بحث قانوني قيم عن إجراءات إثبات الطلاق في القانون الجزائري
من الناحية القانونية لا يثبت الطلاق إلا بحكم و هذا الحكم له طبيعة الإنشاء و هو عمل يدخل في إطار الوظيفة الولائية للقاضي رغم صدوره في شكل حكم قضائي، ذلك أنه يزيل عقبة قانونية تعترض إرادة الأفراد، ومن ثمة فإن دور القاضي يكون فيه سلبيا، كما انتهينا إلى أن الطلاق في حد ذاته هو حق إرادي للزوج إلا أن هذا الحق يمارس وفقا للشكل القانوني ومن هنا يطرح السؤال حول الإجراءات المتبعة لاستصدار الحكم بالطلاق .
وعلى صعيد آخر نجد أن التطبيقات القضائية في مختلف محاكم الوطن تذهب إلى إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي و هنا يطرح السؤال حول مدى صحة هذا الاتجاه و الإجراءات المتبعة في ذلك و مدى شرعيتها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أكبر إشكالية هي تلك المتعلقة بالطعن في الحكم بالطلاق ذلك أن قانون الأسرة ينص على عدم القابلية للاستئناف إلا أنه لم يتحدث عن الطعن بالنقض فهل يجوز الطعن في حكم الطلاق بطرق الطعن العادية و غير العادية وما هو موقف القضاء في هذه الحالة ؟
و عليه سوف نحاول قدر الإمكان الإجابة على هذه الإشكاليات و ذلك من خلال مبحثين إذ نتطرق في المبحث الأول إلى إجراءات استصدار الحكم بإثبات الطلاق والذي نتناول فيه كل من دعوى الطلاق و دعوى إثبات الطلاق العرفي و مدى شرعية إجراءات هذه الأخيرة ، أما المبحث الثاني فنخصصه لطرق الطعن في حكم الطلاق و كيفية تنفيذه .
المبحث الأول : إجراءات استصدار الحكم بإثبات الطلاق .
نعلم أنه قبل استصدار حكم من القضاء ينبغي مراعاة الشروط الشكلية التي أوجب المشرع توافرها في العريضة الافتتاحية بالإضافة إلى التأسيس الموضوعي وعليه فإن دعوى إثبات الطلاق يجب أن ترفع إلى محكمة مختصة بموجب عريضة وفقا لما يقضي به القانون و بعد توصل القاضي بالعريضة يأتي دوره في استكمال شكليات لإثبات الطلاق .
فما هي الشروط الواجب توافرها لإصدار الحكم بإثبات الطلاق ، و كيف يتعامل قاضي الأحوال الشخصية مع دعوى لإثبات الطلاق ؟
المطلب الأول: اتصال القاضي بالدعوى.
يتم عادة رفع الدعوى من الزوج إذا كنا بصدد دعوى الطلاق ، و هذا على خلاف دعوى إثبات الطلاق العرفي والتي يمكن أن ترفع من كل من له مصلحة في ذلك و عادة يكون أحد الزوجين أو الورثة ، ولكي تقبل الدعوى أمام القضاء يجب توافر شروط قبولها من صفة و مصلحة وأهلية ، كما ينبغي أن يجسد الطلب في عريضة افتتاحية وفقا لما يقضي به القانون و أن ترفع أمام الجهة المختصة بهذه القضايا ، وهذا ما سوف نتناوله فيما يلي :
الفرع الأول : قواعد الاختصاص.
أ- الاختصاص المحلي : بالرجوع إلى المادة 08 من ق. إ . م نجدها نصت صراحة على أن دعاوى الطلاق ترفع أمام الجهة القضائية التي يقع بها مسكن الزوجية ، وبمأن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام و بالتالي يمكن رفع دعوى الطلاق أمام أية محكمة أخرى بشرط ألا يدفع الخصم بعدم الاختصاص المحلي ، و مسألة الاختصاص على بساطتها تثير العديد من المشاكل فكثيرا ما يتقدم أمام القاضي زوجان لم يستقرا منذ زواجهما في مكان معين بل غيرا مكان الإقامة عدة مرات ، ففي هذه الحالة مــا هو السكن الذي يؤخذ بعين الاعتبار لتحديد الاختصاص المحلي ؟
الرأي الراجح في هذه الحالة هو السكن الأخير.
و تجدر الإشارة إلى أن الاختصاص المحلي بالنسبة للجزائريين المقيمين في الخارج يعود المحل الذي يوجد فيه السكن الرئيسي ، وفي حالة عدم وجوده يحل محله مكان الإقامة العادي و هذا ما يتجسد من خلال قرار المحكمة العليا الذي جاء فيه ما يلي : مـن المقــرر قانونا أنه يسري على انحلال الزواج القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى وأن موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه مقر سكناه الرئيسي ، و عند عـدم وجود سكن يحل محله مكان الإقامة العادي ، وكما ثبت في قضية الحال أن المتخاصمان جزائري و جزائرية يقيمان مؤقتا ببلد أجنبي و طلبا التقاضي أمام محكمة جزائرية فإن قضاة الموضوع عندما قضوا بعدم الاختصاص المحلي فإنهم بذلك قد دفعوا الطرفين إلى التقاضي أمام القضاء الأجنبي وإن المسألة تتعلق بسيادة القانون الوطني مما يتعين معه نقض وإبطال قرارهم المطعون فيه .
ب- اختصاص القانون الجزائري : و نتحدث في هذا المجال عن حالة تنازع القوانين المراد تطبيقها على مسألة الطلاق ، و هنا ينبغي علينا الرجوع إلى قواعد الإسناد المنصوص عليها في القانون المدني حيث تنص المادة 12 منه على أنه يسري على انحلال الزواج القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى ، في حين تنص المادة 3 منه على أنه يسري القانون الجزائري وحده في الأحوال المنصوص عليها في المادتين11 و 12 إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد الزواج إلا فيما يخص أهلية الزواج .
من خلال هاتين المادتين يمكن القول أنه إذا كان أحد الزوجين جزائري وقت إبرام عقد الزواج لا مجال للحديث عن تطبيق القانون الأجنبي ، إلا أنه في حالة كون الزوجين أجنبيين فإنه يطبق على الطلاق قانون الزوج وقت رفع الدعوى ، ومفـاد هذه القاعدة هو أنه يمكن أن يتم الزواج في ظل قانون معين ثم يقوم الزوج بالتجنس مما يؤدي إلى تطبيق قانون الجنسية الجديدة على انحلال هذا العقد .
و إذا كانت مسألة الاختصاص لها أهميتها في دعوى إثبات الطلاق فإن شروط رفع الدعوى لا تقل عنها أهمية ، فما هي شروط قبول دعوى إثبات الطلاق ؟
اترك تعليقاً