الشفعة و التكييف القانوني لها
الشروط المتعلقة بالشفيع
إلى جانب الشروط المتعلقة بالتصرف الذي يجيز الشفعة وبالشيء المشفوع فيه والتي يمكن إجمالها في البيع العقاري، يقتضي البحث في الشفعة أيضا الوقوف على الأسباب التي تعطي الحق فيها وهي أسباب يحددها المشرع على سبيل الحصر باعتبارها أسباب أفضلية لمن يقوم به سبب منها على مشتري العقار المشفوع فيه. وقد يتعدد الشفعاء فيتزاحمون على الأخذ بالشفعة، ويبين المشرع كيفية حل هذا التزاحم سواء أكانوا من طبقات مختلفة أم كانوا من طبقة واحدة.
وعلى ذلك سنتطرق في هذا المطلب إلى النقاط التالية:
الفرع الأول: أسباب الأخذ بالشفعة وتحديد الشفعاء .
الفرع الثاني : الشروط اللازم توافرها في الشفيع .
الفرع الثالث: تعدد الشركاء و تزاحمهم.
الفرع الأول
أسباب الأخذ بالشفعة وتحديد الشفعاء
انتهى المشرع الجزائري إلى رد أسباب الشفعة إلى سببين رئيسيين هما: تفرق عناصر الملكية والشركة في الشيوع1، وقد بين هذه الأسباب في معرض تبيانه لمراتب الشفعاء الواردة في نص المادة 795 من القانون المدني.
وبالإضافة لما أوردته المادة 795 ق.م، أضاف المشرع الجزائري طائفة أخرى من الشفعاء وذلك بموجب قوانين خاصة. وعلى ذلك وبغية تحديد الشفعاء في القانون الجزائري، سنتطرق في هذا المطلب إلى نقطتين أساسيتين:
– الأسباب المنصوص عليها في القانون المدني.
– الأسباب المنصوص عليها في القوانين الخاصة الأخرى.
الأسباب المنصوص عليها في القانون المدني :
نصت المادة 795 من القانون المدني على انه ″يثبت حق الشفعة وذلك مع مراعاة الأحكام التي ينص عليها الأمر المتعلق بالثورة الزراعية:
– لمالك الرقبة إذا بيع الكل أو البعض من حق الإنتفاع المناسب للرقبة.
– للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي.
– لصاحب حق الإنتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها″.
يتضح من هذا النص أنه و بعد إلغاء الأمر المتعلق بالثورة الزراعية، فإن أسباب الأخذ بالشفعة تتمثل في سببين أساسين، نتطرق إليهما تباعا كالآتي:
• الشفعة لجمع ما تفرق من حق الملكية1:
يتمثل سبب″ تفرق عناصر الملكية″ في التشريع الجزائري والذي يهدف إلى تمكين الشفيع من إعادة لمّ شتات هذه العناصر المتفرقة في صورة وحيدة هي صورة التفرق الناشئ عن وجود حق انتفاع2.
فإذا تقرر حق انتفاع على عقار، يقوم سبب الأخذ بالشفعة- لتفرق عناصر الملكية على هذا النحو- في إحدى الحالتين: حالة بيع حق الإنتفاع وحالة بيع الرقبة .
وقد تعرضت المادة 795 ق.م لكل من الحالتين في فقرة مستقلة، إذ أثبتت الحق في الشفعة في الفقرة الأولى لمالك الرقبة في الحالة الأولى، وأثبتته في الفقرة الثالثة لصاحب حق الإنتفاع في الحالة الثانية ونتعرض للحالتين على التوالي:
شفعة مالك الرقبة في بيع كل حق الإنتفاع أو بعضه :
تنص المادة 795/1 ق.م على أن″يثبت حق الشفعة لمالك الرقبة إذا بيع الكل أو البعض من حق الإنتفاع المناسب للرقبة″.
ويؤدي الأخذ بالشفعة في هذه الحالة إلى انقضاء حق الإنتفاع، وهو ما يحقق إعادة تجميع عناصر الملكية لتعود متكاملة للمالك وهذا هو الغرض الذي أعطيت من أجله الشفعة لمالك الرقبة باعتباره أولى من مشتري حق الإنتفاع. وتعتبر هذه الحالة من الناحية العملية نادرة التحقق، ويرجع ذلك إلى ندرة تقرير حق الإنتفاع عملا.
ولا يشترط المشرع للأخذ بالشفعة في هذه الحالة إلا أن يكون حق الإنتفاع المبيع مناسبا للرقبة.
ويستوي أن يكون المبيع كل حق الانتفاع أو بعضه، وأن يكون مالك الرقبة أو صاحب حق الانتفاع واحدا أو متعددا، فإذا كان مالك الرقبة واحدا، والمنتفع واحدا، وباع المنتفع كل حقه أو بعضه فلمالك الرقبة الأخذ بالشفعة في هذا البيع .
أما إذا كان للرقبة ملاك متعددون على الشيوع رتبوا حق الانتفاع لشخص واحد، ثم باع المنتفع كل حقه أو بعضه، فللشركاء المشتاعين معا أخذ الإنتفاع المبيع بالشفعة، وإذا لم يأخذ بالشفعة إلا بعض الشركاء في الرقبة دون بعض، فيجب التمييز بين فرضيين: إذا كان المبيع بعض حق الانتفاع، وكان موازيا لحصصهم في الرقبة أو أقل، فلهم معا الأخذ بالشفعة، وأما إذا كان المبيع كل حق الإنتفاع، أو كان بعضه ولكن مجاوزا لحصصهم في الرقبة، فالأصل أنه ليس للشركاء المطالبين إلا الأخذ بالشفعة في حدود حصصهم الشائعة في الرقبة، لأن الإنتفاع لا يناسب رقبتهم إلا بقدر هذه الحصص، ولا يخولهم المشرع الشفعة فيما يجاوزها.
وإذا كان كل من الرقبة والانتفاع على الشيوع، وباع الشركاء في الإنتفاع أو أحدهم حصة فيه فلكل الشركاء في الرقبـة معا أخذ كل الحصة المبيعـة بالشفعـة، أما إذا لم يطالب بالشفعـة إلا بعض الشركاء دون البعض الآخر، فيحق لهم أخذها بالشفعة إذا كانت الحصة المبيعة توازي أو تقل عن حصصهم في الرقبـة أما إذا زادت على تلك الحصص، فليس لهم الأخذ بالشفعة إلا فيما يوازي حصصهم دونما يجاوزها1 .
شفعة صاحب حق الانتفاع في بيع الرقبة:
تنص المادة 795/3 ق.م على أنه″يثبت حق الشفعة لصاحب حق الإنتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها ″.
ويؤدي الأخذ بالشفعة في هذه الحالة إلى انقضاء حق الانتفاع وبالتالي إلى تجميع كل عنا صر الملكية بيد من كان له حق الانتفاع بما يحقق الغرض من إعطاء الشفعة.
ويشترط في شفعة المنتفع في بيع الرقبة أن تكون الرقبة المبيعة مناسبة لحق الإنتفاع. ويستوي أن يكون المبيع هو كل الرقبة أو بعضها وأن يكون صاحب حق الإنتفاع أو مالك الرقبة واحدا أو متعددا.
فإذا كان كل من المنتفع ومالك الرقبة واحدا، وباع الأخير الرقبة كلها أو بعضها، فللمنتفع أخذ المبيع بالشفعة. أما إذا كان مالك الرقبة واحدا وأصحاب الانتفاع متعددون، ثم باع الأول الرقبة كلها أو بعضها فللمنتفعين معا أخذ المبيع بالشفعة. فإذا لم يطالب بالشفعة إلا بعضهم، حقّ للمطالبين الأخذ بالشفعة في حال بيع بعض الرقبة إذا كان المبيع في حدود حصصهم في الإنتفاع، أما إذا كان المبيع كل الرقبة أو كان بعضها ولكن مجاوزا تلك الحصص، فليس لهم الشفعة إلا فيما يوازي تلك الحصص دون ما يجاوزها .
وإذا كان كل من الرقبة والانتفاع على الشيوع، وباع أحد الشركاء في الرقبة حصته فيها، فالأصل أنه إذا طالب بأخذها بالشفعة الشريك أو الشركاء الآخرون في الرقبة، فإنهم يتقدمون على أصحاب حق الإنتفاع ويحجبونهم عن الأخذ بالشفعة، وإذا لم يتقدم أحد من الشركاء في الرقبة للأخذ بالشفعة، فلكل الشركاء في الإنتفاع معا أخذ الحصة المبيعة بالشفعة، فإذا لم يطالب بها إلا بعضهم دون البعض الآخر فللمطالبين أخذ كل الحصة المبيعة بالشفعة إذا كانت توازي أو تقل عن حصصهم في الإنتفاع، فإن كانت تزيد عن تلك الحصص فليس لهم الشفعة فيها إلا بقدر حصصهم2.
وفي معرض الحديث عن الشفعة لجمع ما تفرق من حق الملكية، تجدر الإشارة إلى مدى سريان الشفعة عند وجود حق استعمال أو حق سكنى، وفي هذا الصدد فإنه لم يرد نص على الشفعة في حال تفرق عناصر الملكية نتيجة وجود حق استعمال أو حق سكنى، ولكن لماّ كانت المادة 857 ق.م تقرر سريان الأحكام الخاصة بحق الانتفاع على هذين الحقين طالما كانت لا تتعارض مع طبيعتهما، فمن شأن ذلك إمكان الأخذ بالشفعة فيهما على النحو المقرر في حق الإنتفاع في حدود عدم التعارض مع طبيعة الحقين3.
ولذلك يكون لصاحب حق الاستعمال أو حق السكنى الشفعة في بيع الرقبة المناسبة كلها أو بعضها وذلك على النحو الذي سبق بيانه فيما يتعلق بشفعة صاحب حق الإنتفاع في بيع الرقبة .
أما في الحالة المقابلة، فلا تثور مسألة الشفعة أصلا، لأنها لا تكون إلا في بيع، ولا يجوز في الأصل بيع حق الاستعمال ولا حق السكنى1، ولكن لماّ كان المشرع يجيز-خروجا على هذا الأصل- التنازل للغير عن أي من الحقين بناء على شرط صريح أو مبرر قوي2، فيكون لمالك الرقبة في هذه الحالات الاستثنائية وحدها -وهي نادرة- الشفعة في بيع حق الاستعمال أو حق السكنى بموجب المادتين 856 و757 ق.م وذلك على النحو السالف ذكره فيما يتعلق ببيع حق الإنتفاع .
ومن قضاء المحكمة العليا في هذا الصدد ما ورد في القرار المؤرخ في 26/04/2000 ملف رقم 193704 3 الذي جاء فيه :
المستفيدون من حق الشفعة محددون في المادة 795 من القانون المدني على سبيل الحصر، ومن بينهم مالك حق الانتفاع، وقد أخطأ قضاة الموضوع لماّ اعتبروا المستأجر منتفعا وخلطوا بين الانتفاع على وجه الإيجار وبين حق الانتفاع المتفرع عن حق الملكية .
• الشفعة بسبب الشركة في الشيوع4 :
أشار المشرع إلى هذا السبب في معرض تحديد من له الشفعة على أساسه، وذلك بنصه في المادة 795/2 ق.م على أنه ″يثبت حق الشفعة للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي″. وبذلك تكون الشركة في الشيوع سببا للشفعة في هذه الحالة إذا باع أحد الشركاء حصته في العقار الشائع إلى أجنبي غريب عن الشركاء، أخذا في الاعتبار بأن الشريك أولى بتلك الحصة من الأجنبي لأن صلته بها أقوى، وبأن الشفعة تؤدي إما إلى إنهاء وضع الشيوع غير المرغوب فيه إذا لم يكن للشريك البائع إلا شريك واحد، وإما إلى تقليل عدد الشركاء إذا كانوا في الأصل متعددين، ويتضح من النص المذكور آنفا أن توافر سبب الشفعة المذكور يرتهن بقيام وضع من الشيوع في عقار وببيع أحد الشركاء لجزء من العقار المشاع ويكون هذا البيع لأجنبي عن الشركاء. ونتطرق لهذه الشروط الثلاثة كالآتي:
– قيام حالة الشيوع في عقار :
ويفترض هذا السبب قيام وضع من الشيوع في عقار بما يعني أن أصحاب الحق في العقار الشائع متعددون دون أن يكون لأي منهم جزءا مفرزا ومحددا. فإذا باع أحد الشركاء في الشيوع حصته إلى أجنبي ثبت لشريكه أو لباقي شركائه حق الشفعة في هذا البيع، أما إذا انتهى وضع الشيوع بالقسمة التي تختص كل واحد من الشركاء بجزء مفرز من العقار المشاع الأصلي، فقد أصبح المتقاسم مالكا ملكية مفرزة للنصيب المقسوم له ولذلك لا يحق له الأخذ بالشفعة بسبب الشركة في الشيوع إذا باع متقاسم آخر نصيبه.
ويلاحظ أن القسمة التي يترتب عليها فقدان الشريك لحقه في الأخذ بالشفعة هي القسمة النهائية التي تنتهي إلى إفراز نصيب كل شريك .
هذه القسمة إذا صدر بها حكم قضائي وحاز قوة الشيء المقضي به فلا تثبت الشفعة بعد ذلك للشريك المتقاسم، أما إذا كانت القسمة اتفاقية، فلا يلزم إثبات التراضي على القسمة بالكتابة، فقد تحدث القسمة بفعل
الواقع، ويمكن للمحكمة أن تستنتج من ظروف الأحوال وقوع هذه القسمة باتفاق جميع الشركاء1 .
ويجب لثبوت الشفعة للشريك المشتاع أن يكون مالكا للحصة التي يشفع بمقتضاها وقت التصرف في الحصة الأخرى المراد أخذها بالشفعة، أي أنه يجب أن تكون ملكية الشفيع سابقة على البيع ولذلك إذا باع أحد الشركاء حصته في العقار الشائع، فلا تجوز الشفعة فيها لمن اشترى حصة أخرى فيه من شريك آخر إذا كان عقده غير مشهر وقت بيع الحصة المشفوع فيها.
ولا يعد شريكا في الشيوع من اشترى من أحد الشركاء جزءا مفرزا من العقار الشائع، فلا تجوز له الشفعة إذا باع أحد الشركاء من بعد حصته الشائعة في العقار.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقه استقر على ثبوت الشفعة لأي شريك في عقار شائع أيا كانت الشركة فيه شركة في الملكية الكاملة، أو في حق الإنتفاع أو في ملكية الرقبة. ومن الناحية العملية، لا تتحقق شفعة الشريك في الإنتفاع إذا بيعت حصة شائعة منه لأجنبي إلا إذا أحجم مالك الرقبة عن طلب أخذها بالشفعة2.
وقد قضت المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 31/05/2000 ملف رقم 194838 3 بما يلي :
حيث إنه وبالرجوع إلى القرار محل الطعن يتضح أن قضاة الموضوع قد صرحوا بأن حق الشفعة لا يكون إلا للشريك على الشيوع وأن المدعين في الطعن يقرون أن ما اشتراه المدعى عليه في الطعن الأول مفرز بدليل عقد القسمة الرضائي المبرم بين والدهم المتوفى وعمهم المدعى عليه في الطعن الثاني وعلى هذا الأساس رفضوا طلب الشفعة المقدم من طرفهم وبقضائهم كما فعلوا، فإن قضاة الموضوع لم يخالفوا القانون.
– بيع جزء من العقار المشاع :
تتحقق الشفعة بسبب الشيوع″إذا يبع جزء من العقار المشاع″. وإذا كان من المسلم ثبوت الشفعة إذا بيعت حصة شائعة في العقار، فيثور الخلاف حول جواز الشفعة في حالة بيع أحد الشركاء لجزء مفرز من المال الشائع .
ذهب رأي إلى ثبوت الشفعة حتى في بيع أحد الشركاء جزءا مفرزا من هذا العقار، وذلك تأسيسا على عموم نص المشرع بما يتسع لبيع الحصة الشائعة ولبيع الجزء المفرز على السواء، إذ كل منهما بيع شيء من العقار الشائع بالإضافة إلى أنه ليس من شأن بيع جزء مفرز إنهاء وضع الشيوع القائم، فيبقى لكل شريك الشفعة في هذا البيع .
بينما يذهب اتجاه أخر من الفقه1 إلى أن التكييف الصحيح لتصرف أحد الشركاء في جزء مفرز من الشيء الشائع وإن كان صحيحا فيما بين أطرفه لصدوره عن مالك، إلا أنه يكون غير نافذ في حق باقي الشركاء وهو ما يؤدي إلى أن المتصرف إليه لا يصير شريكا لهؤلاء الشركاء ، مما تنتفي معه الحكمة من الأخذ بالشفعة وهي استبعاد المتصرف إليه الأجنبي من الدخول معهم في الشيوع .
– حصول البيع لأجنبي :
لا تثبت الشفعة بسب الشركة في الشيوع إذا بيعت حصة شائعة من العقار الشائع إلا إذا كان البيع لأجنبي عن الشركاء . والحكمة من ذلك التضييق من نطاق الشفعة أخذا في الاعتبار أن تضرر الشركاء من بيع أحدهم حصته الشائعة إنما يتحقق في حالة البيع لأجنبي إذ يدخل عليهم في الشيوع غريبا عنهم . ولذلك تكون الشفعة هي الوسيلة لرفع هذا الضرر باستبعاد المشتري الأجنبي و أخذ الحصة المبيعة منه .
ويلزم للأخذ بالشفعة أن يكون مشتري الحصة الشائعة أجنبيا عن الشركاء وقت بيع هذه الحصة له فإن كان شريكا في هذا الوقت امتنعت الشفعة على باقي الشركاء ولما كان مشتري الجزء المفرز من العقار الشائع لا يصير شريكا كما سبق بيانه، فإنه إذا اشترى من بعد حصة شائعة في نفس العقار يكون بيعها له بيعا صادرا لأجنبي بحيث لا يملك منع باقي الشركاء من أخذها بالشفعة لأنه لم يكن شريك وقت هذا البيع.
الأسباب المنصوص عليها في القوانين الخاصة الأخرى :
إلى جانب الأسباب المنصوص عليها في القانون المدني ( المادة 795 ق.م ) هناك أسباب أخرى حدد بموجبها الشفعاء وهي منصوص عليها في نصوص متفرقة في بعض القوانين الخاصة، نذكرها كمايلي :
• استعمال حق الشفعة لفائدة خزينة الدولة:
يثبت حق الشفعة لفائدة خزينة الدولة بموجب نص المادة 118 من قانون التسجيل والتي تنص على أن ″تستطيع إدارة التسجيل أن تستعمل لصالح الخزينة حق الشفعة على العقارات أو الحقوق العقارية أو المحلات التجارية أو الزبائن أو حق الإيجار أو الاستفادة من وعد الإيجار على العقار كله أو جزء منه الذي ترى فيه بأن ثمن البيع غير كاف، مع دفع مبلغ هذا الثمن مزاد فيه العشر (1/10) لذوي الحقوق وذلك فضلا عن الدعوى المرفوعة أمام اللجنة المنصوص عليها في المواد من 102إلى 106 من هذا القانون وخلال أجل عام واحد ابتداءا من يوم تسجيل العقد أو التصريح… ويبلغ قرار استعمال حق الشفعة إلى ذوي الحقوق إما بواسطة ورقة من العون المنفذ لكتابة الضبط وإما بواسطة رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام يوجهها نائب مدير الضرائب للولاية التي يوجد في نطاقها الأمر المذكور″.
تضمنت المادة 118 من قانون التسجيل تأسيس حق الشفعة لفائدة الخزينة العامة للدولة في شكل ما اصطلح على تسميته بحق المزايدة بالعشر1، فاستنادا لهذا النص يمكن لإدارة الضرائب )التسجيل( أن تستعمل لصالح الخزينة حق الشفعة على العقارات أو الحقوق العقارية أو المحلات التجارية أو الزبائن أو حق الإيجار أو الاستفادة من وعد بالإيجار على العقار كله أو جزء منه أو الذي ترى فيه بأن ثمن البيع غير كاف مع دفع مبلغ هذا الثمن مضاف إليه ما قدره العشر(1/10) من ثمنه لذوي الحقوق وذلك فضلا عن الدعوى المرفوعة أمام اللجنة الولائية للطعن المختصة، وذلك خلال أجل سنة واحدة ابتداء من تاريخ تسجيل العقد أو التصريح الذي يتقدم به ذوي الحقوق. ويبلغ قرار استعمال حق الشفعة إلى ذوي الحقوق إما بواسطة ورقة من العون المنفذ بكتابة الضبط ( المحضر القضائي حاليا ) وإما برسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام يوجهها مدير الضرائب للولاية التي توجد بدائرة اختصاصها الأموال العقارية والحقوق والمنقولات المذكورة وعليه فإن جميع الأشخاص سواء كانوا طبيعيين أو معنويين يخضعون على قدم المساواة لمثل هذا الإجراء القانوني المنصوص عليه في المادة 118 من قانون التسجيل المعدل و المتمم.
ويعود السبب في ذلك إلى أن أغلب من يتقدم إلى مكاتب التوثيق للقيام ببعض التنازلات سواء تعلقت بالعقارات أو المحلات التجارية، فإنهم يتقدمون بتصريحات صورية حتى يتهرب هؤلاء من دفع رسوم التسجيل الحقيقية للدولة عن طريق الموثق، فتحتفظ بذلك الدولة ( الخزينة العمومية ) بحق الشفعة في شراء الملكية العقارية أو الحقوق المذكورة أو المحلات التجارية، بالثمن المصرح به مع دفع الخزينة العمومية زيادة في الثمن تقدر بالعشر (1/10)، ولم يكتف المشرع الجبائي بحق الشفعة طبقا للمادة 118 بل جاءت المادة 118 مكرر بإجراء آخر بالإضافة لحق الشفعة ذاته، بحيث يمكن التنازل بالتراضي عن الأملاك العقارية والمحلات التجارية الخاصة الخاضعة لحق الشفعة والمكتسبة من طرف الدولة عندما تصبح غير ذات منفعة للمصالح أو الهيئات العمومية للساكنين أو المستغلين الذين يثبتون صفة المستأجر الدائم، كما يمكن لها بيعها بالمزاد العلني2.
• حق الشفعة لصالح الشاغل القانوني للجزء الموضوع للبيع في حالة بيع بناية يملكها شخص معنوي:
ويتقرر حق الشفعة في هذه الحالة بموجب نص المادة 23 من المرسوم التشريعي رقم 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 والمتعلق بالنشاط العقاري، والتي تنص على أن« إذا قرر شخص معنوي مؤجر بيع البناية التي يملكها أجزاء، يستفيد الشاغل القانوني للجزء الموضوع للبيع من حق الشفعة لشرائه. وتبين بدقة نية البيع وعلى الخصوص ثمن البيع المطلوب، كما يجب أن تبلغ برسالة موصى عليها مع وصل استلام إلى الشاغل الذي يتعين عليه أن يجيب خلال أجل لا يمكن أن يتجاوز شهرا واحدا ويصبح حق الشفعة بدون أثر إذا انقضى هذا الأجل ».
استنادا إلى النص السابق، يتبين أن حق الشفعة يثبت لكل شاغل قانوني على الجزء من البناية المملوكة لشخص معنوي مؤجر إذا ما قرر هذا الأخير بيعها أجزاء.
وتكلف دواوين الترقية والتسيير العقاري في ميدان التسيير العقاري، باعتبارها المالك المؤجر1، وفقا لنص المادة 06 الفقرة 01 من المرسوم التنفيذي رقم 91/147 المؤرخ في 12/05/1991 المتضمن تغيير الطبيعة القانونية للقوانين الأساسية لدواوين الترقية والتسيير العقاري وتحديد كيفيات تنظيمها وعملها، تكلف بتأجير المساكن والمحلات ذات الاستعمال المهني و التجاري والحرفي أو التنازل عنها.
وتجسد العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين وجوبا في عقد الإيجار طبقا للنموذج المحدد عن طريق المرسوم التنفيذي رقم 94/69 استنادا إلى نص المادة 21 من المرسوم التشريعي رقم 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري وتظل عقود الإيجار المبرمة قبل تاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي خاضعة للمرسوم رقم 76/147 المؤرخ في 23/10/1976، حيث تبرم عقود إجارة المنازل طبقا للأحكام المنصوص عليها في نفس القانون، ويلزم المستأجر عند البدء بالانتفاع بالأمكنة بأن يشغلها شخصيا وبصفة دائمة مع أفراد عائلته الذين يعيشون عادة تحت سقف منزله، وبألا يتنازل مطلقا عن حقه في الإنتفاع بعوض أو بغير عوض وألا يؤجر من الباطن كل أو بعض الأمكنة وألا يعمل على شغلها من الغير و لو بصفة مؤقتة تطبيقا للمادة 04 الفقرتين 01 و 04 من المرسوم 76/147 .
ويمكن نقل حق الإيجار استنادا إلى المرسوم التنفيذي رقم 98/43 المؤرخ في 01/02/1998 المحدد لشروط حق الإيجار المتعلق بالسكنات ذات الطابع الاجتماعي التابعة لدواوين الترقية والتسيير العقاري وكيفياته، حيث تنص المواد 02،01 و03 منه على أنه لا يستفيد من حق الإيجار المتعلق بالسكن ذي الطابع الاجتماعي التابع لدواوين الترقية والتسيير العقاري سوى الأشخاص الذين لهم علاقة قرابة من الدرجة الأولى ( الفروع ) وتتوفر فيهم شروط الحصول على السكن الإجتماعي المنصوص عليها في التنظيم المعمول به وأن تتوفر فيهم شروط حق البقاء في مساكنهم كما هو منصوص عليه في الأحكام التشريعية المعمول بها، على أن يكون نقل حق الإيجار معلقا على شروط القبول الصريح والكتابي للمؤجر.
ويمكن لشاغلي السكن دون سند قانوني والذين قدموا طلبات تسوية وضعيتهم لدى مصالح دواوين الترقية والتسيير العقاري قبل تاريخ نشر هذا المرسوم، أن يستفيدوا وبصفة استثنائية من نقل حق الإيجار حسب الشروط و الكيفيات التي تحدد بقرار من الوزير المكلف بالسكن.
وقد قضت المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 14/03/1995 تحت رقم 117880 أن عقد الإيجار المبرم بين المستأجر وديوان الترقية والتسيير العقاري لا يثبت إلا بموجب عقد مكتوب محرر حسب نموذج معين عملا بما جاء في المادة 02 من القانون 147 / 76 المؤرخ في 13/10/1976 وأن الاحتجاج بوصولات الإيجار في هذا المجال غير ممكن في غياب عقد الإيجار1.
أما عن إجراءات الشفعة، فبعد أن يقرر المالك المؤجر بيع البناية المملوكة له أجزاء، عليه أن يبين للشاغل القانوني للجزء من البناية وبواسطة رسالة موصى عليها مع وصل بالاستلام، نيته في البيع وثمن البيع المطلوب ويجب على الشاغل أن يبدي رغبته في أخذ العقار-وهو الجزء الموضوع للبيع- بالشفعة خلال شهر كامل من تاريخ تبليغه و إلا سقط حقه في استعمال الشفعة.
• ممارسة حق الشفعة لصالح الدولة في المستثمرات الفلاحية الجماعية :
تقرر حق الشفعة في هذه الحالة استنادا إلى نص المادة 24 من القانون رقم 87/19 المؤرخ في 08/12/1987 والمتضمن ضبط كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية وتحديد حقوق المنتجين وواجباتهم .
وتنص المادة 24 من القانون المذكور أعلاه على أنه « لا يمكن التنازل عن الحصة إلا لصالح عمال القطاع الفلاحي وتعطى الأولوية في هذا الإطار للشباب الذين استفادوا من تكوين فلاحي وللعاملين ضمن المستثمرة الفلاحية الجماعية، ويمكن للدولة في جميع الحالات أن تمارس حق الشفعة» .
فرغم أن المادة 43 من القانون 87/19 منعت على الموظفين التدخل في إدارة وتسيير المستثمرات الفلاحية لتفادي الأخطاء التي وقعت تطبيقا لقانون الثورة الزراعية، فإن الإستقلال بالإدارة والتسيير لا يمنع الدولة بصفتها مالكة لحق الرقبة ومسؤولة على المحافظة على الوجهة الفلاحية للأراضي واستغلالها استغلالا أمثلا نظرا لوظيفتها الإجتماعية الهامة من ممارسة الرقابة واستعمال الصلاحيات المخولة لها قانونا .
ومن أهم هذه الصلاحيات التدخل عند رغبة أحد أعضاء المستثمرة التنازل على حقه أو في حالة إسقاط هذا الحق أو على إثر وفاته دون ترك وارث تتوفر فيه الشروط المطلوبة، وهذا لممارسة حق الشفعة عن طريق الهيئة العمومية التي نص عليها قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 في المادة 62 منه وأنشأها المرسوم رقم 87/96 المؤرخ في 24/02/1996 أي الديوان الوطني للأراضي الفلاحية وهو عبارة عن مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، ومن المفروض أن يكتسب الديوان الحصة المعنية عن طريق الشفعة واكتساب المستثمرة كاملة في حالة حلها ويتولى تسييرها بنفسه أو عن طريق التعاقد، غير أن هذه المؤسسة لم تنصب لحد الآن ولم تمارس الدولة أصلا حق الشفعة.
وقد استمر الوضع إلى غاية صدور التعليمة الوزارية المشتركة بين وزارتي المالية والفلاحة والتنمية الريفية رقم 07 المؤرخة في 15/07/2002 المتعلقة بالتنازل عن حق الإنتفاع الدائم الممنوح للمستفيدين في إطار القانون 87/19، وقد تناولت هذه التعليمة الشروط المتعلقة بالتنازل عن حق الانتفاع الدائم كما وردت في القانون، وضبطت كيفية ممارسة حق الشفعة من طرف الدولة، إذ ألزمت الموثقين قبل تحرير عقد التنازل بإبلاغ مدير أملاك الدولة للولاية لتمكينه من ممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة ومنحت لهذا الأخير أجل شهر يسري ابتداء من استلامه التبليغ من الموثق لممارسة حق الشفعة أو السماح بالتنازل1 .
• ممارسة حق الشفعة بموجب قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990:
باستقراء نصوص القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتعلق بالتوجيه العقاري يتضح جليا أن المشرع حدد طائفتين من الشفعاء نتعرض إليها تباعا كالآتي :
1/ ممارسة حق الشفعة عن طريق الهيئة العمومية المؤهلة :
بالرجوع إلى المواد 52و62 من القانون المذكور أعلاه، يتبين أن المشرع خول للهيئة العمومية المؤهلة2 والمكلفة بالتنظيم العقاري اتخاذ كل التدابير الملائمة التي من شأنها أن تحافظ على انسجام المستثمرة الفلاحية وعلى قابليتها الإقتصادية في جميع المعاملات العقارية .
وفي هذا الإطار، يمكن لهذه الهيئة أن تتقدم لشراء الأراضي مع ممارسة حق الشفعة تبعا للرتبة المحددة في المادة 795 من القانون المدني .
كما أن قانون التوجيه العقاري وبالاستناد إلى نص المادة 71 منه، أنشأ للدولة والجماعات المحلية الحق في الشفعة وذلك بغية توفير الحاجات ذات المصلحة العامة والمنفعة العمومية، بصرف النظر عن احتمال اللجوء إلى إجراء نزع الملكية .
ويكون تطبيق حق الشفعة عن طريق مصالح وهيئات عمومية معينة، وهنا يمكن التساؤل فيما إذا كانت هذه المصالح والهيئات تتمثل في الديوان الوطني للأراضي الفلاحية أو أنه يمكن إدراج حتى الوكالات العقارية في استعمال حق الشفعة باعتبارها أداة السياسة العقارية الحضرية المحلية .
2/ ممارسة حق الشفعة عن طريق الملاك المجاورين في الأراضي الفلاحية:
أورد المشرع الجزائري الجوار في الملك كسبب من أسباب الأخذ بالشفعة في الأراضي الفلاحية من خلال نصه في قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 وفي المادة 57 منه على ذلك. إذ نص على أنه″ يمتد حق الشفعة كما نصت عليه المادة 795 من الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26/09/1975 المذكور أعلاه إلى المجاورين في إطار أحكام المادة 55 أعلاه، وبغية تحسين الهيكل العقاري في المستثمرة″3 .
واعتبار الجوار سببا للشفعة يستلزم وجود وضع من التلاصق بين العقار المشفوع به والعقار المشفوع فيه وهو ما يقتضي عدم وجود انفصال تام بين العقارين يحول دون تحقق التلاصق1، شريطة ألا يلحق ذلك ضررا بقابلية الأراضي للإستثمار ولا يؤدي إلى تغيير وجهتها الفلاحية وألا يتسبب في تكوين أراض قد تتعارض بحجمها مع مقاييس التوجيه العقاري وبرامجه، وأن يكون الهدف من ذلك كله هو تحسين الهيكل العقاري في المستثمرة2 .
• ممارسة حق الشفعة بموجب قانون حماية الصحة وترقيتها رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/ 1985 :
تمارس الدولة حق الشفعة بالنسبة للمحال التي تستعمل في الطب وجراحة الأسنان والصيدلة وذلك بموجب نص المادة 216 من القانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/1985 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها التي نصت على أن:″يخضع كل تغيير في تخصيص المحلات التي تستعمل في الطب وجراحة الأسنان والصيدلة لرخصة كتابية مقدمة يسلمها الوزير المكلف بالصحة .
وتمارس الدولة حق الشفعة في حالة إجراء أي معاملة تجارية بشأن هذا المجال″ .
وعلى ذلك فإنه يشترط لثبوت حق الشفعة لفائدة الدولة في هذه الحالة أن يكون المحل المشفوع فيه مستعملا في الطب أو جراحة الأسنان أو الصيدلة وأن يكون التصرف الذي يجيز لدولة استعمال حقها في أخذ المحل بالشفعة إجراء أية معاملة تجارية بشأن هذا المحال .
وما تجدر الإشارة إليه، أن القانون رقم 06/16 المؤرخ في 14/11/2006 والمتضمن الموافقة على الأمر 06/07 المؤرخ في 15/07/2006 المعدل والمتمم للقانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها، لم يتضمن أي تعديل للمادة 216، وعليه تبقى أحكام الشفعة السالف ذكرها والمنصوص عليها في القانون رقم 85/05 هي نفسها ودون أي تغيير.
الفرع الثانـي
الشروط الواجب توافرها في الشفيع
يعد الأخذ بالشفعة في حكم شراء العقار المشفوع فيه، حيث يحل الشفيع بتصرفه محل المشتري لذلك وجب أن تتوافر في الشفيع الأهلية الواجبة للأخذ بالشفعة وهي أهلية التصرف. فالبالغ غير المحجور عليه له الحق في الأخذ بالشفعة بإرادته وبنفسه وقد يأخذها عن طريق وكيله على أن تكون الوكالة خاصة، لأن الأخذ بالشفعة يعد من أعمال التصرف .
أما إذا كان الشفيع قاصرا، فلوليه نيابة عنه الحق في الأخذ بالشفعة دون استئذان من المحكمة، وإذا لم يكن للقاصر وليا فلوصيه هذا الحق بعد استئذان المحكمة .
وإذا كان الشفيع محجورا عليه، كان للمقدم الأخذ بالشفعة نيابة عنه وبعد الحصول على إذن المحكمة.
ولما كانت الشفعة في حكم الشراء، فإنها تمتنع على الشفيع إذا كان ممنوعا من شراء العقار المشفوع فيه كما إذا كان الشفيع نائبا عن غيره في بيع مال هذا الغير، فيكون ممنوعا من شراء هذا المال لنفسه.
ولا يشترط في الشفيع أن يكون شخصا طبيعيا، فقد يكون شخصا معنويا فيحق له الأخذ بالشفعة ومع ذلك فلا شفعة للوقف رغم تمتعه بالشخصية المعنوية، وهذا هو حكم الشريعة الإسلامية. فإذا كان المبيع بعضه ملك وبعضه وقف وبيع الملك، فلا شفعة للوقف – من ناظر أو موقوف عليه – في الجزء الملك من العقار والسبب في ذلك أن ناظر الوقف لا يعتبر مالكا للعقار الموقوف وكذلك الحال بالنسبة للموقوف عليه، وإذا كان العقار المشفوع به ملكا لا وقفا وقت بيع العقار المشفوع فيه، ثم وقف قبل ثبوت الحق في الشفعة، فإن الشفعة تسقط لأن العقار المشفوع به وإن كان ملكا وقت البيع المشفوع فيه لم يستمر كذلك إلى وقت ثبوت الحق في الشفعة. وإذا تمسك الشفيع بأن وقف العقار المشفوع به غير صحيح وأنه لذلك يستطيع أن يشفع به إذ به يبقى ملكا بعد أن بطل وقفه، وجب أن توقف دعوى الشفعة حتى يفصل من المحكمة المختصة في صحة الوقف .
وإذا كانت الشفعة لا تجوز بالوقف، فإنها تجوز في الوقف، ويتحقق ذلك إذا بيع الوقف بمسوغ شرعي، كما إذا شرط الواقف استبداله فاستبدل، فإن العقار الموقوف إذ يباع للاستبدال يصبح ملكا فتجوز الشفعة فيه، وأما ثمنه فيشترى به عقارا آخرا هو الذي يصبح وقفا، ولا تجوز الشفعة فيه، أما إذا كان لا يجوز بيع العقار الموقوف أصلا، كأن كان مسجدا، فلا يجوز أخذه بالشفعة لأنه لا يصح بيعه وإذا كان العقار المشفوع فيه ملكا ،فوقفه المشتري بعد طلب الشفعة، اعتبر هذا تهربا من الشفعـة فيكون الوقف باطلا ويجوز أخذ العقار بالشفعة، وتكون العبرة بتاريخ شهر إعلان الرغبة في الشفعة.1
كما يشترط في الشفيع أن يكون مالكا للعقار المشفوع فيه من وقت بيع العقار المشفوع فيه إلى وقت ثبوت حقه في الشفعة2 .
واشتراط وجود حق الشفيع الذي يشفع به وقت البيع المشفوع فيه معناه اشتراط تكامل وجود هذا الحق في ذلك الوقت، ويقتضي بيان ذلك التمييز بين ما إذا كان حق الشفيع على عقاره ناشئا عن تصرف قانوني أو عن واقعة قانونية3 .
فبالنسبة للتصرف القانوني وطالما أنه لا ينقل أو ينشئ الحقوق العينية العقارية إلا بالشهر، فيقتضي الأخذ بالشفعة وجوب أن يكون التصرف القانوني الناشئ عنه حق الشفيع مشهرا وقت البيع المشفوع فيه، حيث لا تجوز الشفعة إذا كان حق الشفيع مستندا إلى تصرف قانوني لم يتم شهره قبل البيع المشفوع فيه ولا يكفي أن يكون التصرف القانوني الناشئ عنه حق الشفيع مشهرا، بل ينبغي كذلك أن يكون هذا التصرف المشهر موجودا وجودا حقيقيا وصالحا لتوليد هذا الحق قبل البيع المشفوع فيه. ولذلك تجوز الشفعة إذا كان هذا التصرف قابلا للإبطال أو معلقا على شرط فاسخ طالما لم يحكم بالإبطال أولم يتحقق الشرط قبل البيع المشفوع فيه وبشرط عدم الحكم بالإبطال أو عدم تحقق الشرط قبل ثبوت الشفعة للشفيع.
كما يمكن أن ينشأ حق الشفيع في الأخذ بالشفعة عن واقعة قانونية، وأكثر ما يتحقق ذلك نتيجة الوفاة فإذا كان الشفيع وارثا تلقى حقه على العقار الذي يشفع به بالإرث نتيجة وفاة المورث، وطالما أن الوارث يتلقى حقه من تاريخ الوفاة، فينبغي لجواز أخذه بالشفعة أن تكون واقعة الوفاة متحققة قبل البيع المشفوع فيه .
وإذا كان حق الشفيع ناشئا عن التقادم، فينبغي أن تكون مدته قد اكتملت قبل البيع المشفوع فيه بل وأن يكون التمسك به قد تم قبل هذا البيع1 .
هذا ولا يكفي أن يكون حق الشفيع على عقاره الذي يشفع به موجودا وقت البيع المشفوع فيـه بل يجب أيضا استمرار قيام هذا الحق للشفيع إلى حين ثبوت الشفعة له، وتحديد وقت ثبوت الشفعة للشفيع محل خلاف كبير ناشئ عن الخلاف حول تحديد وقت حلول الشفيع محل المشتري في عقد البيع المشفوع فيه أو وقت تملك الشفيع للعقار المشفوع فيه. والرأي الغالب هو تحديد وقت ثبوت الشفعة بوقت تملك الشفيع أي بوقت تسليم المشتري بالشفعة في حالة التراضي أو بتاريخ الحكم للشفيع بالشفعة في حالة التقاضي2 .
الفرع الثالث
تعدد الشفعاء وتزاحمهم
تطرقت المادة 796 ق.م لأحكام تزاحم الشفعاء عند تعددهم وبينت مراتبهم بحيث يسبق الشفعاء من طبقة أعلى من يلونهم من شفعاء الطبقات الأدنى، ثم بينت الحكم في حالة تزاحم شفعاء من نفس الطبقة، وفي حالة تزاحم شفعاء ومشتر تتوافر فيه الشروط التي كانت تجعله شفيعا.
ونتعرض لهذه الحالات على التوالي :
• تزاحم الشفعاء من طبقات مختلفة :
باستقراء نص المادة 796/1 ق.م ومن خلال صياغة هذه المادة يتبين أن المشرع الجزائري لم يتعرض لحالة تزاحم الشفعاء من طبقات مختلفة، إنما اكتفى بحالتي الشفعاء من طبقة واحـدة وتزاحم الشفعاء مع المشتري وهو شفيع مثلهم1، إذ جاء فيها أنه″ إذا تعدد الشفعاء يكون استعمال حق الشفعة حسب الترتيب المنصوص عليه في الفقرات التالية :
– إذا كان الشفعاء من طبقة واحدة …
– إذا كان المشتري قد توفرت فيه الشروط التي تجعله شفيعا … ″.
وأمام هذه الوضعية، فإن الحل الذي يمكن إعطاؤه لحالة تزاحم الشفعاء من طبقات مختلفة هو انتهاج الحل الذي اتخذه المشرع المصري في هذا الصدد، وهو الحل المنطقي، إذ يكون استعمال حق الشفعة على الترتيب المنصوص عليه في المادة 795 ق.م، والتي رتبت الشفعاء في طبقات ثلاث: الأولى هي طبقة مالك الرقبة في بيع حق الإنتفاع المناسب لها، والثانية هي طبقة الشريك في الشيوع في بيع جزء من العقار المشاع والثالثة هي طبقة صاحب حق الإنتفاع في بيع الرقبة المناسبة .
وبناء على ذلك، إذا بيعت حصة شائعة في حق الإنتفاع، وتقدم للأخذ بالشفعة فيها مالك الرقبة المناسبة والشريك في الإنتفاع، فضل مالك الرقبة إذ هو من الطبقة الأولى، وإذا بيعت حصة شائعة في الرقبة وتقدم للأخذ بالشفعة فيها الشريك في الرقبة وصاحب حق الانتفاع المناسب، فضل الشريك في الرقبة إذ هو من الطبقة الثانية بينما صاحب حق الإنتفاع من الطبقة الثالثة .
• تزاحم الشفعاء من طبقة واحدة:
نصت المادة 796/2 ق.م على أنه″إذا كان الشفعاء من طبقة واحدة، استحق كل منهم الشفعة بقدر نصيبه″.
ويمكن التطرق للتزاحم بين الشفعاء من طبقة واحدة في الفروض التالية2 :
– تزاحم ملاك الرقبة:
يتصور هذا التزاحم عندما يتعدد ملاك الرقبة الذين يريدون أن يشفعوا في حق الانتفاع، والقاعدة في هذا الصدد هو استحقاق كل منهم للشفعة على قدر نصيبه، فإذا كانوا ثلاثة، الأول له النصف والثاني الثمن والثالث ثلاثة أثمان، اقتسموا حق الإنتفاع فيما بينهم فتكون للأول نصفه والثاني ثمنه والثالث بقيته.
وفي حالة تعدد ملاك الرقبة، وبيع حق الإنتفاع، ولم يتقدم لطلب الشفعة إلا أحدهم فقط، ففي هذه الحالة إذا كان طلب الشفعة في الجزء من الانتفاع يؤدي إلى تفريق الصفقة على المشتري على خلاف ما كان يبغي كان لهذا المشتري إلزام الشفيع إما أن يأخذ الكل أو يدع، وذلك تطبيقا لمبدأ عدم التجزئة المقرر لفائدة المشتري3 .
– تزاحم الشركاء في الشيوع :
إذا تزاحم الشركاء في الشيوع سواء كانوا ملاكا للعقار بتمامه أو كانوا شركاء في الرقبة أو شركاء في الانتفاع، فاستحقاق كل واحد منهم في الشفعة يكون على قدر نصيبه.
وعلى ذلك إذا تعدد الشركاء في العقار وطالبوا جميعا بالشفعة فيما بيع منه، قسم المبيع بينهم قسمة تناسبية بنسبة حصصهم بعضها إلى بعض. فإذا كان العقار ملكا لثلاثة لأحدهم النصف وقد باعه لأجنبي وكان للثاني ثمن العقار وللثالث ثلاثة أثمان، فإن الأخيرين يقتسمون النصف المبيع بنسبة مالهم من حصص في العقار المشفوع فيه أي بنسبة 1 إلى 3 من النصف المبيع.
وإذا تنازل أحد الشريكين عن حقه في الشفعة، حق للشريك الآخر أن يأخذ النصف المبيع بكامله بالشفعة وإذا تعدد الشركاء طالبي الشفعة وتنازل أحدهم لآخر عن حقه، فلا يستأثر المتنازل له بهذا النصيب بل يرتد إلى كافة الشركاء ليأخذوا كل بقدر نصيبه، وذلك لأن المتنازل له لم يملك شيئا حتى يصح تنازله فيه1.
– تزاحم أصحاب حق الإنتفاع:
إذا تعدد أصحاب حق الإنتفاع وتقدموا جميعا لطلب الشفعة فيما بيع من الرقبة، فيأخذ كل منتفع على قدر نصيبه.
أما إذا تقدم أحد المنتفعين فقط دون الآخرين لطلب الشفعة، ففي هذه الحالة يكون من حق المشتري أن يجبر الشفيع على التحمل بالصفقة بكاملها حتى لا تتفرق عليه، ولا يجوز للشفيع أن يقصر طلبه على ما يعادل نصيبه في ملكية الرقبة .
• تزاحم الشفعاء مع مشتر يتوافر فيه ما كان يجعله شفيعا:
تصدى المشرع لحل هذا النوع من التزاحم مع المشتري، بنصه في المادة 796/3 ق.م على أنه″ إذا كان المشتري قد توفرت فيه الشروط التي تجعله شفيعا بمقتضى المادة 795 فإنه يفضل على الشفعاء من طبقته أو من طبقة أدنى ولكن يتقدمه الذين هم من طبقة أعلى″ .
ويتضح من ذلك وجود حالتين: الأولى يفضل فيها المشتري على الشفعاء إذا كانوا من طبقته أو من طبقة أدنى، والثانية يفضل فيها الشفعاء على المشتري إذا كانوا من طبقة أعلى. وتفترض الحالتان أن المشتري لو كان غيره هو الذي اشترى العقار بدلا منه، كانت تتوافر فيه شروط أخذه بالشفعة، فإذا ما طالب شفعاء آخرون أخذ المبيع من المشتري بالشفعة، فضل عليهم المشتري إذا كانوا من طبقته أومن طبقة أدنى في مراتب الشفعاء وفضلوا عليه إذا كانوا من طبقة أعلى، ونتعرض لهاتين الحالتين كمايلي :
– تفضيل المشتري على الشفعاء من طبقته أو من طبقة أدنى1:
يفضل المشتري دائما على الشفعاء الذين هم من طبقته أو من طبقة أدنى، بحيث يستبعدهم ويبقى له العقار الذي اشتراه، ومثال صورة التساوي بين الشفعاء والمشتري في الطبقة، شراء شريك في الرقبة حق الانتفاع المناسب لحقه وتقدم الشريك الآخر في الرقبة للأخذ بالشفعة، وفي هذه الحالة يفضل المشتري لأنه من نفس طبقة المطالب بالشفعة إذ هما من الطبقة الأولى .
ومثال الصورة الثانية التي يكون المطالبون بالشفعة فيها أدنى في الطبقة من المشتري، شراء مالك الرقبة لحصة شائعة في الانتفاع ثم يتقدم شريك آخر في الانتفاع لأخذها بالشفعة، فيفضل المشتري مالك الرقبة على الشريك في الانتفاع الذي هو أدنى منه في الطبقة .
– تفضيل الشفعاء من طبقة أعلى على المشتري2 :
إذا طالب شفعاء بأخذ العقار الذي اشتراه المشتري بالشفعة وكانوا أعلى منه في الطبقة، فإنهم يفضلون عليه ويستبعدونه بحيث يحلون محله في البيع .
اترك تعليقاً