أوجه الشبه والخلاف بين نظام الأوامر على العرائض وأوامر الأداء في القانون المصري
يطيب لي هنا أن أعقد مقارنة ما بين نظام الأوامر على العرائض ونظام أوامر الأداء. وهذه المقارنة تظهر وجوه الشبه ووجوه الخلاف بين النظامين في جملة مواضع أهمها ما يأتي:
أولا: من حيث الطبيعة والجوهر:
يوجد خلاف أساسي بين أوامر الأداء والأوامر على العرائض فإن القاضي في الأوامر على العرائض يصدر عن سلطته الولائية، أما أوامر الأداء، فإنها تستند إلى سلطته القضائية لأنها لا تقرر إجراء وقياً وإنما تتضمن إثبات الحق لأحد الخصمين، وإلزام الآخر بأدائه. فهي إذن تحسم الخصومة وتتناول موضوع الحق وتشمل على عنصري الحكم القاضي وهما التقرير والإلزام.
ولهذا فإن أمر الأداء يعتبر في حقيقته حكماً قضائياً وإن كانت إجراءاته تشبه إجراءات الأوامر على العرائض لتقديمها على القضاء بطريق العريضة وصدورها في غيبة الخصوم ومن غير تسبيب ودون إعلان المدعي عليه أو إطلاعه على مستندات خصمه وتمكينه من مناقشة ادعاءاته.
كل ذلك لا يغير من طبيعة أوامر الأداء وهي أنها في حقيقتها أحكام قضائية تحسم النزاع وتقرر الحق وتلزم المدين بأدائه.
ثانياً: من حيث التكليف بالوفاء:
يتميز نظام أوامر الأداء عن الأوامر على العرائض بأنه يجب أن يسبق استصدار أمر الأداء تكليف المدين بالوفاء بميعاد خمسة أيام وذلك لتنبيه المدين على الأجراء الذي سيتخذه ضده.
أما الأوامر على العرائض فلا يشترط أن يسبقها شيء من ذلك وهذا راجع إلى ما أسلفناه من اختلاف الأمرين في الطبيعة لأن إلزام الشخص بالدين يقتضي سبق إعذاره، أما الأوامر على العرائض فإن طبيعتها تقتضي المفاجأة أو المباغتة.
ثالثاً: من حيث الاختصاص:
يختلف النظامان في أن الأوامر على العرائض يختص بها قاضي الأمور الوقتية، أما أوامر الأداء فقد يختص بها قاض آخر. فالمختص بها إذن ليس هو بالضرورة قاضي الأمور الوقتية.
وقد لا يتضح هذا الفرق بالنسبة لأوامر الأداء التي تصدر من المحكمة الجزئية لأن الذي يصدرها هو قاضي المحكمة الجزئية وهو في نفس الوقت قاضي الأمور الوقتية فيها.
أما في أوامر الأداء التي تصدر من المحاكم الابتدائية- لأن قيمتها تزيد على 250 جنيها- فإنها تصدر من أحد القضاة أو من رئيس إحدى الدوائر بالمحكمة الابتدائية وليس من رئيس تلك المحكمة. ولذلك فإن المشرع يحرص على التعبير على قاضي الأداءات بقوله: “القاضي المختص بإصدار أوامر الأداء”. “ولو كان هذا القاضي هو قاضي الأمور الوقتية، فما كان أيسر على المشرع من التعبير عنه ببساطة بكلمة “قاضي الأمور الوقتية” (ونحن نعلم أن قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية هو رئيسها أو من يقوم مقامه). وإنما يسند إلى بعض قضاة المحكمة عند توزيع العمل عليهم في بداية العام بمعرفة الجمعية العمومية للمحكمة” مهمة النظر في طلبات أوامر الأداء وإصدار تلك الأوامر.
رابعا: من حيث موعد إصدارها:
تصدر الأوامر على العرائض في اليوم التالي على الأكثر من تقديمها. أما أوامر الأداء فقد حدد المشرع لإصدارها موعداً هو (3) أيام من تاريخ تقديم الطلب، ومع أن كلا من الميعادين تنظيمي لأجزاء عليه، إلا أن المغايرة بين الميعادين مقصودة في التشريع لبيان الفرق بين هذين النوعين من الأوامر، وحتى لا تختلط أوامر العرائض بأوامر الأداء.
خامسا: من حيث سلطة القاضي في رفض الطلب:
يختلف هذان النوعان أيضا في أن القاضي يملك بالنسبة للأوامر على العرائض أن يصدر الأمر المطلوب أو أن يرفض إصداره ببساطة.
أما في حالة أوامر الأداء، فإنه إذا رأى ألا يجيب الطالب إلى كل طلباته لا يملك أن يرفض أمر الأداء مقتصراً على الرفض، وإنما يكون عليه أن يقرن الرفض بتحديد جلسة لنظر الدعوى أمام المحكمة مع تكليف الطالب بإعلان خصمه إليها. فإذا رفض دون تحديد جلسة جاز الرجوع إليه بطلب تحديد جلسة لنظر الموضوع على أساس استدراك ماسها عنه.
سادسا: من حيث طرق الطعن:
وطرق الطعن في النوعين تختلف، ففي خصوص الأوامر على العرائض نجد أن طريق الطعن الوحيد فيها هو التظلم فيها إلى القاضي الآمر أو المحكمة المختصة أو المحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية.
والتظلم من الأوامر على العرائض ليس له ميعاد.
أما أوامر الأداء فطريق الطعن فيها هو أولا المعارضة (التي سماها المشرع باسم “التظلم”) وميعاد هذا التظلم عشرة أيام من تاريخ إعلان أمر الأداء للمدين فهو في هذا يختلف عن التظلم من الأوامر على العرائض في أن له ميعاداً محدداً وأن قواعد المعارضة تنطبق عليه مما يجعل وصفه بأنه تظلم مجرد تسمية لا تغير من طبيعته القانونية وهي أنه في حقيقته معارضة.
كما أن أوامر الأداء يمكن الطعن فيها بطريق آخر وهو الاستئناف، إذ أنه في حالة عدم حصول معارضة (تظلم) من أمر الأداء يمكن أن يستأنف أمر الأداء نفسه استئنافا مباشراً. وإذا رفع الظلم واعتبر كأن لم يكن فإن من صدر ضده أمر الأداء يملك أن يستأنف الأمر كما يستأنف الحكم قضائياً.
سابعاً: من حيث نفاذ الأوامر على العرائض وأوامر الأداء:
فالأوامر على العرائض تعتبر نافذة نفاذاً معجلا بقوة القانون بمعنى أنه يمكن لمن صدر لصالحه الأمر على العريضة أن ينفذه فوراً رغم التظلم منه ودون انتظار لأن التظلم من الأوامر على العرائض لا ميعاد له فلا يمكن انتظار فوات موعد غير موجود وإلا لانتظرنا إلى أجل غير مسمى. كما أن لا حاجة لأن يشمل القاضي أمره على العريضة بالنفاذ لأن النفاذ مستمد هنا من نص القانون، إما أمر الأداء فقد يشمل بالنفاذ المعجل. ولكن يجب على كل حال أن يذكر في أمر الأداء أنه مشمول بالنفاذ أو غير مشمول به. (انظر المادة 209) فإن لم يذكر فيه ذلك فلا يمكن تنفيذه، إلا إذا كان صادراً في مادة تجارية فينفذ بقوة القانون ولكن بشرط الكفالة (المادة 289 والمادة 209 معاً).
ويمكن أن نلخص ذلك في كلمة واحدة وهي أن الأمر على العريضة لا يحتاج في تنفيذه إلى أن ينص القاضي فيه على نفاذه وذلك لأن القانون نفسه هو الذي يأمر بتنفيذه.
أما أمر الأداء فلا يمكن تنفيذه إلا إذا نص القاضي فيه على صلاحيته للتنفيذ وهو لا ينص على ذلك إلا إذا كان القانون يجيز له أن يشمل الأمر بالنفاذ أو يوجب ذلك عليه. أو ينفذ أمر الأداء حتما إذا كان القانون ينص على ذلك كما في حالة المواد التجارية.
ثامنا: من حيث سقوط أوامر الأداء والأوامر على العرائض:
يختلف النوعان من حيث سقوطهما لأن الأمر على العريضة يسقط إذا لم يقدم للتنفيذ في ظرف 30 يوما من تاريخ صدوره (مادة 200 مرافعات).
أما أمر الأداء فيسقط إذا لم يعلن المدين خلال (3) شهور (مادة 205).
ويتبين من ذلك أن المانع من السقوط في الحالين يختلف فهو في الأوامر على العرائض تنفيذها أو تقديمها للتنفيذ (على الأقل) فتنفيذ الأمر على عريضة أو الشروع في تنفيذه خلال 30 يوما هو الذي يمنع سقوطه.
أما أوامر الأداء فإن استقرارها ليس رهيناً بتنفيذها بل بإعلانها. فالذي يمنع سقوط أمر الأداء هو إعلانه. وليس للتنفيذ أثر في ذاته لأن أمر الأداء لو نفذ دون إعلان يسقط مع ذلك بعد (3) أشهر من تاريخ صدوره ولا يغني تنفيذه عن إعلانه بل ويكون تنفيذه باطلا لعدم إعلانه قبل التنفيذ. ولو أعلن دون تنفيذ فإنه يستقر لمدة 15 سنة، ويغني إعلانه عن تنفيذه في هذا المقام.
كذلك تختلف مدة تحقق الواقعة المانعة من السقوط فهي في الأوامر على العرائض 30 يوما (للتنفيذ) وفي أوامر الأداء 3 شهور (للإعلان) وهذا فارق ضخم بين أوامر الأداء والأوامر على العرائض.
ويلاحظ وجود أوجه أخرى للمقارنة (أي أوجه شبه وأوجه اختلاف) بين هذه النوعين من الأوامر، ولكنها أوجه ثانوية ويكفي ما تقدم للمقارنة بين النوعين في المواضع التي ذكرناها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً