أخطاء الضابطة القضائية و القضاة و مسؤولية المغرب عنها
تطرح المحاكمات التي تنطلق بضجة مثيرة للجدل، وتنتهي بتوزيع البراءة على الجميع، عدة تساؤلات حول الجدوى من انطلاقها أصلا، ومن
المسؤول عن هذا الوضع القضائي غير الطبيعي، هل هم ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، الذين ينجزون محاضر ويبلغون النيابات العامة
»بخطورة التهم» المنسوبة إلى الأفراد أو الجماعات المعنية، قبل التثبت من صحتها، نتيجة عدم الاجتهاد في التحري، أم أن الخلل يكمن في السلطة
القضائية، التي تأمر بالوضع رهن الحراسة النظرية والاعتقال من خلال معلومات عبر الهاتف فقط، ام هو فراغ تشريعي وهلم جرا من اسئلة محرجة.
والواقع أن الوضع في حاجة ماسة إلى تدخل حاسم من المشرع المغربي لتوفير الضمانات اللازمة للمتهمين، وحمايتهم من أي شطط في استعمال
السلطة، أو انتهاك لحرياتهم، من خلال تقييد صلاحيات النيابة العامة ومؤسسة قضاء التحقيق في ما يتعلق بالوضع رهن الحراسة النظرية
والاعتقال الاحتياطي، اللذين يمكن اللجوء إليهما من طرف بعض القضاة لأتفه الأسباب، حتى ولو لم يتوفروا على القرائن والحجج، الوضع الذي
يساهم في ارتفاع عدد المدانين من قبل الأمن والنيابات العامة، قبل تبرئتهم من طرف القضاء.
في البلدان العريقة في الديمقراطية، لا يمكن للنيابات العامة أن تحرك مسطرة المتابعة في حق أي كان، إلا بتوفر ما يكفي من قرائن وحجج، أو مع
حالة التلبس. لكن في المغرب، شأنه شأن دول أخرى في مرحلة البناء الديمقراطي، تتحرك مسطرة الاعتقال والمتابعة، ويزج بالكثيرين في السجون
فقط لأن أسماءهم وردت في تصريحات متهمين ما، مع أن فقهاء القانون أسهبوا في الحديث عن شهادة متهم على متهم، وبعد جلسات تحقيق عديدة
ومحاكمات ماراثونية، يتم الإفراج عنهم ببساطة، بعد أن يحصلوا على أحكام بالبراءة.
وإذا كانت أحكام البراءة تعيد الاعتبار نوعا ما إلى هؤلاء المتهمين، فمن الذي يعيد إليهم اعتبارهم ماديا، ويعوضهم عن نفقات التقاضي و»القفة»
خلال مرحلة الاعتقال الاحتياطي، التي قد تطول وقد تستغرق شهورا عديدة، ثم اجورهم او مداخيلهم الاعتيادية التي يستعصي عليهم تدبيرها منذ
يوم يقضونه في السجن.
ولا يوجد نص واحد في المغرب ينص على ضرورة تعويض ضحايا الأخطاء القضائية، مع أن حياة الكثيرين تكون قد دمرت من أساسها، وتعرضت
لشرخ لا يمكن معالجته إلى الأبد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بشخصيات رأسمالها سمعتها، أو مستقبلها المهني. وفي ملف مخدرات، توبع فيها
رجال أمن قبل أن يحصلوا على البراءة، رفض مسؤول سابق في المديرية العامة للأمن الوطني، قبل بضع سنوات، السماح لهم بالعودة إلى وظائفهم،
بدعوى أنهم «بهدلوا» سمعة الأمن، ونصحهم بالبحث عن مصدر آخر للعيش، لأن «الذي تركب الأصفاد في يديه، لا يمكنه العودة إلى العمل في
جهاز الأمن إلى الأبد»، حسب رأيه المتطرف، الذي كان مصرا على تفعيله حد التعصب.
اترك تعليقاً