مبادئ الشريعة كالمصدر الرئيسي للتشريع
المحكمة الدستورية العليا المصرية
الدعوى رقم 296 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم
مبادئ الشريعة كالمصدر الرئيسي للتشريع
إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن النص في المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها بأن “مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع” يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ولا كذلك الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معا حيث يتسع باب الاجتهاد فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهذا الاجتهاد وإن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه فهو لولى الأمر أوجب وأولى ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلياً لمنفعة أو للأمرين معاً وإذ خلت الشريعة الغراء من مبدأ قطعي الثبوت والدلالة يمنع ولى الأمر من تقرير عقوبات تقريرية لبعض الجرائم تختلف في جنسها وطبيعتها ومقاديرها وفقاً لجسامة الجريمة أو بغير ذلك من الظروف الملابسة لارتكابها متى كان القصد من ذلك الردع أو الزجر إصلاحا وتهذيبا وتحقيقاً لمصلحة عامة بحسب ما تقتضيه تلك المصلحة زماناً أو مكاناً أو حالاً.
الملكية الخاصة
أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وإن كفل حق الملكية الخاصة، وحوطه بسياج من الضمانات التي تصونها وتدرأ كل عدوان عليها إلا أنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب الحق في جوهره أو يعدمه جل خصائصه.
الدعوى رقم 296 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 9 أبريل سنة 2006م، الموافق11 ربيع الأول سنة 1427هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي
رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر الحيرى وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح والدكتور حنفي علي جبالي وإلهام نجيب نوار.
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 296 لسنة 25 قضائية “دستورية”.
المقامة من
1- السيد/ …
2- السيد/ …
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الشعب
3- السيد رئيس مجلس الوزراء
4- السيد وزير العدل
5- السيد النائب العام
6- السيد وزير الداخلية
7- السيد وزير الحكم المحلى
8- السيد وزير الإسكان
9- السيد محافظ الجيزة
10- السيد رئيس حي بولاق الدكرور
11– السيد رئيس الإدارة الهندسية والتنظيم بحي بولاق الدكرور
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من ديسمبر سنة 2003 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة. طالبين الحكم بعدم دستورية نصوص المواد 1 و55 و56 و60 و79/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977، والمادة 24/1 من القانون رقم 136 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالجيزة – بعد المعاينات اللازمة – أصدرت قرارها رقم 179 لسنة 2002 بوجوب ترميم العقار المملوك للمدعيين على مسئوليتهما. وأخطرتهما بذلك إلا أنهما لم يبادرا بتنفيذ القرار فأحالتها إلى النيابة العامة التي قدمتهما إلى محكمة جنح بولاق الدكرور لمعاقبتهما وفقاً للمواد 1 و55 و56 و60 و79/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 و24/1 من القانون رقم 136 لسنة 1981 وبجلسة 23/3/2003 قضت المحكمة غيابياً بتغريم كل منهما مائتي جنيه تأيدت في المعارضة فطعنا عليه بالاستئناف رقم 26807 لسنة 2003 وأمام محكمة الجنح المستأنفة دفع المدعيان بعدم دستورية مواد الاتهام جميعها وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية فأقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد – في إطار الدفع بعدم الدستورية وما قررت المحكمة جديته وصرحت به – بما يحقق المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى. إذ أن المحكمة تفصل في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي. وإذ كان ذلك وكان المدعيان يبغيان من دعواهما الوصول إلى البراءة مما أسند إليهما وهو الاتهام الوارد بالفقرة الأولى من المادة 60 من القانون رقم 49 لسنة 77 المشار إليه والمعاقب عليه بنص الفقرة الأولى من المادة 79 من ذات القانون المعدلة بالفقرة الأولى من المادة 24 من القانون رقم 136 لسنة 1981. ومن ثم فإن نطاق الدعوى ينحصر في هذه النصوص دون سواها من باقي مواد الاتهام التي لن يكون للقضاء في دستوريتها ثمة انعكاس على الطلبات الموضوعية ومن ثم فلا مصلحة للمدعيين بشأنها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 60 المشار إليها تنص على أنه “مع عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بتوجيه وتنظيم أعمال البناء يجب على ذوي الشأن أن يبادروا إلى تنفيذ قرار اللجنة النهائي أو حكم المحكمة الصادر في شأن المنشأة الآيلة للسقوط والترميم والصيانة وفقاً لأحكام هذا القانون، وذلك في المدة المحددة لتنفيذه…” كما تنص الفقرة الأولى من المادة 79 على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادتين 60/1 و64 من هذا القانون، فإذا ترتب على عدم تنفيذ المالك لقرارها بالهدم الكلى أو الجزئي سقوط المبنى كانت العقوبة الحبس” ثم جاء النص في الفقرة الأولى من المادة 24 من القانون رقم 136 لسنة 1981 على أن “فيما عدا العقوبة المقررة لجريمة خلو الرجل تلغى جميع العقوبات المقيدة للحرية المنصوص عليها في القوانين المنظمة لتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وذلك دون إخلال بأحكام المادة السابقة”.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النصوص المطعون فيها مخالفتها لمبدأ شخصية العقوبة الذي تقرره أحكام الشريعة الإسلامية وتؤكده المادة 66 من الدستور. كما أنها تمس الملكية الخاصة التي يصونها الدستور. وتناقض مبدأ المساواة بين المواطنين بما يخالف المادتين 34 و40 من الدستور.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة أحكام الشريعة الإسلامية فهو مردود، ذلك أن القانون رقم 49 لسنة 1977 قد صدر في ظل حكم المادة الثانية من الدستور قبل تعديلها سنة 1980 وأنه إذا كان نص المادة (79) منه قد لحقه تعديل بالمادة 24 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فإن قضاء هذه المحكمة جرى على أن النص في المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها بأن “مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع” يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ولا كذلك الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معا حيث يتسع باب الاجتهاد فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهذا الاجتهاد وإن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه فهو لولى الأمر أوجب وأولى ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلياً لمنفعة أو للأمرين معاً وإذ خلت الشريعة الغراء من مبدأ قطعي الثبوت والدلالة يمنع ولى الأمر من تقرير عقوبات تقريرية لبعض الجرائم تختلف في جنسها وطبيعتها ومقاديرها وفقاً لجسامة الجريمة أو بغير ذلك من الظروف الملابسة لارتكابها متى كان القصد من ذلك الردع أو الزجر إصلاحا وتهذيبا وتحقيقاً لمصلحة عامة بحسب ما تقتضيه تلك المصلحة زماناً أو مكاناً أو حالاً.
وحيث إنه لما كان مالك العقار هو الملزم بحسب الأصل – بالمحافظة على ملكه وتعهده بالصيانة والترميم وكان تقاعسه عن ذلك يؤدي فضلاً عن الخطر الداهم على الأرواح والأموال إلى تعرض الثروة العقارية للهلاك والانهيار فإن المشرع وقد استهدف بالنصوص الطعينة الحفاظ على العقارات باعتبارها ثروة قومية والحرص على سلامة الأرواح والأموال، وذلك يحث المالك على تعهدها بالصيانة والترميم فإنه لا يكون بإنزاله العقوبة على المالك الذي لم يبادر بتنفيذ قرار الترميم قد خالف الأحكام العامة في التجريم والعقاب سواء تلك التي تمليها الشريعة الإسلامية أم التي يؤكدها الدستور في المادة (66) منه ذلك أنه وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين بها كمسئول عنها وهي بعد عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها. بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله. ومن ثم تفترض شخصية العقوبة – التي بلورتها الشريعة الإسلامية في قيمتها العليا أو أكدها الدستور في مواده – شخصية المسئولية الجنائية وبما يؤكد تلازمهما فالشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكا فيها. وهو ما لم يخرج عليه المشرع فيما أورده بالنصوص الطعينة.
وحيث إنه لما كانت الملكية في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقا مطلقاً، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي. ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وإن كفل حق الملكية الخاصة، وحوطه بسياج من الضمانات التي تصونها وتدرأ كل عدوان عليها إلا أنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب الحق في جوهره أو يعدمه جل خصائصه. لما كان ذلك وكان المشرع بالنصوص الطعينة قد استهدف الحفاظ على العقارات باعتبارها ثروة قومية يجب العمل على إطالة عمرها بترميمها وتعهدها بالصيانة سيما في ظل تلك الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى والزيادة المطردة في الطلب عليها فضلاً عن الحفاظ على الأرواح والأموال وحمايتها من ذلك الخطر الذي يتهددها بالتقاعس عن أعمال الترميم والصيانة،
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف وضع المشرع تنظيما متكاملاً بهذا الشأن إذ ناط بالجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم فحص المباني وتحديد ما يلزم لها من صيانة وترميم بما يحقق السلامة والأمان وإصدار قرار بما يجب القيام به من أعمال يخطر به المالك الذي يكون له حق الطعن عليه أمام المحكمة الابتدائية، فإذا لم يبادر المالك بتنفيذ القرار في الموعد الذي حدده بعد صيرورته نهائياًَ كان معرضاً لعقوبة جنائية توقعها عليه محكمة الجنح المختصة. وقد حرص المشرع أيضا على توزيع أعباء الترميم والصيانة على المالك وشاغلي العقار بنسب معينة وفقاً لتاريخ إنشائه فأقام بذلك توازناً بين مصلحة المالك ومصلحة شاغلي العقار بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الصالح العام بما يصون الملكية ويحفظها على أصحابها ويكفل في الوقت ذاته أداءها لوظيفتها الاجتماعية ومن ثم كان النعي بمخالفة النصوص الطعينة لأحكام المادة 34 من الدستور يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحماية المتكافئة التي كفلها الدستور للحقوق جميعها، لا تتناول القانون في مفهوم مجرد وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التي حددها وكان المشرع فيما استهدفه بالنصوص الطعينة – على نحو ما سبق بيانه – كان مرتكزاً إلى قاعدة عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية، ولا يقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها مرتبطة بأغراضها النهائية مؤدية إليها، فإن النعي عليها بمخالفة المادة 40 من الدستور تكون على غير أساس.
وحيث إن النصوص الطعينة لا تخالف حكماً آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة وألزمت المدعيين بالمصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
اترك تعليقاً