نظرية الإثبات في التشريع الجنائي المغربي
تعريف الإثبات:
لم يعرف المشرع المغربي الإثبات، لا في القانون المدني بقسميه ولا في القانون الجنائي، لذلك يمكن أن نعرف إثبات الجنائي بأنه هو إقامة الدليل على أن المتهم ارتكب الفعل المنسوب اليه.
لئن كانت وسائل الإثبات أو أدلته تهيأ في المواد المدنية قبل النزاع وقبل اثارة الدعوى، فان العكس في المواد الجنائية هو الواقع لذلك فان الأدلة في الحقل المدني تختلف اختلافا كبيرا عنها في الحقل الجنائي، فالمتعاملون في الحقل المدني يهيئون الدليل قبل إقدامهم على أية معاملة قرض، بيع مناقلة، الخ، أي في جميع التصرفات القانونية، وأول هذه الأدلة وأقواها هو الكتابة، بينما في الحقل الجنائي فان الأفعال التي يقوم بها المتهم كلها مخالفة للقانون، لذلك يعمل جاهدا على إخفائها عن الأعين، الشيء الذي جعل المشرع يتوسع في إثبات الأفعال المخالفة للقانون وأجاز إثباتها بجميع وسائل الإثبات كشهادة الشهود والقرائن.
طرق الإثبات :
1- الطريقة القانونية (1): وهي الطريقة التي رسمها القانون وحددها والتزم القاضي باتباعها ويعرض حكمه للنقض كلما خالفها (2) ويمكن ان نسمي هذه الطريقة بالطريقة الموضوعية وهي بالحقل المدني أليق منها بالحقل الجنائي وقد ظهرت هذه الطريقة لتحد من غلواء النظرية الثانية التي تعتمد بالدرجة الاولى على قناعة القاضي الوجدانية، وقد اخذت الشريعة الاسلامية بهذه الطريقة في اثبات جرائم الحدود، فألزمت القاضي بان يدين المتهم كلما أثبت خصمه بشهادة رجلين او رجل وامرأتين او اربعة شهداء في جرائم القذف (3)، وهذه الطريقة تجعل القاضي يصدر احكاما ولو كان غير مقتنع بها.
2- الطريقة الوجدانية او الشخصية :
وهي التي تعتمد بالدرجة الاولى على قناعة القاضي في كون المتهم ارتكب الفعل المنسوب اليه ام لا.
ويستطيع ان يبعد شهادة الشهود وحتى اعتراف المتهم متى تبين له من خلال الوقائع والاحداث عدم صحتها، وهذه الطريقة هي اولى الطريقتين ظهرت في العالم القانوني ثم اختفت بعض الشيء امام ظهور الطريقة القانونية. وفي مطلع العصر الحديث بدأت في الظهور، وقد اخذت بها معظم الشرائع الحديثة، ومن جملتها التشريع المغربي الذي نص في الفصل 288 من قانون المسطرة الجنائية على انه ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الاثبات ما عدا في الاحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم”.
فإذا رأى ان الإثبات غير قائم قرر عدم إدانة الشخص المتهم وحكم ببراءته، الا انه لا ينبغي ان يفهم من هذا النص او من طريقة الاثبات الوجداني ان القاضي الجنائي في تكوين قناعته كيفما شاء بطريقة اعتباطية والا لأصبح يدين من يشاء، وانما يجب عليه ان يكون قناعته من الأدلة والحجج والمناقشات التي راجت أمامه ويعلل تكوين هذه القناعة والطريقة التي سلكها في تكوينها.
وقد نص الفصل 289 من قانون المسطرة الجنائية على انه ( لا يمكن للقاضي ان يبني مقرره الا على حجج عرضت اثناء الاجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا امامه) والفصل 290 من نفس القانون ينص على انه اذا كان اثبات الجريمة متوقفا على حجة جارية عليها أحكام القانون المدني فيراعى القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور.
فلإثبات جريمة خيانة الامانة مثلا يجب اثبات الوديعة التي وضعت عند المتهم والوديعة تثبت اذا كانت قيمتها تفوق250 درهم.
