العفو عن مساجين الشيكات بدون رصيد في تونس
لقد قادت الشيكات دون رصيد عشرات الآلاف من مستعمليها إلى السّجون، و أخرجت الآلاف من وطنهم إلى غير أوطانهم، و فرّقت بين الآباء و أبنائهم، و الزوجات و أزواجهم، و الأطفال و أبويهم، فبات الشيك وسيلة سلب حريّة، و تشتّت عائلات، و نفي تونسيين إلى ما وراء البحار بعد ركوب سفن الموت، و طرق أبواب الهجرة المفروضة، و الهروب المكروه اختفاء عن أنظار الأمن و هروبا من العدالة.
إن قضايا الشيك دون رصيد ليست من الجرائم الخطيرة، بل تبقى جنحا عاديّة نظرا لأنّ الشيك يبقى وسيلة ضمان، أداة وفاء تسوّى بها الديون، و تقوم مقام النقود في التعامل بين الناس.
فهل القانون الذي يطبّق على أصحاب الشيكات دون رصيد لا يقبل المراجعة ، هل هو أزليّ، هل من حلول لزوال ظاهرة استعمال الصكوك دون رصيد و حماية التونسيين من عواقب استعمالها: السبب و الغاية هما وراء استعمال الصكوك دون رصيد، أما السبب فهو الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية المتردية فملفّ الشيكات دون رصيد يعتبر أكثر الجرائم الاقتصادية شيوعا في تونس، فأغلب المساجين سلّموا شيكات دون رصيد لدائنيهم بسبب قلّة ما في اليد و تورّطهم في أزمات مالية خانقة، لسبب أو لآخر و لم يقدروا على مجابهتها، و أمّا الغاية فهي بعث مشاريع و الكسب منها، فباءت مشاريعهم بالفشل و خابت أحلامهم، فهم بين حقيقة و بطلان يتبادلان الموقع على الدّوام، دون أن نغفل عن قسم أخر يريد الخروج من ضائقة مالية أو خلاص دين،…
الحقيقة أنهم بين سجين و مغترب و طريد، صحيح أن السجين أسوأ حال من الآخرين.
إلا أن الدولة لا يمكن أن تتفصّى من جانب من هذا الوضع، فكان على البنوك، و هي مؤسسات مرتبطة بالدولة، أن تحتمي بالوسائل الوقائية فتسترشد و تتحرّى شديد التحرّي عن حرفائها قبل أن تسلّمهم دفاتر الصكوك كأن تسلّم دفاتر صكوك لمن لهم أرصدة بنكيّة و عقارات و ممتلكات على أن تكون القيمة المالية للشيكات على قدر الضمانات، دون أن تحرم الموظفين و متوسّطي و ضعاف الدخل من دفاتر صكوك مرقمنة على شاكلة أوراق نقديّة محدّدة المبالغ تمنع أصحابها من الانزلاق إلى المخاطر و المآسي.
و هكذا تحمي تونس مواطنيها من الآثار السلبية لاستعمال الصكوك في صيغتها الحاليّة، و تبعد شبح الآلام و الأحزان عن العائلات التونسيّة، و تحول دون فقدان الأطفال لأحد أبويهم، فيعيشون متوازني الشخصيّة في ظلّ تربية الأبوين، و هكذا يخفف العمل عن القضاة و ينقص عدد القضايا المكدّسة على مكاتبهم، فتصبح السجون أقلّ اكتظاظا، و القائمين عليها أقلّ عناء، و ينتفي السّؤال الأتي : ” هل مستعلمو الشيكات دون رصيد جناة أم ضحيّة؟”
أمّا الآن، فلا أعتقد أن الدّول المستضيفة على أراضيها للفارّين من التونسيين بسبب الشيكات أكثر حنوّا من تونس على أبنائها، و عليه فعلى الدّولة التونسية إيجاد الحلول المناسبة لإخراج كلّ مساجين الشيكات دون استثناء و دعوة الفارين للعودة إلى أرض الوطن، و طمأنة المتخفين عن الأنظار و ذلك بإصدار عفو رئاسي خاصّ بهم، أو عبر بعث صندوق لفائدتهم عن طريق حساب بنكي و بريدي جار لجمع التبرّعات من ذوي النوايا الحسنة و القلوب الرحيمة على أن تساهم فيه الدولة كأخذ نسبة من المداخيل الجبائيّة و الثروات الطبيعيّة و القروض الأجنبيّة، أو تسريحهم و تمكينهم من خلاص ديونهم عبر جدولة تتماشى و المبالغ المالية التي تخلّدت بذمّتهم دون فوائض و على مدد مختلفة و مبالغ ميسّرة.
فهل تسعفهم الدولة من حيث المبدإ لاكتساب ثروات صالحة يعودون بها على دائنيهم و أنفسهم و ذوي قرباهم و وطنهم؟
بقلم فتحي الجميعي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً