أهم المبادئ العامة التي تحكم نظام قضاة التحقـيق في الجزائر
إذا كان قانون الإجراءات الجزائية يبين حدود اختصاص كل جهاز من شرطة قضائية
ونيابة عامة وقضاة تحقيق، ويضع قيودا على الحريات الفردية في سبيل تسهيل
تلك الأجهزة، والفصل في مدى توافر حق الدولة في العقاب في الدعوى المعروضة .
هذه القيود على الحريات الفردية تعتبر أيضا ضمانات من تعسف السلطة القائمة على
التطبيق بصفة عامة في ممارستها للإجراءات المقررة قانونا، بالإضافة إلى
هذا فإن تولي قاضي التحقيق مهمة التحقيق يعتبر ذاته ضمانا قويا للحرية
الفردية لما يتمتع به قاضي من استقلالية وعدم خضوعه لأية جهة مباشرة وظيفته
القضائية وحمايته من الضغوطات مهما كان نوعها.المادة 139 1
المطلب الأول: تعريف قاضي التحقيق وقواعد تعيينه
الفرع الأول: تعريف قاضي التحقيق
قاضي التحقيق هو أحد أعضاء الهيئة القضائية، أي هو أحد قضاة الحكم أصلا وهو بذلك يجمع بين صفتين متلازمتين :
فهو من جهة يقوم بأعمال موظفي الشرطة القضائية، من تحقيق وتحري بحثا عن الحقيقة.
ومن جهة ثانية، فهو قاضي يصدر خلال التحقيق قرارات وأوامر متنوعة لها صفة قضائية في القضايا التي يحقق فيها2 .
وقد
تطرق قانون الإجراءات الجزائية الجزائري لنظام قضاة التحقيق، في الكتاب
الأول، الباب الأول، الفصل الثاني، وهو ما نصت عليه المادة 38 من ق.ع.ج/1 ”
نشاط قاضي التحقيق، إجراءات البحث والتحقيق “.
الفرع الثاني: قواعد تعيين قاضي تحقيق الأصل
أن قاضي التحقيق هو أحد قضاة الحكم، غير ان الضرورة الملحة للتحقيق في
الجرائم استدعت خلق مثل هذا المنصب، ومن هذا المنطلق كان تعيين قاضي
التحقيق من بين قضاة المحكمة بمقتضى قرار من وزير العدل حامل الأختام لمدة
ثلاث سنوات قابلة للتجديد المادة 39 من ق.إ.ج /الفقرة 1 : ” يعين قاضي
التحقيق المختار من بين قضاة المحكمة بمقتضى قرار من وزير العدل لمدة ثلاث
سنوات قابلة للتجديد “.
وبانتهاء ثلاث سنوات من عمل قاضي التحقيق دون
إعادة التجديد للمدة دلالة على إنتهاء مهام قاضي التحقيق وعودته كقاضي
الحكم، وقد تستدعي الضرورة أحيانا ان ينتدب أكثر من قاضي واحد في نفس
المحكمة .
المطلب الثاني : خصائص قاضي التحقيق
الفرع الأول : استقلال قاضي التحقيق
قاضي التحقيق رغم أنه لا يباشر التحقيق إلا بناءا على طلب من وكيل الجمهورية
فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنه خاضع للنيابة العامة بمجرد إتصاله
قانونيا بملف القضية المطروحة أمامه، بل هو إنه يتمتع بالحرية الكاملة
بخصوص الدعوى المطروحة أمامه. إذ لا يستطيع وكيل الجمهورية أن يفرض رأيا
معينا، وطلبه بمباشرة التحقيق ما هو إلا طلب قانوني ووسيلة قضائية، ولا
يمكن أبدا إعتبارها علاقة رئاسية.
المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، الاقتصادية والسياسية ص 881
مولاي ملياني بغدادي / الإجراءات الجزائرية في التشريع الجزائري ص 215
فالنيابة
العامة هي خصم من خصوم الدعوى مثل المتهم الذي هو كذلك طرفا في الدعوى،
وبناء على ذلك أمكن لقاضي التحقيق رفض طلب النيابة العامة بقرار مسبب يصدره
خلال خمسة أيام فقط من طلب النيابة مباشرة التحقيق . المادة 69 ق.إ.ج 4
ولعل استقلال قاضي التحقيق قد يظهر كذلك في مباشرة مهامه 5 بالاستعانة
مباشرة بالقوة العمومية دون المرور بالنيابة العامة .
المادة 38 الفقرة/2.
الفرع الثاني: عدم خضوع قاضي التحقيق للتبعية التدرجية
قضاة التحقيق في مباشرة مهامهم لا يخضون للتبعية التدرجية او التسلسلية أو
الرئاسية، فمثلهم مثل قضاة الحكم لا يخضون إلا للقانون، وبالتالي لا تصدر
لهم الأوامر بإتخاذ أمر معين او الإمتناع عنه أو توجيه التحقيق إتجاها
خاصا. غير أنه قد يتبادر لكثير منا إشكالية تحمل في ظاهرها تناقضا، إذ كيف
يمكن التحدث عن عدم تبعية قاضي التحقيق التدرجية ومن جهة أخرى يتم تعيينه
من طرف وزير العدل .
وقد طرحت هذه الإشكالية على قاضي التحقيق بمحكمة البليدة، وفي إجابته قال :
”
إن نظام التعيين ما هو إلا عملية إدارية تدخل ضمن تنظيم الجهاز القضائي
ولا علاقة له بالاختصاص القانوني لقضاة الحكم” . لكن ما هو ملاحظ أن هذه
التبعية من الناحية العملية لا يمكن التحدث عنها، لإعتبار أن سلطات النيابة
العامة من جهة لها أن تعين قاضي التحقيق في حالة تعدادهم خاضع لوكيل
الجمهورية حسب المادة 70 من ق.إ.ج وباعتبار أن لوكيل الجمهورية مسؤولية
الحفاظ على النظام العام .
الفرع الثالث: قابلية قضاة التحقيق للرد، وعدم الجمع بين سلطة التحقيق وسلطة الحكم في الدعوى الواحدة .
لقد
عرفنا سابقا أن قضاة التحقيق أثناء مباشرة مهامهم مستقلون عن قضاة النيابة
وقضاة الحكم وهذا بمقتضى القانون، وكذلك عدم خضوع قضاة التحقيق للتبعية
التدرجية أو الرئاسية أثناء اتخاذ أوامر أو توجيه التحقيق اتجاها خاصا.
والخاصية
المذكورة أعلاه تعتبر ضمانا لتحقيق السير الحسن لجهاز العدالة، فقد منح
المشرع الجزائري للمتهم أو للمدعي المدني حق طلب رد قاضي التحقيق عن الدعوى
لقاض آخر من قضاة التحقيق، وهذا الطلب يقدم غلة وكيل الجمهورية ليثبت فيه
خلال ثمانية أيام، ويكون قرار وكيل الجمهورية غير قابل للطعن، وهذا ما نصت
عليه المادة 71 من ق.إ.ج ” يجوز أن يطلب المتهم أو المدعي المدني من وكيل
الجمهورية لحسن سير العدالة تنحية قاضي التحقيق عن الدعوى لقاضي آخر من
قضاة التحقيق “وغالبا ما تكون تنحية قاضي التحقيق عن الدعوى المعروضة عليه
لقاضي آخر لأسباب ذاتية أو اعتبارات أخرى كالقرابة مثلا. وفي حالة ما إذا
إتصل قاضي التحقيق بالدعوى العمومية فليس له أن يجمع بين سلطة التحقيق
وعمله الأصلي، الذي هو قاضي الحكم في دعوى واحدة، وهو ما نصت عليه المادة
38/1 ” تناط لقاضي التحقيق إجراءات البحث والتحري، ولا يجوز له أن يشرك في
الحكم في قضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق وإلا كان ذلك باطلا ”
– المادة 69 من ق.ع.ج
– د إسحاق إبراهيم منصور : المبادي الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية ص 130
إن هذا المبدأ الذي نص عليه المشرع الجزائري جاء بناءا على اعتبار هام وهو:
-إن
عدم الجمع بين سلطتي التحقيق والحكم في دعوى واحدة تتنافى مع المنطق
العدلي، فالقاضي المحقق يكون تحت تأثير التحقيقات التي يقوم بها، ويكون
متأثرا بالمعلومات التي جمعها،وبالتالي لا يستطيع التخلص منها بسهولة و
التحرر من سلطانها عند النظر في الدعوى والحكم فيها6.
وكذلك عدم الجمع بين السلطتين السابقتين الذكر هو عدم تأثيره على المجرى العادي للمحاكمة .
الفرع الرابع: عدم مسائلة قاضي التحقيق
لا يجوز مسائلة قاضي التحقيق جزائيا ولا مدليا عن الإجراءات التي يتخذها في
مباشرته لمهامه باعتباره يمارس سلطة الوظيفة العامة المادة 39 من قانون
العقوبات .
اترك تعليقاً