أو غير محددة القيمة بعقد كتابي، كما نص على ذلك الفصل 443 من قانون العقود والالتزامات ولا يمكن ان تثبت خيانة الامانة متى تعدى المبلغ المذكور، ولو أحضر المدعى الشخصي الشهود الذين عاينوه وهو يدفع الأمانة للمتهم او المتهم وهو يبدد الأمانة لان القانون حدد اثبات هذه الجريمة، لذلك نرى ان بعض الرواسب من الطريقة القانونية لا زالت موجودة في التشريع الجنائي الحديث.
عبء الإثبات :
من المبادئ العامة في القانون ان البينة على المدعى لانه هو الذي يدعي خلاف الأصل في الحقل المدني بمفهومه الواسع فعبء الاثبات اذا في الحقل الجنائي يقع على عاتق النيابة العامة باعتبارها تمثل المجتمع وتملك سلطة الاتهام، ولذلك يقال بان السلطة القضائية في الحقل الجنائي تتكون من شقين: سلطة الاتهام وسلطة الحكم. فالنيابة اذن باعتبارها سلطة الاتهام هي الملزمة بتقديم الدليل على ان المتهم الذي قدمته للمحاكمة هو الذي قام بالفعل، ويساعد النيابة العامة في هذه التهمة في بعض الاحيان الضحية الذي ينتصب مطالبا بالحق المدني فللمتهم الماثل امام المحكمة ان ينكر الفعل المنسوب اليه، وليس ملزما بتقديم دليل لتأييد إنكاره او سبب لوقوع الفعل، والنيابة العامة هي الملزمة بتقديم هذا الاثبات، الا ان هناك بعض الحالات يجب فيها على المتهم ان يثبت ما يدعيه وذلك عندما لا ينكر الفعل المنسوب اليه، ولكنه يدعي سببا من اسباب التبرير(4) او اسباب الإباحة، سوء كانت هذه الاسباب معفية من العقوبة تماما، او منخفضة منها، فالمتهم الذي يدعي انه ارتكب جريمة قتل مثلا ولكن الدفاع عن نفسه يجب عليه ان يثبت حالة الدفاع الشرعي المنصوص عليها في الفصلين 124 و125 من القانون الجنائي، فالفصل 124 ينص على انه ” لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الاحوال الآتية: 1 و2 و3 اذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن نفس الفاعل او غيره او عن ماله او مال غيره، بشرط ان يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء”.
– القتل والجرح والضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق او كسر حاجز او حائط مدخل دار او منزل مسكوت او ملحقاتهما.
2- الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل او عن نفس غيره ضد مرتكب السرقة او النهب بالقوة.
والمتهم الذي ضبط في يده المسروق ويدعي انه اشتراه او تسلمه وديعة فعليه إثبات الشراء او الإدلاء برسم الوديعة او شهود على ذلك، وكذلك من ضبط في حالة تلبس بجريمة الفساد ويدعي ان شريكته هي زوجة له فعليه إثبات الزواج الى غيرها من الامثلة الكثيرة، وكذلك من يدعي ان قام بجريمة الضرب المفضي الى الموت مثلا لانه كان في حالة استفزاز فعليه ان يثبت ذلك.
والقاضي الجنائي عند دراسته لاية قضية جنائية ينطلق من مبدأين اثنين:
1- الأصل هو البراءة: بما ان كل انسان يعتبر بريئا الى ان يدان بمقتضى حكم نهائي وقد اصبح هذا المبدأ دستوريا فانه يتعين على القاضي الجنائي :
ان ينظر الى المتهم الماثل امامه كشخص برئ و لا يصدر حكمه ولو نفسيا الا بعد دراسة الملف والادلة دراسة وافية ولا ينطلق من كون المتهم من ذوي السوابق او ان صفته او طريقته في الاجوبة او إنكاره المطبق قرائن على انه مجرم.
2- الشك لمصلحة المتهم : القاضي مدنيا كان او جنائيا لا يصدر أحكامه الا بعد ان تتكون عنده قناعة تامة ويقين ينتفي معه أي شك مهما كان ضئيلا، والقاضي الجنائي مطالب بتكوين قناعته من صميم ضميره الحر والوثائق والوقائع المكونة للقضية، لذلك يتعين عليه ان يصدر حكما بالبراءة كلما خامره شك ينقص من يقينه واعتقاده التأمين، ولقد صدق الرسول عليه السلام الذي قال ( لئن يخطئ الامام في العفو افضل من ان يخطئ في العقوبة) وقديما قيل ( تبرئة مائة متهم افضل من ادانة برئ واحد) لانه ليس من مصلحة العدالة والمجتمع ان يدان برئ من اجل جريمة ارتكبها غيره وأي ظلم يشعر به برئ أدين غلطا.
وسائل الإثبات :
وسائل الاثبات هي الادلة والطرق التي رسمها القانون او التي سلكها القاضي في تكوين قناعته في جريمة معروضة أمامه ونسبها او نفاها عن المتهم وهذه الوسائل (1) الاعتراف (2) المعاينة (3) الخبرة (4) شهادة الشهود (5) القرائن (6) الكتابة.
الاعتراف :
لم أبدأ وسائل الإثبات بالاعتراف باعتباره أهمها او سيد الأدلة كما يقال، وحتى الترتيب المنطقي يفرض الابتداء بوسائل أخرى كالمعاينة والتفتيش لكن بدأت بالاعتراف باعتباره معف للإثبات (6) اذ من المعلوم ان النيابة العامة او المطالب بالحق المدني او هما معا ملزمان بتقديم أدلة الإثبات الى هيئة الحكم، اما اذا اعترف المتهم بان ما تدعيه النيابة العامة او المطالب بالحق المدني صحيح وانه قام به فعلا فانه يعفي الجانب المدعى من الإثبات، هذا الاعتراف اذن هو إقرار المتهم على نفسه بانه ارتكب الفعل الذي توبع من اجله والاعتراف باعتباره شهادة المرء على نفسه يكون أقوى دليل ضد المتهم ويجعل القاضي يصدر حكمه وضميره مرتاح مهما كان الحكم قاسيا.
لكن، للاعتراف في الميدان الجنائي غير ماله في الميدان المدني، وقد جرت العادة على تسمية الاعتراف في الميدان المدني والجنائي بالإقرار وان كان معناهما المعنوي واحد، في الميدان المدني، لا يمكن للقاضي ان يناقش هذا الاعتراف، ولا يجزئه، وهو يعتبر حجة قاطعة على ما صدر منه، والفصل 410 من قانون الالتزامات والعقود بينما الاعتراف في الميدان الجنائي كغيره من وسائل الإثبات، يمكن للقاضي ان يناقشه وان يجزئه وألا يأخذ به اذا تبين له انه أخذ قهرا، او صدر عن متهم لا يتمتع بكامل قواه العقلية او اذا تبين كذلك من الوسائل الأخرى، وعلى كل فالقاضي الجنائي حر في الأخذ بالاعتراف او عدم الأخذ به متى تبين له انه غير حقيقي.
كيفية الحصول على الاعتراف :
بمجرد وقوع الجريمة واتصال الخبر بالشرطة القضائية تقوم هذه الأخيرة بإجراء أبحاثها، وذلك إما بالانتقال الى عين المكان، او باستدعاء الأفراد الذين وجدوا اقرب مكانا للجريمة، فتستمع الى كل منهم على حدة وأثناء هذا البحث تضع يدها على المشبوه فيه او فيهم، وتستنطقه على هذا الأساس وقد كان في الماضي يضرب المشكوك فيه ضربا مبرحا، ويكوى بالنار في المناطق الجسمانية من جسمه ويغطس في الماء ويمثل به الى ان ينزع منه الاعتراف وكثيرا ما يعترف المعذب كاذبا على نفسه إنقاذا لجسده من التعذيب والتنكيل. وقد كانت السلطة المكلفة بالبحث الإعدادي تنتزع الاعتراف من المتهم باية وسيلة وغايتها ان يقال بانها فعلا استطاعت القاء القبض على الفاعل وأنها أراحت منه المجتمع وانها قائمة بواجبها احسن قيام، فالتعذيب اذن كان هو الوسيلة المثلى للحصول على الاعتراف ولو كان غير حقيقي ولقد صدق من قال عن التعذيب “انه بدعة ممتازة وأكيدة لإضاعة البريء الضعيف الجسم وإفقاد المجرم القوى الحسية” (7) ولقد تفنن البوليس الفرنسي في تعذيب المواطنين المغاربة إبان المقاومة بين سنتي 1952 و1956 واستعمل وسائل جهنمية لا إنسانية لانتزاع الاعتراف من المقاومين فبالإضافة الى الكي بالتيار الكهربائي القوي في المناطق الحساسة من الجسد وكان البوليس ياخذ المتهم ويعلقه على عمود افقي من رجليه ورأسه الى الأرض معصوب العينين لمدة تتراوح ما بين يوم وعشرة ايام ويقضي حاجته وهو على هذه الحال وتقلع أظافره بالكماشة وينتف شعر رأسه ولحيته ويربط على راس خشبة مستطيلة يتراوح طولها ما بين 3 و4 أمتار في شكل أرجوحة ويغطس في الماء المتسخ القذر. وذلك برفع الخشبة من اسفلها ويستمر في التعذيب الى ان يعترف وكثيرا ما توفى المعذبون اثناء التعذيب.
أما اليوم وبعد انتشار الوعي تدخل المشرع وحرم استعمال القوة والعنف بل وحتى الوعد بالتحقيق من العقوبة (Cool او بالوعيد بالانتقام من اسرة المتهم، وحرم كل وسائل التعذيب والضغط وجعلها جريمة يعاقب عليها القانون، فالمشرع المغربي نص في الفصل 225 من القانون الجنائي على ان ” كل قاضي او موظف عمومي او احد رجال موظفي السلطة او القوة العمومية يامر او يباشر بنفسه عملا تحكميا ماسا بالحرية الشخصية او الحقوق الوطنية لمواطن او اكثر يعاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية، ونص الفصل231 من نفس القانون على ان ” كل قاض او موظف عمومي او احد رجال او موظفي السلطة او القوة العمومية يستعمل اثناء قيامه بوظيفته او بسبب قيامه بها العنف ضد الأشخاص، او يامر باستعماله بدون مبرر شرعي يعاقب على هذا العنف”.
فليس للحصول على الاعتراف في التشريع الحديث الا استجواب المتهم من طرف الضابطة القضائية والنيابة العامة او قاضي التحقيق او المحكمة وان كانت بعض التشريعات كالتشريعات الانجلوسكسونية تمنع استجواب المتهم من طرف المحكمة الا اذا قبل المتهم ذلك، ويقتصر القاضي على سؤال المتهم، هل ارتكب الجريمة المتابع من اجلها او لا، فاذا كان الجواب إيجابيا، امتنع على القاضي – وجيه سؤال اخر الى المتهم او الاستماع الى الشهود، واذا كان الجواب بالنفي شرع القاضي في الاستماع الى الشهود دون ان يستجوب المتهم (9).
اما في التشريع المغربي، فان المشرع أعطى الحق للمحكمة ان تستوجب كما أعطاه لكل ضباط الشرطة القضائية بما فيهم النيابة العامة والتحقيق، وذلك لما في استنطاق المتهم من طرف المحكمة من إلقاء الأضواء على القضية وظروفها وملابساتها وحالة المتهم النفسية وبيان صدق إجابته من كذبها، بالاضافة الى ان الانكار يعد أهم وسيلة لدفاع المتهم عن نفسه وشرحه ظروف القضية للهيأة التي تحاكمه وتقرر مصيره كما يمكن المحكمة من تدارك النقص الذي يكون قد تسرب للقضية، في مرحلتي التحقيق الاعدادي والتمهيدي، أي لدى الضابطة القضائية والتحقيق ولا شك في ان الأسلوب الانجلوسكسوني وهو الاسلوب الذي تاثر به ولو قليلا في التشريعين الجنائيين المصري والسوري، فان الحكم على المتهم الذي لم يبين وجه نظره، ولم تترك له الفرصة ليوضح ظروف القضية وملابساتها يعتبر وكأنه صدر غيابيا، اذ يكفي القاضي سؤال المتهم هل هو مذنب ام لا، فاذا اجاب بالإيجاب اكتفى القاضي بذلك عن سماع الشهود ودفاع المتهم، واذا أجاب بالانكار استمع الشهود من غير ان يسمح للمتهم بمناقشة الشهود، وهو اسلوب معيب، لان فيه إهدار الحق والدفاع الذي يعد من اقدس المقدسات في نظام التقاضي وان الاخلال به يعرض الحكم للنقض. لقد سبق ان قلنا ان المشرع المغربي اعطى الحق للمحكمة في ان تستوجب المتهم من جديد من ظروف القضية، وان يلقى عليه من الأسئلة ما يراه موصلا الى الحقيقة، وان تدعه يبدي رأيه ويبرر العمل الذي قام به وحسنا فعل، فالفصل 305 من قانون المسطرة الجنائية نص على انه ” تحتوي دراسة القضية على استنطاق المتهم، ان كان حاضرا والفصل 306 من نفس القانون نص على انه ” تجرى المناقشات بعد انتهاء هذه الدراسة” ونص الفصل 474 من نفس القانون على انه “بعد انسحاب الشهود يتولى الرئيس استنطاق المتهمين حسب الترتيب الذي يراه ملائما من غير ان يبد نظريته الخاصة” من النصوص المتقدمة نرى ان المشرع المغربي اعطى الحق للقاضي في ان يستنطق المتهم ويسأله عن ظروف القضية وذلك مراعاة منه للوصول الى الحقيقة، وليمكن المتهم من الدفاع عن نفسه وبإبداء رأيه، بل ان المشرع المغربي ذهب الى ابعد من ذلك، فقد اعطى للمتهم مناقشة الشهود بعد اداء شهادتهم وتجريحهم قبل اداء الشهادة أعطاه الحق في مناقشة جميع الوثائق التي تقدم للمحكمة فقد نص الفصل 480 من قانون المسطرة الجنائية على انه ” خلال أداء الشهادات او عقبها يعرض الرئيس على المتهم جميع حجج الاثبات ويسأله حول اعترافه بها” والفصل 470 من نفس القانون نص في فقرته الثانية على انه ” لا يمكن ان تحتوي هذه القائمة ” قائمة الشهود” الا على الشهود الذين بلغت أسماؤهم ومهمتهم ومحلات إقامتهم قبل الجلسة باربع وعشرين ساعة على الاقل للمتهم اذا تم استدعاؤهم بطلب من النيابة العامة او المطالب بالحق المدني، كما اعطاه الحق في ان يعرض عن الاستماع الى الشاهد الذي لم يعين او يذكر بوضوح في صك التبليغ”.
هذا فيما يخص المحكمة لكن ما هي الضمانات التي يكفلها المشرع المغربي للمتهم عند استنطاقه أي عند الضابطة القضائية والتحقيق والنيابة العامة من الرجوع الى الفصل 69 من قانون المسطرة الجنائية نجد ان المشرع يوجب على ضابط الشرطة القضائية لما يقوم باستنطاق المتهم ان يضمن هذا الاستنطاق.
في محضر وان يحدد فيه ساعة ويوم وضع المتهم تحت الحراسة المنظورة، ويوم وساعة إطلاق سراحه او تقديمه الى النيابة العامة كما أوجب على الضابط ان يطلب من المتهم المستجوب الامضاء على المحضر بعد تلاوته عليه من طرفه وان امتنع يشير الى هذا الامتناع كما أوجب على أي ضابط الشرطة القضائية بتسجيل تضمين مماثل في كناش خاص مرقم الصفحات وممضى عليه من طرف السلطة القضائية. وأوجب الفصل على كل مركز للشرطة او الدرك ان يتوفر على هذا الدفتر كما منع على ضباط الشرطة القضائية دركا كانوا او شرطة او خليفة او قائدا او باشا، ان لا يحتجزوا شخصا اكثر من الوقت القانوني المحدد في الفصل 87 من قانون المسطرة الجنائية الا باذن كتابي لوكيل الملك ولمدة لا تزيد عن 48 ساعة والا كان تحت طائلة الفصل225 من القانون الجنائي، واذا كان العمل التحكمي او الماس بالحرية قد ارتكبه او أمر به لغرض ذاتي او بقصد إرضاء شخصيته، وقع الفاعل تحت طائلة الفصول 436 الى 440 من نفس القانون، والفصول المشار اليها تصل العقوبة المقررة فيها الى الاعدام، إذا وقع تعذيب بدني على المحبوس او المحجوز ( الفصل 439 من القانون الجنائي).
أما عند قاض التحقيق، فان القانون لم يحدد عدد المرات التي يستنطق فيها المتهم من طرفه، وان جرت العادة على استنطاقه مرتين، الاولى عندما يقدم الى التحقيق ويسمى الاستنطاق الابتدائي وقد نص عليه الفصل127 من قانون المسطرة الجنائية اذ جاء فيه ” يتعين على قاضي التحقيق ان يثبت من هوية المتهم عندما يحضر لأول مرة وذلك لبيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه وسنه وقبيلته الاصلية وحالته ومهنته وإقامته الحالية وسوابقه القضائية ويأمر قاضي التحقيق عند الاقتضاء بالقيام بكل الاجراءات الصالحة للتحقق من هذه الهوية.
ويحيط قاضي التحقيق بوجه صريح المتهم بالافعال المنسوبة اليه ويشعره بانه حر في عدم الادلاء بأي تصريح ينص على هذا الاشعار في المحضر واذا رغب المتهم في الإدلاء بتصريحاته يتعين على قاضي التحقيق ان يتلقاها منه بدون تأخير”.
فالمشرع اذن قصد من الاستنطاق الابتدائي اشعار المتهم بانه لم يبق تحت سلطة الشرطة القضائية وانما اصبح تحت نظر المحكمة.
وهناك الاستنطاق التفصيلي او الاستنطاق الذي يباشره قاض التحقيق مع المتهم بعد الاستنطاق الابتدائي، بمدة لم يحددها القانون، وانما تركها لقاضي التحقيق حسب أهمية القضية وكثرة القضايا. وفي الاستنطاق التفصيلي يبسط المتهم ظروف القضية وملابستها ويسأله القاضي بتفصيل فقد يقابله مع الشهود او الضحايا او متهمين آخرين مساهمين او مشاركين في نفس الجريمة الا ان المشرع المغربي اوجب على قاضي التحقيق الا يستنطق المتهم تفصيليا الا بحضور محاميه او اذا تنازل عن هذا الحق، فالفصل 132 من قانون المسطرة الجنائية نص على انه ( لا يجوز استنطاق المتهم والاستماع الى المطالب بالحق المدني او مقابلتهما الا بمحضر محاميهما او استدعائهما بوجه قانوني اللهم الا اذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامين) واذا لم يقم المتهم محاميا اخبر قاضي التحقيق بذلك وعين له محاميا اخر. من النصوص السابقة يتبين ان المشرع المغربي أعطى للمتهم ضمانات كافية لوقايته وحمايته من أي ضغط او تعسف.
قيمة الاعتراف الإثباتية :
ان الاعتراف باعتباره وسيلة من وسائل الاثبات في الميدان الجنائي يخضع لما تخضع له هذه الوسائل من مناقشة وتقدير ومقارنة وهو نوعان اعتراف قضائي وغير قضائي.
فالاعتراف القضائي هو الذي يصدر عن المتهم في مجلس القضاء حتى ولو كان امام قاضي غير مختص بالنظر في القضية ( الفصل 405 من قانون العقود والالتزامات) والاعتراف غير القضائي هو الذي يصدر من المتهم خارج ساحة القضاء كامام الشهود او امام الشرطة.
ولكن ما هي قيمة الاعتراف الصادر امام ممثل النيابة العامة هل يعد اعترافا قضائيا ام غير قضائي، الواقع ان النيابة العامة هي المقيمة للدعوى العمومية بالتالي فانها تعد طرفا في النزاع بالاضافة الى ان ممثل النيابة العامة عند استنطاقه للمتهم يتسم بصفة ضابط سام للشرطة القضائية وبذلك فان الاعتراف الصادر امامه يكون اعترافا غير قضائي، اما الاعتراف امام قاضي التحقيق فانه يعد اعترافا قضائيا، سواء في الاستنطاق الابتدائي او التفصيلي.
والاعتراف القضائي ملزم المحكمة اذ توافرت فيه الشروط الاتية :
1- ان يكون صادرا عن المتهم نفسه لا عن محاميه، او احد المتهمين الاخرين معه في نفس الجريمة لان تصريح هؤلاء لا يعد اعترافا وانما يعد شهادة لذلك فان التعبير الذي درجت عليه بعض المحاكم،” اعتراف متهم على متهم اخر” هو تعبير خاطئ، لان الاعتراف لا يصدر الا عن المتهم نفسه، اما ما عداه فان التصريحات التي تصدر عنهم تعد مجرد شهادة فقط وللمحكمة تقدير هذه الشهادة.
2- ان يكون المتهم متمعنا بكامل قواه العقلية، وان يكون مدركا لما يترتب عن هذا الاعتراف، والا يكون مكرها، ماديا او معنويا، وعلى المتهم اذا ادعى الاكراه ان يثبته.
3- ان الاعتراف صريح، ومنصب على نفس التهمة المتابعة من اجلها فإذا ما توبع المتهم بجريمة قتل ضد فلان، وسئل فأجاب بانه سرق، فان هذا لا يعد اعترفا مطابقا ولا منصبا على الجريمة المتابع من اجلها.
4- ان يكون مطابقا للواقع ومنصبا على وقائع ليست مستحيلة، والمتهم الذي يعترف بانه قتل الضحية ثم تبين قبل انتهاء المحاكمة ان الضحية لا زال حيا يرزق، والمتهم الذي اعترف بانه اغتصب الضحية وافتض بكارتها ثم تبين من الكشف الطبي الذي اجرى عليها انها لا زالت بكرا، باعتبار ان الافتضاض يكون ظرف تشديد فقط ( الفصل 488 من القانون الجنائي ).
فاذا توفرت الشروط في الاعتراف القضائي كانت المحكمة ملزمة بالاخذ به.
شهادة متهم على متهم آخر :
سبق ان قلنا بان الاعتراف يجب ان يصدر عن المتهم نفسه، اما اذا صدر عن متهم اخر ولو في نفس التهمة، فانه يعد مجرد شهادة فقط، فاذا اتهم شخص مثلا او اكثر في جريمة واحدة، وانكر احدهم ان يكون قد قام بالفعل المنسوب اليه، بينما اعترف احدهم بانه قام هو والمتهم الاخر بارتكاب الفعل، فان هذا الاعتراف يعد اعترافا بالنسبة للمعترف فقط، اما بالنسبة للاخر فانه يعد مجرد شهادة، وللمحكمة ان تاخذ بها او لا تاخذ بها، ولكن في الواقع فان هذا التصريح لا يرقى الى درجة الشهادة، لان الشاهد يجب ان يؤدي اليمين القانونية وان تتاكد المحكمة من سلوكه وعدم سوابقه وعداوته للمتهم، ولكن ليس هناك ما يمنع المحكمة من تكوين قناعتها من هذه الشهادة او هذا التصريح، ما دامت هناك قرائن اخرى تعضد هذه الشهادة.
الاعتراف ورقابة المجلس الأعلى :
الاعتراف في المواد الجنائية غيره في المواد المدنية كما سبق القول اذ هو في المواد الجنائية من مسائل الموضوع، التي يقدرها قاض الموضوع الذي له ان ياخذ به متى اطمأن اليه، او له الا ياخذ به اذا لم يطمئن ولا رقابة للمجلس الاعلى عليه في ذلك الا ان تكوين القناعة من الاعتراف او طرحه او تجزئته يجب ان يعلل تعليلا كافيا واذا كان تكوين القناعة من المسائل الموضوعية فان كيفية وطرق هذا التكوين من مسائل القانون التي تخضع لرقابة المجلس الاعلى فالفصل 347 من قانون المسطرة الجنائية ينص في فقرته السابعة على ان يجب ان يحتوي كل حكم على “الاسباب الواقعية والقانونية التي بنى عليها الحكم ولو في حالة البراءة” والفصل 352 من نفس القانون ينص في فقرته الثانية على ان الاحكام او القرارات تكون باطلة ” اذا لم تكن معللة باسباب او كانت تحتوي على اسباب متناقضة”، وذلك ليتمكن المجلس الاعلى من ممارسة مراقبته على الاحكام.
اترك تعليقاً