محاضرات هامة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية / الجزء الثالث
الفرع الخامس :
الطلبات العارضــــة
تحتاج دراسة الطلبات العارضة، إلى تعريفها، وبيان حكمتها، وخصائصها، وأنواعها تبعا للخصم الذي تقدم بها، فيما إذا كان المدعي أم المدعى عليه، وفيما إذا كانت ذات صلة بالطلب الأصلي أم لا.
أولا: التعريف بالطلبات العارضة وموقف الفقه منها:
تجب الإشارة بداية إلى أن الطلبات العارضة، قد كانت محل اهتمام فقهي، لذلك سوف نأتي على تعريفها مع بيان موقف الفقه منها.
أ) التعريف بالطلبات العارضة:
مما لاشك فيه بأن كل طلب عارض هو طلب قضائي، يجب أن يكون محتويا على كافة عناصره من أشخاص ومحل وسبب، وعادة ما يثار هذا النوع من الطلبات في خصومة أنشئت بموجب طلب أصلي، وتتولى المحكمة الفصل فيه بمناسبة فصلها في الطلب الأصلي، وبذلك فانه قد يؤثر في هذا الطلب الأصلي بالزيادة والنقصان، سواء بالنسبة لأشخاص الطلب الأصلي أو محله أو سببه.
هذا ويلاحظ بأن تسميته بالطلب العارض، يرجع لكونه قد أثير أمام المحكمة، بمناسبة نظرها لطلب أصلي، كما أن تسميته بالإدعاء الفرعي أو بالطلب المقابل، تكمن في كونه مرتبطا بالطلب الأصلي، ومع ذلك ومهما كانت هذه التسمية، فإنها لم تثر أية مناقشة فقهية بالمقارنة مع تلك التي
أثيرت حول الطلب العارض في حد ذاته.
ب) موقف الفقه من الطلبات العارضة:
ثمة اتجاهان في الفقه، الأول معارض للطلبات العارضة، والثاني مؤيد لها.
1) الاتجاه المعارض للطلبات العارضة:
ثمة اتجاه فقهي معارض للطلبات العارضة، يرى بأن قبول هذا النوع من الطلبات ، يعني التسليم بتعديل معالم النزاع المعروض على المحكمة، من حيث الأشخاص والموضوع والسبب، في الوقت الذي تكون فيه هذه، قد قطعت شوطا كبيرا، في تحقيق الدعوى أو فحصها، وهي بذلك تعرقلها عن الاستمرار في أداء مهمتها بشأنها على الوجه الأكمل،وإيجاد الحل القانوني لها في الوقت المناسب، فضلا عن كون هذه الطلبات تأتي في وقت، يكون فيه الخصم قد رتب خطوط دفاعه، مما ينال من الاحترام الواجب لحقوقه في الدفاع، نتيجة ما تسببه له من مفاجآت، لم يكن مستعدا لمواجهتها.
2) الاتجاه المؤيد للطلبات العارضة:
خلافا للاتجاه المعارض، فالاتجاه المؤيد يرى بأن الطلبات العارضة، مبررة بمصلحة المدعى عليه في الدعوى، ذلك أنه وان كان من المسلم به، أن المدعي حر في تقديم ما يرى من طلبات أصلية، فلا مبرر لإجبار المدعى عليه، على الاكتفاء بموقف الدفاع حيالها، لأن ذلك من شأنه أن يفوت عليه تحقيق بعض المنافع، فيما لو أتيحت له الفرصة، وفي نفس الخصومة بتقديم طلبات بشأنها، متى كانت متفرعة عن طلبات المدعي الأصلية، وهي مسألة تحقق منفعة لطرفي الدعوى معا، لاسيما ما تعلق منها بالاقتصاد في الوقت وفي النفقات.
3) تقدير الاتجاهين:
لاغرو في أن الاتجاه الثاني هو الراجح، لأن تمكين المدعى عليه من الحق في تقديم الطلبات العارضة، يحتوي بالفعل على منافع للطرفين من جهة، ولكونه قد جعل الحق في تقديمها، متوقفا على ما تأمر المحكمة بتقديمه، أو على شرط ارتباطها بالطلبات الأصلية من جهة أخرى، وهو رأي يتماشى، وما تم النص عليه في المادة 4 من قانون الإجراءات المدنية القديم، والمادة 25 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي اعتدت بهذا النوع من الطلبات، في تحديد موضوع الدعوى، أو تعديله، شانها في ذلك شأن الطلبات الأصلية.
لكنه ومهما كان أمر ذلك، فالطلب العارض المقدم من المدعي، يختلف عن الطلب العارض المقدم من المدعى عليه، على النحو الآتي بيانه.
ثانيا: الطلب العارض المقدم من المدعي:
قد يكون من المفيد، تعريف هذا النوع من الطلبات العارضة، وتبيان خصائصها وأنواعها.
أ) تعريف الطلب العارض المقدم من المدعي وخصائصه:
تجب الإشارة بداية إلى تعريف الطلب العارض المقدم من المدعي إيجازا، نليه بعرض خصائصه.
1) تعريف الطلب العارض المقدم من المدعي:
إذا كان الطلب الأصلي، هو الطلب المقدم من المدعي بعريضة افتتاح دعواه، والذي يكون قد أنشأ الخصومة، فان كل ما يتقدم به المدعي من طلبات لاحقة، أثناء سير الخصومة إلى حين الفصل فيها، يعد طلبا عارضا، وقد أطلق الفقه على هذا الطلب اسم الطلب الإضافي، وذلك بالنظر لكونه لم يرد في العريضة الافتتاحية للدعوى، بل أثير بموجب مذكرة إضافية لاحقة.
2) خصائص الطلب العارض المقدم من المدعي:
ثمة عدة خصائص يتميز بها الطلب العارض المقدم من طرف المدعي، نوجزها تباعا.
الأولى: تتعلق بتقديمه بمذكرة لاحقة:
يتميز الطلب العارض المقدم من المدعي عن طلبه الأصلي، في كونه لا يقدم بموجب العريضة الافتتاحية للدعوى، كون الطلب الوارد بها يعد طلبا أصليا، بل أنه يقدم بموجب مذكرة إضافية لاحقة أثناء سير الخصومة.
الثانية: تتعلق بتوجيهه إلى الخصم:
يتميز الطلب الإضافي المقدم من المدعي، بخاصية توجيهه إلى الخصم، الذي يحتل مركز المدعى عليه دون غيره، طالما أن توجيهه إلى شخص آخر، لا يشغل ذلك المركز القانوني، إنما يعطي له تسمية أخرى، كطلب إدخال في الخصام مثلا، وهو طلب له قواعد تميزه عن هذا النوع من الطلبات الإضافية.
الثالثة:تتعلق بالغاية منه:
يتميز الطلب الإضافي المقدم من المدعي، في كون الغاية منه عادة ما ترمي إلى إدخال بعض التعديل أو التغيير على الطلب الأصلي بالزيادة وبالنقصان، لاسيما بالنسبة لموضوع الطلب أو سببه.
الرابعة: تتعلق بسنده القانوني:
يتميز الطلب العارض المقدم من المدعي، في كونه يتقرر إما بنص قانوني صريح، مثلما هو وارد بالمادة 25 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الذي نص عليه صراحة، وإما بناء على أمر من المحكمة، متى اتضح لها وأنه مرتبط بالطلب الأصلي، وبناء على ذلك فالطلب العارض المقدم من المدعي، أثناء سير الخصومة أنواع.
ب) أنواع الطلبات العارضة المقدمة من المدعي :
يقدم الطلب الإضافي من المدعي، إما بغرض تصحيح موضوع الطلب الأصلي، أو بغرض تعديله، أو تكميله، و إما لتعديل سبب الطلب الأصلي، و إما لاتخاذ أي إجراء تحفظي أو وقتي.
1) الطلبات العارضة المصححة للطلب الأصلي:
قد يتبين للمدعي من خلال المرافعات في الدعوى، وأن الطلب الأصلي الذي تقدم به، من خلال عريضة افتتاح دعواه، يحتاج إلى تعديل لا ينال في الأساس من جوهر الموضوع وسببه، بل يتناول فقط الزيادة مثلا في مبلغ التعويض، أو في إنقاصه، وكذلك الأمر بالنسبة لحصر الطلب مثلا في حق المرور، بدلا من حق الملكية، أو العكس، إذ أن موضوع الطلب في المثال الأول هو التعويض، وهو موضوع لم يتغير، وأن السبب الذي أنشأ للمدعي الحق في المطالبة به، هو العقد أو العمل غير المشروع، وهو سبب لم يتغير كذلك أيضا، وأن الموضوع في المثال الثاني، هو الملكية أو حق الارتفاق المتفرع عنه، وهو موضوع لم يتغير، وأن سببه هو العقد أو الميراث أو التقادم ، وقد بقي هو نفسه ومن دون تغيير.
2) الطلبات العارضة المعدلة للطلب الأصلي:
إذا كان الطلب العارض يرمي أساسا، إلى إحداث تغيير جدري في موضوع الدعوى فان ذلك يعد من قبيل الاستعمال الجديد للحق في الدعوى، والأصل فيه أن يتم بموجب دعوى جديدة، لكنه واستثناء من ذلك، فالمشرع قد سمح للمدعي، حسب ما هو وارد بالمادة 25 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، في أن يطالب بتعديل موضوع الطلب الأصلي، أو تغييره بموجب طلب عارض، ما دامت الأسباب التي استند إليها في تقديم الطلب الأصلي، هي نفسها التي استند إليها في تقديم الطلب العارض، لأن وحدة السبب في حد ذاتها، تؤدي إلى قيام حالة الارتباط بين الطلبين الأصلي والعارض، وهو الأمر الذي اعتد به المشرع في السماح للمدعي بتغيير طلبه الأصلي، ومن ذلك أن المدعي الذي تقدم بطلب أصلي، يرمي إلى تنفيذ عقد، فله أن يعدل ذلك الطلب، ويطالب بفسخ العقد، طالما أن السبب في الطلبين معا هو العقد.
3) الطلبات العارضة المكملة للطلب الأصلي:
قد يبدو للمدعي بعد تقديمه للطلب الأصلي، وأن له حقوق أخرى تعد تابعة لنفس الطلب، يكون المشرع قد سمح له بتقديم طلب عارض بشأنها، وهو طلب يدعى بالطلب التكميلي، ومن ذلك أن المؤجر الذي يتقدم بطلب أصلي، يرمي إلى الحصول على الأجرة الأصلية، المستحقة الأداء بتاريخ إقامة الدعوى، يكون محقا في تقديم طلب إضافي، يرمي إلى الحصول على الأجرة، التي صارت مستحقة أثناء نظر الدعوى، وكذلك الأمر بالنسبة للمالك الذي يتقدم بطلب أصلي، يرمي إلى إلزام خصمه بالخروج من أرضه، يكون محقا في تقديم طلب إضافي، يرمي إلى إزالة البناء الذي أقامه فوقها، وهما صورتان يكون فيهما الطلب العارض المقدم من المدعي، بمثابة طلب تكميلي للطلب الأصلي.
4) الطلبات العارضة المعدلة لسبب الدعوى :
إذا كان المشرع قد سمح للمدعي، بالتعديل والتغيير في موضوع الطلب الأصلي، بشرط ثبات السبب، فانه قد سمح له كذلك أيضا، في تعديل سبب الطلب، بشرط ثبات موضوع الطلب، وهي مسألة منطقية، لأن قيام حالة الارتباط بين الطلبين الأصلي والعارض، لا تتحقق إلا بقيام الوحدة – على الأقل – إما بالنسبة للموضوع وإما بالنسبة للسبب.
وتأسيسا على ذلك، فان كان المدعي قد استند في مطالبته بملكية حق عيني إلى العقد، فله الحق في تقديم طلب إضافي يستند فيه إلى الميراث، أو إلى الوصية أو إلى التقادم المكسب، بما يؤدي إلى تعديله لسبب الطلب القضائي.
5) الطلبات العارضة المتعلقة باتخاذ إجراءات تحفظية أو وقتية :
قد يحدث في بعض الأحيان وجود حالات طارئة، أثناء نظر الطلب الأصلي، تحتاج إلى اتـخاذ بعض الإجراءات على وجه السرعة، قبل الفصل في الطلب الأصلي، فيلجأ المدعي إلى تقديم طلب، لاتخاذ تدبير وقتي أو تحفظي، بشأن تلك الحالات الطارئة، وهو إجراء يتم استصداره في الغالب بموجب أمر على ذيل عريضة، أو بموجب أمر استعجالي، ومن ذلك الطلب الرامي إلى تقرير نفقة مؤقتة لحين الفصل في موضوع الدعوى.
إن هذا النوع من الطلبات، وان كان تقديمها قد يتم من المدعي، فإنها قد تقدم إلى القاضي المعروضة عليه الدعوى، وفقا لما هو مقرر بالمادة 425 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية مثلا، التي منحت لقاضي شؤون الأسرة، ممارسة الصلاحيات المخولة لقاضي الاستعجال، وقد تقدم إلى رئيس الجهة القضائية، الذي يتولى الفصل فيها، إما بموجب أمر ولائي، و إما بموجب أمر استعجالي، وفقا لطبيعة الطلب المقدم، في ضوء تدابير الاستعجال المنصوص عليها بالمادة 299 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبالمادة 172 وما يليها و183 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبالنظر لذلك فهي لا تعد طلبات عارضة بمفهومها الدقيق.
6) الطلبات العارضة التي تأذن المحكمة بتقديمها :
قد لا يخضع الطلب الإضافي، الذي يريد المدعى عليه تقديمه، للقواعد المشار إليها فيما تقدم، لذلك يرى جانب من الفقه، أن هذا النوع من الطلبات الإضافية، يسمح للمدعي بتقديمه، متى توافر شرطان:
الأول: يتعلق بالارتباط بينه وبين الطلب الأصلي:
تقرر شرط الارتباط بين الطلب الأصلي والطلب العارض، لحسن سير العدالة، إذ أن الاشتراك بين الطلبين الأصلي والعارض ولو كان جزئيا، ينبغي أن يفصل فيهما بحكم واحد، طالما أن الفصل في أحدهما، قد يؤثر في الآخر سلبا أو إيجابيا.
ومن أهم الصور العلمية لذلك ، الطلب العارض الذي يتقدم به المؤجر، للحصول على مبلغ مقابل الانتفاع بالعين المؤجرة بعد انتهاء عقد الإيجار، والمضاف إلى الطلب الأصلي، الرامي إلى الحصول على الأجرة المتخلفة أثناء سريان عقد الإيجار، وهما طلبان يستندان إلى وحدة العين المؤجرة، محل الانتفاع عند سريان عقد الإيجار وبعد انتهائه.
الثاني: يتعلق بإذن المحكمة:
يتوقف تقديم هذا النوع من الطلبات العارضة، وفقا لما هو سائد في الفقه، على الحصول على إذن بتقديمها من المحكمة، حيث يرى بأن شرط الارتباط بين الطلبين الأصلي والعارض، لا يكون كافيا لقبول الطلب الإضافي، ما دامت المحكمة لم تأذن بتقديمه، في ضوء السلطة التقديرية الممنوحة لها.
وعلى الرغم من رجاحة هذا الرأي الفقهي، فما جرى عليه العمل القضـائي، هو أن العبرة عادة ما تكون بالطلبات، التي تقدم بها المدعي في مقاله الأخير، وذلك دون تمييز بين الطلبات الأصلية الواردة بالعريضة الافتتاحية للدعوى، والطلبات العارضة الواردة في مقالات المدعي اللاحقة، وهذه القاعدة هي التي أخذت بها المحكمة العليا في أكثر من قرار لها.
ثالثا: الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه:
أنه وعلى غرار الطلبات العارضة المقدمة من المدعي، فالطلبات الفرعية المقدمة من المدعى عليه تحتاج إلى تعريفها، وتبيان خصائصها، وأنواعها.
أ) تعريف الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه وخصائصها:
يتعين تعريف الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه، قبل التعرض للخصائص التي تتميز بها عن باقي الطلبات الأخرى.
1) تعريف الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه:
ينصرف مفهوم الطلبات المقابلة أو الفرعية، إلى تلك الطلبات التي يتقدم بها المدعى عليه في الدعوى، وذلك في مواجهة المدعي، رغبة منه في الحصول على منفعة، تتميز عن طلباته الرامية إلى التصريح برفض الطلبات الأصلية للمدعي، والواردة بعريضة افتتاح دعواه، والإضافية الواردة بمذكراته اللاحقة.
وقد تمت تسمية هذا النوع من الطلبات العارضة بالطلبات المقابلة، لأنها تقابل الطلب الأصلي المقدم من المدعي، وتسمى كذلك أيضا بالطلب أو بالادعاء الفرعي، لأن المدعى عليه، يخرج بموجبها عن نطاق الدعوى، التي أثار وجودها الطلب الأصلي للمدعي، بحيث يثير وجود هذه الطلبات، دعاوى أخرى للمدعى عليه في مواجهة المدعي، وبموجبها يصبح المدعى عليه مدعيا فرعيا، والمدعي الأصلي مدعى عليه فرعيا فيها.
2)خصائص الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه:
لعل الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه تتميز بميزتين أساسيتين.
الأولى: تتعلق بتمييز الطلب المقابل عن الدفع:
يستخلص من التعريف المتقدم، وأن الطلبات المقابلة تتميز عن الدفوع المثارة من قبل المدعى عليه نفسه، حتى ولو كانت هذه الأخيرة موضوعية، لأنها تمثل موقفا دفاعيا محضا، وذلك عكس الطلبات المقابلة التي تمثل موقفا هجوميا محضا، وبذلك فالدفع لا يرمي المدعى عليه من ورائه، سوى منع المحكمة من الحكم للمدعي بما يدعيه، فيما أنه يهدف من وراء الطلب المقابل، إلى الحكم له بشيء ، لا يمكنه تحقيقه إن اكتفى بإثارة دفوعه فقط.
وتلعب هذه الميزة دورا بالغ الأهمية، في إعمال العديد من القواعد الإجرائية، إذ يمكن للمدعى عليه الذي خسر الدعوى على مستوى محكمة الدرجة الأولى مثلا، إثارة أي دفع من الدفوع أما المجلس، حتى ولو لم يكن قد تمسك به على مستوى تلك الدرجة، فيما أنه لا يجوز له أن يتمسك بطلبات جديدة أمام المجلس، لم يسبق له التمسك بها أمام محكمة الدرجة الأولى، باستثناء ما تعلق منها بالمقاصة، وبطلبات استبعاد الطلبات المقابلة، أو الفصل في المسائل الناتجة عن تدخل الغير، أو حدوث أو اكتشاف واقعة، إعمالا لنص المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
الثانية: تتعلق بتمييز الطلب المقابل عن الطلب الإضافي:
ثمة أيضا ما يميز الطلب المقابل عن الطلب الإضافي، لأن هذا الأخير يقدم من المدعي فيما أن الطلب المقابل يقدم من المدعى عليه، لذلك وبمجرد قيامه بإثارته، يصبح لكل من الخصمين مركزين قانونيين في آن واحد، إذ أن كلا منهما يحتل مركز المدعي ومركز المدعى عليه وهكذا.
وتأسيسا على ذلك، فالمدعى عليه له الحق في تقديم طلبات إضافية مقابلة لاحقة، حتى ولو كانت في مواجهة مدعى عليه آخر في الدعوى الأصلية، وفي ذات الوقت فانه يجوز للمدعي الأصلي، أن يرد على الطلب المقابل بطلب مقابل آخر، بوصفه مدعى عليه في الطلب المقابل الأول للمدعى عليه في الدعوى الأصلية.
و إذا كانت تلك القواعد، هي التي تخضع لها الطلبات المقابلة المقدمة من المدعى عليه ابتداء، ثم من المدعي انتهاء، فليس ثمة ما يلزم بأن تكون تلك الطلبات مرتبطة بالطلب الأصلي، وذلك خلافا للطلبات الإضافية، التي اشترط القانون بأن تكون مرتبطة بالطلب الأصلي، وذلك باتحاد الموضوع أو السبب مثلما أسلفنا من قبل، بما يفيد وأن الطلبات المقابلة وعلى غرار الطلبات الإضافية تكون أنواع.
ب) أنواع الطلبات العارضة المقدمة من المدعى عليه :
على الرغم من أن المادة 25 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم تحدد أنواع الطلبات المقابلة المقدمة من
المدعى عليه، فان المادة 04 من قانون الإجراءات المدنية القديم، قد حصرتها في الطلبات المتعلقة بالمقاصة ، وبالتعويض عن الضرر من جراء الدعوى الأصلية، أو الناجم عن الطلبات العارضة، المتعلقة بدعاوى التقرير الفرعية، أو المتصلة بالدعوى الأصلية، يضاف إليها تلك التي تأذن المحكمة للمدعي بتقديمها.
1) طلب المقاصة القضائية:
إذا كان المدعي قد تقدم بطلب أصلي، في عريضة افتتاح دعواه ، يرمي إلى تحصيل الدين الذي له في ذمة المدعى عليه، فلهذا الأخير أيضا أن يطالب بتحصيل الدين الذي له في ذمة المدعي، فان تم ذلك كنا بصدد المقاصة القضائية، وهي مسألة تجد مبررها في كون المشرع، وان كان يسمح للمدعي، بأن يتقاضى كامل حقه من المدعى عليه، فمن قواعد العدل والإنصاف أن يسمح لهذا الأخير في نفس الوقت، بأن يتقاضى حقه من المدعي الأصلي، وهي القواعد التي توفر للطرفين الوقت والنفقات معا.
ويلاحظ بأن طلب المقاصة القضائية، لا يجوز للمدعى عليه تقديمه، إلا إذا كان موضوع كل من الدينين نقودا، أو مثليات متحدة في النوع والجودة، وكان كل منهما خاليا من النزاع، ومستحق الأداء، وهي الشروط التي تجعل الدين صالحا للمطالبة القضائية.
2) طلب التعويض عن الضرر اللاحق من الدعوى الأصلية:
يميل الفقه القانوني إلى أن المدعى عليه، يكون محقا في تقديم طلبات مقابلة، ترمي إلى تعويض النفقات التي يتكبدها من جراء الدعوى الأصلية، التي رفعها المدعي، متى ثبت وأنها دعوى كيدية، لاسيما وأن المحكمة المختصة بالفصل في الطلب الأصلي، هي الأولى من غيرها بالفصل في طلب التعويض المقدم من المدعى عليه، وهو طلب كما هو ظاهر ذو صلة مباشرة بالطلب الأصلي، لأن حق المدعى عليه في طلب التعويض عن الدعوى الأصلية، لا يتقرر إلا استنادا لوقائع الدعوى الأصلية المرفوعة بسوء نية من المدعي.
3) الطلبات العارضة المتعلقة بدعاوى التقرير الفرعية :
تشكل هذه الطلبات في الواقع نوعا من أنواع الدفوع، لأنها ترمي إلى تفادي الحكم للمدعي بمطلبه، وترمي في ذات الوقت، إلى إفادة المدعى عليه بميزة خاصة، ينفرد بها عن المدعي، ومن ذلك فان كان الطلب الأصلي للمدعي، يرمي إلى تنفيذ عقد، فانه يكون للمدعى عليه، أن يتقدم بطلب مقابل يرمي إلى فسخه، أو إبطاله، ونفس الحكم يسري على الطلب المقابل المقدم من المدعى عليه، والرامي إلى إلقاء عبء المسؤولية على عاتق المدعي، في مواجهة الطلب الأصلي المقدم من هذا الأخير والرامي إلى التعويض.
4) الطلبات العارضة المتصلة بالدعوى الأصلية :
إذا كان المدعي قد تقدم بطلب أصلي، يرمي إلى حصوله على منفعة معينة، وفي ذات الوقت يتقدم المدعى عليه بطلبات مقابلة، ترمي إلى تقرير ذات المنفعة، فذلك يعني بأن موضوع الطلبين الأصـلي والمقابل واحد، وهما بالنتيجة متصلين اتصالا غير قابل للتجزئة، وأن الحكم فيهما معا، لا يقبل إلا حلا واحدا، وهي الصورة التي يعد فيها الطلب العارض متصلا بالدعوى الأصلية، ومن أهم التطبيقات التي يعرضها الفقه لهذا النوع من الطلبات العارضة أو المقابلة، قيام المدعي بتقديم طلب يرمي إلى تقرير ملكيته لعقار، فيقدم المدعى عليه طلبا مقابلا يرمي إلى تقرير ملكيته على العقار عينه، وكذلك الطلبين الأصلي والمقابل، الراميين إلى التعويض عن حادث المرور نفسه، وفق الصورة المشار إليها فيما تقدم.
المطلب الثاني :
الدفوع القانونيــــة
تحتاج دراسة الدفوع القانونية ، إلى تعريفها و تحديد شرطها ، وأنواعها ، ذلك ما نتولى بحثه فيما يلي :
الفرع الأول :
تعريف الدفع وشروطـــه
إذا كنا قد أشرنا فيما تقدم ، إلى أن الطلب القضائي ، ما هو إلا عبارة عن وسيلة لاستعمال الدعوى ، فما هو تعريف الدفع ، وما هي الشروط التي يتعين توافرها لقبوله ، ذلك ما سوف نأتي على بيانه أدناه :
أولا: تعريف الدفع :
يشكل الدفع وسيلة من وسائل استعمال الدعوى ، وهو في هذا لا يختلف عن الطلب القضائي ، ومع ذلك فثمة اختلافات بينهما ، تتمثل في كون الطلب القضائي ، يشكل وسيلة هجومية ، فيما أن الدفع يشكل وسيلة دفاعية وهجومية في ذات الوقت ، والذي يمكن للخصم بواسطته دحض طلبات المدعي ، ومنع صدور حكم فيها ، أو تأخير صدوره – على الأقل – فضلا عن كونه هو الوسيلة التي يلجأ إليها المدعى عليه لحماية حقه بواسطة القضاء ، ومع أن المشرع ، قد خص بالدفع المدعى عليه في المقام الأول ، فانه لم يحزم المدعي في حد ذاته ، من استعماله بجانب الطلب القضائي ، وذلك لدحض الدفوع المقدمة من المدعى عليه ، ومن أهم الصور العلمية لهذه المسالة ، الدفع المثار من قبل المدعي ، والرامي إلى عدم قبول الدفع الإجرائي المثار من قبل المدعى عليه ، بعد قيامه بتقديم دفوعه في موضوع الدعوى ، وبالتالي فما هي الشروط التي يتطلبها القانون لقبول الدفع ؟ .
ثانيا : شروط قبول الدفع :
إذا كنا قد أشرنا فيما تقدم ، إلى الشروط العامة والخاصة التي يتطلبها القانون لقبول الدعوى ، وذلك استنادا لنص المادة 13 من قانون الاجراءات المدنية والادارية المقابلة للمادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، ولنصوص تشريعية أخرى متعلقة ببعض الدعاوى دون غيرها ، فهل هي ذات الشروط التي يخضع لها الدفع ، أي أن تكون لصاحبه – على الأقل –صفة ومصلحة في إثارته ، تحت طائلة عدم قبوله ؟ .
إن الإجابة على هذا التساؤل تكون بالإيجاب، عند الاستعانة ببعض التشريعات المقارنة،
ومن ذلك أن نص المادة 03 من قانون المرافعات المصري، قد نصت على أنه:(لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون ).
ومع أن قانون الإجراءات المدنية والادارية، قد جاء خاليا من نص مماثل، فليس ثمة ما يمنع، من تطيق المادة 13أعلاه لتحديد الشروط، التي يتعين توافرها لقبول الدفع، والتي يمكن إجمالها فيما يلي.
أ) أن يكون الدفع قانونيا :
يعبر هذا الشرط عن قانونية المصلحة ، التي يرمي صاحب الدفع إلى تحقيقها ، من خلال قيامه بإثارة الدفع ،
أي أن يكون الدفع منصبا على حق ، أو على مركز يحميه القانون،سواء كان موضوعيا أو إجرائيا، ذلك أنه وان كان القانون ، قد أوجب بنص المادة 460 من قانون الإجراءات المدنية ، بأن : (كل أجنبي يرفع دعوى أمام القضاء بصفته مدع أصلي أو متدخل ، ملزم بأن يقدم كفالة لدفع المصاريف والتعويضات التي قد يقضي عليه بها إذا مما طلب المدعى عليه ذلك ، قبل إبداء أي دفاع في الدعوى…) ، فان قيام المدعى عليه بإثارة هذا الدفع ، بعد قيامه تقديم أوجه دفاعه في موضوع الدعوى لا يكون مقبولا ، لمخالفته الصريحة للنص أعلاه ، طالما أنه لم يقرر له أية حماية قانونية ، بشأن تقديم خصمه للكفالة ، إلا قبل مناقشته لموضوع الدعوى وليس بعدها .
ب) أن يكون الدفع جوهريا :
يشترط القانون في الدفع ، حتى يكون مقبولا ، بأن يكون منصبا على مسألة جوهرية ، أي أن يكون مؤثرا ، أما في موضوع الدعوى ، و إما في إجراءاتها ، بحيث يترتب عن صحته ، منع إصدار حكم فيها ، وهو بهذا المعنى يعبر عن المصلحة الحالة القائمة ، وبالتالي فان كان متعلقا بمسألة غير جوهرية ، فلن يكون مقبولا بحال .
والظاهر من خلال هذا الشرط ، أن الدفع بانعدام صفة التقاضي، لدى المدعي في الدعوى الرامية إلى طرد المدعى عليه من المحل المتنازع عليه ، لأنه لا يملك الا حق الرقبة ، دون حق الانتفاع يعد بالفعل دفعا جوهريا ، لأن صفة المدعي غير قائمة ، طالما أن صفته كمالك للرقبة ، لا تعطيه سوى الحق في التصرف فقط ، ولا يخول له الحق في استغلال العقار الذي اشتراه .
وخلافا لذلك ، فالدفع المثار من قبل المدعى عليه على سبيل المثال ، بعدم قبول الدعوى لمخالفتها لقواعد الإختصاص النوعي ، نتيجة رفعها أمام المحكمة الفاصلة في المواد المدنية ، مع أن النزاع ذو صبغة تجارية ، إنما هو دفع غير جوهري ، لا وجود فيه لأية مصلحة حالة قائمة ، طالما أن إنشاء مثل هذه الفروع لدى المحاكم القضائية ، ما هو إلا عبارة عن تنظيم إداري بحث ، ولا علاقة له بقواعد الإختصاص .
ج) وجود الصفة والمصلحة في إثارته :
قد لا يكون الدفع مقبولا، إن لم تكن للخصم الذي أثاره ، مصلحة شخصية مباشرة في إثارته ، أو لمن يخوله القانون حق تمثيله ، مصلحة تمثيلية أو استثنائية ، ومن ذلك على سبيل المثال ، أن الدفع الموضوعي المثار بشأن عدم ثبوت علاقة الإيجار ، استنادا لتصريحات الشهود الكتابية ، هو دفع ينطوي على صفة ومصلحة شخصية مباشرة للمدعى عليه ، في دعوى إثبات علاقة الإيجار ، المرفوعة في مواجهته من طرف المدعي ، لأن هذه العلاقة لا تثبت إلا بعقد مكتوب بين الطرفين ، أو وصل محرر من طرف المؤجر ، وفي ضوء انعدامها فهو صاحب حق في إثارته ، وهو دفع مؤثر في موضوع الدعوى ، وفي المقابل فلا وجود لهذه الصفة أو المصلحة لدى المدعى عيه ، في الدفع الذي أثاره بكون الترميمات اللازمة لصيانة العين المؤجرة .
إنما تقع على عاتق المستأجر، لأنه هو الملزم قانونا بإجراء تلك الترميمات، وبالتالي فموضوع الدفع لا ينطوي على حق يحميه القانون، وأن صفته في إثارته تعد بالنتيجة غير قائمة.
د) عدم سقوط الحق في إثارته :
إذا كان الدفع إجرائيا ، فمن الشروط الخاصة لقبوله ، أن تتم إثارته قبل مناقشة موضوع الدعوى ، تحت طائلة تعرضه للسقوط ، وهو الشرط المنصوص عليه بالمادة 462 من قانون الإجراءات المدنية المشار إليها فيما تقدم ، على اعتبار وأن قيام المدعى عليه، بتقديم دفوعه في موضوع الدعوى ، إنما يعد تنازلا ضمنيا من طرفه عن إثارة الدفع الإجرائي ، وهذا ما أكده قرار المحكمة العليا المؤرخ في 10/12/1999 المشار إليه أعلاه .
ويلاحظ هنا بأن الدفوع المتعلقة بموضوع الدعوى، لا تتوقف عند مناقشة الحق المدعى به ، وذلك بإنكار نشأته أو إبقائه أو مقداره ، بل تتعدى ذلك لتشمل حق طلبات التأجيل ، ذلك أن مجرد حضور المدعى عليه بالجلسة الأولى، وتقديمه طلب بتأجيل الدعوى ، لأي سبب جدي ، إنما يعد من قبيل الدخول في مناقشة موضوع الدعوى ، الأمر الذي يترتب عنه سقوط حقه في إثارة أي دفع إجرائي ، ما لم يكن متعلقا بالنظام العام ، لأن المحكمة مخولة بحكم القانون في هذه الحالة ، بإثارة تلك المسألة ولو من تلقاء نفسها .
الفرع الثاني :
أنواع الدفـــــوع
على الرغم من أن مفهوم الدفوع ، قد ينحصر فيما يدلي به الخصم لدحض ادعاءات خصمه ، فهي لا تحصى ولا تعد ، وهو أمر لا يحول دون تصنيفها إلى ثلاثة أنواع ، وذلك بحكم طبيعة المنازعة التي يثيرها الدفع في حد ذاته ،حيث نجد الأول منها ذو صبغة موضوعية، يتعلق بموضوع الإدعاء المرفوع إلى القضاء، فيما أن للثاني منها وجه إجرائي ، يتعلق بإجراءات الخصومة التي أنشأها الطلب القضائي الأصلي أو العارض،وثالثها يتعلق بمدى صلاحية الطلب للنظر فيه ، وتبعا لذلك فالنظام الإجرائي لهذه الدفوع ،قد يكون مختلفا ، مما يتعين معالجة كل منها على حدة
أولا: الدفوع الموضوعية :
تحتاج الدفوع الموضوعة إلى تعريفها ، وتحديد تقسيماتها المختلفة، وضبط نظامها الإجرائي ، ذلك ما نتولى ذكره فيما يلي :
أ) ماهية الدفوع الموضوعية :
يندرج في سياق الدفع الموضوعي ، كل ما يجيب به الخصم على طلبات خصمه ، بغرض الوصول إلى رفضه بعد فحص موضوعة ، وهو بهذا المفهوم يتعلق بموضوع الحق المدعى به ، فيوجد إما لإنكار نشأة هذا الحق أساس ،و إما لإثبات بقائه ، وإما للمنازعة في مقداره بالزيادة أو النقصان ، وقد يتناول سبب الحق في حد ذاته ، كبطلان العقد أو تنفيذه أو قيام حقه في إجراء المقاصة القانونية بشأنه ، وغير ذلك كثيرا
هذا وتجب الإشارة إلى تسمية الدفوع الموضوعية ، تكمن في كون هذا النوع من الدفوع عادة ما تتناول موضوع الحق المدعى به ، حتى بالنسبة لأساسها الواقعي ، أي مناقشة أسباب الحق المدعى به ، كما هو عليه الحال بالنسبة لإنكار العقد المسند إليه في إثبات علاقة الدائنة ، أو إنكار الفعل الضار المستند إليه في المطالبة بالتعويض ، وهي أن الأحكام التي تسري على الأساس القانوني للحق المدعى به ، كالدفع بأن أساس الإلتزام القائم بين الطرفين، هي المسؤولية العقدية لا التقصيرية ، أو الدفع بأن أساس الإلتزام القائم بين الطرفين ،هي مسؤولية متولي الرقابة ، أو المسؤولية عن فعل الشيء ، أو عن البناء ، أو عن الحيوان ، وليست المسؤولية التقصيرية القائمة عن الخطأ الشخصي ، وهي دفوع قد تنتهي برفض الدعوى ، وبذلك فالدفوع الموضوعية تجد مصدرها القانوني في قواعد القانون الموضوعي، كالقانون المدني ، والقانون التجاري ، وقانون الأحوال الشخصية ، والقانون العمالي ، وهي تشريعات لا حصر لها .
ب) تقسيمات الدفوع الموضوعية :
إذا كانت الدفوع الموضوعية ،عادة ما ترمي إلى إنكار أو إثبات الحق المدعى به ، فانه يمكـن تقسيمها استنادا لذلك إلى دفوع سلبية ودفوع إيجابية .
1) الدفوع السلبية :
تقتصر الدفوع السلبية ،على إنكار الواقعة المنشئة للحق المدعى به ، والتي يكون المدعي قد تمسك بها كأساس للطلب القضائي الذي تقدم ب من جهة ، و إنكار الآثار القانونية التي يتمسك المدعي بنسبتها لهذه الوقائع نمن جهة أخرى، كإنكار المدعى عليه لعقد القرض ، أو عقد البيع ، أو عقد العارية ، أو عقد الوديعة ، أو عقد الإيجار ، المدعى به من طرف المدعي والمطالب بتنفيذه ، أو إنكار المدعى عليه ، بأن العقد المطالب بتنفيذه ، قد رتب على عاتق المدعي التزامات لم يوف بها ، كضمان العيب الخفي ، أو ضمان عدم التعرض في عقد البيع .
2) الدفوع الإيجابية:
وخلافا للدفوع السلبية فالدفوع الإيجابية ،؟ عادة ما ترمي إلى التمسك بواقعة من شانها منع ثبوت الواقعة المتمسك بها من طرف المدعي ، وكذلك الحال بالنسبة لمنع إنتاج تلك الواقعة لكل أو لبعض الآثار القانونية المترتبة عنها ، أو لإنهاء تلك الآثار نتيجة تنفيذها ، كالتمسك ببطلان العقد المطالب بتنفيذه للغلط أو التدليس أو الإكراه الذي شاب إبرامه ، أو التمسك بالوفاء بالإلتزامات المترتبة على العقد ، كالوفاء ببدل الإيجار في مواعيده المنصوص عليها بالعقد ، في مواجهة الطلب الرامي إلى فسخ العقد لعدم الوفاء بالأجرة في تلك المواعيد.
3) أهمية تقسيم الدفوع إلى سلبية وإيجابية :
تكمن أهمية تقسيم الدفوع الموضوعية ، إلى دفوع سلبية ودفوع إيجابية ، في تحديد الطرف الذي يقع على عاتقه إثبات الواقعة المدعى بها ، إذا أن عبء إثبات الدفع الإيجابي ، يقع على عاتق الخصم الذي تقدم به ، فيما أن مقدم الدفع السلبي ، غير ملزم بإثبات دفعه ، لأن القاضي لا يحكم للمدعى عليه بمطلبه ، إلا بعد قيامه بإثبات الواقعة التي استند إليها في تقديم طلبه القضائي .
وتأسيسا على تلك التفرقة فقد ذهب البعض ، إلى إنكار صفة الدفع الموضوعي على الدفوع السلبية ، لأن دورها يتوقف عند مجرد تنبيه القاضي إلى واجبه حيالها ، و إذا مأخذنا بعين الاعتبار ، هذا الدور فحتى بعض الدفوع الإيجابية ، لا يمكنها أن تتصف بصفة الدفع الموضوعي بمعناه الدقيق ، والذي لا يعدو أن يخرج عن كونه مجرد سلطة ممنوحة للمدعى عليه ، في تأكيد واقعة مانعه أو مهنية للواقعة لمنشئة التي أكدها المدعي ، وهي واقعة لا يترتب عنها رفض الدعوى ، ما لم يتمسك بها المدعى عليه ، كالدفع بنقص الأهلية عنـد إبرام العقد المطالب بتنفيذه ، أو الدفع بالتقادم .
لكنه وخلافا لذلك الإتجاه ، فالدفع الموضوعي بمعناه الواسع، فيما يعبر عنه بوسائل الدفاع، إنما هو المعنى الذي يجب على القاضي أخذه بعين الإعتبار، ما دامت تلك الوسائل، قد قدمت إليه ضمن مستندات القضية، أو تم لفت انتهابهه إلى واجبه حيالها ، كالدفع بانقضاء الإلتزام للوفاء، أو الدفع بعدم مشروعية سبب الدين المطالب به، لأنه ناجم عن علاقة مقامرة تمت بين الطرفين، وذلك تحت طائلة بطلان حكمه لقصور الأسباب أو انعدامها مثلا.
ج-النظام الإجرائي للدفوع الموضوعية :
تخضع الدفوع الموضوعية في حد ذاتها ، لنظام إجرائي يتحكم في إثارتها ، وهو النظام المتعلق بوقت تقديمها ، وبسلطة المحكمة في إثارتها ، وبحجية الحكم الفاصل فيها ، وأثره بالنسبة لإستنفاذ سلطة المحكمة لولايتها بشأنها ، ذلك ما نتولى بحثه فيما يلي:
1) الوقت المحدد لتقديم الدفوع الموضوعية:
لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية النص على وقت معين ، لإبداء الدفوع الموضوعية في الخصـومات القائمة بين الناس أمام القضاء، لذلك فالقاعدة هنا تكون مطلقة ، في إثارة هذه الدفوع الموضوعية ، في أية حالة كانت عليها الخصومة ، وفي ذات الوقت فالقانون كذلك أيضا ، لم يلزم صاحبها في إثارتها دفعة واحدة ، بل أن له وبموجب تلك القاعدة ، الحق في إثارتها إما دفعة واحدة ،و إما على مراحل ، بما يعني وأن اقتصار الخصم على إثارة دفع موضوعي واحد ، لا يعد تنازلا منه عن باقي الدفوع الموضوعية الأحرى ، التي يكون له حق إثارتها في المراحل اللاحقة للخصومة.
وانطلاقا من ذات التبرير ، ليس ثمة ما يمنع من إثارة الدفوع الموضوعية ، ولو لأول مرة أمام المجلس ،دون اعتبار ذلك إخلالا بمبدأ التقاضي على درجتين، بعكس الطلبات الجديدة، التي لا يجوز وبحكم المادة 107 من قانون الإجراءات المدنية، إثارتها لأول مرة أمام جهة الإستئناف ، مالم تكن خاصة بمقاصة أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية ، وكذلك الأمر بالنسبة للفوائد ، ومتأخر الأجرة ، وسـائر الملحقات التي تستحق منذ صدور حكم محكمة الدرجة الأولى، إلى جانب تعويض الأضرار الناجمة للطرف المعني منذ صدور الحكم .
ولعل العلة من جواز إثارة الدفوع الموضوعية ، ولأول مرة أمام المجلس ، تكمن في كون هذه الجهة القضائية في حد ذاتها، تعد محكمة موضوع ، وبالنتيجة فان إثارة مثل هذه الدفوع أمامها ولو لأول مرة، لا يعد خرقا لمبدأ التقاضي على درجتين، وبخلاف ذلك فانه لا يجوز إثارة هذه الدفوع الموضوعية لأول مرة أمام المحكمة العليا ، لأنها محكمة قانون لا محكمة موضوع.
2) مدى سلطة المحكمة في إثارة الدفوع الموضوعية :
إذا كان القاضي ملزما بمبدأ الحياد ، فانه لا يجوز له بحال ، إثارة الدفوع الموضوعية من تلقاء نفسه ، لكنه واستثناء من هذه القاعدة ، فله حق إثارتها متى كانت متعلقة بالنظام العام ، كما هو عليه الحال بالنسبة لبطلان العود المنصبة على العقار ، والمحررة ف غير شكلها الرسمي ، إعمالا لنص المادة 324 مكرر1 من القانون المدني، متى كانت الوقائع المعروضة على المحكمة تبرر إثارة مثل هذه الدفوع ، وهو ذات الحكم الذي يسري على الدفوع الموضوعية غير المتعلقة بالنظام العام ، التي يمكن استخلاصها من الوقائع المعروضة على المحكمة، حتى ولو لم يتمسك الخصم بها ، حال الورقة المقدمة بملف الدعوى ، والتي تثبت الوفاء بالإلتزام ، فمن واجب القاضي تنبيه الخصوم إلى الأخذ بها ، باعتبارها دفعا بالوفاء ، وكذلك الحال بالنسبة للوقائع المتمسك بها من طرف المدعي ، متى كانت تحتاج
إلى إثبات ، ودون إنكار المدعى عليه لها ، حتى تكون لهم فرصة مناقشتها ، وذلك احتراما لحقوق الدفاع.
3) حجية الحكم الصادر في الدفوع الموضوعية :
مما لاشك فيه بأن الحكم الفاصل في الدفع الموضوعي ، يعد حكما فاصلا في موضوع الحق المتنازع فيه ، وهو بذلك يرتب حجية الأمر المقضي فيه ، مما لا يجوز معه بحال لطرفي الدعوى ، إعادة عرض النزاع من جدد على المحاكم ، إلا باستعمال طرق الطعن المقررة قانونا ، وبذلك فهو حكم يعد مهيا للخصومة وللنزاع على أصل الحق المتنازع فيه، وهو أمر يرتب عنه استنفاذ المحكمة لولايتها بشأنه ، إذ لا يجوز لها بحال أن تتولى الفصل فيه من جدد ، ومتى لجأ أطراف الدعوى إلى مخالفة هذه القواعد ، فالجزاء الذي يترتب عن ذلك، هو التصريح بسبق الفصل في الدعوى تطبيقا لنص المادة 338 من القانون المدني .
ثانيا: الدفوع الإجرائية:
تثير دراسة الدفوع الإجرائية عدة مسائل ، تتعلق بتعريفها ، وتحديد شروطها ، ونظامها الإجرائي حسبما يتضح ذلك أدناه .
أ) التعريف بالدفوع الإجرائية :
تتعلق الدفوع الإجرائية ، بالأسباب المؤدية إلى عدم الإختصاص النوعي أو المحلي ، أو عدم قانونية الخصومة ، أو تأخر إعادة السير فيها ، وهي بذلك ترمي إلى استصدار حكم ينهيها ، قبل الفصل في أصل الحق المتنازع فيه ، كالدفع بعدم الإختصاص، أو بطلان العريضة الافتتاحية للدعوى ، أو بطلان محضر التكليف بالحضور.
وإذا كان هذا النوع من الدفوع ، عادة ما ينصب على إجراءات الخصومة ، فذلك يعني بأنها دفوع تستمد من القانون الإجرائي، ولا دخل لإرادة الخصوم فيها، ومن ذلك النصوص المنظمة لقواعد الإختصاص ، ومختلف القواعد المنظمة للعرائض والمذكرات ، وتبليغها ،واعمال قواعد الضم والترك والإحالة ، والسقوط وغيرها .
ب) شروط قبول الدفوع الإجرائية :
ثمة عدة شروط نوجزها فيما يلي:
1) وجود اخلال بقاعدة اجرائية:
يتعلق الشرط الأول لقيام الحق في إثارة الدفوع الاجرائية، ، وجود مخالفة من الخصم لقاعدة اجرائية، ذلك أنه لا يمكننا أن نتصور وجود الدفوع الإجرائية، دون إخلال الخصم بإحدى القواعد المنظمة لتلك الإجراءات بما يعني وأن توفرها لدى المتمسك بها ، لا يعد قائما إلا بقيام الخصم بخرق تلك القواعد الإجرائية ، وهو الأمر الذي يتولد عنه الحق في الدفع الإجرائي ، بصرف النظر عن الضرر عما إذا كان قائما لدى المتمسك بالدفع من عدمه، طالما أن المشرع قد رتبه كجزاء ، عن مخالفة القاعدة الإجرائية التي قررها لشكل العمل المقصود .
2) وجود مصلحة في الدفع:
ثيتعلق إثارة الدفع الإجرائي، ممن له مصلحة فيه ، متى كان غير متعلق بالنظم العام ، شأن الدفع بعدم الإختصاص ، وبسقوط العامة ، وهو شرط لا يسري على الدفوع الإجرائية المتعلقة بالنظام العام ، شأن، الإختصاص النوعي ، طالما أن القاضي يكون ملزما بإثارتها من تلقاء نفسه.
ج) نظام الدفوع الإجرائية :
يتطلب النظام القانوني للدفوع الإجرائية ، الإشارة إلى وقت تقديمها ، ومدى سلطة المحكمة في إثارتها وحجية الحكم الصادر فيها .
1) وقت الإدلاء بالدفوع الإجرائية :
وفقا لنص المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية ، المشار إليها فيما تقدم ، يتعين إثارة الدفوع الإجرائية ، قبل الشروع في مناقشة موضوع الدعوى ، و إلا سقط الحق في إثارتها بالنسبة لمن له مصلحة في التمسك بها ، ما لم تكن متعلقة بالنظام العام ، بحيث يجوز إثارتها – عندئذ – في أية مرحلة كانت عليها الدعوى .
وتأسيسا على ذلك ، فان توافر لدى المدعى عليه دفعا إجرائيا، ودفعا بعدم القبول ، وآخر موضوعيا ، فهو ليس حرا في ترتيب إثارة هذه الدفوع ، بل أن المشرع قد ألزمه بإثارة الدفع الإجرائي بداية ، يليه الدفع بعدم القبول ، يليه الدفع المتعلق بالموضوع ، وفضلا عن ذلك فان تعددت الدفوع الإجرائية فلا حق له في تقديمها على مراحل ، بل يتعين عليه إبداؤها في وقت واحد ، وبمذكرة وحدة ، و إلا كانت غير مقبولة ، وذلك باستثناء تلك الناشئة بعد تقديم مذكرات في الموضوع ، فانه يتعين إثارتها قبل مناقشة موضوع الإجراء الذي تناوله البطلان .
ولعل الحكمة من إقرار هذا النظام للدفوع الإجرائية ، تكمن في عدم ترك الحرية في إثارتها للمتمسك بها في الوقت الذي يريده على اعتبار وأن تمكينه من تلك الحرية ، قد يدفعه إلى إسـاءة استخدامها ، بحيث ينتظر إلى غاية اقتراب انتهاء النزاع ، ويبادر بتقديمها ، وهو أمر يترتب عنه اهذار الوقت ، والنفقات ومن دون فائدة .
2) مدى سلطة المحكمة في إثارة الدفوع الإجرائية:
قد لا يختلف النظام القانوني المقرر للدفوع الإجرائية ، عما هو مقرر لباقي الدفوع الأخرى ، إذا أن المسألة تبقى دائما متوقفة، عما إذا كان الدفع الإجرائي متعلقا ، أو غير متعلق بالنظام العام ، فالدفع بالإختصاص المحلي من حيث كونه غير متعلق بالنظام العام ، لاسلطة للمحكمة في إثارته من تلقاء نفسها وذلك خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للإختصاص النوعي ، حيث من واجبها ممارسة تلك السلطة ، وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى .
كما أن البيانات التي يتطلبها القانون في العرائض الإفتتاحية للدعوى ، إنما يكون للمحكمة إثارتها اعتمادا على التبرير نفسه ، ومن ذلك أن إغفال العريضة ، لذكر الممثل القانوني للشخص الإعتباري على سبيل المثال ، هو إجراء يترتب عنه بطلان العريضة الإفتتاحية ، لأن المادة 50 من القانون المدني ، قد ألزمت بأن يكون للشخص الإعتباري نائبا يعبر عن إرادته ، وهو يدخل ضمن مكونات الشخص المعنوي ، ولا يمكن أن يكون الشخص الإعتباري قائما ،ما لم يكن له من يمثله ويدير أعماله ، وهو ما أقرته المحكمة العليا في أكثر من قرار .
2) حجية الحكم الصادر في الدفوع الإجرائية :
إذا ما أردنا إعمال نص المادة 338 من القانون المدني، فالحكم الذي يحوز قوة الشيء المقضي به ، هو الحكم الفاصل في موضوع الدعوى ، وبالتالي فالحكم الفاصل في الدفع الإجرائي ،لا يمكنه أن يحوز تلك الحجية ، من حيث كونه لم يتعرض لموضوع الحق المتنازع فيه ، بل انصب على الفصل في إحدى المسائل الإجرائية ، وبذلك فهو لا يمنع المدعي من ممارسة حقه ، في عرض النزاع من جديد على المحكمة للفصل في الحقوق المتنازع فيها ، وهو نزاع قائم بين نفس الأطراف ، واستنادا إلى ذات المحل والسبب ، دون أن يكون للمدعى عليه الحق ، في إثارة الدفع المتعلق بسبق الفصل في الدعوى ، وهو دفع بعدم القبول ، والذي لا يمكن أن يستمد إلا من الحكم الفاصل في موضوع الدعوى .
وتأسيسا على ذلك ، فالأثر الوحيد للحكم الفاصل في الدفع الإجرائي، هو إنهاء الخصومة التي صدر فيها ، وذلك إلى جانب استنفاذ المحكمة لولايتها، بشأن المسألة الإجرائية التي فصلت فيها ، وذلك من دون استنفاذها لولايتها ، بشأن الحقوق المتنازع فيها، ذلك أن الحكم الفاصل في الدفع الإجرائي ، يعد قطعيا فيما يتعلق بالمسألة التي فل فيها، ومن ذلك أن المحكمة ، ومتى صرحت برفض الدفع الإجـرائي الرامي إلى التصريح بعدم الإختصاص ، تظل مختصة بالفصل في موضوع الدعوى ولا يجوز لها بعد ذلك الحكم بعدم الإختصاص ، وإلا كان حكمها باطلا لأنه يكون مبني على إجراءات باطلة .
ثالثا: الدفوع المتعلقة بعدم القبول :
تخضع الدفوع المتعلقة بعدم القبول ، إلى القواعد العامة المتضمنة تنظيم الدفوع الموضوعية والدفوع الإجرائية ، سواء من حيث تعريفها ، ونظامها الإجرائي ، وحجية الحكم الصادر فيها ، ذلك ما نتولاه تباعا:
أ) تعريف الدفع بعدم القبول :
يعد الدفع بعدم القبول بمثابة الوسيلة القانونية ، التي يهدف الخصم من ورائها ، إلى منع المحكمة من نظر ادعاءات خصمه ، نتيجة انتفاء حقه في إقامة الدعوى ، وبالأحرى انتفاء حقه في المطالبة بالحماية القانونية ، ومن تم فان كان الحصول على هذه الأخيرة ، يتم إما بموجب الطلب القضائي أو الدفع ، فان الوسيلة القانونية ، التي يستعملها المدعى عليه لمنع المحكمة من النظر في هذا الطلب القضائي أو ذاك الدفع إنما تكمن – حينئذ- في الدفع بعدم القبول، وعلى هذا الأساس ، فان هذا الأخير في حد ذاته ، قد يكون غير قابل للنظر ، بما يعني وأن للمدعي أن يتقدم بدفع يرمي إلى منع المحكمة ، من نظر الدفع بعدم القبول المثار من طرف المدعى عليه .
وتكمن العلة هنا ، في كون الحق في إقامة الدعوى ، يتطلب قيام بعض المقتضيات ، التي يتعين توافرها ، حتى يكون القاضي ملزما بنظر الدعوى ،ومن أهم هذه المقتضيات، شروط قبول الدعوى من صفة ومصلحة وأهلية ، وغيرها نمن الشروط العامة ، كانعدام سبق الفصل في الدعوى ، وانعدام التحكيم وانعدام الإتفاق على الصلح ، والخاصة الأخرى المقررة لبعض أنواع الدعاوى ، كرفع الدعوى خلال ميعاد معين ، مثلما هو عليه الحال بالنسبة لدعاوى الحيازة ودعاوى بطلان العقود ، أو شهر العريضة الإفتتاحية للدعوى ، أو رفعها على ورق مدموغ ، على النحو الذي سبق بيانه .
وترتيبا على ذلك ، فان تخلف أو قيام إحدى هذه الشروط ، يعد سببا مانعا لنظر الدعوى ، بما يعني عدم صلاحية الإدعاء ، لكي يكون محلا لعمل قضائي ، وبالتالي فامكانية الحصول على حكم قضائي بالحماية القانونية تعد غير ممكنة .
وعلى الرغم من وضوح هذه الأحكام ، فكثيرا ما يتم الخلط بين الدفع بعدم القبول، وغيره من الدفوع الأخرى ، حيث اعتبر البعض وأنه أقرب إلى الدفوع الموضوعية ، فيما اعتبره البعض بأقرب الى الدفوع الإجرائية ، بينما لجأ البعض إلى تقسيم الدفوع بعدم القبول إلى طوائف ، وألحق بعضها بالدفوع الموضوعية ، فيما الحق البعض الآخر منها بالدفوع الإجرائية .
ومع ذلك فالرأي الراجح لدى الجانب الأكبر من الفقه القانوني ، هو اعتبار الدفوع بعدم القبول كطائفة مستقلة ، عن الدفوع الموضوعية ، وعن الدفوع الإجرائية ، وهو رأي يجد سنده في كون الدفوع الموضوعية ، توجه إلى موضوع الحق المتنازع فيه ، فيما أن الدفوع بعدم القبول ، توجه إلى مجرد مكنة الحصول على حكم في شأنها ، وذلك على الرغم من القاضي ،حال قيامه بفحص شروط قبول الدعوى ، قد يمس الموضوع ،إلا أن ذلك يعد صفة عرضية ،من أجل الفصل في الدفوع بعدم القبول ، وليس بغرض الفصل في الموضوع، كما أن الدفوع بعدم القبول ، تختلف عن الدفوع الإجرائية ، لأن هذه الأخيرة توجه إلى إجراءات الخصومة ، وذلك بخلاف الدفوع بعدم القبول ، التي نتوجه إلى الحق في إقامة الدعوى ، وذلك على الرغم من أن مقدم الدفوع بعدم القبول ، ومقدم الدفوع الإجرائية ، إنما يهدفان من خلالها مجرد منع صدور حكم في الموضوع ، ويترتب عنهما معا زوال الخصومة ، فان الإختلاف بينهما يظل قائما ، فيما يتعلق بالنظام القانوني الذي يخضع له كلا منهما .
ب) النظام الإجرائي للدفوع بعدم القبول :
لا تخضع الدفوع بعدم القبول للنظام القانوني ، الذي تخضع له الدفوع الموضوعية والدفوع الإجرائية ، ذلك أن الدفع بعدم القبول ، قد يمس بهذا الشكل أو ذاك بموضوع الدعوى ، كما يقترب في ذات الوقت من النتيجة النهائية للدفوع الإجرائية ، وهي مقاربات ، تدفعنا إلى معالجة الوقت الذي تقدم فيه الدفوع بعد القبول ، ومدى سلطة المحكمة في إثارتها .
1) وقت الإدلاء بالدفع بعدم القبول:
على الرغم من أن نص المادة 13 من قانون الاجراءات المدنية، المقابلة للمادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، لم تحدد لنا أي وقت معين لإثارة الدفوع بعدم القبول ، فانه وانطلاقا من كون معظم هذه الشروط متعلقة بالنظام العام، فانه يجوز إثارتها في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ، وهي في هذا شبيهة بالدفوع الموضوعية ، ومختلفة عن الدفوع الإجرائية التي لا يجيز القانون إثارتها ، إلا قبل مناقشة موضوع الحق المتنازع فيه ، وبالنتيجة فليس ثمة حال تعددها ما يوجب إبداؤها دفعة واحدة ، بل أن لمن له الحق فيها ، إثارتها على مراحل ، حتى ولو كان قد قدم دفوعه في الموضوع ، وهي هنا أيضا شبيهة بالدفوع الموضوعية ، ومختلفة عن الدفوع الإجرائية ، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من تقديمها ولو لأول مرة أمام المجلس ، وحتى أمام المحكمة العليا ، متى كانت متعلقة بالنظام العام .
ومع ذلك ، فان كانت الدفوع بعدم القبول ، غير متعلقة بالنظام العام ، فانه يتعين إثارتها قبل مناقشة الموضوع تحت طائلة سقوط الحق فيها ، تطبيقا للقواعد العامة المقررة بموجب المادة 460 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية ، بما يعني وان الدفع بعدم القبول هنا كون أقرب إلى الدفع الإجرائي منه إلى الدفع الموضوعي ، وهي أحكام تقررت لمن له الحق في إثارته ، من انتظار قرب نهاية الخصومة لتقديمه ، مما يتسبب في ضياع الوقت والنفقات ، شأنه في ذلك شأن صاحب الدفع الإجرائي .
2) سلطة المحكمة في إثارة الدفع بعدم القبول :
عادة ما يتصل الدفع بعدم القبول بقاعدة متعلقة بالنظام العام ، وبموجبها فللمحكمة السلطة المطلقة في هذه الحالة إثارة الدفع بعدم القبول ولو من تلقاء نفسها ، وهو المبدأ الذي أكدته المحكمة العليا في العديد من قراراتها ، سواء تعلق الأمر بالصفة أو المصلحة أو الأهلية لأي عارض من عوارض الأهلية .
لكنه وخلافا لذلك ، فان كان الدفع بدم القبول غير متعلق بالنظام العام ، كعدم شهر العريضة الإفتتاحية للدعوى ، أو سبق الإتفاق على الصلح بين الخصوم، أو سبق التحكيم ، أو سبق الفصل في الدعوى أو عدم قيام الأجنبي بتقديم كفالة من أجل رفعه الدعوى ، فلا سلطة للقاضي في اثارة الدفع بعدم القبول من تلقاء نفسه ، وهي في هذا لا تختلف عن الدفع الإجرائي غير المتعلق بالنظام العام .
ج) حجية الحكم الصادر في الدفع بعدم القبول :
لا يكتسب الحكم الصادر في الدفع بعدم القبول ، حجية الشيء المقضي به بالنسبة لموضوع الدعوى ، سواء تم التصريح بقبول الدفع أو رفضه ، وبذلك فالأثر الوحيد لهذا الحكم ، هو إنهاء الخصومة ، وهو ما يحول دون تجديد الطلب ، متى تم استيفاء الشروط ، التي أدت إلى التصريح بعدم قبول الدعوى ، ومن ذلك أن الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى ، لعدم شهر العريضة الإفتتاحية لها، لا يحول دون إقامة دعوى جديدة مع العمل على شهر تلك العريضة ، من أجل استيفاء شروط هذه الدعوى ، كما أن الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى، لإنعدام المصلحة عند رفع دعوى المطالبة بدين ، لعدم حلول أجله لا يمنع من إقامة دعوى جديدة ، للمطالبة بدفع ذلك الدين عند حلول ميعاد استحقاقه ،وهي نفس القواعد التي تطبق على الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى المرفوعة من شركة ، لإنعدام الصفة التمثيلية لديها ، نتيجة عدم ذكر نائبها القانوني في العريضة الإفتتاحية ، إنما هو أمر لا يمنع من تجديد الطلب بدعوى جديدة ، يتم من خلالها ذكر الممثل القانوني لها ، لإستيفاء شرط الصفة التمثيلية لها .
لكنه ومع ذلك ، فالدفع بعدم القبول ، قد يكون مانعا من إعادة عرض النزاع على المحكمة من جديد ، كما هو الشأن بالنسبة للحكم الصادر في دعوى الحيازة ، لرفعها بعد ميعاد السنة ، وكذلك الأمر بالنسبة للحكم الصادر بسبق الفصل في الدعوى ، والحكم الصادر بعدم قبول المعارضة ، أو الاستئناف ، أو التماس إعادة النظر ، أو اعتراض الغير الخارج عن الخصومة ، أو الطعن بالنقض ، لرفعها خارج المواعيد القانونية ، فهي كلها أحكام تمتع من صدر الحكم ضده ، من إقامة أية دعوى أخرى ، للمطالبة بنفس الحق المتنازع فيه ، لأن قبول الدعوى هنا ، يصطدم دائما بنفس العائق ، الذي حـال في السابق دون نظر الدعوى ، وهو بهذا المفهوم ، يعد حكما قطعيا مهنيا لولاية المحكمة بشأن الحق المتنازع فيه .
الفصل الثاني:
الخصومــة القضائيـــة
مقدمة:
وفقا لنص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالخصومة القضائية تقوم على مبدأ قانونية الشكل، أي أنها يجب أن تتم وفقا للوسيلة التي حددها القانون، وهي المتمثلة في العريضة المكتوبة والموقعة والمؤرخة والمودعة لدى كتابة ضبط المحكمة، لا تلك التي يريدها من يقوم بها، وتبعا لذلك فقانون الإجراءات المدنية والإدارية، هو القانون المنظم لشكل الأعمال الإجرائية للخصومة، ابتداء من ضرورة أن تكون تلك الأعمال كتابية ، وبأن تكون صياغتها على شكل معين، ومن ضرورة تبليغها، وكذلك الأمر بالنسبة لإجرائها ضمن آجال معية، وبالتالي فان لم تحترم تلك الأشكال القانونية ، فالجزاء المترتب علة ذلك هو البطلان.
و إذا كانت الخصومة تخضع لتلك الأشكال أو القواعد القانونية الإجرائية، فإنها لم تسـتثن أي عمل من الأعمال المكونة للخصومة، وتبعا لذلك ومن أجل الإلمام بهذه القواعد الإجرائية، يتطلب الأمر التعرض إلى الأعمال المكونة للخصومة، وكذلك الأمر بالنسبة للأعمال الإجرائية لها، والعوارض التي قد تعتريها أثناء سيرها، فالمواعيد الإجرائية التي قد تتحكم فيها.
المبحث الأول
الأعمال المكونة للخصومة :
لعل شكل العريضة الافتتاحية للدعوى ، و إجراء تبليغها للمدعى عليه ، يعد من أهم الأعمال المكونة للخصومة ، وتبعا لذلك سنتعرض في مطلب أول إلى العريضة الافتتاحية للدعوى ، وفي مطلب ثان إلى الارتباط القائم بينها وبين التكليف بالحضور ، الذي يتعين إجراؤه إلى المدعى عليه .
المطلب الأول :
العريضة الافتتاحية للدعـــوى
يتم الحق في استعمال الدعوى عن طريق الطلب القضائي ، وهو الطلب الذي ألزم نص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، بأن يتم رفعه إلى المحكمة عن طريق إيداع عريضة مكتوبة من المدعي أو وكيله، وإما بحضور المدعي إلى المحكمة ، ويتولى كاتب الضبـط أو أحد أعوان مكتب الضبط ، تحرير محضر بتصريح المدعي ، الذي يوقع عليه أو يذكر فيه أنه لا يحسن التوقيع.
لذلك فالشكل الذي تأخذه المطالبة القضائية، والتي تؤدي إلى إنشاء الخصومة القضائية،كقاعدة عامة هي العريضة الافتتاحية ، فما هي هذه العريضة الافتتاحية، وما هي البيانات التي يفرض القانون ضرورة توافرها فيها ؟.
الفرع الأول
ماهية العريضة الإفتتاحية للدعوى :
يقصد بالعريضة الإفتتاحية للدعوى ، تلك الورقة المحررة من طرف المدعي أو وكيله، والتي تتضمن الطلب القضائي المؤدي إلى إنشاء الخصومة القضائية ، والأصل في هذا الطلب أن يكون كتابيا، وأن مقدمه نتيجة ذلك يسمى المدعي، وعادة ما ينوب عنه محاميه، وهي كما هو ظاهر تحرر من طرفه، ومن دون إذن أو تدخل من أحد موظفي المحكمة، لذلك فهي لا تعد ورقة رسمية، ولن يكون الطعن بالتزوير هو الطريقة الوحيدة للطعن فيها، ومع ذلك فهي تحتوي على البيانات التالية :
أولا: أطراف الدعوى :
لقد أوجب نص المادة 15/02 و03 و04 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، بأن تكون العريضة الإفتتاحية للدعوى محتوية على اسم مقدم العريضة وموطنه ، واسم ولقب وموطن من قدمت العريضة في مواجهته ، وان تعلق الامر بشخص اعتباري، تعين ذكر تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي وصفة ممثله القانوني او الاتفاقي، وهي ذات البيانات التي يتطلبها القانون في عرائض الإستئناف، وعرائض الطعن بالنقض وغيرها ، وهي بيانات تشكل كلا لا يتجزأ ، بحيث لا يكمل بعضها البعض، لذلك فان تم إغفال البعض من هذه البيانات ، فالجزاء القانوني الذي يترتب عن ذلك هو بطلان العريضة الإفتتاحية للدعوى .
ثانيا: تاريخ تقديم العريضة الإفتتاحية :
وفقا لنص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، فالتاريخ يشكل احد البيانات الجوهرية ، لأن تخلفه يؤدي إلى فقدان الطبيعة الرسمية لها ، في الحدود المشار إليها أعلاه ، وهو التاريخ الذي يتعين أن يحرر في النسخة الأصلية للعريضة ، وفي نسخها وصورها وقت تقديمها إلى كتابة الضبط ، وهو التاريخ الذي يجب أن يحدد اليوم والشهر والسنة .
وترجع أهمية هذا البيان ، إلى أن العريضة الإفتتاحية وابتداء من هذا التاريخ ، تترتب عنها الآثار القانونية المتولدة عن رفع الدعوى إلى المحكمة ،كقطع التقادم الساري لمصلحة المدعى عليه ، وسريان فوائد التأخير إن كان القانون ينص عليها، كما يتم وابتداء من هذا التاريخ تحديد قيمة الدعوى ، وهي مسألة تتحكم في الإختصاص النوعي للمحكمة، إن لم يتم تقديم طلبات إضافية من شأنها تعديل الطلب الأصلي ، الوارد فيها، على النحو الذي سبق بيانه ، بمناسبة دراستنا للطلبات القضائية .
1) وله أهمية أخرى في قبول بعض الدعاوى ، التي اشترط القانون رفعها ضمن مواعيد معينة ، كالحيازة ، والطعن بالإلغاء أمام المجالس القضائية ، أو أمام مجلس الدولة أو المعارضة في الأحكام والقرارات الغيابية.
ثالثا: المحكمة المرفوعة إليها الدعوى :
طبقا للمادة 15/01 من قانون الاجراءات المدنية والادارية، يجب ذكر الجهة القضائية التي ترفع الدعوى امامها، لذلك فاغفال ذكرها كاقتصارها مثلا على ذكر عبارة ” المحكمة المختصة ” فالجزاء الذي يترتب عن ذلك هو عدم قبولها، ذلك لأن عدم ذكر اسم المحكمة المعنية ، قد يكون محل خلاف قانوني ، إذا أن المدعى عليه لا يمكنه أن يتعرف عـلى المحكمة التي رفعت أمامها الدعوى ، في ضوء تعدد الجهات القضائية.
هذا وقد لا يكفي ذكر اسم المحكمة المرفوعة إليها الدعوى ، بل يتعين تحديد القسم المعني ، ومع أن هذا االبيان الأخير، لا تأثير له على الإختصاص النوعي للمحكمة، على اعتبار وأن الغرف المنشأة بها، ما هي إلا عبارة عن تقسيم إداري محض، عند استثناء بعض الاقسام منها، فان أهميته تكمن في قيمة الرسم القضائي ، ذلك أن الرسم المتعلق بالقضايا المدنية على سبيل المثال في الوقت الراهن هو 700دج ، وهو مختلف عن الرسم القضائي المحدد للقضايا العقارية ب 1000دج فيما أنت الرسم المحدد للقضايا التجارية هو 2500دج ، وذلك على مستوى محاكم الدرجة الأولى ، وقد يتسبب في رفض الدعوى .
رابعا: وقائع الدعوى و أسانيدها :
يقصد بالإدعاء المطروح على المحكمة ، تحديد الطلب القضائي من حيث الموضوع والسبب ، مع الإشارة إلى مختلف الأسانيد المؤيدة له، وذلك وفقا للمادة 15/05 و06 من قانون الاجراءات المدنية، والمادة 13/04 من قانون الإجراءات المدنية ، لذلك يجب ذكر الوقائع المحددة لموضوع الطلب القضائي، سواء كان مبلغا من النقود، أو حق ملكية، أو بطلان عقد ، أو فسخه أو تعديله ، و إلا كانت غير مقبولة .
أما بالنسبة للأسانيد، يجب أن تحتوي العريضة ، على الإشارة إليها باعتبارها مؤيدة للإدعاء ومن ذلك ذكر بيانات العقد المكتوب الذي يستند إليه المدعي، والذي يرتب التزامات في ذمة المدعى عليه مثلا.
ومما لا شك فيه ، فالوقائع تمكن المدعى عليه من معرفة حقيقة النزاع ، ويمكنه تبعا لذلك من إعداد أوجه دفاعه، كما يمكن المحكمة من الفصل فيـه ، بصرف النظر عن غياب أو حضور المدعى عليه ، إضافة إلى أنه يلعب دورا أساسيا، في تحديد الرسم القضائي، وفي تحديد المحكمة المختصة بالفصل في الطلب، ومن دلك على سبيل المثال أن الطلب القضائي، ومتى كان متعلقا بدعوى منقولة، لا تزيد قيمة النزاع فيها عن 200.000دج ، فالمحكمة المعينة تختص بالفصل فيه ابتدائياونهائيا.
خامسا: النيابة عن الأطراف :
نصت المادة 14 من قانون الاجراءات المدنية والادارية،على أن النيابة عن الأطراف أمام القضاء ، تكون بوكيل او محام ، ولا يتمتع بهذه الصفة الا من كان مقيدا بصفة نظامية، في جدول
النقابة الوطنية للمحامين، في ظل النصوص السارية المفعول على نظام هذه المهنة وممارستها .
وعلى الرغم من أن أطراف الخصومة ، هم الذين يباشرون إجراءاتها ، فكثيرا ما يميلون إلى تمثيلهم أمام القضاء عن طريق المحامين، أو عن طريق وكلاء آخرين غير محامين، وهي الوكالة التي حدد القانون شروطا لصحتها ، كما رتب عن انقضائها بعض الآثار القانونية .
أ) شروط صحة الوكالة بالخصومة :
يتعلق البعض من هذه الشروط بشخص الوكيل وبعضها الآخر يتعلق بالموطن المختار للموكل.
1) الشروط المتعلقة بشخص الوكيل :
لا يقبل كوكيل عن الأطراف، من كان محروما من حق أداء الشهادة أمام القضاء، وكذلك الأمر بالنسبة لكل محكوم عليه في جناية ، أو سرقة ، أو إخفاء أشياء مسروقة ، أو خيانة أمانة ، أو نصب ، أو إفلاس بالتدليس ، أو تبديد أشياء محجوزة ، أو مرهونة ، أو ابتزاز أموال ، أو جريمة التهديد بالتشهير ،كما لا يقبل تمثيل الخصوم من طرف المحامين الموقوفين ، أو المعزولين عن ممارسة عملهم .
هذا و إذا كان الوكيل عن الخصوم ليس محاميا، فيشترط فيه زيادة على ذلك، أن يتمتع بالنزاهة، وأن يكون له موطنا حقيقيا أو مختارا في دائرة اختصاص المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى .
والعريضة المقدمة من الخصم مباشرة لا تكون مقبولة ، إن كان القانون ينص على إلزامية رفعها عن طريق محـام، كما هو الشأن بالنسبة لإجراءات التقاضي أمامالمجالس القضائية او امام المحكمة العليا او مجلس الدولة، ومحكمة التنازع حسب متطلبات نص المادة 10 من قانون الإجراءات المدنية والادارية.
1) الشروط المتعلقة بالموطن المختار:
يعد موطن المدعي، من أهم البيانات الإلزاميـة، الواجب توفرها في العريضة الإفتتاحية للدعوى، لذلك فالأمر لا يثير أي إشكال ، إن كان للمدعي موطن بدائرة اختصاص المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى ، وعلى العكس من ذلك ، فان لم يكن للمدعي موطنا بدائرة اختصاص المجلس القضائي ، التابعة له المحكمة المختصة بنظر دعواه ، يتعين عليه أن يختار موطنا له بدائرة اختصاص هذا المجلس ، إلا إذا كان ممثلا بمحام ، سواء كان هذا الأخير هو الذي قام بتحرير العريضة الإفتتاحية للدعوى ، وإيداعها لدى كتابة ضبط المحكمة ، أو أنه قد أعلن تأسيسه في حق المدعي في وقت لاحق، إذ يصبح في مثل هذه الحالة موطن المحامي، هو الموطن المختار للمدعي ، حسب متطلبات نص المادة 15 من قانون الإجراءات المدنية ، وهذه القاعدة قد تقررت نتيجة لكون المحامي مخولا بالمرافعة في جميع محاكم القطر وهذه ميزة لم يقررها القانون للخصم المباشرللخصام بنفسه، والخصم المباشر للخصام بواسطة وكيل غير المحامي.
ب) الآثار المترتبة عن انقضاء الوكالة بالخصومة :
إذا كانت المهمة الأساسية للمحامي بصفته وكيلا عن الأطراف ، تتمثل في تقديم النصائح و الإستشارات القانونية، وتمثيلهم وضمان الدفاع عنهم أمام القضاء ، في ضوء مقتضيات نص المادة 04 من القانون 91/04 المؤرخ في 8/01/1991،المتضمن تنظيم مهنة المحاماة ، فان تلك الوكالة تعد سارية بين الطرفين ابتداء من تاريخ إسناد التوكيل، وتظل كذلك الى غاية إنهائها أو إبطالها، وهو ما يعبر عنه بانقضاء الوكالة ، وذلك اما من تاريخ صدور حكم في الدعوى ، أمام درجة التقاضي الموكل فيها، و إما من تاريخ اعتزاله أو عزله أو موته.
لذلك فان ظلت الوكالة سارية بن الطرفين، فان توجيه إجراءات الخصومة تبقى صحيحة في مواجهة الوكيل إلى حين الفصل في الدعوى ، ومن ذلك أن موطن الوكيل يعد بمثابة موطن مختار للموكل ، إن لم يكن له موطنا بدائرة اختصاص المجلس القضائي ، الذي رفعت الدعوى أمام إحدى المحاكم التابعة له .
وإذا قرر الوكيل التنحي عن التوكيل، إما نتيجة لموانع مؤقتة كمرضه ، أو إصابته بعاهة أو إيقافه عن ممارسة مهامه مؤقتا لأسباب تأديبية أو انتخابية ،وإما نتيجة لموانع دائمة كعزله وشطب اسمـه نهائيا من الجدول وغيرها ، فانه يتعين عليه إخبار موكله بذلك في الوقت المناسب ، حتى يتمكن من تحضير دفاع في الدعوى ، وهو التنحي الذي يتعين أن يبلغ بموجب رسالة موصى عليها مع الإشعار بالإستلام ، وذلك إلى آخر موطن معروف للموكل ، كما يتعين إخطار الخصم أو وكيله ، وكذلك المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى ، وذلك تطبيقا لأحكام المادة 81 من القانون 91/04.
الفرع الثاني
وجوب إيداع العريضة الإفتتاحية كتابة ضبط المحكمة .
يتعين الاشارة بداية الى المبدا العام بخصوص هذا الاجراء، فالاستثناء الوارد عليه، ثم الحكمة منه.
أولا: المبدأ العام:
بمقتضى نص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، فالمبدأ العام يوجب إيداع العريضة الافتتاحية لدى كتابة ضبط المحكمة، وبحسبه فالإتصال يحدث أولا وقبل كل شيء بين المدعي والمحكمة ، وذلك قبل علم المدعى عليه بالطلب القضائي، لذلك فالعريضة الإفتتاحية للدعوى المرسلة عن طريق البريد ، لاسيما عند انعدام ما يثبت دفع الرسم القضائي، لا تعد مقبولة كأًصل عام.
ثانيا: الاستثناء الوارد على هذا المبدأ:
أمام بعد المسافة بين معظم المجالس القضائية ، والمحكمة العليا ومجلس الدولة ، فاستثاء من
هذا المبدأ، فكثيرا ما يلجأ المحامون العاملون على مستوى هذه المجالس القضائية ، إلى سداد الرسم القضائي عن طريق حوالة بريدية، وإرسال الطعون بالنقض والإستئنافات إلى هاتين الجهتين القضائيتين عن طريق البريد المضمن ، وفي مثل هذه الحالة ، فالتاريخ الذي يعتد به ، لإيداع الطعن واحتساب مواعيده ، هو التاريخ الذي يقيد فيه لدى كتابة ضبط المحكمة العليا أو مجلس الدولة ، لا تاريخ إيداعه بمركز البريد ونفس القاعدة تسري على مختلف المذكرات الجوابية.
ثالثا: الحكمة من هذا المبدأ:
لعل المحكمة من ذلك ، تكمن في حفظ حق المدعي في إيداع العريضة الإفتتاحية لدى كتابة الضبط ، لأن إيداعها عن طريق البريد أو عن طريق طرف آخر كالمحضر القضائي مثلا ، قد يترتب عنه بعض التأخر ، سواء فيما يتعلق بإيداعها كتابة ضبط المحكمة ، أو فيما يتعلق بقيام كاتب الضبط بإعادة نسخها إلى المدعي من أجل تبليغها الى المدعى عليه ، وهو التأخر الذي قد يكون سببا في تقادم حق المدعي دون خطأ منه ، كما قد يتسبب في شطب دعواه لغيابه ، يوم انعقاد جلسة المحكمة لنظر الدعوى ، نتيجة عدم علمه بالجلسة التي حددت لذلك .
والقانون لا يوجب فقط على المدعي ، إيداع العريضة الإفتتاحية للدعوى لدى كتابة ضبط الجهة القضائية المعنية، بل يتعين عليه أن يرفق بها جميع المستندات المؤدية لدعواه ، وهي المستندات التي يتعين وبحكم المادة 21 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، أن تودع أصولها لدى امانة الضبط ،وتبلغ للخصوم للاطلاع عليها.
الفرع الثالث :
ارتباط العريضة الإفتتاحية بتكليف المدعى عليه بالحضور.
يتعين الاشارة بداية الى كيفية اعمال هذه القاعدة، فالاستثناء الوارد عليها.
أولا: كيفية اعمال قاعدة الارتباط:
إذا كان المدعي حال إيداعه العريضة الإفتتاحية للدعوى كتابة ضبط المحكمة ، قد أدى الرسم القضائي ، فان كاتب الضبط يتولى قيد الدعوى في السجل الخاص لذلك ، ويثبت حضور المدعي أو من يمثله ، وذلك من خلال تاريخ الجلسة المحددة لنظرها في أصل العريضة الإفتتاحية للدعوى وفي نسخها ويفرد لها ملفا خاصا بالمحكمة ، كما يعطى لها رقما تسلسليا، وفي ذات الوقت يسلم الملف الخـاص بالمحكمة إلى كتابة ضبط القسم المعني، فيتتولى تقييدها في سجل الجلسات حسب ترتيب ورودها، كما يقوم بتسليم نسخها إلى المدعي، أو لمن يمثله قانونا ، كي يتولى إيداعها لدى مكتب أحد المحضرين القضائيين، العاملين على مستوى دائرة الإختصاص القضائية للمحكمة المعنية ، للعمل على تبليغها الى المدعى عليه ، أكان منفردا أم كانوا متعددين .
ثانيا: الاستثناء الوارد على اعمال قاعدة الارتباط:
يستثنى من تطبيق هذه القاعدة ، معظم قضايا اشكالات التنفيذ الوقتية ، التي يتم الفصل فيها
بأمر ولائي، وسبب ذلك يكمن في أن هذه الدعاوى ، يترتب عنها وقف التنفيذ بقوة القانون بمجرد تحرير المحضر القضائي القائم بعملية التنفيذ، لمحضر إشكال في التنفيذ بشأنها.
لذلك فالمدعي فيها عادة ما يكون المستشكل وهو المحكوم ضده، أي صاحب المصلحة في المطالبة بوقف التنفيذ، وقد يستغل هذه النتيجة ، ويتراخى في القيام بإجراءات التبليغ عن طريق المحضر القضائي، بعد أن اطمأن إلى ترتيب الأثر الواقف للتنفيذ، لذلك نجد المحضر القضائي، وبمجرد قيامه بتحرير محضر الإشكال العارض، يقوم بتبليغ الأطراف باليوم الذي يتعين عليهم الحضور فيه ، أمام رئيس الجهة القضائية، وذلك بمعرفة هذا الأخير،حسب مقتضيات المادة 631 من قانون الإجراءات المدنية والادارية.
لكنه ومع ذلك ، وفيما يتعلق بدعاوى إشكالات التنفيذ الوقتية ، فان مسألة تسليم العريضة إلى المدعي ، من أجل تبليغها عن طريق المحضر القضائي ، يتعين التمييز فيها بين حالتين :
الحالة الأولى : تقتصر على قيام المحضر القضائي، بتحرير محضر الإشكال العارض، ويحيل صاحب المصلحة إلى عرض الأمر على المحكمة المختصة، للفصل فيه وفقا للإجراءات العادية المقررة لإقامة الدعاوى، وبحسبها فان كتابة الضبط في هذه الحالة، تسليم العريضة الإفتتاحية للدعوى إلى المدعي ، للعمل على تبليغها عن طريق المحضر القضائي.
الحالة الثانية : وهي التي لا يقتصر فيها دور المحضر القضائي، على تحرير محضر بالإِشكال العارض، بل يخطر طرفي الإشكال، بالحضور أمام قاضي الاستعجال للفصل فيه، وهو الإخطار الذي يعد بمثابة تبليغ بتاريخ الجلسة، وأن المحكمة وفي هذه الحالة، تتولى الفصل في الإِشكال العارض، بموجب أمر ولائي إما بمواصلة التنفيذ، وإما بوقفه إن كان موضوع الإشكال، مبنيا على أسباب قانونية أو وقائع مادية، من شأن الفصل فيها أن يمس بأصل الحق .
المطلب الثاني
الحضـــور أمام المحكمــــة
تحتاج معالجة هذه المسألة، إلى تحديد ماهية الحضور الشخصي للأطراف، أو عن طريق وكلائهم، وأهميته، مع تحديد مفهوم غيابهم، والآثار المترتبة عنه.
الفرع الأول:
ماهيـــة الحضور أمام المحكمــة
لتحديد ماهية الحضور، يتعين بداية تحديد معنى الحضور، ثم الاشارة ال أهميته:
اولا: معنى الحضور ونتائجه:
نتولى اولا: تحديد معنى الحضور، ثم الاشارة الى النتائج العملية المترتبة عنه.
1) معنى الحضور:
تستعمل عبارة (الحضور) للتعبير عن عن تأخر الخصم في الحضور أمام المحكمة، لذلك
فالأهمية العملية لتبليغ العريضة الإفتتاحيـة إلى المدعى عليه، هو تحقيق حضوره، في تحقيق مبدأ المواجهـة بين الخصوم ، وبحسبه يتطلب القانون اتخاذ جميع الإجراءات في مواجهة الخصوم، إذ يكـون من حق كل خصم، أن يعلم بادعاءات خصمه، وأن يمكن من إبداء دفوعه بشأنها.
لذلك فالأصل في إجراءات التقاضي، هو أن تنظر كل قضية بحضور جميع أطرافها، وهو الأصل الذي تم النص عليه بالمادة 27 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، وهي مسألة من شأنها إثارة بعض التساؤل، حول ما إذا كان يعني أن حضور الخصوم في المرافعات المدنية يعد واجبا ، وهم نتيجة ذلك مجبرون على الحضور، تحت طائلة خضوعهم لتوقيع الجزاء لتغيبهم ، مثلما هو حاصل في القضايا الجزائية ، التي يسمح القانون للمحكمة، بأن تأمر بإحضارهم جبرا ؟.
للإجابة على ذلك، تجب الإشارة إلى أن حضور الخصم ينطوي على تحقيق مصلحة شخصية له ، تتمثل في كونه يحصل على الفرصة ، في توضيح وجهة نظره في القضية ، مما يساعده في الحصول على حكم لصالحه ، وبحسب فالأصل أن القانون لا يحتاج إلى إجباره على الحضور، وفي ذات الوقت لا يعتبر غيابه معطلا لسير العدالة ، بما يعني وأن تخلفه لا يحول دون نظر الدعوى ، والحكم فيها في غيبته ، مما يستخلص من ذلك ، أن حضور الخصم بالجلسة يعد حقا من حقوقه، ويعد في ذات الوقت عبئا إجرائيا ، قد يجبر عليه أحيانا ، أو يعرضه لجزاء إجرائي ، وتتحقق هذه الفروض، عندما تأمر المحكمة بحضور الخصوم لإستجوابهم ، سواء من تلقاء نفسها ، أو بناء على طلب الأطراف وهي القواعد التي أقرها نص المادة 98 من قانون الإجراءات المدنية والادارية .
2) النتائج المترتبة عن اعمال مبدا الحضور:
ثمة عدة نتائج تترتب عن اعمال هذا المبدأ:
1) أن كل حكم لا يأخذه بعين الإعتبار حال إصداره، يعد باطلا بحكم القانون.
2) أن كل نص تشريعي مخالف له يعد نصا غير دستوري، لذلك نجد المشرع ، قد حرص على تحقيق مبدأ المواجهة ، في الخصومة بمجرد نشوئها.
3) أن الخصومة القضائية وان كانت تنشأ من الناحية المبدئية، بمجرد إيداع العريضة الإفتتاحية للدعوى، لدى كتابة ضبط المحكمة ، فإنها لا تنعقد كأصل عام ، إلا بعد القيام بإجراءات تبليغها إلى المدعى عليه ، وهي الإجراءات التي تمكنه من الإطلاع على الطلبات المقدمة ضده ، وبالتالي تمكينه من الرد عليها ، إذ أن تبليغ العريضة الإفتتاحية للمدعى عليه ، بما احتوت عليه من بيانات جوهرية ، ووقائعه وطلبات و أسانيد ،هي كلها مسائل تسمح له بتحضير أوجه دفاعه حيالها
4) أن احترام مبدأ المواجهة وان كان يفيد المدعى عليه بداية ، فانه يفيد المدعي نفسه في المراحل الموالية ، طالما أنه وبموجب هذا المبدأ نفسه، فالمدعى عليه ملزم بإيداع مذكرته الجوابية المرفقة بالمستندات المؤيدة لإدعاءاته ، ضمن مواعيد معينة، تتم خلالها انعقاد جلسات المحكمة، حيث يتم إيداع تلك المذكرات فيتمكن المدعي من استلامها ومن الإطلاع عليها، وعلى مختلف الأوراق المرفقة
بها ، ليبدي بعد ذلك أوجه دفاعه فيها.
5) أنه واعمالا لهذا المبدأ حرص المشرع على دعوة الخصوم إلى جلسة محددة لنظر الدعوى إذ أن اجتماع الخصوم بأنفسهم، أو بواسطة ممثليهم أمام المحكمة، من شأنه أن يضمن تنويرها واسترعاء نظرها إلى بعض الجوانب الهامة في القضية ، لاسيما ما تعلق منها بإجراءات الإثبات .
ثانيا : أهمية حضور الخصوم بأنفسهم:
لقد أقر المشرع قاعدة عامة ، مؤداها حضور الخصوم بأنفسهم ، إلى الجلسات المخصصة لنظر الدعوى ، واستثناء من ذلك وأمام تعدد إجراءات التقاضي وتعقيدها ودقتها ، فقد أجازت التشريعات الحديثة لكل خصم أن كون ممثلا بواسطة محاميه أمام القضاء ، وفضلا عن ذلك فان تعذر عليه الحضور لمرض أو سفر أو أي سبب أخر ، فان تلك التشريعات قد أجازت كذلك أيضا للمحكمة ، أن ترخص لأي وكيل في الحضور نيابة عنه.
وتأسيسا على ذلك ، فان لم يحضر طرف الخصومة نفسه ،وحضر نيابة عنه وكيله ، سمي هذا الأخير وكيلا بالخصومة، لذلك فالوكالة بالخصومة ،ما هي إلا اتفاق يتم بين الخصم أو ممثله القانـوني الإتفاقي من جهة ، وبين وكيله من جهة أخرى ، سواء كان هذا الأخير محاميا أو غير محام ،وذلك من أجل تمثليه في الدعوى أمام الجهة القضائية المعنية بنظرها.
ويستثنى من تطبيق مبدأ حضور الخصم بنفسه، إجراءات التقاضي أمام المحكمة العليا، ومجلس الدولة، ومحكمة التنازع،طبقا لمتطلبات المـادة 10من قانون الإجراءات المدنية والادارية، التي أوجبت بأن إجراءات التداعي أمام تلك الجهات، لا تتم إلا بواسطة محامين مقبولين لدى تلك الجهات، ولم يستثن من هذه الأحكام سوى الدولة.
الفرع الثاني
الغيـــــــاب
يتعين لدراسة مسألة غياب الخصوم تحديد المقصود من الغياب ، مع حصر الآثار القانونية المترتبة عن ذلك .
أولا: المقصود بالغياب :
تستعمل عبارة (لغياب) للتعبير عن تأخر الخصم في الحضور أمام المحكمة وهو المعني الذي قد لا يكون مرادفا للمعنى القانوني في التشريع الجزائري ، لأن الخصم قد يتخلف عن حضور إحدى جلسات المحكمة، ومع ذلك يصدر الحكم في حقه حضوريا، ذلك أن العبرة في الحضور والغياب، تتمثل في قيام الحجة على العلم اليقيني للخصم بجلسات المحكمة ، ويتحقق في أحوال :
الحالة الأولى: إذا حضر الخصم نفسه، أو بواسطة وكيله إحدى الجلسات، وتغيب في الباقي فانه يعتبر حاضرا أمام المحكمة ، التي حضر فيها هذه الجلسة .
الحالة الثانية: إذا قدم مذكرة بأوجه دفاعه ، فانه يعد حاضرا ، لأن تلك المذكرة تؤكد علمه اليقيني
بقيام قائما لديه وأن تخلفه لا يحول دون اعتبار الحكم حضوريا بالنسبة له، سواء تم ذلك التبليغ قبل الجلية الأولى أو بعدها .
وظاهر من خلال هذه الأحكام وأن مسألة الغياب لا تعني سوى المدعى عليه ، لأن المدعي يعد حاضرات ، لتوفر العلم اليقيني لديه ، طالما أنه هو من قدم العريضة الإفنناحية للدعوى، بالتالي فالمدعى عليه إن لم يحضر هو نفسه أو بواسطة وكيله ، ولم يقدم مذكرة في الدعوى ، ولم يبلغ شخصيا ، وتغيب عن الجلسة صدر الحكم غيابيا في حقه وهو حكم يكون قابلا للطعن فيه بطريق المعارضة ، ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبليغ الحاصل وفقا للمواد 292 الى295 و327 الى 331 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، و بالإستئناف عند انقضاء مواعيد المعارضة ، وذلك ضمن مهلة شهر واحد ، تسرى ابتداء من تاريخ انتهاء آجال المعارضة طبقا للمادة 336 من نفس القانون.
ثانيا : مدى تأثر الدعوى بالغياب :
مما لاشك فيه، بأن للغياب تأثير على الدعوى ، وهو التأثير الذي يختلف باختلاف الطرف المتغيب فيما إذا كان المدعي ، أو المدعى عليه ، أو أن الطرفين قد تغيبا معا .
أ)غياب الطرفين معا :
إن غياب الطرفين معا ، قد يفسر بالنسبة للمحكمة ، على أساس وأن ثمة صلح قد حصل بينهما، وهو تفسير لا يمكنها معه إلا أن تنظر الدعوى ، ويبقى مع كل ذلك للخصوم حق العودة إليها، سواء لمتابعة الخصومة نفسها ، إن لم تكن المحكمة قد أصدرت حكما فيها، أو بخصومة جديدة ، لأن عدم فصل المحكمة في الخصومة ، رغم غياب الخصوم ، قد يكون بسبب تراكم الدعاوى أمامها ، وقد تكون المحكمة ملزمة بنظر الدعوى ، متى قدم الطرفان أوجه دفاعهما وطلباتهما بشأنها ، بما يعني وأن التزام المحكمة بنظر الدعوى ، يتوقف على صلاحياتها للفصل من عدمه ، لا على حصول الصلح بين الطرفين من عدم حصوله .
لذلك فان كان المدعى عليه ، قدم أوجه دفاعه ، سواء في الجلسة الأولى ، أو في إحدى الجلسات اللاحقة ، فيما تغيب والمدعي في باقي الجلسات الأخرى ، فان الدعوى تعد صالحة للحكم فيها وهو الأمر الذي لا يعني بأن المحكمة قد تفصل في موضوع الدعوى ، بل أنها قد تصرح بعدم قبولها ، أو ببطلان العريضة الإفتتاحية لها ، أو بعدم صحة إجراءاتها ،والأثر الوحيد الذي يترتب عن ذلك ، هو انقضاء الخصومة ، وحكمة المشرع هنا ، تكمن في عدم اعتداده بالغياب الفعلي للخصوم ، لأنهم يعتبرون حاضرين في نظر القانون ، كون المدعي هو مقدم العريضة الإفتتاحية للدعوى ، والمدعى عليه قدم مذكرة بأوجه دفاعه فيها.
ب) غياب المدعي وحده :
إذا حضر المدعى عليه وحده وغاب المدعي ، فالجزاء الذي يترتب عن ذلك ، هو الحكم
بشطب الدعوى ، عقابا له عن إهماله وتخلفه عن حضور جلسات المحكمة ، رغم علمه بها ، وهو حكم وان كان من شأنه أن يخرج الدعوى من الجدول ،فانه لا يحول بحال دون تراكم الدعاوى بجدول المحكمة ،ما دام القانون يسمح له بإعادة طرح الطلب القضائي،بدعوى جديدة، فضلا عن كون ذلك الحكم لا يشكل إخلالا بحقوق الدفاع .
لكن ومع ذلك فان غياب المدعي ، بعد أن يكون المدعى عليه قد قدم مذكرة بأوجه دفاعه في الدعوى ، لا يعطي للمحكمة سلطة شطب الدعوى، لأن هذه حينها قد تكون صالحة لنظرها ، وهي نتيجة ذلك ، إما أن تأمر بتأجيلها لي سبب جدي ، و إما أن تتولى الفصل فيها ، حتى ولو التزم المدعى عليه بالسكوت ، بعد ذلك ، متى تبين لها وأن الدعـوى مهيأة للفصل فيها .
هذا وقد يعزي تأجيل الدعوى ، إلى المحكمة قد تأمر بإجراء من إجراءات الإثبات ، كسماع الشهود ، أو تمكين المدعي من الإطلاع على الطلب العارض ، الذي يكون المدعى عليه قد تقدم به في غيابه مع ما يتطلبه ذلك من إعلامه به .
كما أن غياب المدعي لا يكون سببا في رفض طلبه، بل أن المحكمة قد تستجيب له رغم ذلك الغياب ، وهي الصورة التي تتحقق من الناحية العملية ، عند اعتراف المدعى عليه بالواقعة المنشئة للحق المتنازع فيه .
ج- غياب المدعى عليه وحده:
لا يحول غياب المدعى عليه وحده ، دون إمكانية قيام المحكمة بالفصل في الدعوى ، لأن القول بغير ذلك قد يجرنا إلى القول ، بأن حصول المدعي على حقه ، يبقى متوقفا على إرادة المدعى عليه ، وهي نتيجة لا تتماشى وقواعد تحقيق العدالة ، وفي المقابل فالمدعى عليه ، ليس هو الذي أخذ بزمام المبادرة في إقامة الدعوى ، ولا وجود لأية قرينة قانونية ، تفيذ حصول العلم لديه بقيام الدعوى لذلك فغيابه لا يعني سوى وجود واقعة موضوعية ، تتمثل في عدم الحضور ، ولا ترقى إلى درجة الإهـمال من شأنها أن تتسبب في عقابه .
وفي ضوء هذه المفارقة ، فالمشرع قد اعتبر غياب المدعى عليه مبررا ، ان لم يبلغ تبليغا صحيحا ، ولم يقدم مذكرة بأوجه دفاعه ، وأن الفصل في الدعوى في مثل هذه الحالة ، ينطوي على إهدار حقه في الدفاع ومن أجل تفادي ذلك ، يتعين على المحكمة أن تأمر بتأجيل الدعوى ، إلى غاية حصول العلم لدى المدعى عليه ، بعد إعادة تبليغه تبليغا صحيحا بقيامها ، فمتى ثبت ذلك ، كان لها أن تنظر فيها خلال الجلسة الموالية وحكمها يعد حضوريا.
والظاهر هنا أن صحة حكم المحكمة ، يتوقف على إعادة التكليف بالحضور من جهة، وعلى صحته من جهة ثانية ، وهي القاعد التي لا يستثنى من سريانها حتى الدعوى الإستعجالية ، مع أن للمحكمة في مثل هذه الحال ، أن تأمر بتقصير مدة التأجيل ،وكذلك الأمر بالنسبة لمواعيد التكليف بالحضور ، وهي القواعد التي قد تلجأ المحكمة إلى إعمالها،متى ثبت لها وأن التبليغ الأول قد تم صحيحا ، بحيث تكون في مثل هذه الحالة ملزمة بالفصل في الدعوى ، استجابة لضرورة الاستعجال المرجحة ، على ضرورة التأكد من علم المدعى عليه بالدعوى .
المبحث الثاني :
الأعمال الإجرائية للخصومة
لا تختلف الأعمال الإجرائية للخصومة، عن الأعمال المكونة لها، من حيث خضوعها لمبدأ قانونية الشكل، لذلك يجب أن تتم وفقا للوسيلة الإجرائية التي حددها المشرع، لاتبعا للوسيلة التي قد يلجأ الخصوم إلى اختيارها.
لذلك نجد القانون الاجرائي، قد حدد شكل الأعمال الإجرائية للخصومة، فاشترط بأن تكون كتابية لا شفوية، وأن تأتي صياغتها على نحو معين، وأن يتم تبليغها وخلال مواعيد معينة، فان لم تتم مراعاة هذه الشروط ، فالجزاء المترتب عن ذلك هو البطلان.
المطلب الأول :
مبدأ كتابية أعمال الخصومـــة
يقود الحديث في مبدأ كتابية أعمال الخصومة، إلى تحديد مفهوم هذا المبدأ من جهة، وتحديد الطبيعة القانونية للمحررات الكتابية التي تحرر بمقتضاه.
الفرع الأول:
مفهوم مبدأ كتابية أعمال الخصومة
إذا كان قانون الإجراءات المدنية والادارية– مثلما أسلفنا من قبل – قد أوجب بأن الطلب القضائي، والذي يعد من أهم الأعمال المكونة للخصومة القضائية، يجب عرضه على المحكمة بموجب محرر مكتوب يدعى العريضة الافتتاحية للدعوى، فان مختلف الأعمال الإجرائية اللاحقة لذلك الطلب ، يجب أن تتم كذلك أيضا بموجب محررات كتابية، بما يعني وأن محضر التكليف بالحضور للجلسة، والذي لا يتحقق مبدأ المواجهة بين الخصوم إلا به ، يجب أن يكون كتابيا، كما تخضع له المذكرات التي يرفع بها الخصوم ادعاءاتهم ودفوعهم إلى المحكمة أثناء سريان الخصومة ، وهو ذات المبدأ الذي تخضع له حتى مرافعات المحامين الشفوية في الجلسة، حيث يتولى كاتب الضبط تدوينها كتابة في محضر الجلسة، كما أن جميع الأوامر التي يصدرها القاضي أثناء سير الخصومة، أكانت متعلقة بإعادة التكليف بالحضور للجلسة أو التأجيل، أو حضور أحد الأطراف شخصيا، أو إجراء تحقيق، أو تقديم وثيقة، أو إجراء خبرة، أو التحقيق في الكتابة أو إجراء من إجراءات التحقيق ، أو الانتقال للمعاينة ، أو الأمر بوقف الخصومة، أو انقطاعها ، أو بإعادة السير فيها لأي سبب من الأسباب، حتى ولو صدر بعضها شفاهة، فان كاتب الضبط كذلك أيضا ، يتولى تدوينها بمحضر الجلسة ، وهي بذلك تعد كتابية .
والحال فان جميع الأعمال المكونة للخصومة، وكذلك الأعمال الإجرائية لها تثبت في أوراق، ومن تم فان كنا قد أطلقنا على الورقة، التي يتم بموجبها عرض الطلب القضائي على المحكمة، اسم العريضة الافتتاحية للدعوى، فان الورقة التي يتم بواسطتها تبليغ هذا الطلب القضائي، إلى المدعى عليه في الدعوى ، تدعى التكليف بالحضور للجلسة، وأن مختلف الأوراق التي يقوم الأطراف من خلالها ، بعرض دفوعهم وطلباتهم على المحكمة تدعى المذكرات، وأن الأوراق التي تتضمن الأوامر الكتابية التي تصدرها المحكمة، عادة ما تأتي في شكل حكم قضائي، وأن الأوراق التي تتضمن الأوامر الشفوية للمحكمة، وكذلك مرافعات المحامين الشفوية تدعى محاضر الجلسة وهكذا.
الفرع الثاني:
الطبيعة القانونية للأعمال الإجرائية للخصومة
يلاحظ بأن هذه الأوراق، إما أن تحرر من قبل الخصوم ووكلائهم، و إما من طرف المحضرين القضائيين والخبراء، و إما من طرف كاتب الضبط أو القاضي، وبذلك فإذا ما عرفنا بأن هذين الأخيرين موظفين عموميين، وأن كلا من المحضر القضائي والخبير يعتبران قائمين بوظيفة عمومية، فان جميع الأوراق التي يتولون تحريرها هي أوراق رسمية، وينطبق ذلك على محضر التكليف بالحضور للجلسة ، ومحضر الخبرة القضائية ، والحكم، ومحضر الجلسة، وبالتالي فما ورد في مضمونها يعد حجة ما لم يثبت تزويره.
أما الأوراق التي يتولى الخصوم ووكلاؤهم تحريريها، وهي العرائض الافتتاحية للدعوى، ومختلف المذكرات الإضافية و الجوابية، فهي لا تعد رسمية ، ويجوز بالتالي إقامة الدليل على عكسها، إلا في حدود البيانات التي يكون كاتب الضبط، قد دونها فوقها عند تقديمها لكتابة ضبط الجهة القضائية المعنية.
وشكلية تلك الأعمال الإجرائية، لا تقتصر على ثبوتها وصحتها بالكتابة فقط ، بل تتعداها الى ضرورة خضوع جميع أوراق الخصومة القضائية، إلى بيانات معينة، تختلف باختلاف الورقة نفسها، فالبيانات التي اشترطها القانون في العريضة الافتتاحية للدعوى ،ومختلف المذكرات الإضافية والجوابية، ليست هي البيانات المشترطة في محضر التكليف بالحضور للجلسة ، أو في الحكم القضائي على سبيل المثال.
المطلب الثاني:
ورقة التكليف بالحضور
تحتاج معالجة هذه الورقة ، إلى تعريف التكليف بالحضور للجلسة وأهميته، وبيان أقسامه ، وتحديد الطرف الملزم بإجرائه ، و إبراز بياناته الجوهرية ، وكيفية إعلانه.
الفرع الأول
تعريف التكليف بالحضور وأهميته وأقسامه
يتعين بداية تعريف التكليف بالحضور، ثم إبراز أهميته، وبيان أقسامه.
البند الأول:
تعريف التكليف بالحضور:
لم يضع قانون الإجراءات المدنية تعريفا محددا للتكليف بالحضور ، رغم إشارته في المواد 13 و22 وما يليهاو473 منه، إلى بعض البيانات والشروط الواجب توافرها لصحته، وكذلك الحال بالنسبة لقانون الإجراءات المدنية والإدارية، رغم إشارته من خلال المادتين 18و19 منه إلى أن التكليف بالحضور للجلسة هو عبارة عن محضر يحرر بواسطة المحضر القضائي، يتضمن جملة من البيانات الإلزامية لايصح إلا بتوافرها.(انظر نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية).
أما الفقه فقد عرفه بأنه: (هو العمل الذي يتم بمقتضاه إيصال واقعة معينة إلى علم المعلن إليه) ، لذلك وبالنظر إلى قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يمكن تعريفه بأنه: (هو الإجراء الذي يتم بموجبه إخطار المدعى عليه في الدعوى، بمضمون أوراق الخصومة وإجراءاتها بصورة رسمية).
البند الثاني:
أهمية التكليف بالحضور
تبدو الأهمية العملية والقانونية للتكليف بالحضور للجلسة، في كونه يعد إعمالا لمبدأ المواجهة بين الخصوم في الدعوى، وبالتالي فان كان القانون يتطلب إجراءه ، فذلك يعني بأنه يشكل الوسيلة الوحيدة لإخطار المدعى عليه بالدعوى المرفوعة ضده، بما يعني وأن العلم الفعلي بواقعة رفع الدعوى من قبل هذا الأخير، لا يشكل بديلا للتكليف بالحضور للجلسة، ولا يمكنه أن يترتب أية آثار قانونية، بالنسبة لتحقيق مبدأ المواجهة وانعقاد الخصومة.
لكنه وعلى العكس من ذلك، فان تم ذلك العلم وفقا للشكل الذي حدده القانون ، فانه لا يجوز للمدعى عليه التمسك بعدم العلم بالدعوى المرفوعة في مواجهته، ومناط ذلك أن انعدام العلم الفعلي، ليس منه شأنه نفي تحقق العلم القانوني، طالما أن هذا الأخير يتحقق بالتكليف بالحضور للجلسة، وهو وحـده الذي يحظى بعين الاعتبار في نظر القانون .
البند الثالث:
أقسام التبليغ:
يختلف التكليف بالحضور للجلسة، عن باقي الأوراق القضائية ، التي يلزم القانون تبليغها للخصوم، ذلك أن تبليغ البعض من هذه الأوراق، قد يعد في حد ذاته عنصرا من العمل الإجرائي محل التبليغ ، بحيث لا يوجد هذا العمل بغيره، ومن أمثلة ذلك ، تبليغ ورقة الحجز إلى المحجوز عليه،
فبغير ورقة الحجز المبلغة لا يوجد الحجز .
لذلك فالتكليف بالحضور للجلسة، ما هو إلا عبارة عن عمل إجرائي مستقل عن الورقة محل التبليغ، أي عن العريضة الافتتاحية للدعوى، كما أن محضر تبليغ الحكم القضائي، هو عبارة عن ورقة مستقلة عن الحكم القضائي، وبالتالي فان شاب ورقة التكليف بالحضور للجلسة، أو ورقة تبليغ الحكم القضائي عيبا من العيوب، فان ذلك لا يؤثر لا في صحة العريضة الافتتاحية للدعوى ، ولا في صحة الحكم القضائي، إن كانا في حد ذاتهما صحيحين .
وبالمقارنة مابين المواد 15 و18 و19 و276 و407 و691 و715 و722 و724 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجد بأن البيانات التي اشترطها القانون في كل من: العريضة الافتتاحية للدعوى، والتكليف بالحضور للجلسة، والحكم القضائي، ومحضر تبليغه، وطلب استصدار الحجز، والأمر بالحجز وتبليغه، ومحضر الحجز والجرد، ومحضر رسو المزاد وغيرها من الأوراق القضائية ليست واحدة، فان الجزاء المترتب على تخلفها أيضا في هذه الورقة أو تلك ليس واحدا.
فقد تكون القواعد الموجبة لهذا البيان أو ذاك من النظام العام، كالبيانات الواجب توافرها في العريضة الافتتاحية للدعوى المقررة بالمادة 15 أعلاه، وأن الإخلال بها نتيجة ذلك، يترتب عنه بطلانها، ما لم يتم تصحيحها، إن كانت تلك القواعد تجيز ذلك.
وقد تكون تلك القواعد ليست من النظام العام، كالبيانات الواجب توفرها في محضر تبليغ حكم قضائي المقررة بالمادة407 المشار إليها فيما تقدم، فان الإخلال بها ولو لم يتم تصحيحها، قد لا يؤدي إلى بطلانها، مالم يتمسك صاحب المصلحة بهذا البطلان قبل إثارته لأي دفع أو دفاع في الدعوى، وهي كلها مسائل تحتاج إلى توضيح ، ذلك ما نأتي على إيجازه بمناسبة الحديث عن بيانات التكليف بالحضور.
الفرع الثاني
تحديد الجهة المعنية بإجراء التكليف بالحضور
إذا كان نص المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية، قد أشار إلى أن التكليف بالحضور للجلسة، يسلم إما بواسطة كاتب الضبط، أو يرسل بطريق البريد ضمن ظرف موصى عليه أو بالطريق الإداري، فان ذلك يعني بأن الجهة التي تتولى– وفقا لهذا النص– إجراء التكليف بالحضور للجلسة،هي كتابة ضبط المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى، بحيث تتولى هذه الجهة تحرير محضر التكليف بالحضور للجلسة، ثم تقوم بتبليغه، وذلك إما بتسليمه إلى المدعى عليه، وإما بإرساله إليه عن طريق البريد المضمن ضمن رسالة مسجلة ، وإما تقوم بتبليغه إليه عن طريق بعض الهيئات الإدارية، كالنيابة العامة مثلا.
لكنه ومع أن هذا النص لم يعدل والى غاية الآن ، فالجهة المعنية حاليا ، بل المحتكرة لإجراء التكليف بالحضور للجلسة، وكذلك الأمر بالنسبة لتبليغ مختلف الأوراق القضائية ، ومنذ صدور القانون 91/03 المؤرخ في 8/1/1991 المتضمن تنظيم مهنة المحضر ، إنما هي المكاتب العمومية للمحضرين القضائيين، إذ يتولى هؤلاء وبموجب المادة الخامسة منه، تبليغ المحررات والإعلانات القضائية والإشعارات التي تنص عليها القوانين والتنظيمات، وهي نفس المكاتب المخولة بمقتضى قانون الإجراءات المدنية والإدارية بإجراء تبليغ مختلف تلك الأوراق القضائية.
وإذا كانت المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية ، لازالت تجيز إجراء التكليف بالحضور عن طريق البريد، فهي مسألة قد تثير إشكالية ، بشأن المسؤولية عن الضياع أو التأخير الذي قد يحصل ، نتيجة عدم قيام إدارة البريد بإيصال الورقة إلى المبلغ له في الوقت المناسب، وقد كانت هذه الإشكالية هي التي أدت بالمشرع الفرنسي إلى العدول عن الفكرة ، التي عرضت بمناسبة تعديل قانون المرافعات الفرنسي عام 1935، والرامية إلى إحلال التبليغ عن طريق البريد، محل التبليغ عن طريق المحضر القضائي ، لما في ذلك من اقتصاد في النفقات والرسوم ، بحيث أن لجنة التعديل لم تأخذ بهذه الفكرة ، وقد بررت رفضها لها ، بالقول وأن المحضر القضائي حال قيامه بتبليغ مختلف الأوراق القضائية إنما يعد في حكم الوكيل عن القائم بالإعلان ، وهو نتيجة ذلك يعد مسئولا مسؤولية تأديبية ومدنية عن خطئه و تقصيره و مخالفته للقانون، حال قيامه بتحرير التكليف بالحضور للجلسة، وتأخره في إيصاله إلى المعلن إليه، و ذلك في الوقت الدي لا يمكن فيه، مساءلة إدارة البريد عن ضياع الرسالة المحتوية لورقة التكليف بالحضور للجلسة، أو تأخرها في إيصالها إليه في الوقت المناسب.
ومع أن القانون 91/03 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي المشار إليه فيما تقدم، قد أسند مهمة تبليغ الأوراق القضائية إلى المحضر القضائي، فانه لم يعد ثمة أي مبرر، لوجود نص يقضي بإجرائه عن طريق البريد، أو بالطريق الإداري من طرف كتابة ضبط المحكمة، أو من طرف النيابة، وهي مسألة من المفروض أن تؤدي إلى الاستغناء عن مضمون المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية، الأمر الملاحظ غيابه من خلال نصوص قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلقة بتبليغ مختلف الأوراق القضائية، وبذلك فليس ثمة ما يحول دون إجراء تبليغ هذه الأوراق من طرف المحضر القضائي عن طريق البريد المضمن، حال امتناع المبلغ له عن استلامها، طالما أن ذلك يعد بمثابة وسيلة لإتمام عمله وتسهيله عليه.
الفرع الثالث:
بيانات التكليف بالحضور
على الرغم من أن نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية القديم، قد حدد البيانات الواجب توافرها في التكليف بالحضور للجلسة، وهي المتعلقة باسم ولقب ومهنة وموطن كل من الأطراف، وتاريخ إجراء التكليف بالحضور للجلسة، ورقم الموظف القائم بالتبليغ وتوقيعه، والمحكمة المختصة بالطلب، واليوم والساعة المحددة للمثول أمامها، وملخص الموضوع ومستندات الطلب، وإذا كان الأمر متعلقا بشخص معنوي تعين ذكر عنوانه ونوعه ومركزه الرئيسي، فان هذا النص لم يحدد
الطرف الذي يتولى تحرير هذا المحضر.
لكنه وعلى العكس من ذلك، فالمادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نصت على أن الجهة المختصة بتحرير محضر التكليف بالحضور للجلسة، هي المحضر القضائي، لذلك فما هي البيانات التي أوجبها قانون الإجراءات المدنية والإدارية لصحة هذا المحضر.
البند الأول:
طالب التكليف بالحضور:
لقد أوجب المشرع بمقتضى نص الفقرات 01 و3 و5 من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية، المقابلة للفقرات 2و3و4 من المادة 18والفقرتان 2 و3 من المادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بأن يتضمن التكليف بالحضور اسم ولقب وموطن مقدم الطلب القضائي، وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي يتعين الإشارة إلى تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي.
ويلاحظ بأن المشرع من خلال نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد استغنى عن بعض البيانات التي أوجب توافرها بالمادتين 13 و15 من قانون الإجراءات المدنية، وهي المتعلقة بمهنة طالب التكليف بالحضور للجلسة، وباسم ولقب وموطن وكيل مقدم الطلب القضائي، إن كان هذا الممثل هو الذي قام برفع الدعوى عوضا عن الموكل، وذلك على الرغم من دور هذا البيان في تحديد شخصية مقدم الطلب القضائي، لدى الشخص المراد تبليغه، ويتمكن نتيجة ذلك من التعرف على اسم ولقب ومهنة وموطن مقدمه، وما إذا كان قد قام برفع الدعوى باسمه ولفائدته، أم أنه قد أقامها باسم ولفائدة غيره، وعلى ضوء ذلك يتولى إعداد أوجه دفاعه في الدعوى.
أما فيما يتعلق بالجزاء المترتب عن خلو التكليف بالحضور للجلسة من هذا البيان، سواء في ظل نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية، أو في ظل نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فهو البطلان، بما يفيد وأنه متعلق بالنظام العام، يجوز للقاضي إثارته ولو من تلقاء نفسه.
البند الثاني:
وقت إجراء التكليف بالحضور:
وفقا للفقرة الثانية من نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية أعلاه ، المقابلة للفقرة الأولى المشتركة بين المادتين 18 و19 والفقرة الثانية من المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه يتعين أن يذكر في محضر التبليغ ، تاريخ وساعة إجراء التبليغ الرسمي للعريضة الافتتاحية للدعوى بالحروف لا بالأرقام، بما يفيد ذكر اليوم والشهر والسنة والساعة الذي حصل فيه التبليغ، وكذلك ذكر تاريخ أول جلسة وساعة انعقادها.
مع الملاحظة بأن البيان المتعلق بتاريخ التبليغ، ينطوي على أهمية كبيرة، لاسيما فيما يتعلق
بتحديد التاريخ الذي يبدأ منه احتساب المهلة القانونية الواردة بالمادة 26 من قانون الإجراءات المدنية المقابلة للمادة 16 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي المحددة بالمادة 26 بمهلة 10 أيام وبالمادة 16 بمهلة 20 يوما على الأقل، تسري ابتداء من تاريخ تسليم التكليف بالحضور للجلسة إلى اليوم المحدد للحضور أمام المحكمة، و بدون احترامها فلا يعد محضر التكليف بالحضور للجلسة صحيحا، لما في ذلك من مساس بحقوق المدعى عليه في الدفاع.
يضاف إلى ذلك أن هذا التاريخ، قد يعتد به كذلك أيضا لبدء سريان مواعيد الطعن، عادية كانت أو غير عادية، إن كانت الورقة المبلغة حكما قضائيا لا محضر تكليف بالحضور للجلسة.
هذا وما دام محرر محضر التكليف بالحضور للجلسة هو المحضر القضائي، وهو قائم بوظيفة عمومية، فان ذلك يعني بأن هذا المحضر هو ورقة رسمية، و بدون احتوائها على التاريخ الذي حررت فيه، فإنها تفقد قيمتها القانونية كورقة رسمية.
البند الثالث:
اسم المحضر القضائي والمحكمة التي يعمل بها:
لقد اشترطت الفقرتان الثانية و الرابعة من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية المقابلة للفقرة الأولى المشتركة بين المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ذكر المحضر القضائي الذي قام بإجراء التكليف بالحضور للجلسة، وعنوانه المهني وختمه وتوقيعه على أصل الورقة وعلى مختلف صورها ونسخها ، وهو التوقيع الذي يعطي لمحضر التكليف بالحضور للجلسة الصفة الرسمية.
ومع أن نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد أغفلا النص صراحة على ذكر المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى، خلافا للفقرة الرابعة من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي كانت توجب ذكر المحكمة المختصة بالطلب،فان هذه محددة بالعريضة الافتتاحية المبلغة، كما أن العنوان المهني للمحضر القضائي، من شأنه الكشف عما إذا كان هذا المحضر قد احترم قواعد الاختصاص الإقليمي ، أم تجاوزه للعمل لدى الأقاليم الجغرافية التابعة لجهات قضائية أخرى ، غير تلك التي يعمل بدائرة اختصاصها ، على اعتبار وأن نص المادة الثانية من القانون 91/03 المؤرخ في: 08/01/1991 ، المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي، قد حدد اختصاصه الإقليمي بدائرة الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التابع لها، و إن تجاوز ذلك فالجزاء المترتب عنه هو بطلان ورقة التكليف بالحضور للجلسة.
هذا و يستثنى من تطبيق هذه القاعدة، حالات انتدابه لتقديم خدمات لدى المجالس القضائية الأخرى، في ضوء مقتضيات نص المادة 06 و ما يليها من نفس القانون، وهي الخدمات التي قد تنحصر في القيام بإجراء التكليف بالحضور للجلسة للأطراف عند انعقاد محكمة الجنايات، وذلك على مستوى الدائرة الجغرافية للمجلس القضائي الذي انتدب للعمل فيه، وكذلك الحال على مستوى الدائرة الجغرافية لمحاكم أخرى غير الدائرة الجغرافية للجهة القضائية التابع لها، إن لم يكن ثمة محضرون قضائيون يعملون بها ، مثلما هو عليه الحال لدى بعض محاكم الجنوب، وذلك إلى جانب أن المحضر القضائي، قد تلجأ المحكمة إلى انتدابه بموجب أمر على ذيل عريضة ، لإجراء التكليف بالحضور ضمن الدائرة الجغرافية التابعة لمحاكم أخرى ، عند قيام حالات التنافي المنصوص عليها بالمادة 16 من القانون 91/03 أعلاه ، لدى المحضرين القضائيين العاملين على مستوى الدائرة الجغرافية لهذه المحاكم.
البند الرابع:
المبلغ إليــــه:
لقد أوجب نص الفقرة الثالثة من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية ، ، اشتمال محضر التكليف بالحضور على اسم الشخص المطلوب تبليغه و لقبه و مهنته ومحل إقامته، مع ذكر الشخص الذي تركت له نسخة التكليف بالحضور، وان كانت الدعوى مرفوعة على شركة، تعين ذكر الاسم الكامل لها ونوعها ومقرها وذكر الشخص الذي تركت له نسخة التكليف بالحضور للجلسة.
أما لفقرات 2و3و4 من 18 والفقرات 3و3 من المادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنها قد اقتصرت على ذكر البيانات المتعلقة باسم ولقب وموطن المدعى عليه، وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي، يشار إلى تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي واسم ولقب وصفة الشخص المبلغ له.
وبغرض سد النقص الذي اعترى تطبيق نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية، بخصوص الشخص المبلغ والاستلام والتوقيع، فان الفقرات 4 إلى 8 من المادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد ألزمت ذكر البيانات المتعلقة بتوقيع المبلغ له على محضر التكليف بالحضور للجلسة، وذكر الوثيقة التي تثبت هويته وبيان رقمها وتاريخ صدورها، إلى جانب ذكر تسليمه محضر التكليف بالحضور للجلسة مرفقا بنسخة من العريضة الافتتاحية للدعوى المؤشر عليها من أمين الضبط، مع الإشارة إلى رفضه استلام التكليف بالحضور للجلسة، أو رفضه التوقيع عليه، أو وضع بصته لاستحالة توقيعه عليه، أو استحالة تسليمه إياه والإشارة أيضا إلى تنبيهه بأنه وفي حالة عدم امتثاله للحضور، فان الحكم سيصدر ضده بناء على ما قدمه المدعي من عناصر في عريضة افتتاح دعواه.
وتأسيسا على ذلك فان كانت الدعوى مرفوعة ضد شركة أو جمعية أو مؤسسة نقابية، أو هيئة عمومية، وبصرف النظر عما إذا كانت ذات طبيعة إدارية، أو ذات طبيعة صناعية وتجارية، فالأمر يتوقف عما إذا كانت تتمتع بشخصية اعتبارية أم لا ، فان كانت لها هذه الشخصية يمكن الاكتفاء بذكر اسمها وطبيعتها ومقرها الاجتماعي، إلى جانب ذكر اسم ولقب وصفة الشخص المبلغ له، وهي الصفة التي تمكن من التعرف عما إذا كان التبليغ قد حصل للنائب أو المفوض عنه، أي عن الوزير أو الوالي أو المدير أو المسير أو الرئيس أو غيرهم من الممثلين القانونيين لهذه الأشخاص الاعتبارية، مع ذكر مقرها الاجتماعي، متى كان هذا المقر ثابتا، وخلافا لذلك فان لم تكن تتمتع بتلك الشخصية الاعتبارية، تعين اشتمال الورقة على البيانات الخاصة بالهيئة التابعة لها، وعلى أقل تقدير ذكر البيانات المتعلقة بكل شريك أو عضو حسب الأحوال .
البند الخامس:
موضوع التبليــــغ:
وفقا لنص المادة 13/05 من قانون الإجراءات المدنية، المقابلة للمادة 19/05 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه يتعين الإشارة إلى موضوع التبليغ في محضر التكليف بالحضور، أي فيما إذا كان متعلقا بعريضة افتتاح دعوى مدنية أو تجارية أو غيرها، أو أنه متعلقا بعريضة استئناف، أو عريضة إدخال في الخصام، أو تدخل فيه أو إعادة السير في الدعوى بعد الخبرة، أو بعد النقض أو الوفاة أو التحقيق أو الفصل في دعوى أخرى.
الفرع الرابع:
كيفية التبليـــغ:
إذا كنا قد أشرنا فيما تقدم، إلى أن الخصومة القضائية، لا تنعقد الا بإعلانها إلى الشخص المطلوب إعلانا صحيحا، فان هذا الإعلان يفترض فيه، أن يتم إلى هذا الأخير شخصيا في أي مكان يكون موجودا فيه، بشرط ألا يرتكب المحضر القضائي حال قيامه بذلك جريمة في سبيل الوصول إليه، كالدخول إلى منزله عنوة ، ومع كل ذلك فقد لا يتمكن من إيجاده، إما لكونه غير معروف بالمنطقة التي يتوطن بها، وإما لتشابه اسمه مع أسماء أخرى، وقد يكون السبب لعمله في مكان بعيد عن موطنه، أو لكثرة تنقلاته، أو لاختفائه عمدا وبسوء نية منه لمنع حصول التبليغ وانعقاد الخصومة، مما يؤدي إلى عدم قبول الدعوى المرفوعة في مواجهته، وهو بذلك يتمكن من ربح الوقت، مع تفويت الفرصة على صاحب الإعلان في الحصول على حكم بمطلوبه، وقد لا يكون شيئا من ذلك، بل أن موطنه قد أصبح غير معروف أصلا، ومن ثمة فهل يبقى البحث متواصلا عنه إلى غاية وجوده و تبليغه
تبليغا شخصيا؟.
إن هذا الواقع من شأنه أن يعطل سير الخصومة، ويجعل انعقادها متوقفا على إرادة المطلوب إعلانه، كما أنه يعرقل السير الحسن للعدالة، لذلك نجد المشرع قد جاء بحلول قانونية للكيفية التي يتم بها التبليغ في جميع هذه الافتراضات.
البند الأول:
التبليغ لشخص المطلوب تبليغه:
بالرجوع إلى نص المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية المقابلة للمادة 408 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجد المشرع قد تضمن النص على حصول التبليغ للشخص المطلوب تبليغه شخصيا ، وهي الطريقة المثلى لحصول العلم القانوني لديه بالطلب القضائي المقدم في مواجهته، وهو تبليغ يعتد بصحته متى قبل الشخص المطلوب تسلم صورة التكليف بالحضور للجلسة ، المرفق بالعريضة الافتتاحية للدعوى ووقع على الأصل، بما يفيد استلامه لها، وذلك بصرف النظر عن المكان الذي حصل فيه التبليغ ، فيما إذا كان موطنه أو محل عمله، أو حتى في الطريق العام.
لكنه وعلى الرغم من أن إنتاج التبليغ لآثاره القانونية، يفرض على المحضر القضائي واجب التحقق من هوية الشخص المبلغ له، فيما إذا كان هو الشخص بالذات المطلوب تبليغه ام لا، فانه وفي ظل إغفال المشرع للنص على ذلك صراحة ، كما يظهر من خلال نص المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية، فان صحة التكليف بالحضور كان يتوقف على التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى: وهي التي يحصل فيها التبليغ للمطلوب إعلانه في موطنه، إذ أن المحضر القضائي قد يكتفي بالتصريح الصادر عن المبلغ له، بأنه هو المعني بالتكليف بالحضور شخصيا، فيتولى تسليمه الورقة المبلغة، والإشارة إلى تبليغه شخصيا، حتى لو كان المحضر القضائي لا يعرفه معرفة شخصية، فانه لم يكن يرى نفسه ملزما بالتثبت من هويته الكاملة، ومع ذلك فهي مسألة قليلا ما أدت إلى التأثير في صحة هذا النوع من التبليغات.
وتفسير ذلك يكمن في أن احتمال وجود شخص آخر غير الشخص المطلوب تبليغه هو احتمال ضعيف، وهو أمر لم يكن معه الشخص المبلغ معفيا من التوقيع على أصل الورقة المبلغة، وان امتنع عن الاستلام أو عن التوقيع أو صرح بأنه لا يحسن التوقيع، كان المحضر القضائي يكتفي بالتأشير بذلك على ذيل محضر التكليف بالحضور للجلسة، ثم يقوم بإرساله إليه عن طريق البريد المضمن، وفقا لمقتضيات المادة 24/02 من قانون الإجراءات المدنية.
الحالة الثانية: وهي التي يحصل فيها التبليغ خارج مقر إقامة الشخص المطلوب تبليغه، وهي التي لا يمكن للمحضر القضائي، أن يكتفي فيها بتصريح المبلغ له، بأنه هو المطلوب تبليغه شخصيا، بل أن التحقق من هويته الكاملة، هي مسألة تقع على مسؤولية المحضر القضائي، لأن الاحتمال في كون الشخص المصرح، ليس هو الشخص المطلوب تبليغه هو الراجح في مثل هذه الحالة.
ويبدو من خلال الرجوع لنص الفقرتين 3 و4 من المادة 19 و الفقرتين 5 و6 من المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأن مثل هذا الالتباس لم يعد قائما، من حيث كونها قد جعلت صحة التبليغ في مثل هذه الحالة، يتوقف على ذكر اسم ولقب وموطن الشخص المبلغ له وتوقيعه أو وضعه بصمته على التبليغ، مع الإشارة إلى وثيقة إثبات هويته ورقمها وتاريخ صدورها، سواء تم التبليغ له في موطنه، أو أي مكان آخر غيره.
البند الثاني:
التبليغ للموجود في موطن المطلوب تبليغه:
إذا لم يتمكن المحضر القضائي من العثور على الشخص المطلوب تبليغه بالذات، فان تسليم
التكليف بالحضور للجلسة، يصح إذا تم في شخص أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين أو إلى أي شخص آخر يقيم مع الشخص المطلوب تبليغه في نفس المنزل، وذلك إعمالا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، القريب من المادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي اعتدت بصحة التبليغ المجرى في الموطن الأصلي للمطلوب تبليغه، وهو تبليغ يعتد بصحته متى استوفى الشروط التالية:
أولا: إثبات غياب الشخص المطلوب تبليغه:
أنه و تطبيقا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، والمادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فان التبليغ في الموطن الأصلي للمطلوب تبليغه، لا يكون صحيحا الا إذا أشار المحضر القضائي في محضر التكليف بالحضور للجلسة ، إلى غياب المطلوب تبليغه ومن تم استحالة التبليغ الرسمي شخصيا له، بما يعني و أن حصول التبليغ لأحد أفرد عائلته في ظل وجوده لا يعتد به، حتى عند رفضه الاستلام أو التوقيع .
ثانيا: تحديد العلاقة بين المبلغ والمطلوب تبليغه:
يتعين على المحضر القضائي، أن يشير في محضر التكليف بالحضور للجلسة، إلى طبيعة العلاقة التي تربط الشخص الذي ترك له الورقة المبلغة بالشخص المراد تبليغه، فيما إذا كان خادما لديه كالطباخ والسائق والبستاني والكاتب والعامل وغيرهم ممن ذكروا حصرا سواء بالمادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، أو بالمادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أو أنه مقيم معه بنفس المسكن، أو أنه بواب للعمارة التي يقيم بها المطلوب، أو أنه قريب له :كالأم والأخ والزوجة والابن والحفيد وغيرهم .
ثالثا: حصول تسليم التكليف بالحضور في موطن المطلوب:
تطبيقا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، المقابل للمادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه لا يجوز تسليم التكليف بالحضور للجلسة للتابع وللمقيم بنفس المسكن، ولبواب العمارة، وللقريب في أي مكان، قياسا على المطلوب تبليغه شخصيا بل لا بد من تسليمهم التكليف بالحضور للجلسة، بالموطن الأصلي أو بالوطن المختار للشخص المطلوب تبليغه، لذلك فلا يصح تسليم التكليف بالحضور للجلسة، إلى الشخص المصرح على أنه مجرد صديق للمطلوب تبليغه، أو أنه جار له أو انه قريب له وغير المقيم معه.
رابعا: حصول التبليغ لمن يتمتع بالأهلية:
على الرغم من أن نص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية ، لم يتضمن النص على أي شرط، بخصوص سن الأشخاص المخول لهم قانونا استلام محضر التكليف بالحضور للجلسة، بدلا من الشخص المطلوب تبليغه شخصيا، فان هذا الإغفال كثيرا ما استغله المحضرون القضائيون، في إجراء التبليغ لمن لا يتمتع حتى بسن التمييز في بعض الأحيان، على الرغم من أن القواعد العامة لاسيما تلك المنصوص عليها بالمادتين 42 و 43 من القانون المدنية، تفرض في أن يكون الشخص المؤهل لاستلام
ورقة التكليف بالحضور للجلسة مميزا على الأقل، أي أنه قد بلغ من العمر ثلاثة عشر سنة.
ومع ذلك فان مثل هذا الإشكال لم يعد قائما، في ظل سريان نص المادة 410/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي نصت صراحة على أن الشخص الذي يتلقى التبليغ ، يجب أن يكون متمتعا بالأهلية تحت طائلة بطلان التكليف بالحضور للجلسة.
خامسا: انعدام التعارض بين مصلحة المطلوب تبليغه ومصلحة المخاطب:
قد يحصل أن تكون مصلحة طالب التبليغ، متعارضة مع مصلحة الشخص المطلوب تبليغه، وهي مسألة وعلى الرغم من إغفال المشرع لها في قانون الإجراءات المدنية، وكذلك الحال في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه لا يجوز مع وجودها إجراء عملية التبليغ لهذا الشخص، ومن ذلك أن الدعوى التي يرفعها الزوج على زوجته، أو الدعوى التي ترفعها هذه على زوجها، أو تلك المرفوعة من الأب أو الأم ضد الابن أو البنت، أو التي ترفع من الأبناء ضد الأصول، وكذلك الحال بالنسبة لجميع الدعاوى المرفوعة بين الأقارب والأصهار المقيمين معا، لا يجوز تسليم ورقة التكليف المراد تبليغها للمدعى عليه إلى المدعي نفسه، لمجرد أنه من الأقارب الساكنين مع المدعى عليه، بل يتعين تسليمها إما إلى المدعى عليه نفسه، وإما إلى احد الأشخاص الآخرين، الذين أجاز القانون تبليغهم عدا المدعي، وذلك لوجود مصلحة متعارضة بين المدعي والمدعى عليه، فلا يطمئن معها على قيام الخصم بتسليم الورقة المبلغة لخصمه.
سادسا: قبول المخاطب استلام الورقة المبلغة:
يشترط في صحة التبليغ لغير الشخص المطلوب تبليغه، أن يقبل الشخص المبلغ استلام نسخة الورقة المبلغة، وأن يوقع أو يضع بصمته على الأصل عند استحالة توقيعه بما يفيد ذلك الاستلام، فان امتنع المبلغ عن استلام الورقة المبلغة، أو رفض التوقيع أو وضع بصمته على الأصل، أن التبليغ لا يتم صحيحا، إلا باستيفاء إجراءات التعليق على النحو الوارد أدناه.
البند الثالث:
التبليغ للنيابـــة أو للبلدية
وفقا لأحكام المادتين 412 و414 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يصح إجراء التبليغ عن طريق النيابة العامة والبلدية في حالات:
أولا: التبليغ لمن لا موطن له:
نصت المادة 412 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه (إذ كان الشخص المطلوب تبليغه رسميا لا يملك موطنا معروفا يحرر المحضر القضائي محضرا يضمنه الإجراءات التي قام بها ويتم التبليغ الرسمي بتعليق نسخة منه بلوحة الإعلانات بمقر المحكمة ومقر البلدية التي كان له بها آخر موطن )، ولصحة التبليغ بهذا الطريق يجب أن تتوفر ثلاثة شروط:
أ) أن يكون موطن المطلوب غير معروف :
إذا كان موطن الشخص المراد تبليغه غير معروف، يجب أن يثبت طالب التبليغ أنه قام بالتحريات الكافية، التي تلزم كل متقصي حسن النية بالبحث عن موطن المطلوب تبليغه ورغم ذلك التقصي فانه لم يتمكن من معرفة موطنه، لذلك فلا يكفي أن يتوجه المحضر القضائي إلى الموطن المذكور في الورقة المراد تبليغها، وحينما يجده الشخص المطلوب قد ترك موطنه ولا يعرف من جيرانه موطنه الجديد يتوقف عن البحث ، بل يتعين التأكد أيضا عما إذا كان موطن عمله معروفا ، أو أن له أصدقاء يعرفون موطنه، أو أنهم مشتركين معه في أي نشاط، أو أنه عضو في جمعية أو نقابة معينة، ومن شأنها أن توصل المحضر القضائي إليه لتبليغه، فان قام بذلك ولم يتوصل إلى التعرف على موطن المطلوب تبليغه، حرر محضرا بذلك فان التبليغ في هذه الحالة يتم إلى النيابة العامة لإجراء التبليغ بلوحة الإعلانات بمقر المحكمة وبمقر البلدية التي كان له آخر موطن بها .
وتأسيسا على ذلك فان كان للشخص المطلوب تبليغه موطنا خاصا أو مختارا معلوما يصح التبليغ الرسمي إليه، ولا يعد في حكم من لا موطن له ، ولا يصح تبليغه وفقا لمقتضيات المادة 412/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
ب) أن تشتمل الورقة على آخر موطن معلوم :
يشترط لصحة التبليغ عن طريق النيابة العامة ، أن تشتمل الورقة محل التبليغ على أخر موطن معلوم للشخص المراد تبليغه ، وتكمن العلة من هذا الشرط في مساعدة النيابة العامة، والبلدية على إمكانية الوصول إلى المبلغ إليه ، إلى جانب أن اشتمال الورقة على هذا الموطن، يشكل في حد ذاته دليلا على أن طالب التبليغ، قد سعى جديا إلى التعرف على موطن الشخص المراد تبليغه وذلك من خلال آخر خبر عنه .
ج )تسليم نسخة الورقة للنيابة أو للبلدية:
لا يصح التبليغ إعمالا لهذا النص، بإثبات المحضر القضائي في الورقة المراد تبليغها، أنه لم يستدل على الشخص المطلوب تبليغه ، بل يتعين تسليم نسخة من الورقة المراد تبليغها إلى النيابة العامة والى البلدية، حتى يعتبر التبليغ قد تم صحيحا، على اعتبار وأن مهمة النيابة العامة أو البلدية، لا تقتصر على مجرد تلقي الورقة ، بل عليها أن تسعى لتعليقها، لأن ذلك يؤدي إلى إحاطة علم الشخص المراد تبليغه بها.
ومن البديهي فان التسليم يصح للنيابة وللبلدية التي يقع بدائرة اختصاصهما آخر موطن معلوم للشخص المراد تبليغه ، وباستيفاء التبليغ الرسمي لتلك الإجراءات كان صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية منذ تاريخ تسليم نسخة منه إلى النيابة العامة وللبلدية، وبذلك فلا تتوقف صحته على وصول الورقة المراد تبليغها إلى الشخص المطلوب، ولا يتوقف ترتيبه لآثاره القانونية من يوم علمه بها.
ولعل الحكمة من ذلك، تكمن في عدم الإضرار بطالب التبليغ، من جهله لموطن خصمه،
لأن مثل هذا الخصم غالبا ما يعتمد وبسوء نية منه على إخفاء موطنه الحقيقي، رغبة منه في الكيد بطالب التبليغ.
ثانيا: التبليغ لرافض الاستلام أو التوقيع.
نصت المادة 412/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه:(إذا رفض الأشخاص الذين لهم صفة تلقي التبليغ الرسمي استلام محضر البليغ تطبيق أحكام الفقرة الأولى أعلاه ، وعلاوة على ذلك يرسل التبليغ الرسمي برسالة مضمنة مع الإشعار بالاستلام إلى لآخر موطن له ..) .
وبمقتضى هذا النص فان إجراء التبليغ، لمن له الصفة في استلام التبليغ، لا يعد صحيحا إذا رفض الاستلام، بل أن صحة التبليغ تتوقف على إجرائه للنيابة العامة وللبلدية، بغرض التعليق بلوحة الإعلانات بمقر المحكمة وبمقر البلدية، التي بها موطن الشخص الذي رفض الاستلام، وذلك إلى جانب إرسال التبليغ عن طريق رسالة مضمنة الوصول مع الإشعار بالاستلام لموطن المطلوب تبليغه
ووفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 412 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالإرسال المضمون والتعليق، يثبت بختم إدارة البريد، أو تأشيرة رئيس المجلس الشعبي البلدي أو تأشيرة أي موظف مؤهل لذلك، أو تأشيرة رئيس أمناء الضبط حسب الحالة.
ثالثا: التبليغ عن طريق النشر في جريدة يومية وطنية :
نصت المادة 412/4 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه (وإذا كانت قيمة الالتزام تتجاوز 500.000دج، يجب أن ينشر مضمون عقد التبليغ الرسمي في جريدة يومية وطنية بإذن من رئيس المحكمة ، التي يقع فيها مكان التبليغ وعلى نفقة طالبه).
وتأسيسا على ذلك فالتبليغ لمن لا موطن له، أو لمن له الصفة في تلقي التبليغ ورفض استلامه، فلا يكفي لصحته إجراء التعليق، أو إجراء التعليق والإرسال بالبريد المضمن، متى كانت قيمة الالتزام تتجاوز 500.00دج ، بل يحتاج إلى النشر في جريدة يومية وطنية ، والعلة في ذلك تكمن في الحرص على زيادة فرصة العلم لدى المطلوب بالورقة المبلغة.
وبحكم الفقرة الخامسة من المادة 412 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فان آجال التبليغ في جميع هذه الأحوال، تسرى من تاريخ آخر إجراء حصل وفقا لطريقة من تلك الطرق، وباستيفاء التبليغ لتلك الإجراءات، يأخذ حكم التبليغ الشخصي، وينتج بذلك كافة آثاره القانونية .
رابعا : التبليغ لمن لهم موطن في الخارج .
نصت المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه: (يتم تبليغ الشخص الذي له موطن في الخارج وفقا للإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقيات القضائية ) ، فيما نصت المادة 415 من نفس القانون على أنه: (في حالة عدم وجود اتفاقية قضائية يتم إرسال التبليغ بالطرق الدبلوماسية).
وباستقراء نص المادتين 414 و415 من هذا القانون، نجد وأن المشرع قد ميز بين حالتين:
أ) حالة وجود اتفاقية قضائية :
إذا كان البلد الذي يتوطن به الشخص المراد تبليغه، مرتبط مع الجزائر باتفاقية قضائية،فان التبليغ له يتم وفقا للإجراءات التي حددتها هذه الاتفاقية.
وعمالا لنص المادة 09 من اتفاقية التعاون القضائي المتبادل في الشؤون المدنية والتجارية الموقعة بين الجزائر وبلجيكا بتاريخ 12/06/1970 المصادق عليها من الجزائر بموجب الأمر رقم 70/60 المؤرخ في 08/10/1970، فان تبليغ العقود القضائية وغير القضائية المتعلقة بالمسائل المدنية والتجارية المحررة في إحدى الدولتين والمخصصة لأشخاص مقيمين في تراب الدولة الأخرى، توجه مباشرة من وزارة العدل إلى وزارة العدل، وهو طريق غير دبلوماسي.
ب) حالة عدم وجود اتفاقية قضائية:
إذا كان البلد الذي يتوطن به الشخص المراد تبليغه، غير مرتبط مع الجزائر باتفاقية قضائية ، تعين إرسال التبليغ في مثل هذه الحال بالطرق الدبلوماسية ، وهو أمر يحتاج إلى ترجمة الورقة المراد تبليغها، إلى لغة البلد الذي يتوطن به الشخص المراد تبليغه بواسطة مترجم معتمد، ثم القيام بإجراءات التبليغ عن طريق النيابة العامة، التي تتولى توجيهه إلى وزارة العدل، التي تتولى بدورها توجيهه إلى وزارة الخارجية ، لتعمل هذه على تبليغه لوزارة الخارجية لبلد إقامة الشخص المطلوب، فوزارة العدل لدى هذا البلد، لتعمل بدورها على إرساله للنيابة حيث مقر الإقامة لإجراء التبليغ وإعادته بنفس الطريق.
لكنه ومع ذلك فالتساؤل يبقى قائما، حول الوقت الذي يعتبر فيه التبليغ منتجا لآثاره القانونية، فيما إذا كان هو وقت تسليم التبليغ للنيابة العامة، أو وقت تسليم نسخة منه إلى الشخص المراد تبليغه ، أو الوقت الذي امتنع فيه عن الإستيلام .
للإجابة على هذا التساؤل، كان القضاء المقارن في مصر، يذهب إلى اعتبار التبليغ تاما ومنتجا لآثاره القانونية، منذ تسليم نسخة عن التبليغ إلى النيابة العامة ، على أساس أن المحضر القضائي لا ولاية له خارج البلاد ، وأن الإجراءات التي يتم بها تسليم نسخة التبليغ في الخارج، لا سبيل للطعن فيها ، ولا لمساءلة القائمين بها أمام القضاء المصري، لذلك فلا يصح تحميل طالب التبليغ، مخاطر عدم القيام بالتبليغ أو التأخير فيه.
و إذا كان هذا الحل قد يحقق مصلحة طالب التبليغ، فانه لا يؤخذ بعين الاعتبار إذا كان التبليغ يجرى به ميعاد معين في حق المبلغ له ، مما يفوت عنه فرصة ممارسة طرق الطعن في مواعيدها ودون أن يصدر عنه أي خطأ.
لذلك وبغرض التوفيق بين المصالح المتعارضة للطرفين، كان على المشرع أن يتدخل لاعتبار التبليغ منتجا لآثاره القانونية، منذ تسليم نسخة منه إلى النيابة العامة، ما لم يكن مما يبدأ منه ميعاد في حق الشخص المطلوب تبليغه ، ولا يبدأ الميعاد حينها إلا من تاريخ تسليم نسخة منه إلى المبلغ إليه في الخارج ، أو من تاريخ توقيعه على إيصال علم الوصول أو من تاريخ امتناعه عن استلام النسخة أو التوقيع على أصلها بالاستلام ، على غرار ما ذهبت إليه بعض التشريعات المقارنة ، لاسيما نص القانون المصري رقم 23 لسنة 1992 المتضمن تعديل المادة 13 من قانون المرافعات المصري) .
ويعني هذا التدخل أن المشرع يأخذ بالعلم الحكمي للشخص المطلوب تبليغه، جراء ترتيبه لسريان آثار التبليغ من وقت تسليم نسخة التبليغ إلى النيابة العامة، فيما يتعلق بتبليغ الأوراق التي لا يسري بها ميعاد، أما فيما يتعلق بتبليغ الأوراق التي تسري بها المواعيد، كميعاد معارضة أو استئناف أو طعن بالنقض ، فلا يعتد فيها بالعلم الحكمي، بل يشترط العلم الحقيقي بالورقة المبلغة، لذلك لا يعد التبليغ مرتبا لآثاره القانونية، إلا من تاريخ استلام الشخص المطلوب تبليغه للورقة أو من تاريخ امتناعه عن استلامها .
البند الخامس :
التبليغ للمسئولين عن بعض الأشخاص :
ثمة أشخاص لهم ظروف خاصة، عادة ما تحول دون المحضر القضائي في الوصول إليهم، والقيام بتبليغهم وتسليمهم نسخة من الورقة المراد تبليغها ، وفضلا عن ذلك فتواجدهم في موطنهم الأصلي لا يكون إلا نادرا ، وهي أحوال تنطبق على عناصر الجيش أو بعض عناصر الأمن ، والمساجين والعاملين بالسفن التجارية ، لذلك نجد المشرع قد تدخل بمقتضى نص المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لتحديد الطريقة التي يتم بواسطتها تبليغ البعض من هؤلاء ، فيما أهمل النص على الكيفية التي يتم بواسطتها تبليغ البعض الأخر منهم .
أولا: تبليغ المساجين:
نصت المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه(إذا كان الشخص المطلوب تبليغه رسميا محبوسا يكون هذا التبليغ صحيحا إذا تم بمكان حبسه) .
ولم ينفرد التشريع الجزائري بالنص على هذه الطريقة وحده، بل أن المشرع المصري بدوره نص عليها بالمادة 13/7 من قانون المرافعات.
ولعل العلة في تبليغ السجين بمكان حبسه، ترجع لاعتبارات عدة تتمثل في كون دواعي النظام والأمن في السجون، تفرض عدم الاتصال به شخصيا، لذلك يتعذر على المحضر القضائي تسليمه نسخة من الورقة المبلغة بصفة شخصية ، فضلا عن كون السجين لا يتواجد وأمام هذه الوضعية في موطنه الأصلي أو المختار، لذلك لا يكون مقبولا تبليغه فيه ونتيجة ذلك نص المشرع على أن تبليغ السجين، يتحقق بتسليم الورقة المراد تبليغها إلى مأمور السجن، والذي يتعين عليه تسليمها للسجين والحصول على توقيعه باستلامه لها .
أما بالنسبة للوقت الذي ينتج فيه هذا التبليغ آثاره القانونية ، فهو الوقت الذي تم فيه تسليم
الورقة المبلغة لمأمور السجن، بصرف النظر عن القيام بتسليمها للسجين من عدمه وبصرف النظر أيضا عن الوقت الذي تم فيه ذلك التسليم ، بما يفيد وأن المشرع يكون قد اكتفى هنا بالعلم الحكمي لا بالعلم اليقيني ، ومع ذلك فهي مسألة تبقى مبررة بالنظر إلى صعوبة التحكم في عملية توصيل الورقة المبلغة داخل السجن ، بحيث لا يملك المبلغ مكنه التأثير فيها ، وفضلا عن ذلك فمأمور السجن مسئول بحكم القانون عن تسليم الورقة المبلغة إلى السجين في أقرب وقت ممكن.
ثانيا : تبليغ العسكريين وشبه العسكريين :
لم ينظم المشرع الكيفية التي يتم بها إجراء التبليغ الرسمي للعسكريين، خلافا لما هو عليه الحال في التشريعات المقارنة، التي اعتنت بوضع نصوص لتنظيم هذه المسألة ، كالمادة 13/6 من قانون المرافعات المصري ، التي نصت على أن تبليغ أفراد القوات المسلحة ومن في حكمهم، يتم عن طريق تسليم صورة للورقة المبلغة من طرف النيابة العامة إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة ، وتكمن العلة في تبليغ أفراد الجيش بهذه الطريقة في مقتضيات الوظيفة، التي تفرض عليهم الارتباط بأماكن العمل، والتواجد فيها بحكم الانضباط العسكري، وهي في معظمها أماكن نائية، قد لا يكون من المتيسر على المحضر القضائي الوصول إليها.
فضلا عن حالة السرية التي يتطلبها العمل العسكري ، والتي لا تسمح للمحضر القضائي الاتصال بالشخص المراد تبليغه شخصيا ، لذلك قرر المشرع تسليم الورقة المبلغة من طرف المحضر القضائي إلى النيابة العامة، لتتولى هذه بدورها تسليمها إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة التي تفرض قيامها بتسليمها للشخص المراد تبليغه .
ويخضع لهذه الأحكام أفراد القوات المسلحة، ومن في حكمهم من ضباط وجنود بصرف النظر عما إذا كانوا في خدمة دائمة أو مؤقتة ، أكانوا مجندين أو مستدعيين للاحتياط ، كما يخضع لها الموظفون التابعون للمصالح العسكرية ولو كانوا مدنيين ، وهي أحكام لا تخضع لها عناصر الشرطة ، لذلك فالتبليغ للعسكريين وشبه العسكريين، لا يصح أن يتم لشخصهم أو في موطنهم أو لجهة الإدارة تحت طائلة بطلانه ، بل يجب أن يتم بالطريقة التي حددها القانون .
أما بالنسبة للتاريخ الذي ينتج فيه هذا التبليغ آثاره القانونية ، فليس هو التاريخ الذي تم فيه تسليم الورقة المبلغة من المحضر القضائي إلى النيابة العامة ،بل التاريخ الذي تم فيه قيام النيابة العامة بتسليم تلك الورقة إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة ، وذلك بصرف النظر عما إذا قامت هذه بتسليمها للمبلغ له أم لا ( وذلك خلافا لما ذهب إليه الدكتور أحمد أو الوفاء ، حيث رأى أن الإعلان لا يسري في حق المعلن إليه إلا بتسليمه صورة الإعلان ، أو امتناعه عن استلامها لأن الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة، إنما هي سلطة تتولى إتمام عمل المحضر القضائي، ولا تعد نائبة عن الشخص المراد تبليغه.
وثمة من ذهب إلى تأييد هذا الرأي، بدعوى وأن الاعتداد بالتاريخ الذي تم فيه تسليم الورقة
المبلغة إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة ، قد يترتب عنه عدم وصول الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه ، وحتى في الحالة العكسية فقد تصل إليه متأخرة مما يضر بمصالحه ، لذلك نادى هذا الاتجاه الفقهي بضرورة الرجوع إلى تطبيق القواعد العامة في التبليغ الرسمي ، التي تلزم بتسليم الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه شخصيا، أو تسليمها بموطنه ، وقد اعتمد هذا الاتجاه في تأييد رأيه بالعمل القضائي الذي شهد بأن اللجوء إلى هذا الطريق المخصوص، قد اتخذ في بعض الأحيان للعبث بالإجراءات وترتب عليه الفصل في الدعوى.
وفي ظل غياب أي نص صريح لتنظيم طريقة تبليغ العسكريين ، ومن في حكمهم سواء في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم، أو في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، فقد درج العمل على تبليغهم في شخص قادة وحداتهم ، أو إلى موطنهم في شخص الساكنين معهم من الأقارب أو البوابين أو التابعين ، وفي جميع الأحوال فهو تبليغ يبقى حكميا وليس يقينا ، وكثيرا ما لا تعتد به الجهات القضائية، بما يعني عدم إنتاجه لآثاره القانونية، مما يعرض الدعاوى لعدم القبول ، وهو وضع يستدعي استدراكه بموجب نص تعديلي لا حق ، يحدد الطريقة التي يتم بها تبليغ العسكريين وسبه العسكريين .
ثالثا : تبليغ العاملين بالسفن التجارية :
لم يلتفت المشرع في الجزائر كذلك أيضا، إلى تنظيم هذه المسألة، لا في قانون الإجراءات المدنية، ولا في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وذلك خلافا لما هو عليه الحال في بعض التشريعات المقارنة ، حيث المادة 13/8 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، نصت على أن تسليم صورة الورقة المبلغة بالنسبة لبحارة السفن التجارية أو العاملين بها يجب أن يتم للربان.
ولعل الحكمة من وضع هذا النص، تكمن في عدم جدوى التبليغ بالنسبة لهؤلاء في موطنهم في غالب الأحيان كما أن طبيعة الوظيفة التي يمارسونها تقتضي عدم الإخلال بنظام العمل التناوبي لديهم ، الأمر الذي يؤثر في عمل المحضر القضائي بتسليم نسخة من الورقة المبلغة شخصيا إلى الشخص المراد تبليغه أثناء عمله بالسفينة ، إلى جانب أن التبليغ عن طريق الربان، قد يضمن وصول الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه، ولو كان قد غادر السفينة بالميناء ولا يطبق هذا النص في التشريع المصري، إلا على البحارة والعاملين بالسفن التجارية الراسية بالموانئ المصرية.
أما إذا كانت السفن راسية في موانئ أجنبية، فان التبليغ في هذه الحالة يخضع للطريقة التي يتم بها تبليغ الأشخاص الذين لهم موطن معلوم في الخارج، أي تسليم الورقة إلى النيابة العامة للعمل على تبليغها بالطريق الدبلوماسي.
وتطبيقا لهذا النص فالتبليغ يسلم للربان، الذي يفترض فيه توصيل الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه، وينتج التبليغ أثاره القانونية في هذه الحالة من تاريخ تسليم الورقة المبلغة إلى الربان بصرف النظر عما إذا قام بتسليمها إلى المبلغ إليه، وبصرف النظر عن التاريخ الذي قام فيه بذلك التسليم .
لذلك فان لم يجد المحضر القضائي الربان ، أو من ينوب عنه بالسفينة أو أنه قد امتنع عن استلام الورقة المبلغة أو رفض التوقيع على الأصل، قام المحضر القضائي بإثبات ذلك في حينه على الأصل والنسخة ، وتسليم هذه الأخيرة إلى النيابة العامة وعند ئد يعتبر التبليغ قد تم صحيحا.
وفي ظل غياب نص مماثل في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالنسبة لهؤلاء ، يتعين إعمال القواعد العامة المنصوص عليها في المواد 408 و410 و411 و412/2 من هذا القانون، المتعلقة بإجراء التبليغ لهم في موطنهم الأصلي، في شخص أحد أفراد العائلة المقيمين معهم أو في موطنهم المختار ، و إذا تم رفض الاستلام أو التوقيع ، تم تدوين ذلك بالمحضر، فالقيام بإجراءات التعليق عن طريق النيابة والبلدية، ثم ترسل نسخة منه عن طريق البريد المضمن مع الإشعار بالإستيلام ، ويعتبر هذا التبليغ بمثابة التبليغ الشخصي، ويرتب آثاره القانونية ابتداء من تاريخ ختم البريد
البند السادس:
تبليغ الأشخاص الاعتبارية :
نصت المادة 408 /01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه 🙁 يعتبر التبليغ الرسمي إلى الشخص المعنوي شخصيا ، إذا سلم محضر التبليغ إلى ممثله القانوني أو الإتفاقي أو لأي شخص تم تعيينه لهذا الغرض )، فيما نصت المادة 408/2 من نفس القانون على أنه 🙁 يتم التبليغ الرسمي ، الموجه إلى الإدارات والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية إلى الممثل المعين لهذا الغرض وبمقرها )، ونصت المادة 408 /3 من نفس القانون على أن:( يتم التبليغ الرسمي، الموجه إلى شخص معنوي في حالة تصفية إلى المصفي ).
وباستقراء هذه النصوص، يتضح وأن المشرع على وجه الإجمال يكون قد فرق بين حالتين الأولى تتعلق بالأشخاص الاعتبارية الخاصة، والثانية تتعلق بالأشخاص الاعتبارية العامة.
أولا: التبليغ الرسمي للأشخاص الاعتبارية الخاصة :
يقصد بالأِشخاص الاعتبارية الخاصة الشركات المدنية والتجارية، بما فيها المؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية أو الصناعية ، إلى جانب الجمعيات والمؤسسات الخاصة.
و إعمالا لنص المادة 408/1 من هذا القانون ، فالتبليغ الرسمي يتم صحيحا إذا تم للممثل القانوني أو الإتفاقي، أو إلى المصفي للشخص الاعتباري ، إن كان في حالة تصفية ، وقد يتم بالإضافة إلى ذلك، إلى أي شخص يكون الشخص الاعتباري قد عينه لهذا الغرض ، لاسيما إذا كان هذا الشخص وكيلا ، فان التبليغ الذي يجرى يكون صحيحا وينتج آثاره القانونية من يوم استلامه الورقة المبلغة بمقر الشخص الاعتباري أو مقر المصفي أو الوكيل حسب الحالة .
ويلاحظ بأن نص المادة 408 من هذا القانون، لم يفرق بين الشخص الاعتباري الوطني والأجنبي، لذلك وفي ضوء وجود المقر الرئيسي لهذا الأخير بالخارج، فالتبليغ يعد صحيحا إذا تم لفرع من فروعه بالجزائر.
ثانيا : التبليغ الرسمي للأشخاص الاعتبارية العامة :
يقصد بالأشخاص الاعتبارية العامة الدولة أي الوزارات، ومختلف الهيئات الإدارية المركزية والولايات والبلديات ومختلف المؤسسات العمومية، ذات الصبغة الإدارية.
وبمقتضى نص المادة 408/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فان التبليغ الرسمي لهذه الأشخاص الاعتبارية، يكون صحيحا إذا سلمت نسخة منه إلى الممثل المعين لهذ الغرض بمقرها، بما يفيد وأنه قد لا يكون هو الممثل القانوني لها، بل أي موظف قد تم تعيينه لهذا الغرض .
وفي ضوء عدم إشارة هذا النص إلى الكيفية التي يتم بها إتمام التبليغ الرسمي ، في حالة رفض ممثل الشخص الاعتباري استلام التبليغ أو التأشير على الأصل ، فانه يكون قد افترض حصول التبليغ بالتاريخ الذي تم فيه تسليم الورقة المبلغة، إلى ممثل الشخص الاعتباري بصرف النظر عن استلامه أو عدم استلامه للورقة المبلغة، أو رفضه التوقيع أو التأشير على الأصل .
المبحث الثالث:
مواعيــــد المرافعات
تلعب مواعيد المرافعات أهمية كبيرة، في مجال إعمال قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فهي إما تلزم القيام بإجراء من الإجراءات أثناء تلك المواعيد، وإما تلزم بالامتناع عن ذلك الإجراء قبل انقضاء هذه المواعيد، وعلى هذا الأساس فالميعاد أو المهلة، قد يثير بعض التساؤل حول لحظة البدء ولحظة الانتهاء؟
وإذا كانت الغاية من مواعيد الخصومة القضائية، تكمن في تنظيم سيرها ومنع إطالة أمدها من جهة، وإتاحة الفرصة للخصوم لتحضير دفاعهم بصورة كافية من جهة ثانية، فهل يمكن لهذه الغاية أن تكرس احترام مبدأ الفصل في الدعوى خلال آجال معقولة، ومبدأ احترام الحق في الدفاع، ومبدأ التقاضي على درجتين، المنصوص عليها في المواد 03 و06 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وفي مختلف المواثيق الدولية والإقليمية المعينة بحقوق الإنسان؟
وفضلا عن ذلك فما هي الآثار التي تترتب عن تجاوز الميعاد الإجرائي، وتحديدا هل يؤدي إلى زوال الخصومة أو سقوط الحق في اتخاذ الإجراء، وما هي الوسيلة القانونية المستعملة لذلك، أهي الدفع الذي يتم التمسك من خلاله بسقوط الخصومة، وفي حالة الإيجاب هل هو دفع شكلي، وهل يؤدي إلى بطلان الإجراء، ومتى تعلق الدفع بتجاوز مهلة الطعن مثلا، هل يعد دفعا بعدم القبول؟، والإجابة على هذه التساؤلات، تفرض مناقشة تقسيم المواعيد الإجرائية وكيفية احتسابها وإمكانية زيادتها.
المطلب الأول
معايير تقسيم المواعيد الإجرائية :
تختلف المواعيد الإجرائية باختلاف المعيار المعتمد عليه في تقسيمها ، فقد يتولى المشرع من
خلال النص القانوني تحديد الميعاد القانوني للإجراء ،وبطبيعة الحال فالمعيار هنا يكون قانونيا، وقد يترك المشرع للقاضي سلطة منح الميعاد أو تعديله بالزيادة أو بالنقصان، والمعيار في هذه الحالة يكون قضائيا .
وفضلا عن ذلك فالمواعيد القانونية، إما أن تكون مرنة وإما أن تكون جامدة ، كما تكون ناقصة أو كاملة أو حتمية أو تنظيمية ، وبذلك تكون المواعيد أنواع .
الفرع الأول :
المواعيد القانونية والقضائية :
اذا كنا قد أشرنا إلى أن المقصود بالمواعيد القانونية، يتوقف على المواعيد التي أوجدها القانون وحدد أجلها وأن المقصود بالمواعيد القضائية ، يقتصر على تلك المواعيد التي منح القانون سلطة تحديدها أو تعديلها زيادة ونقصانا الى القاضي، فان ذلك يعني اختلافهما عن بعضهما البعض، وعلى هذا الأساس فانهما يحتجان إلى معالجة مستقلة.
البند الأول :
المواعيد القانونية :
ينظر إلى مواعيد المرافعات، على أنها تندرج ضمن المسائل التي يستأثر المشرع بمنحها وتحديد أجلها كأصل عام ، ومن ذلك على سبيل المثال مهلة السنة التي حددها المشرع لرفع دعاوى الحيازة طبقا للمادة 524/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 413/2 من قانون الإجراءات المدنية، وبالتالي فان رفع تلك الدعاوى خارج هذا الأجل يجعلها غير مقبولة .
وكذلك الحال بالنسبة لمهلة السنتين المقررة لسقوط الخصومة، وهي المحددة بالمادة 223 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، المقابلة للمادة 220 من قانون الإجراءات المدنية، وكذلك مهلة العشرين يوما بين تاريخ تسليم التكليف بالحضور والتاريخ المحدد لأول جلسة ، التي يجب على المحضر القضائي احترامها عند قيامه بتبليغ العرائض الإفتتاحية للدعاوى، طبقا لنص المادة 16/3 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي المدة التي كانت محددة بعشرة أيام بمقتضى نص المادة 26 من قانون الإجراءات المدنية.
يمكن أن يضاف إلى ذلك مواعيد الطعن في الأحكام، كميعاد الشهر المحدد للطعن بطريق المعارضة في حكم أو قرار غيابي طبقا للمادة 329 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،وهو الميعاد المحدد بعشرة أيام بالمادة 98 من قانون الإجراءات المدنية، وميعاد الشهر المحددة للطعن بلاستئناف طبقا للمادة 336 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 102 من قانون الإجراءات المدنية، وغيرهما من المواعيد المقررة لمختلف طرق الطعن غير العادية، كالطعن بالنقض والتماس إعادة النظر مثلا.
البند الثاني:
المواعيد القضائية :
قد يخرج المشرع على تلك القاعدة العامة، ويعطي للقاضي سلطة منح الميعاد أو تعديله زيادة ونقصانا كتحديده للميعاد الذي تؤجل إليه جلسة الدعوى، إعمالا لنص المادة 264 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي أجازت للقاضي تأجيل القضية إلى جلسة لاحقة، متى تعذر على أحد الخصوم حضور الجلسة، متى رأى أن التخلف عن الحضور مبرر، وكذلك الحال بالنسبة للميعاد الذي تأمر المحكمة بتعيينه لحضور من تأمر إدخاله في الخصومة، إعمالا لنص المادة 204 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الذي أجاز للقاضي مثلا أن يمنح أجلا للخصوم لإدخال الضامن في الخصومة ، يضاف إلى ذلك أن لقاضي الإستعجال في حالات الإستعجال القصوى أن يأمر بتقصير مواعيد التكليف بالحضور، إلى حد اجرائه من ساعة إلى ساعة، إعمالا لنص المادة 301/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
كما تكون للقاضي سلطة منح وتحديد مواعيد، لتبليغ كل ذي مصلحة لإعادة السير في الدعوى عند انقطاع الخصومة ، بسبب التغيير في أهلية التقاضي لأحد الخصوم ، أو وفاته أو وفاة أو استقالة أو توقيف أو شطب أو تنحي المحامي، متى كان التمثيل جوازيا طبقا لنص المادة 211 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وفضلا عن ذلك فللقاضي سلاطة منح وتحديد المواعيد، التي يقدم خلالها الخصوم مذكراتهم، أو التي يحددها للنطق بالحكم إعمالا لنص المادتين 270 و271 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وغيرها من الحالات المماثلة .
هذا وتجب الإِشارة إلى أن منح القاضي سلطة تقصير بعض المواعيد التنظيمية، التي لا يرتب القانون على مخالفتها جزاء ، فان ذلك لايسري على المواعيد التي يرتب القانون على مخالفتها البطلان أو السقوط أو اعتبار الدعوى كأن لم تكن ، فلا سلطة للقاضي في تقصيرها أو الزيادة فيها، وإلا كنا بصدد منح القاضي سلطة إنشاء
جزاءات إجرائية، لأن مثل هذه السلطة انما تكون من اختصاص المشرع وحده.
الفرع الثاني :
المواعيد الجامدة والمواعيد المرنة :
إذا كان المشرع هو الذي يتولى تحديد المواعيد القانونية، والقاضي هو الذي يتولى تحديد المواعيد القضائية ، فان ذلك يعني بأن الأولى تتميز بالجمود ، عكس الثانية التي تتميز بالمرونة كأصل عام، ومع ذلك فهي قاعدة تبقى نسبية على الأقل بالنسبة للمواعيد القانونية ، وهي بذلك تحتاج إلى معالجة مستقلة.
البند الأول:
المواعيد المرنـــة :
إذا كانت المواعيد القضائية ليست محددة بنص قانوني سابق ، وأن المشرع قد أعطى سلطة منحها وتحديدها إلى القاضي بالنسبة لكل خصومة على حدة ، فان ذلك يعني بأنها مواعيد مرنة ، وهذه الخاصية هي التي تسمح بأن تكون قصيرة أو طويلة ، تبعا لطبيعة الإجراء المطلوب اتخاذه ، حيث يمكن للقاضي أن يمنح الخصم مهلة أسبوع مثلا لتصحيح الإجراء الباطل، إعمالا لنص المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في خصومة معينة ، وهي مهلة قد تكون كافية على سبيل المثال لتقديم مذكرة ، ترمي إلى استدراك السهو الذي وقع في العريضة الإفتتاحية للدعوى بخصوص عدم الإشارة إلى المستندات والوثائق المؤيدة للدعوى، استجابة لنص المادة 16/06 منن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وقد يمنح لغيره في خصومة مماثلة، مهلة أكثر لترجمة تلك المستندات أو الوثائق إلى اللغة العربية، نزولا عند حكم المادة 08 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وقد يمنح القاضي في خصومة أخرى في المواد المستعجلة مهلة أقل، قد لا تزيد عن ساعة لتبليغ الممثل القانوني أو الإتفاقي للخصم، عملا بأحكام المادة 301/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ومن دون أن يشكل الاختلاف في تلك المواعيد، مساسا بمبدأ المساواة بين الخصوم.
وفي ظل هذه المرونة، فليس ثمة ما يمنع القاضي من قيامه بتعديل لاحق للمهل التي سبق له منحها للخصوم ، فلو أمر بحضور أحد الخصوم أمامه شخصيا لإستجوابه، وحدد مهلة أسبوع للقيام بذلك الإستجواب، إعمالا لنص المادة 98 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، ثم اتضح له وأن ثمة ظروف تتطلب استجوابه على الفور، ومن دون حضور خصمه ومواجهته له، كان له أن يعدل عن المهلة السابقة التي حددها، وأمر بسماع ذلك الخصم على الفور في ضوء مقتضيات نص المادة 100 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ومن دون أن يشكل ذلك العدول مساسا بمبدأ المواجهة بين الخصوم.
البند الثاني:
المواعيــد الجامــدة :
اذا كانت المواعيد القانونية محددة في القانون، فانها تعد من حيث الأصل مواعيد جامدة ، وهي قاعدة نسبية من حيث كونها ورغم النص عليها في القانون ، فإنها قد تكون مهلا مرنة ، ذلك أن مهلة السنة المحددة لرفع دعاوى الحيازة، ومهلة الشهر المحددة للطعن بالمعارضة أو بالإستئناف تعد مهلا جامدة ، لا يجوز للقاضي تعديلها سواء بالزيادة أو بالنقصان، فهي قاعدة لاتسري على مهلة العشرين يوما المحددة قانونا لإجراء التكليف بالحضور، فللقاضي سلطة تقصيرها أو تحديدها في المواد المستعجلة حتى من ساعة الى ساعة على النحو السابق بيانه وهي على هذا الأساس تعد مهلا مرنة.
الفرع الثالث :
المواعيد الحتمية والمواعيد التنظيمية :
يكمن الفرق بين المهل الحتمية والمهل التنظيمية، في كون الأولى قد رتب عنها المشرع جزاءا إجرائيا، وذلك خلافا للثانية التي لم يرتب عنها ذلك الجزء.
البند الأول :
المواعيد الحتميـــة :
تكون المواعيد الإجرائية حتمية، متى تم النص على ترتيب جزاء إجرائي على عدم مراعاتها، كبطلان التكليف بالحضور الذيلم يحترم أجل العشرين يوما بين تاريخ تسليمه، والتاريخ المحدد لأول جلسة أو سقوط الحق في اتخاذ الإجراء ، كسقوط الحق إثارة الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي، وسقوط الحق في إثارة الدفوع الشكلية لعدم تقديمها قبل إبداء أي دفاع في الموضوع ، نزولا عند حكم المادتين 47 و50 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
كما أن مواعيد الطعن في الأحكام ، يترتب عنها سقوط الحق في الطعن، إن لم يقدم في ميعاده القانوني، كما أن ميعاد السنتين المقرر لإعادة السير في الدعوى، بعد صدور الحكم غير الفاصل في موضوعها ، أو صدور أمر القاضي للخصوم للقيام بالمساعي، في اتخاذ إجراءات مواصلتها، يترتب عنه سقوط الحق في تجديد تلك الخصومة ، إن لم يتم ضمن ذلك الميعاد القانوني .
وتجب الإشارة هنا إلى أن حتمية المواعيد، لا تعني تعلقها بالنظام العام ، يمكن للمحكمة ومن تلقاء نفسها أن تقضي بتوقيع الجزاء المترتب على مخالفتها، بل أن المواعيد الحتمية قد تتعلق بالنظام العام، كمواعيد الطعن في الأحكام مثلا،وقد لا تتعلق بالنظام العام، لأنها مقررة لمصلحة الخصوم، وبالتالي فتوقيع الجزاء المترتب عن عدم احترامها يتوقف على تمسك صاحب المصلحة بتوقيع الجزاء عند مخالفتها، وهو الأمر الذي يصدق على مهلة السنتين المقررة لإعادة السير في الدعوى، بعد الحكم الصادر قبل الفصل في موضوعها.
وإذا فرض القانون ميعادا حتميا، لرفع دعوى أو طعن أو اتخاذ أي إجراء آخر، يحصل عن طريق التبليغ كالتظلم المسبق في المواد الجبائية، والتظلم إلى لجنة الطعن المسبق في مجال بعض منازعات الضمان الإجتماعي، فالميعاد لا يعتبر محترما إلا إذا كان التبليغ قد حصل خلاله، وهي مواعيد حددتها المادة 122 من قانون الإجراءات الجبائية والمادة 6 من القانون 83/15 المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الإجتماعي.
البند الثاني:
المواعيد التنظيميــــة :
لم يرتب المشرع على المواعيد التنظيمية من حيث الأصل أي جزاء ، كالميعاد المقرر لتبليغ العريضة الإفتتاحية للدعوى، وفقا للمادة 16/3 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، فهو ميعاد وان كان حتميا، فان لم يجر التبليغ خلاله، فلا وجود لأي جزاء يمكن توقيعه ، ومن تم فليس ثمة ما يحول دون منح مهلة أخرى للخصم المعني لإجراء التبليغ، وكذلك مواعيد الحضور في اليوم المحدد للجلسة ، فان لم يحضر فيه المبلغ إليه ، بما يفيد عدم احترام ذلك الميعاد ، فالمشرع لم يقرر له أي جزاء ، لذلك فلا مانع من تحديد موعد آخر لحضوره .
كما أن ميعاد الثلاثة أيام المحدد لقاضي الإستعجال، لإصدار الأوامر على العريضة بمقتضى نص المادة 310/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم يرتب المشرع عن عدم إصدار القاضي للأمر خلاله أي جزاء ، وبالتالي فليس ثمة ما يمنع من صدور الأمر خارج ذلك الميعاد.
هذا ويلاحظ بأن المشرع وان لم يرتب جزاء البطلان على مخالفة المهل التنظيمية، فانه قد رتب أحيانا جزاء ماليا على مخالفتها، كما هو عليه الحال بالنسبة لعدم احترام المهلة المحددة لتبليغ الأوراق المقدمة من الخصم في الدعوى لدعم ادعاءاته أو استردادها من الخصم ، والمبلغة إليه طبقا للمادة 71/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
يضاف إلى ذلك أن المهل التنظيمية، لا تتعلق كمبدأ عام باستعمال حقوق إجرائية من قبل الخصوم، بل أنها عادة ما تخاطب غيرهم كالقاضي أو قلم الكتاب أو المحضر ، بغرض حثهم على حسن سير الخصومة.
الفرع الرابع :
المواعيد الناقصة والمواعيد الكاملة أو المرنة :
يميز الفقه في العادة بين المواعيد الناقصة والكاملة.
البند الأول :
المواعيد الناقصة:
يقصد بالمواعيد الناقصة تلك التي ألزم القانون القيام بالإجراء داخلها أي قبل انقضائها، وهي على هذا الأساس مواعيد ناقصة، لأنه لا يمكن الإستفادة منها بأكملها ،حيث ينتقص منها جزء من الميعاد يتمثل في الجزء الذي يتخذ فيه الإجراء من جهة كما لا يمكن الإستفادة من اليوم الأخير منها بأكمله ، لأنه قد ينقضي بانقضاء مواعيد العمل الرسمية من جهة أخرى.
وبهذا المفهوم فالمواعيد الناقصة تتعلق بمواعيد الطعن في الأحكام، ومواعيد التظلم من الأوامر على العرائض أو أوامر الأداء، ومواعيد إجراء التكليف بالحضور، ومواعيد تبليغ أمر حجز ما للمدين لدى الغير إلى المحجوز عليه ومواعيد إقامة دعوى تثبيت الحجز التحفظي.
ذلك أنه وان كانت القاعدة العامة، هي أن الطعن بالإستئناف في الأحكام مثلا، يتم خلال ميعاد شهر واحد يسرى من تاريخ تبليغ الحكم، فالطعن بالإستئناف يجب رفعه خلال هذه المدة ، وبانقضاء ساعات العمل الرسمي لليوم الثلاثين تنتهي مهلة الطعن .
لذلك فان عدم احترام هذا الميعاد الناقص، يترتب عنه سقوط الحق في القيام بإجراء
الإستئناف ، وبالنتيجة يكون الإستئناف غير مقبول ، ويعتبر الدفع بعدم القبول في مثل هذه الحالة، هو الأداة القانونية لاعمال جزاء السقوط
ويتضح من خلال ذلك، أن معظم المواعيد الإجرائية هي مواعيد ناقصة، لأن المشرع يهدف من خلالها إلى دفع صاحب الحق في الإجراء إلى السرعة في ممارسته، لتفادي تعطيل الفصل في الدعوى ، وهو هدف يتماشى ومبدأ الفصل في الدعوى خلال آجال معقولة المنصوص عليه في الإتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، وبنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
البند الثاني:
المواعيد الكاملة :
يقصد بالمواعيد الكاملة ، تلك المواعيد التي يجب انقضاؤها قبل مباشرة الإجراء ، وهي بهذا تكون مواعيد كاملة لا يجوز حصول الإجراء إلا بعد انقضاء اليوم الأخير من الميعاد ، فالمواعيد التي حددها القانون للحضور أمام المحكمة، لا يجوز فيها للأطراف القيام بإجراء الحضور إلا بعد انقضائها كاملة .
ولعل غاية المشرع من هذه المواعيد تكمن في تهيئة الوقت الكامل للخصوم، حتى يتمكنوا من إعداد أوجه دفاعهم، وهي غاية تتماشى كذلك ومبدأ الحق في الدفاع المكرس في مختلف الإتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان، وبنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
المطلب الثاني :
كيفية حساب المواعيد .
قد لا يكفي تقسيم المواعيد القانونية وفقا لتلك المعايير المختلفة لأعمالها على الوجه الأكمل بل أنها تحتاج إلى بيان كيفية حسابها بالنظر إلى وقت بدايتها ووقت نهايتها .
الفرع الأول :
لحظة بداية المواعيد القانونية .
مع أن المشرع قد أولى للمواعيد أهمية كبيرة، فالسؤال الذي يثار بشأنها يدور حول معرفة لحظة بدايتها؟
وللإجابة على هذا السؤال ثمة قاعدة عامة تفيد، بأن الميعاد يبدأ من اليوم الموالي أو الساعة الموالية لليوم أو الساعة التي حدث فيها الأمر ، المعتبر في نظر القانون مجريا للميعاد.
وتفصيل ذلك أن الميعاد قد يكون مقدرا بالساعات أو بالأيام أو بالشهور أو بالسنة، لذلك فمتى كان مقدرا بالأيام والشهور والسنة ، فانه لا يحتسب بالنسبة للمواعيد الناقصة اليوم الذي تم فيه العمل، أو تمت فيه الواقعة المتعد به في بداية لميعاد ، بل يبدأ حسابه من اليوم الموالي للعمل أو الواقعة ، ومن ذلك أن ميعاد الطعن بالمعارضة على سبيل المثال هو شهر واحد، والأمر المقرر لهذا الميعاد كقاعدة عامة ، هو تبليغ الحكم المعارض فيه، لذلك فلا يعتد باليوم الذي تم فيه التبليغ لبداية حساب مهلة الشهر ، بل أن حساب هذه المدة يبدأ من اليوم الموالي ليوم التبليغ، وعلى هذا الأساس، فلو حصل التبليغ في أول مارس مثلا، فان ميعاد الشهر يبدأ حسابه من الثاني مارس .
وقد لا يختلف الأمر حينما يكون الميعاد مقدرا بالأيام ، فان كان الميعاد المحدد لإصدار أمر على ذلك عريضة هو ثلاثة أيام، والأمر الجاري بمقتضى المادة 310/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لهذا الميعاد كقاعدة عامة هو يوم تقديم الطلب، لذلك فلا يحسب هذا اليوم الذي قدم فيه الطلب، بل يبدأ الحساب من اليوم التالي له ، وعلى هذا الأساس وأخذا بنفس المثار السابق، فلو قدم الطلب في أول مارس، فان ميعاد الثلاثة أيام يبدأ من اليوم الثاني لشهر مارس .
وكذلك الحال بالنسبة للمواعيد المحددة بالساعة، كما هو عليه الحال بالنسبة لمواعيد التكليف بالحضور من ساعة الى ساعة في حالة الإستعجال القصوى، طبقا للمادة 301/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالساعة التي يحدث فيها العمل، أو الأمر المعتبر في نظر القانون مجريا للميعاد لا تحتسب منه، بل أن الميعاد يبدأ من أول الساعة التالية ، فلو حدث التبليغ مثلا في الساعة العاشرة صباحا، فان الميعاد يبدأ حسابه من بداية الساعة الحادية عشر صباحا.
الفرع الثاني :
لحظة نهاية المواعيد .
إذا كان اليوم أو الساعة التي يحدث فيها الأمر المجرى للمعياد، لا يعتد به ولا يدخل في حساب المواعيد، فان الساعة أو اليوم الذي يعتد به في انتهاء الميعاد، هو الساعة الأخيرة أو اليوم الأخير، فحينما يكون الميعاد محددا بالأيام وكان ميعادا ناقصا، أي الميعاد الذي يتعين القيام بالإجراء خلاله ، فانه ينتهي بانتهاء ساعة الدوام الرسمي لليوم الاخير فعندما يكون الميعاد محددا بثلاثة أيام، حسب الحالة المماثلة ، بخصوص إصدار أمر على ذيل عريضة، ابتداء من ميعاد تقديم الطلب، وحدث وأن قدم هذا الطلب في أول مارس على النحو السابق بيانه، يبدأ من اليوم الثاني من شهر مارس ، وهو بذلك ينتهي بانتهاء وقت الدوام الرسمي لليوم الرابع من شهر مارس، حيث هذا اليوم هو اليوم المتمم لميعاد الثلاثة أيام، وهو يوم يدخل في حساب الميعاد.
وكذلك يكون الحال بالنسبة للمواعيد الكاملة، أي تلك التي يجب انقضاؤها قبل القيام بالإجراء ، فهي مواعيد تنقضي بانقضاء الساعة الأخيرة من الدوام الرسمي لليوم الأخير منها ، فعندما نكون بصدد ميعاد تقديم تظلم في المادة الإدارية، إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الإداري المطعون فيه، بالإلغاء أو التفسير أو عدم المشروعية إعمالا لنص المادة 830/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وهو ميعاد محدد بشهرين للجهة الإدارية للرد عن التظلم ، أو سكوتها عن ذلك من وقت تقديم التظلم ، وحصل التظلم مثلا في أول مارس ، وبدأ الميعاد كما رأينا من قبل في الثاني مارس ، فان مهلة الشهرين لرد الجهة الإدارية أو سكوتها عن الرد، تنتهي في اليوم المقابل من شهر ماي أي الثاني منه ، وبذلك لا يجوز اتخاذ إجراء رفع الدعوى ، إلا ابتداء من يوم الثالث من شهر ماي أو بعد ذلك.
و إذا كان الميعاد محددا بالسنين، كميعاد رفع دعوى الحيازة مثلا، فانه ينتهي بانتهاء اليوم المماثل لليوم الذي حدث فيه الأمر المجري للميعاد، وهو هنا الإعتداء ، فعندما يقع الإعتداء في الحالة المماثلة يوم أول مارس مثلا، فان الميعاد ينتهي بانتهاء وقت الدوام الرسمي، لليوم الأول من شهر مارس من السنة التالية.
وفيما يتعلق بالميعاد المحدد بالساعات ، فحساب الساعة التي ينقضي بها الميعاد، تتحدد بالميعاد الذي تنقضي فيه الساعة الأخيرة منه، فلو كان الميعاد المحدد لإجراء التكليف بالحضور في المواد المستعجلة، قد تم تخفيضه إلى أربع وعشرون ساعة، وقد تم إجراء التكليف بالحضور على الساعة العاشرة والنصف مثلا ، وبدأ سريان الميعاد من أول الساعة الحادية عشر ، فان نهاية ميعاد الأربع وعشرون ساعة، ينتهي بانتهاء الساعة الحادية عشر من اليوم التالي.
المطلب الثالث:
عوارض المواعيد الإجرائية:
ثمة عوارض تعتري المواعيد القانونية فتتسبب في امتدادها، لاسيما ما تعلق منها بالمسافة وبالعطل الرسمية .
الفرع الأول :
امتداد المواعيد بسبب المسافة:
قد يقتضي الحضور إلى المحكمة، أو لمباشرة إجراء من الإجراءات، كالمعارضة و الإستئناف والتماس إعادة النظر والطعن بالنقض، انتقال الشخص بنفسه إلى المكان المحدد لحضوره ، أو المكان الذي يتخذ فيه الإجراء، وهو تنقل من شأنه استنفاد جزء من الميعاد الأصلي، المحدد للشخص للحضور أو للقيام بالإجراء ، وهو أمر يؤدي ولاشك إلى تمييز الخصم المقيم بمكان الحضور أو مكان اتخاذ الإجراء ، على الخصم الذي لا يقيم بذلك المكان، لاسيما بالنسبة للمقيمين خارج الوطن، وهو تمايز من شأنه الإخلال بمبدأ المساواة بين الخصوم ، فضلا عن إخلاله بنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي كلفت حق الخصوم في الإستفادة أثناء الخصومة من فرصة متكافئة لعرض طلباتهم ووسائل دفاعهم .
لذلك وتحقيقا لمبدأ المساواة فيما بين الخصوم،وتمكينا لهم من الإستفادة الكاملة من الميعاد، الذي يقصد به تهيئة فسحة زمنية مقدرة وفقا لمقتضيات الإجراء الواجب القيام به ، حتى يتمكنوا من الإنتقال أو التروي وإعداد طلباتهم وأوجه دفاعهم وفقا لمتطلبات الإجراء ، نجد بأن المشرع قد قرر أحيانا زيادة ميعاد المسافة إلى الميعاد الأصلي لاسيما بالنسبة للمقيمين في الخارج .
وتجسيدا لتلك المبادئ نصت المادة 404 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن:
(تمدد لمدة شهرين آجال المعارضة والتماس إعادة النظر والطعن بالنقض المنصوص عليها في هذا القانون للأشخاص المقيمين خارج الإقليم الوطني) .
ومع ذلك فان إعمال هذا النص، قد يثير بعد الإشكالات من عدة أوجه :
الأول: يتعلق بالقاعدة العامة لميعاد التبليغ :
أن الميعاد المقرر بمقتضى هذا النص كقاعدة عامة، هو شهران تسري من تاريخ تبليغ الحكم أو القرار المطعون فيه ، يستوي في ذلك أن يكون موطن المبلغ له في الخارج موجودا في دولة قريبة من الجزائر ،كالمغرب وتونس مثلا أو بعيدة عنها كإندونيسيا أو البرازيل أو غيرهما ، وعلة ذلك تكمن في كون تطور المواصلات بين الأقطار جميعها أصبحت تقتضي عدم التفرقة فيما بينها .
الثـاني: يتعلق بعدم جواز الجمع بين ميعاد المسافة والميعاد المقرر لإجراء التبليغ :
يقتضي تطبيق هذا النص عدم جواز الجمع بين ميعاد المسافة لمن كان موطنه في الخارج، والميعاد المقرر لإجراء التبليغ داخل الجزائر، لذلك فمن يقيم في الخارج وحضر إلى الجزائر ، فلا يمكن إفادته سوى بميعاد الشهرين المقرر قانونا .
الثالث: يتعلق باقتصار العمل بهذا الميعاد على المقيم بالخارج:
من مقتضيات العمل بهذا الميعاد ، أنه لا يطبق على المقيم بالخارج الممكن تبليغه بالجزائر أثناء وجوده بها، فيتعد في هذه الحالة بالميعاد الأصلي المقرر للتبليغ داخل الجزائر ، على أن يتم التبليغ في هذه الحالة لشخص المطلوب تبليغه، وذلك من دون الإخلال بسلطة المحكمة في تمديد تلك المواعيد، على ألا يتجاوز التمديد مهلة الشهرين في جميع الأحوال .
الرابع: يتعلق بسلطة المحكمة في انتقاص الميعاد .
على الرغم من أن التبليغ يكون قد حصل للشخص المبلغ في الخارج، فان ذلك لا يحول دون إعمال قاضي الإستعجال في استعمال سلطته، وإنقاص ميعاد الشهرين لضرورات الإستعجال من جهة ، ولسهولة المواصلات من جهة أخرى ، على أن يبلغ المعلن إليه بأمر المحكمة في هذه الحالة مع الورقة المبلغة.
الخامس: يتعلق بحالة وجود موطن بالجزائر وآخر بالخارج:
إذا كان للشخص موطن أصلي في الخارج، وله موطن خاص ومختار في الجزائر، وتم تبليغه بأحدهما على النحو الذي يجيزه القانون، فان الميعاد الذي يعتد به في هذه الحالة، هو الميعاد الجاري به العمل داخل الجزائر ، وتظهر أهمية إعمال هذه القاعدة، عند تبليغ الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر ، سواء تم التبليغ لوكيلها العام أو الخاص أو النائب عنها أو لأي فرع من فروعها حسب الحالة .
الفرع الثاني :
امتداد الميعاد بسب العطلة الرسمية .
نصت المادة 405 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه:(إذا كان اليوم الأخير من الأجل ليس يوم عمل كليا أو جزئيا، يمدد الأجل إلى أول يوم عمل موالي)، فيما نصت الفقرة الأولى من نفس المادة على أن:( تحسب كل الآجال المنصوص عليها في هذا القانون كاملة ، ولا تحسب يوم التبليغ أو التبليغ الرسمي، ويوم انقضاء الأجل).
و بمقتضى هذا النص فالميعاد الممنوح للقيام بالعمل الإجرائي خلاله ، يجب أن تكون الإستفادة منه كاملا ، الأمر الذي يقتضي إتاحة الفرصة ، لمن تقرر الميعاد لمصلحته، في أن يتروى ويستطيع القيام بالعمل الإجراء في أي يوم من أيام سريان الميعاد .
أما إذا كان اليوم الأخير هو يوم عطلة رسمية، كأيام الأعياد الرسمية الوطنية منها أو الدينية، أو أيام الراحة الأسبوعية ، فان استفادة الكاملة للمبلغ إليه من الميعاد ، يقتضي تعويضه عن أيام العطل، وذلك بتمديد الميعاد بقدر هذه الأيام، أي تمديده إلى أول يوم عمل موالي .
وخلافا لذلك فالمشرع وبمقتضى نص المادة 405/2، التي نصت على أنه:(يعتد بأيام العطل الداخلة ضمن هذه الآجال عند حسابها)،لم يسمح بتمديد الميعاد بسبب العطلة الرسمية، التي تقع داخل الميعاد ، لأنه لا يمكن للخصم أن يقع بسببها في موقف حرج، وهذا خلافا للعطلة الرسمية التي تقع في آخر الميعاد، لذلك وأمام توقف الجهات القضائية عن العمل أيام العطل الرسمية، يكون المشرع بتمديده الميعاد إلى أول يوم عمل يلي العطلة، قد مكن صاحب المصلحة من الإستفادة بالميعاد الممنوح له على نحو معقول ، لاسيما اذا ما عرفنا وأن بعض العطل الرسمية، عادة ما يتحدد بشكل مفاجئ (ومن ذلك أن الأعياد الدينية تحسب بالتقويم الهجري ، وعلى أساسه يتم تحديد بداية كل شهر فيه ونهايته في اليوم التاسع والعشرين من كل شهر هجري )، وهو التحديد الذي يكون المشرع، قد اعتمده في تمديد الميعاد إلى أول يوم عمل، إذا صادف آخره يوم عطلة، وذلك بمقتضى المادة 405/4 من:ق.ا.م.ا.
المبحث الرابع:
عوارض الخصومة .
ليست عوارض الخصومة، سوى عوامل أو أحداث قد تعوق الخصومة عن السير الطبيعي لها، فتؤدي الى وقفها أو انقطاعها بغير حكم في موضوعها، مع أن الأصل هو تتابع إجراءاتها وسيرها من جلسة لأخرى إلى غاية الفصل فيها ، لذلك فان تلك العوامل أو الأحداث المؤدية إلى وقف سير الخصومة أو انقضائها من دون الحكم في موضوعها، هي التي يسميها القانون(عوارض الخصومة)، وهي بحكم ذلك إما أن تؤدي فقط إلى منع سيرها، وتسمى في هذه الحالة العوارض المانعة من سير الخصومة، و إما أن تؤدي إلى انقضائها وهي التي تسمى بالعوارض المنهية للخصومة
المطلب الأول:
العوارض المانعة للخصومة .
ثمة عارضان يمنعان سير الخصومة، و إصدار حكم في موضوعها هما: وقف سير الخصومة وانقطاعها .
الفرع الأول:
وقف سير الخصومة .
يقتضي الإلمام بهذا العارض من عوارض الخصومة التعرض إلى تعريفه وتمييزه عن الاسباب الأخرى المشابهة له وبيان أنواعه .
البند الأول :
تعريف وقف سير الخصومة وتميزه عن الأسباب المشابهة له.
أولا: تعريف وقف سير الخصومة:
عرفت المادة 213 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وقف الخصومة بالقول:(توقف الخصومة بإرجاء الفصل فيها أو شطبها من الجدول)،وبحسبه فوقف الخصومة يقصد به إرجاء الفصل فيها أو شطبها من الجدول.
أما المقصود بوقف سير الخصومة في الفقه فهو:( عدم السير فيها خلال فترة زمنية غير محددة لسبب أجنبي عن المركز القانوني لأطرافها يستوجب أو يجيز الوقف ).
ثانيا:تمييز وقف سير الخصومة عن الاسباب المشابهة له:
ثمة سببان مشابهان لوقف سير الخصومة، هما: التاجيل والانقطاع:
أ) تمييز وقف سير الخصومة عن التاجيل:
لايتميز وقف سير الخصومة عن تأجيلها، لأن كلا منهما مبني على أسباب مؤدية إلى تعطيل الفصل في موضوع الدعوى ، ومع ذلك فوقف سير الخصومة يختلف عن تأجيلها من عدة أوجه :
الأول: يتعلق بتحديد تاريخ الجلسة :
يقتضي قرار المحكمة بتأجيل النظر في الدعوى، تحديد التاريخ الذي أجلت إليه القضية ، وذلك خلافا لوقف
سير الخصومة، فلا يتم تحديد أي تاريخ للوقف، مما يتعذر معه تحديد أو معرفة تاريخ الجلسة، الذي يستأنف فيه السير في القضية.
الثاني : يتعلق بأسباب التأجيل أو الوقف :
يحتاج تأجيل القضية إلى وجود أسباب تقتضيها ظروف القضية في حد ذاتها ، وهي بذلك
تتعدد بتعدد القضايا، وذلك خلافا لوقف الخصومة ، فانه لا يتم إلا لأسباب معينة واردة حصرا في
القانون.
ب) تمييز وقف سير الخصومة عن انقطاعها:
يتميز وقف سير الخصومة عن انقطاعها من زاويتين :
الأولى : تتعلق بسبب الوقف أو الإنقطاع :
يرجع وقف سير الخصومة إلى سبب أجنبي عن المركز القانوني لأطرافها، كاتفاقهم أو تخلف أحدهم عن القيام بإجراء معين، فيما أن سبب انقطاع الخصومة، يرجع إلى المركز القانوني لأحد الأطراف، كالوفاة أو فقد الأهلية لأي عارض من عوارضها.
الثانية : تتعلق بركود الخصومة :
يتميز كلا من وقف الخصومة أو انقطاعها بدخولها في حالة ركود ، يستبعد معه القيام بأي نشاط خلال فترة الوقف أو الإنقطاع، ومع أنها تظل قائمة ومرتبة لآثارها القانونية، فإنها تختلف عن باقي العوارض الأخرى المؤدية إلى زوال الخصومة، كما هو عليه الحال بالنسبة للتنازل أي الترك أو السقوط .
البند الثاني :
أنواع الوقف :
على الرغم من أن القانون هو المصدر الوحيد، الذي يحدد الحالات التي تؤدي إلى وقف الخصومة، غير أن من هذه الحالات ما يرجع لطلب الخصوم، ومنها ما تم النص عليه في القانون، وهي في الحالتين تؤدي إلى الوقف بمجرد توافرها، ومنها ما تأمر به المحكمة ، وبذلك فوقف الخصومة إما أن يكون قانونيا أو قضائيا أو اتفاقيا .
أولا: الوقف القانوني:
على الرغم من أن المادة 214 من قانون الإجراءات المدنية، نصj على أن:( يؤمر بارجاء الفصل في الخصومة بناء على طلب الخصوم، ماعدا الحالات المنصوص عليها في القانون)،فانه لم يقدم لنا أي تعريف للوقف القانوني ، وذلك رغم اشارته الى أن مصدر الوقف هنا يكون قانونيا ، وهو الأمر الذي يفهم من عبارة(ماعدا الحالات المنصوص عليها في القانون).
أما الفقه فيرى بأن المقصود من الوقف القانوني، ما هو إلا عبارة عن:(حالات تقف فيها الخصومة بمجرد توافر أسباب معينة، ودون حاجة إلى صدور قرار من المحكمة بالوقف).
وترتيبا على ذلك فلو دعت الحاجة العملية إلى صدور قرار من المحكمة بالوقف، فانه يكون في مثل هذه الحالة تقريرا للوقف وليس منشئا له ، الأمر الذي يترتب عنه وقف الخصومة مند قيام سبب الوقف القانوني، لا من وقت صدور الحكم المقرر له .
ومن أهم الأمثلة التي يمكن الرجوع إليها بخصوص الوقف القانوني، ما نصت عليه المادة 245 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها:(يجب على القاضي المطلوب رده أن يمتنع عن الفصل في القضية إلى حين الفصل في طلب الرد)،وكذلك الحال بالنسبة للحالة المنصوص عليها بالمادة 52 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي نصت على أن:(يفصل القاضي بحكم في الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي) بما يفيد إرجاء الفصل في موضوع الدعوى لحين الفصل في مسألة الإختصاص، ما لم تقرر المحكمة الفصل في الدفع بعدم الإختصاص مع موضوع النزاع استنادا لنفس النص.
يضاف إلى ذلك الحالة المنصوص عليها بالمادة 165 من نفس القانون، بخصوص دعوى مضاهاة الخطوط أمام القاضي الجزائي، يتم إرجاء الفصل في دعوى مضاهاة الخطوط إلى حين الفصل في الدعوى الجزائية ).
ويلاحظ من خلال هذه النصوص، وأنها في مجملها قد نصت على حالات يتم بمجرد توافرها وقف الخصومة وبذلك فالوقف المقرر بموجبها هو وقف قانوني .
ثانيا : الوقف الإتفاقي :
يحتاج الإلمام بالوقف الإتفاقي إلى تحديد حالاته وبيان شروطه:
أ)حالات الوقف الإتفاقي :
نصت المادة 214 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه:(يؤمر بإرجاء الفصل في الخصومة بناء على طلب الخصوم)كما نصت المادة 216 من نفس القانون على أنه:(… كما يمكن له (القاضي) الأمر بشطب القضية بناء على طلب مشترك من الخصوم).
ويستخلص من هذين النصين، أن وقف الخصومة سواء تعلق الأمر بإرجاء الفصل فيها، أو بشطبها من الجدول إنما قد يتم باتفاق الأطراف.
ذلك أنه قد نعرض لهم أسبابا قد تدفعهم إلى إرجاء الفصل في الدعوى ، لاسيما ما تعلق منها بتوفير الوقت الكافي لإيجاد حل ودي للنزاع، لأن طلب التأجيل قد لا يكون مجديا لهم لبلوغ تلك الغاية، كون المحكمة قد لا تستجيب له، لذلك أتاح لهم المشرع هذه الوسيلة المتمثلة في وقف الخصومة ، سواء عن طريق إرجاء الفصل فيها أو عن طريق شطبها.
وعلى الرغم من أن نص المواد من 213 إلى 215 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم تحدد أية مهلة لإعادة السير في الدعوى، بعد إرجاء الفصل فيها لأي سبب من الأسباب، فالمادة 218 من هذا القانون نصت على أنه:( تطبق القواعد المتعلقة بسقوط الخصومة على الأمر القاضي بالشطب)،بما يفيد وأن عدم إعادة السير في الدعوى بعد شطبها لمدة سنتين، تسري ابتداء من تاريخ قرار الشطب يترتب عنه سقوطها.
ب)شروط الوقف الإتفاقي :
يستفاد من نص المواد 213 إلى 219 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأن وقف الخصومة بناء على طلب الخصوم لا يتقرر إلا بتوافر شروط:
1-اتفاق الأطراف على الوقف :
يمكن استخلاص هذا الشرط من عبارة:(بناء على طلب الخصوم) الواردة بالمادة 214، وعبارة(بناء على طلب
مشترك من الخصوم ) الواردة بالمادة 216 من هذا القانون.
ذلك أنه وان كان المشرع قد أجاز لأطراف الخصومة بموجب هذه النصوص وقفها ، فإنه يكون قد ابتغى تحقيق غرض مشترك لهم ، لذلك فلا تكفي رغبة أحدهم لوقف الخصومة ، ومن دون موافقة باقي الخصوم الآخرين بما يعني وأن وقف الخصومة بناء على طلب الأطراف لا يتقرر إلا بوجود اتفاق بينهم ، أو تقديم طلب بشأنه ، وموافقة باقي الأطراف الأخرى ، وذلك بصرف النظر عما إذا كانوا أطرافا أصلين أو متدخلين في الخصام مهما كان نوع تدخلهم.
2)ألا تزيد مدة الوقف عن سنتين :
تكمن الحكمة من هذا الشرط في منع الخصوم من استعمال رخصة وقف الخصومة إلى إطالة أمد النزاع ، بما يؤدي إلى تراكم القضايا أمام المحاكم، لذلك فإذا انعقد اتفاقهم على مدة أطول كان على المحكمة انتقاص تلك المدة إلى القدر المحدد قانونا، هذا وليس ثمة ما يمنع الخصوم بعد إعادة السير فيها، خلال تلك المدة من عقد اتفاق جديد على وقفها لمدة ثانية وفي حدود نفس المادة ، وفي الحالتين فمدة الوقف تحسب ابتداء من تاريخ صدور الحكم لا من تاريخ اتفاق الخصوم .
غير أن اعمال هذه القاعدة يبقى نسبيا، لا سيما عندما يتعلق سبب الوقف بعرض دعوى مضاهاة الخطوط على القاضي الجزائي، والتي قد لا تكفي مدة السنتين للفصل في موضوعها ، وهي إحدى الحالات التي قد يسفر معها تطبيق هذه القواعد، إلى سريان تلك المدة من تاريخ الفصل النهائي في دعوى مضاهاة الخطوط ، أو من تاريخ اتخاذ آخر إجراء فيها، لا من تاريخ صدور قرار الوقف ، وقد يسفر ذلك التطبيق الإلتزام بهذه المادة تحت طائلة سقوط الخصومة .
3) اقرار المحكمة للإتفاق:
لا يؤدي اتفاق الخصوم في حد ذاته إلى وقف الخصومة بقوة القانون ، بل أن الذي يؤدي إلى وقفها هو اقرار المحكمة لإتفاقهم، حتى يمكن ترتيب آثاره القانونية، مع أن الراجح في جميع الحالات، أن المحكمة لا تملك سلطة رفض إقرار الإتفاق على الوقف ، متى تحققت من صحته ومدته.
ومع أن الحكم الصادر بإقرار اتفاق الخصوم على وقف الخصومة، لا يحوز قوة الشيء المقضي به لأنه غير قطعي ، فالمشرع وفي مجال ممارسة طرق الطعن فيه قد فرق بين حالتين :
الحالة الأولى:تتعلق بإرجاء الفصل في الدعوى لأي سبب من الأسباب ، وهي حالة أجازت المادة 215 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الطعن بالإستئناف في قرار المحكمة القاضي بإرجاء الفصل في الدعوى ، في مهلة 20 يوما، تسري ابتداء من تاريخ صدور الحكم ، وتكون جهة الإستئناف في هذه الحالة ملزمة بالفصل في الدعوى وفقا لقواعد القضاء المستعجل.
الحالة الثانية : تتعلق بشطب القضية لأي سبب من الأسباب، وهي حالة لم يجز نص المادة 219 من
نفس القانون الطعن بأي طريق من الطرق في قرار المحكمة القاضي بشطب القضية، وتفسير ذلك يكمن في كون المشرع قد ادرج هذا القرار ضمن الأوامر الولائية، التي لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المقررة للأحكام القضائية، وهي بذلك لا تقبل سوى التظلم فيها، إلى الجهة القضائية التي أصدرتها وبناء على نص صريح في القانون.
لكنه وكيفما كان الحال فلأي خصم من الخصوم الحق في إعادة السير في الدعوى بعد الوقف، قبل انتهاء مهلة السنتين، وذلك من دون أن يكون لبقية الخصوم الآخرين أو للمحكمة أي اعتراض .
ثالثا: الوقف القضائي :
يتحقق الوقف هنا باتفاق الخصوم أو بقوة القانون، بل أنه يتم بحكم قضائي، إعمالا للحالات التي حددها القانون، وعلى هذا الأساس فالحكم القضائي في هذه الحالة، يكون منشئا لوقف الخصومة لا مقررا له ، وبحسبه فالخصومة القضائية لا تعد موقوفة الا من تاريخ صدور الحكم وبذلك فهذا النوع من الوقف، انما يظهر في حقيقة الأمر بطبيعة الدور الذي تقوم به المحكمة، في مجال الخصومة القضائية عموما ووقفها خصوصا ، بما يتماشى وفكرة احتكار الدولة لسلطة القضاء.
وترتيبا على ذلك فبالإضافة إلى أن قرار المحكمة من الناحية العلمية، يكون ملزما لتقرير وقف الخصومة في بعض الحالات المنصوص عليها في القانون، بالإضافة إلى أن قرارها يكون لازما، لاقرار اتفاق الخصوم على الوقف، فان المشرع قد منح للمحكمة سلطة الحكم بوقف الخصومة في بعض الحالات، تتعلق أساسا بالوقف الجزائي والوقف التعليقي .
أ) الوقف الجزائي:
يجب التنويه بداية إلى أن عبارة:(الوقف الجزائي)،لا يقصد منها الوقف بسب عرض دعوى فرعية على القاضي الجزائي، بل تعبر عن الوقف الذي يعد بمثابة جزاء، نتيجة تأخر الخصم عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات، في الميعاد المحدد من طرف المحكمة ، والتي تكون لهذه الأخيرة سلطة توقيع الجزاء المقرر قانونا، كالغرامة التهديدية مثلا أو وقف الخصومة .
ذلك أنه وبالرجوع إلى المادة 71 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجدها قد أجازت للمحكمة الفصل في الإشكالات التي تثار بشأن إبلاغ الوثائق المحتج بها من الخصوم ، ولها أن تحدد شفاهة أجلا لتبليغها تحت طائلة غرامة تهديدية، وكذلك الأمر فيما يتعلق بإرجاع تلك الوثائق ، حيث المادة 30 من نفس القانون، قد أجازت للقاضي أن يأمر بإرجاع الوثائق المبلغة للخصوم تحت طائلة غرامة تهديدية عند الإقتضاء .
يضاف إلى ذلك أن المشرع، قد أجاز للمحكمة بمقتضى المادة 73 من نفس القانون، أن تأمر باستخراج نسخة رسمية، أو إحضار عقد رسمي أو عرفي ،أو إحضار أية وثيقة محجوزة لدى الغير، بناء على طلب أحد الخصوم ولولم يكن طرفا في العقد ، ومن تم فالتخلف عن تنفيذ هذا
الأمر، قد يؤدي إلى استصدار حكم بتنفيذه تحت طائلة غرامة تهديدية .
كما أن المشرع مثلا وبمقتضى نص المادة 416 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم يجز القيام بأي تبليغ رسمي قبل الساعة الثامنة صباحا، ولا بعد الثامنة مساء ، ولا أيام العطل إلا في حالة الضرورة ، وبعد إذن من القاضي بما يعني وأن التبليغ الذي لا يحترم مقتضيات هذا النص، قد يترتب عنه توقيع جزاء البطلان وهكذا .
ومع أن المشرع من خلال تلك النصوص المشار إليها كأمثلة، قد أجازت للقاضي سلطة توقيع الجزاء عن التخلف في القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات ، فان تلك النصوص لم تمنحه في المقابل أية سلطة لوقف الخصومة وذلك خلافا لما هو عليه الحال في بعض التشريعات المقارنة، كالمادة 99/2 من قانون المرافعات المصري، التي أجازت للمحكمة في الحالات المماثلة، الحكم بوقف الدعوى لمدة لاتجاوز شهرين بعد سماع اقوال المدعى عليه، بدلا من الحكم على الخصم بالغرامة، نتيجة امتناعه عن ايداع المستندات او عن القيام باي اجراء من اجراءات المرافعات في الميعاد المحدد من المحكمة، بما يعني وأن المشرع في الجزائر لم يأخذ بالوقف القضائي ، والتالي فلا سلطة للقاضي في أن يحكم به في مثل هذه الحالة.
اترك تعليقاً