغرض من كل هذا النشاط هو توفير البيئة الفنية والتشريعية المناسبة لتطوير العمل لخدمة كافة قطاعات التجارة الدولية عبر الخدمة التي تقدمها المؤسسات المصرفية المتطورة.
إن ازدهار التجارة الدولية عبر القطاع المصرفي وعملياته المرتبطة بالزبائن يجد الرعاية القصوى من غرفة التجارة الدولية، ولهذا اهتمت هذه الغرفة اهتماما خاصا بوسائل تسوية المنازعات التي من الطبيعي أن تطرأ من وقت لآخر بين الأطراف. ومن أجل هذا قامت غرفة التجارة الدولية بإنشاء محكمة التحكيم الدولية كبديل لتسوية المنازعات التجارية والمصرفية وغيرها. ولقد قامت محكمة التحكيم الدولية بإنجاز أعمال كبيرة تم من خلالها التسوية الناجزة للمنازعات وهذا شكل حافزا كبيرا ودعما قويا ملموسا لدعم التجارة الدولية لأن توفير العدالة يوجد الثقة ويوفر الطمأنينة.
ولم تقف غرفة التجارة الدولية عند هذا الحد فقط بل سارت في مشوار البحث المضني لتقديم المزيد من بدائل تسوية المنازعات وخاصة التي تطرأ بخصوص العمليات المصرفية المرتبطة بالاعتمادات المستندية وذلك لخصوصية هذه المعاملات وأثرها القوى المباشر في التجارة الدولية. وعليه تم استحداث نظام غرفة التجارة الدولية للتسوية الفنية لمنازعات الاعتمادات المستندية والمعروف اختصارا بـ (دوك دكس)، وبموجب هذا النظام تم إنشاء مركز الخبرة التابع لغرفة التجارة الدولية والمرتبط مباشرة بسكرتارية غرفة التحكيم الدولية.
مركز الخبرة المعني يتكون من خبراء مصرفيين وقانونيين ومستشارين فنيين يتم اختيارهم بعناية بواسطة غرفة التجارة الدولية وتتم إحالة المنازعات الخاصة بالاعتمادات المستندية المبينة أعلاه للنظر فيها وإصدار القرارات الفنية في كل نزاع. ووفق نظام تسوية منازعات الاعتمادات المستندية، يجوز للمدعي تقديم طلبة لمركز الخبراء موضحا قضيته ومرفقا كل المستندات والبيانات الضرورية وعلى المدعى عليه تقديم رأيه ودفاعه مشفوعا بالمستندات والبيانات للمركز، مع العلم أن القرار بشأن النزاع قد يصدر إذا لم يقم المدعى عليه بتقديم دفاعه ومستنداته خلال الفترة الزمنية المحددة له.
وكما ذكرنا تتوفر بغرفة التجارة الدولية قوائم بكل الخبراء الفنيين والمختصين المؤهلين للنظر في مسائل الاعتمادات المستندية، وتقوم الغرفة باختيار ثلاثة من قائمة الخبراء ممن تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة الفنية الخاصة لدراسة وتقييم المنازعات وإصدار القرارات الفنية حولها. مع العلم، أن لجنة الخبراء بعد الانتهاء من عملها تقوم بتقديم رأيها لخبير يتم تعيينه بواسطة لجنة المصارف التابعة لغرفة التجارة الدولية. ولهذا الخبير دور فني هام يتمثل في مراجعة القرار للتأكد من أنه ينسجم أو لا يتعارض مع القواعد التنظيمية الخاصة بالاعتمادات المستندية الصادرة من غرفة التجارة الدولية بباريس.
عبر هذه الممارسة يتم نظر المنازعات المتعلقة بالاعتمادات المستندية في خلال فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر على أقصى حد وفي هذا تطور كبير لأن عرض مثل هذه المنازعات للمحاكم يأخذ وقتا طويلا بل سنوات عديدة وفي الكثير من الحالات فان القرارات القضائية الصادرة قد تكون غير منسجمة مع الممارسات المصرفية السليمة المتعارف عليها دوليا، مما يسبب ربكة في العمل.
ومن هذا يتبين أن التحكيم له أفضال كثيرة في حسم المنازعات المصرفية الفنية، ومهما كانت صعبة، في أسرع وقت. وبفضل التحكيم، يتم تجاوز المشكلات التي قد تعترض التجارة الدولية والممارسات المصرفية السليمة ويستمر دولاب التجارة لتغطية متطلبات جميع أركان المجتمع. وفي هذا مكسب كبير لغرفة التجارة الدولية وغرف التجارة الوطنية وكل القطاع المصرفي.
إضافة لما أوضحنا أعلاه فان من مميزات هذا النظام، أن قراراته تعتبر وسط المهنة المصرفية كـ «بنش مارك» يتم الاسترشاد بها واتباعها بواسطة البنوك عند التعامل مع الاعتمادات المستندية، وهذه المرجعية تدعم تطور المهنة المصرفية وانتهاج أفضل الممارسات المصرفية لتقديم أفضل الخدمات لصالح البنوك والزبائن من أفراد أو شركات أو دول. وندعم اللجوء لهذا التحكيم الخاص لحسم منازعات الاعتمادات المستندية نظرا لنجاحه وأهميته للتجارة والبنوك.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً