بحث شامل عن المصادر الأصلية للقانون الدولي الخاص
كما ثار الجدل حول موضوعات القانون الدولي الخاص , ثار الجدل والخلاف أيضاً حول مصادره . ويشير الدكتور عز الدين عبد الله إلى أنه يختلف الكلام في مصادر القانون الدولي الخاص بحسب المراد بالمصدر , وبحسب الترعة التي يؤخذ بها هذا الفرع من فروع القانون. فقد يراد به الأصل تفيض منه مباشرة القاعدة العامة الملزمة أي القاعدة القانونية , وهذا هو المصدر الرسمي Source Fomelle أو المصدر الآمر Source imperative وقد يراد به المصدر التعليمي Source didactique أي المرجع في التعرف على القاعدة القانونية .
كذلك فالقانون الدولي الخاص يمكن أن يؤخذ بترعة وطنية particulariste فلا تكون له في الأصل إلا مصادر وطنية أي داخلية . وقد يؤخذ بترعة دولية , ويعتبر أكمل بترعة عالمية Universalise فتكون مصادر دولية .
لكل هذا نرى أن وجهات النظر تتعدد في حصر مصادر هذا الفرع من فروع القانون ويزيد في تعددها أن اقتصاد البحث على المصادر الرسمية دون غيرها يصاحبه اختلاف الرأي فيما يعد مصدراً رسمياً , ويزيد أيضا الاختلاف في تحديد ما يعد من المصادر وطنياً وما يعد دولياً .
لهذه الاعتبارات تنوعت آراء الفقهاء في تقسيم المصادر . ويمكن تقسيم هذه المصادر من حيث قوة إلزامها بالنسبة للقاضي إلى نوع تتوافر له صفة الإلزام وهو ما يطلق عليه المصادر الأصلية , ونوع ثان لا تتوافر له هذه الصفة ويأخذ به القاضي على سبيل الاستئناس فقط وهو ما يطلق عليه المصادر التفسيرية .
أولاً : المصادر الأصلية :
وهي التشريع والمعاهدات والعرف ومبادئ القانون الدولي الخاص:
1- التشريع :
يقصد بالتشريع القانون المكتوب , وإذا أخذنا موضوع القانون الدولي الخاص بنطاقه الواسع الذي جرى عليه الفقه في فرنسا ومصر , ل{اينا أنه فيما يتعلق بموضوع الجنسية , وبالنظر إلى كونها أداة لتحديد ركن الشعب في الدولة , يورد المشرع أحكامها في تشريع خاص هو المصدر الرئيسي والهام الأحكام الجنسية .
وفيما يتعلق ببلادنا فقد نظم المشرع أحكام الجنسية بقانون خاص منذ استقلالنا طرأت عليه عدة تعديلات فيما بعد بعد كان آخرها المرسوم رقم 276 لعام 1969 مع تعديلاته .
أما الموطن في العلاقات الخاصة الدولية , فقلما يخصه المشرع بأحكام معينة ويغلب في شأنها يعمل الفقه والقضاء وأحكام الموطن في العلاقات الداخلية والتي يوردها المشرع في القانون المدني عادة , وبهذا يبدو التشريع مصدراً لأحكام الموطن .
وفيما يخص مركز الأجانب ونظراً إلى أن جانباً من أحكامه يضمها القانون الدولي العام , لذلك نجد مصدر التشريع تقل أهميته عن الأهمية التي يتمتع بها في مجال الجنسية , وبالنسبة لبلادنا فقد تم تنظيم المركز القانوني للأجانب بالعديد من النصوص التشريعية.
وفيما يتعلق بتنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي نجد أن التشريع لم يكن مصدراً ذا أهمية في الماضي , إذ ظل القضاء زمناً طويلاً يعتمد على جهد الفقهاء في نظرية الأحوال , يستقي منها الحلول لما يعرض عليه من مشاكل تنازع القوانين وفي مطلع النصف الثاني من القرن الثامن عشر أخذ المشرع الأوربي يعنى بسن قواعد في بعض الدول إلى وضع تقنين شبه كامل لقواعد تنازع القوانين الاختصاص القضائي الدولي .
ونجد في بلادنا أن المشرع نظم بشكل شبه تام تنازع القوانين بنصوص تشريعية تم إدراجها في صدر القانون المدني السوري المواد من 11 – 30 وقواعد تنازع الاختصاص القضائي الدولي في مطلع قانون أصول المحاكمات المدنية , المواد من 1-10 وقواعد تنفيذ الأحكام والقرارات الأجنبية وأحكام المحكمين , المواد 306 , 310, 528 من قانون أصول المحاكمات ذاته .
2- المعاهدات :
تشكل المعاهدات موضوعاً أساسياً من موضوعات القانون الدولي العام , الأمر الذي يجعل من دراستها في نطاق هذا الفرع من فروع القانون أمراً طبيعياً , أما بالنسبة لدراستها في نطاق القانون الدولي الخاص فلا يكون إلا من زاوية علاقتها به كمصدر من مصادره . لذلك فالمقصود بالمعاهدة في هذا المضمار المعاهدة التي تنظم المصالح الخاصة بأفراد الدول لا المعاهدة التي تنظم المصالح العامة للدول , كمعاهدات الحدود أو التسلح أو الدفاع المشترك , فهذه لا تهم سوى المجتمع الدولي للدول وبالتالي فهي لا تقدم لنا حلولاً ملموسة لمشاكل المجتمع الدولي للأفراد .
والمعاهدات تتم بإحدى صورتين : ثنائية وجماعية والأولى تتم بين دولتين بينما الثانية تتم بين ثلاث دول فأكثر . وهناك من الاتفاقات الجماعية ما يطلق عليه (( اتحاد )) Union تتفق بموجبه الدول المشتركة فيه على إتباع اتجاه معين في موضوع معين كحماية الحقوق الذهنية , الملكية الأدبية والفنية والصناعية , هذا ربما أن مسائل القانون الدولي الخاص ذات صبغة دولية , أو تثير مصالح مختلف الدول على الأقل , لذا كان من المعقول أن تلجأ الدول إلى المعاهدات للاتفاق على ما ترى الاتفاق عليه في هذه المسائل , وكثيراً ما لجأت الدول إلى هذه الوسيلة القانون الدولي الخاص , وإن اختلف دورها في هذه الموضوعات .
ففيما يتعلق بموضوع الجنسية نجد أن الدول تحرص على عدم التقيد بشأنها باتفاقات دولية إلا في أضيق الحدود لأن الأمر يتعلق بركن جوهري من أركان وجود الدولة إلا وهو الشعب, وأكثر ما يكون الالتجاء إلى هذه الاتفاقات في مسائل الجنسية في تلافي المشكلات المترتبة على تعدد الجنسيات وانعدامها وكذلك لتنظيم جنسية سكان الأقاليم التي قد تنفصل عن دولة أو تنظيم لدولة أخرى .
أما فيما يخص مركز الأجانب نجد أن فائدة المعاهدات تبدو عند تنظيم إقامتهم في الدولة وممارستهم لأنشطة مختلفة وتمتعهم بالحقوق , لذلك تلجأ الدول التي يتبع لها هؤلاء الأفراد إلى الاتفاقات الدولية في هذا المجال حتى تكفل الدولة الطرف في الاتفاق لرعاياها التمتع بالحقوق في إقليم الدولة الأخرى الطرف فيه غالباً ما يتم ذلك (( بمعاهدات الإقامة )).
أوفي مجال الاختصاص القضائي الدولي نرى أن الدول قد تتفق على قواعد واحدة لاختصاص محاكمها وقد تتضمن المعاهدة أحكاماً لتيسير تنفيذ الأحكام الصادرة من دولة في غيرها من الدول .
وفيما يتعلق بموضوع تنازع القوانين نجد أن جهوداً كثيرة قد بذلت في سبيل توحيد قواعد القانون الدولي الخاص أو تقنينها دولياً والمعاهدات يمكن أن تقوم بأكثر من دور في مجال تنازع القوانين . وقد اتبعت الدول في معالجة تنازع القوانين إحدى طريقتين :
– الطريقة الأولى : هي الاتفاق على قواعد إسناد موحدة تحل تنازع القوانين عن طريق بيان القانون الواجب التطبيق على العلاقة , كأن تتفق مثلا على أن يحكم قانون جنسية الشخص الأحوال الشخصية أو أن يحكم قانون موطن المتوفى الميراث في المنقول . وهذه القواعد تعد من قواعد القانون الدولي الخاص وبالتالي فإن الاتفاقات التي تحتوي على مثل هذه القواعد هي مصادر هذا القانون وبالتالي فإن الاتفاقات التي تحتوي على مثل هذه القواعد هي من مصادر هذا القانون كما تكون مصدراً له أيضاً الاتفاقات التي تتنازل معالجة أي موضوع آخر من موضوعاته ومركز الأجانب وتنازع الاختصاص القضائي الدولي .
– الطريقة الثانية : وهي الاتفاق على قواعد موضوعية موحدة تحكم العلاقة كالاتفاق على قواعد حماية المؤلف أو قواعد الالتزامات أو قواعد الملاحة الجوية أو قواعد الوراق التجارية أو قواعد بيع البضائع . كذلك فالاتفاق على قواعد موضوعية موحدة يمكن أن يأخذ إحدى صورتين :
الأولى : الاتفاق على تشريع واحد في موضوع معين من موضوعات القانون يسري داخل كل دولة من الدول أطراف الاتفاق , يحل التشريع الداخلي في هذه الدولة بالنسبة لهذا الموضوع وبالتالي يكون هناك قانوناً موحداً أو مشتركاً بين هذه الدول يسري على العلاقات المشتملة على عنصر أجنبي والعلاقات الخالية من العنصر الأجنبي . وبالنسبة للعلاقات المشتملة على عنصر أجنبي يسري هذا القانون على العلاقات الخاصة الدولية فيما بين الدول الداخلة في الاتفاق أو فيما بينها وبين الدول غير الداخلة فيه .
ويرى الفقه أن الاتفاق الدولي الذي يتم في هذه الصورة وإن كان من ِانه القضاء على ظاهرة تنازع القوانين إلا أنه لا يعد مصدراً من مصادر القانون الدولي الخاص كونه يضم (( قواعد موضوعية )) لا قواعد إسناد وبالتالي فإن القواعد التي يضمها في الحقيقة هي (( قانون خاص دولي )) أي قانون مشترك بين الدول , وليس قانوناً دولياً خاصاً وبالتالي يصح أن يطلق على هذا النوع من الاتفاقات الدولية (( معاهدات توحيد التشريع )).
وهكذا فأن (( الحجة المقنعة في عدم اعتبار هذه الاتفاقات مصدراً للقانون الدولي الخاص هي كون القواعد القانونية التي تضمنها تكون جزءاً من القانون الداخلي لكل دولة طرف فيها , تحكم العلاقات الوطنية والعلاقات الأجنبية على سواء . ))
الثانية : هي الاتفاق على قواعد تحكم موضوعية تحكم موضوعاً معيناً من موضوعات القانون , مثل بيع المنقولات المادية وتنظيمه تنظيماً يفي بحاجة العلاقات الدولية الخاصة ويكون الغرض منها استبعاد تطبيق القواعد الإسناد في هذا النوع من العلاقات عندما تنشا في نطاق هذا الموضوع بين الدول المتعاقدة .
آما في العلاقات الخاصة الداخلية التي تنشأ في هذا الإطار وكذلك العلاقات الخاصة الدولية التي تنشأ مع الدول فغير المتعاقدة فلا تحكمها هذه القواعد الموضوعية الاتفاقية وبالتالي فإن الأولى تظل خاضعة للقواعد الموضعية المقررة أصلا في القانون الداخلي والثانية تكون مجالاً لأعمال قواعد الإسناد .
لذلك يطلق البعض على القواعد الموضعية الاتفاقية التي تقرر بهذا الشكل اصطلاح (( القانون الدولي الخاص الموضوعي )) وإذا ما اعتبرنا هذا النوع من القواعد على ما يراه البعض جزءاً من قواعد القانون الدولي الخاص , كانت الاتفاقات الدولية التي تضمنها مصدراً من مصادر هذا الفرع من فروع القانون( ويراه آخرون بأنه فقط التي تنظم قواعد الإسناد) .
القوة الإلزامية للمعاهدات : (( تخضع لأحكام القانون الدولي العام ))
تعد أحكام المعاهدة قانوناً ملزماً هي القوة الإلزامية للمعاهدة قد تكون دولية أو داخلية . والقوة الإلزامية الدولية أو الاتفاقية للمعاهدة تعني التزام الدولة بتنفيذ أحكام المعاهدة التزاماً دولياً , ويترتب على عدم القيام بتنفيذ هذا الالتزام ( أي انتهاك أحكام المعاهدة الدولية ) تحريك المسؤولية الدولية للدولة . أما القوة الإلزامية الداخلية للمعاهدة فهي التزام سلطات الدولة للطرف في المعاهدة باحترامها والتمسك بتطبيق أحكامها .
وبما أن القواعد الاتفاقية الدولية تتفوق , كما هو معلوم , على القواعد القانونية الداخلية وذلك استناداً إلى مكانتها الدولية إذ أنها وليدة اتفاق إرادة عدة دول وتصدر عن عدة سيادات فضلاً عن أنها تتضمن التزاماً من قبل الدولة الطرف فيها باحترام احكامها وتطبيقها على الصعيد الوطني تجاه الدول الأخرى المتعاقدة , وهذا يؤدي إلى انه لا يجوز لإحدى الدول المتعاقدة مخالفتها من خلال إصدار تشريع داخلي يتعارض مع أحكامها .
إن مبدأ سموا المعاهدة على أحكام القانون الداخلي في حال تعارضهما تأخذ به كثير من دول العالم وتنص عليه سواء في دساتيرها أم في تشريعاتها .مثل سورية.
ولكن ما الحل فيما إذا لم يوجد نص في الدستور أوا لتشريع يبين حكم هذا التعارض .
في هذه الخانة يفرق البعض بين حالتين : الحالة التي يقع فيها التعارض بين المعاهدة وتشريع سابق على نفاذها , والحالة التي يقع فيها التعارض بين المعاهدة وتشريع لاحق لها .
1- التعارض بين معاهدة وتشريع سابق لها :
لا خلاف في هذه الحالة في أن نصوص المعاهدة هي التي تطبق دون أحكام التشريع الداخلي على أساس أنها أقوى من التشريع نظراً لصبغتها الدولية من ناحية , أو باعتبار أن نصوص المعاهدة , وهي جزء من التشريع الداخلي , تنسخ بصورة ضمنية ما يتعارض معها من تشريعات سابقة , من جهة أخرى .
2- التعارض بين معاهدة وتشريع لاحق لها :
في هذه الحالة يفرق الفقه , بين ما إذا كان التعارض ضمنياً أم صريحاً :
أ- حالة التعارض الضمني : يكون التعارض ضمنياً في حالة إصدار المشرع تشريعاً يخالف فيه أحكام معاهدة سابقة نافذة في بلاده من غير أن ينص صراحة على إلغائها .
وفي هذه الحالة يقرر الشراح والقضاء في فرنسا أن المعاهدة أقوى من التشريع الداخلي نظراً لصبغتها الدولية هذا من جهة , ولأنه لا يحق للدولة أن تخرق المعاهدة بإرادتها المنفردة بإصدار تشريع داخلي يتعارض مع أحكامها وأن ذلك من شأنه لو تم أن يحرك المسؤولية الدولية للدولة من ناحية أخرى لذلك فهؤلاء يقررون أن نصوص المعاهدة تظل واجبة الاحترام .
والخلاصة : أن القضاء في فرنسا يعمل في هذه الحالة على التوفيق فيما بين المعاهدة ونصوص التشريع من خلال المناداة بالإبقاء على نصوص المعاهدة واحترام أحكامها رغم صدور تشريعات لاحقة متعارضة مع نصوصها . ويتم التوفيق بين أحكام المعاهدة وأحكام التشريع اللاحق لها على أساس اعتبار النصوص التي جاءت بها المعاهدة , قواعد خاصة تعالج حالات معينة , واعتبار نصوص التشريع نصوصاً عامة تسري على جميع الحالات فيما عدا تلك التي خصتها المعاهدة بحكم خاص .
ب- حالة التعارض الصريح : وذلك كأن ينص المشروع صراحة على سريان أحكام التشريع الجديد دون الأخذ بعين الاعتبار لنصوص أية معاهدة سابقة عليه , أو أن يبين المشرع قصده هذا في الأعمال التحضيرية للتشريع اللاحق . ففي الحالة يعلق الدكتور عز الدين عبد قائلاً : أن موضع الحرج في هذه الحالة هو أن الأمر الصادر للقضاء صريح ويضيف بأن (( الرأي المعول عليه في البلاد التي لا تأخذ برقابة القضاء على دستورية القوانين , أن القضاء يجب أن ينصاع لأمر المشرع ويطبق التشريع معطلاً نصوص المعاهدة )) . ومن شأن هذا الرأي مغبة تحميل الدولة المسؤولية الدولية عن خرق التزاماتها , ولعل ما يخفف خطورته ندرة تحقق صورته في العمل )) ملاحظة الرأي السابق الذي يحل التعارض بين المعاهدة و التشريع الداخلي سواء كان سابقاً أو لاحقاً هو الرأي الفقهي وليس الرأي القانون السوري و رأي القانون السوري سنتحدث عنه الآن .
3- موقف المشرع السوري من التعارض بين المعاهدة والتشريع الداخلي :
تصدى المشرع السوري لمعالجة التعارض بين المعاهدة والتشريع الداخلي في موضعين اثنين :
فقد نصت المادة /25/ من القانون المدني بأنه (( لا تسري أحكام المواد السابقة – المتعلقة بتنازع القوانين من حيث المكان – إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة نافذة في سورية .
كما نصت المادة /311/ من قانون أصول المحاكمات المدنية على أن (( العمل بالقواعد المتقدمة – المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات والإسناد الأجنبية – لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين سورية وغيرها من الدول في هذا الشأن ).
على أن هذين النصين وإن كانا يعالجان التعارض بين المعاهدة والتشريع في موضوعين اثنين من موضوعات القانون الدولي الخاص وهما تنازع القوانين وتنفيذ الأحكام والقرارات والإسناد الأجنبية , إلا أنه يمكن القول بتعميم حكمها باعتبار أن ذلك يكشف عن قصد المشرع ليتناول التعارض الذي يقع في باقي موضوعات القانون الدولي الخاص .
وبهذا يمكن القول أن المشرع السوري أخذ بتفوق المعاهدات على التشريعات المخالفة لها في كافة الحالات سواء أكانت هذه التشريعات سابقة للمعاهدة أم لاحقة لها . ( المعاهدة تفضل على التشريع في القانون السوري ) .ملاحظة لا تخلط بين الرأي الفقهي وبين الموقف أو الحل الذي أتى به القانون السوري الذي يقوم على تفضيل المعاهدة على التشريع في جميع الحالات سواء كان التشريع سابقاً للمعاهدة أو لاحقاً لها
3- العرف :
تأتي أهمية العرف باعتباره مصدراً للقانون الدولي الخاص , نتيجة لتأخر تدخل المشرع وقيامه بسن قواعد هذا القانون . إذ معظم الحلول في مختلف موضوعات القانون الدولي الخاص جاءت على يد الفقه والقضاء إلى أن استقرت فأصبحت قواعد عرفية قبل أن يقوم المشرع بالتدخل تشريعياً والقاعدة أنه حيث تزداد أهمية عنصر السيادة تقل أهمية العرف وتزيد أهمية التشريع . وبالعكس عندما تقل أهمية عنصر السيادة تبقى للعرف أهميته . ولو أردنا تطبيق ذلك على مختلف موضوعات القانون الدولي الخاص لرأينا أنه بالنسبة للجنسية قام المشرع في مختلف الدول بالتدخل بوضع تشريع للجنسية كونها تنظم ركناً من أركان الدولة وهو ركن الشعب . فهنا لا أهمية تذكر للعرف . أما بالنسبة لموضوع تنازع القوانين نرى أن المشرع تدخل في كثير من الدول في هذا الميدان وقام بسن تشريعات خاصة لقواعده مما أدى إلى التقليل منن أهمية العرف بوصفه مصدراً من مصادر تنازع القوانين لأن التشريع أضحى هو المصدر المباشر .
ومن القواعد التي أنشأها العرف ثم تدخل المشرع لتقنينها , نذكر مثلاً قاعدة خضوع شكل العقد لقانون بلد الإبرام وقاعدة خضوع الميراث في المنقول لقانون موطن المتوفى وبالمثل يقال عن باقي موضوعات القانون الدولي الخاص حيث تتزايد أهمية العرف في الدول التي لم تصدر تشريعات تنظيم هذه الموضوعات . ولكن حتى في هذه الدول التي أصدرت تشريعات نجد أن أهمية العرف تبدو تفسير الكثير من هذه النصوص كونها عرفية الأصل .
والتساؤل الذي يثور بهذا الخصوص يتمحور حول المقصود بالعرف في هذا المجال هل هوا لعرف الوطني أما لعرف الدولي ؟
يمكنا لقول أنه لا يوجد شك في اعتبار العرف الوطني مصدراً من مصادر القانون الدولي الخاص طالما أن هذا القانون يستمد من المصادر الوطنية والعرف يعتبر أحد هذه العناصر , أما بالنسبة للعرف الدولي هل يمكن أن نستمد منه قواعد القانون الدولي الخاص .
اختلف الفقه في هذا المجال وانقسم إلى رأيين :
– الرأي الأول : ذهب للقول بأنه لا يوجد هناك عرف دولي في مجال القانون الدولي الخاص حتى لو تشابهت قواعد العرف الوطني في مختلف الدول , وذلك هذه القواعد تنبع أصلاً من النظام الداخلي أو الوطني لكل دولة من الدول التي ظهرت فيها , وبالتالي فهي تستمد قوتها الإلزامية من هذا النظام الداخلي . ومن أجل تحديد نطاق هذه القواعد يجب الرجوع إلى القانون الداخلي للدولة التي نشأت فيها .
وبالتالي فهي قواعد عرف شائع وليس عرفاً دولياً , وهو ملزم داخل الدولة باعتباره جزءاً من قانونها الوضعي وليس باعتباره عرفاً دولياً .
– الرأي الثاني : ذهب للقول بأن العرف الدولي يعتبر مصدراً للقانون الدولي الخاص وذلك لأن قواعد العرف الدولي تنشا نتيجة لإتباع دولة من الدول لمسلك معين ثم يتكرر ذلك من قبل غيرها من الدول حتى تستقر في ضمير المجتمع الدولي فتكون عرفاً دولياً, إذا أنه لا يتصور أن يتبع العرف لأول مرة من كافة دول العالم , بل لابد من أن ينشا في دولة معينة ثم تقوم دولة أخرى بإتباعه , وهذا رأي لا نرى غباراً عليه
4- مبادئ القانون الدولي الخاص :
خص المشرع للقانون الدولي الخاص بمصدر مستقل عن سائر فروع القانون الأخرى , حيث جاء في المادة ( 26) من القانون المدني السوري , المقابلة للمادة (24) من القانون المدني المصري , أنه : (( تتبع فيما لم يرد بشأنه نص خاص من أحوال تنازع القوانين , مبادئ القانون الدولي الخاص )) وقد كانت المادة /54/ من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري , الذي يعتبر الأصل التاريخي لقانوننا المدني , أكثر إبانة عن المقصود بمبادئ القانون الدولي الخاص , إذ كانت تقرر أنه (( تتبع فيما لم يرد بشأنه نص في المواد السابقة من أحوال تنازع القوانين مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعاً )).
ويأتي هذا المصدر بعد التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية والعرف , وهو مصدر خاص بموضوع تنازع القوانين كما نرى , ويحل محل (( مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة )) باعتباره مصدراً رسمياً .
وقد فضل المشرع الرجوع إلى مبادئ القانون الدولي الخاص لأن لهما سماتها الدقيقة والواضح ما يجعلها تفضل مبادئ القانون الطبيعي بسبب تخصصها في ناحية معينة من نواحي القانون .
ولكن هل يرجع القاضي السوري مثلاً في التعرف على هذا المصدر للمبادئ السائدة في سورية أم إلى تلك السائدة في مختلف دول العالم ؟
يرى البعض أنه من الممكن أن يستقى هذا المصدر من المبادئ السائدة في دولة القاضي بخصوص القانون الدولي الخاص . ولكننا مع غيرنا نرى أنه لا يمكن الاهتداء إلى هذه المبادئ إلا عن طريق الدراسة المقارنة , ويؤيدنا في ذلك أن المادة /54/ من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري المذكورة , جاءت بلفظ (( مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعاً ) . ومن الأفضل الأخذ بهذا النظر وذلك لأن القانون الدولي الخاص سواء في سورية أم مصر لم يبلغ حداً يجله في غنى تام عن الاستقاء من المبادئ الشائعة في مختلف دول العالم . وهذا يعود إلى كونه قانوناً حديث النشأة في الدول العربية وتعود معظم قواعده إلى المبادئ التي تبلورت في القرون الماضية في الدول التي سبقتنا في هذا المجال .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً