المفهوم القانوني للحجز التحفطي في التشريع المغربي
أولا :مفهوم الحجز التحفظي
لتحديد مفهوم الحجز التحفظي ،عمدنا الى تعريفه وتحديد طبيعته،ثم تمييزه عن بعض المؤسسات المشابهة .
1 – في تعريف الحجز التحفظي وتحديد طبيعته.
عرف المشرع المغربي الحجز التحفظي في قانون المسطرة المدنية ، بكونه وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها الحجز ،ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه سواء كان تصرفه تفويتا أو تبرعا. وهو ما يستشف من الفصل 453 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه ” لا يترتب عن الحجز التحفظي سوى وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ويكون نتيجة لذلك كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر.”
ونعت بعض الفقه الحجز التحفظي بأنه ” وضع أموال المدين تحت يد القضاء و غل يده عن التصرف فيها تصرفا يضر بالدائنين ، تمهيدا لنزع ملكيتها لمصحلة هؤلاء الآخرين واستفاء حقوقهم من تمنها إذا لم يؤدي المدين ما عليه من ديون”1. في حين أعتبره البعض الأخر بكونه ضبط المال ووضعه تحت يد القضاء، لمجرد منع المحجوز عليه من التصرف فيه تصرفا يضر بحق الحاجز2. أو هو وضع مال تحت يد القضاء، لمنع صاحبه من أن يقوم بأي عمل قانوني أو مادي، من شأنه إخراج هذا المال أو ثماره من ضمان الدائن الحاجز3.
وعرف القضاء المغربي بدوره الحجز التحفظي في مجموعة من القرارات القضائية،أبرزها ما جاء في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط عدد 1023 بتاريخ 28 شتنبر 1985 والذي اعتبر أن ” الحجز التحفظي هدفه الوحيد هو وضع يد القضاء على أموال المدين من أجل منع تبديدها قبل أن يتم الفصل في موضوع حق الدائن…4″.وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 427 والصادر بتاريخ 14/06/1999 بالملف عدد 385/99 اعتبرت فيه”الحجز التحفظي هو حماية الدائن من الخطر الذي ينجم عن اعسار المدين، ومنع هذا الاخير من التصرف في امواله بطريقة تضر بمصالح دائنية، ويعمل به مادام موضوعه قائما ، ولا يرفع الا مع طروء ما يبرره.”5.
فالحجز التحفظي تبعا لذلك ، وسيلة للحفاظ على الضمان العام المقرر للدائن عل أموال مدينه، لتفادي كل تصرف قد يؤدي الى افتقار ذمة المدين أو تهريبه أمواله أو إخفائها،فهو يقيد حرية المدين على أمواله للتأمين استيفاء الدائن لدينه منه.
و يعد الحجز التحفظي تقنية قانونية باتت تشكل أهم الوسائل التي من شأنها أن تحقق الفعالية في ميدان تنفيذ مقتضيات الأحكام القضائية، والحفاظ على حجيتها ومصداقيتها،وكذا لتفادي المماطلات والتأخيرات في تنفيذ الأحكام ،والقرارات،والأوامر،والحد من الإكراهات التي قد تنشأ عن هذا التنفيذ.
وبالرجوع للتعاريف التي أعطيت لهذا النوع من الحجوز ، يتضح لنا أنه إجراء وقتي،يروم حماية حق الدائن على أموال مدينه ،إذ أن حجز أموال المدين وجعلها تحت يد القضاء لا يتوخى منه دائما الوفاء بل قد يتوخى منه فقط حماية الدائن من أن يتصرف المدين في أمواله تصرفا يضر بحقوقه مستقبلا .فيعقل يد مدينه عن التصرف فيها بالبيع أو التبرع، فيكون كل التصرف من هذا النوع مع وجود الحجز باطلا ،وعديم . وهكذا يكون مجرد إجراء تحفظي فقط لا يفضي إلى البيع إلا بعد الحصول على سند تنفيذي أو حكم بتصحيح الحجز أو البيع ،ونظرا إلى أن التحفظية تأتي دائما نظرا لطبيعتها السابقة عن أي حجز كيفما كان نوعه سواء تعلق بمنقول أو عقار أو أصل تجاري6.
2 – في تمييز الحجز التحفظي عن غيره من الحجوز
يتميز الحجز التحفظي عن كل من الحجز لدى الغير والحجز الاستحقاقي وعن الحجزين التنفيذي والارتهاني بمجموعة من الخصائص.
أ – تمييز الحجز التحفظي عن الحجز لدى الغير
يلجأ الدائن الحاجز للحجز لدى الغير لحماية حقه فيتعرض بين يدي المحجوز لديه على المبالغ والقيم المنقولة التي يحوزها هذا الأخير، لفائدة المدين المحجوز عليه منعا له من التصرف فيها تصرفا يضر بحقوقه ،وبالتالي فهو يقوم بناء على علاقة ثلاثية الاطراف وهم الحاجز الدائن والمحجوز عليه المدين ،ثم الغير المحجوز لديه الذي يشكل بدوره مدينا لهذا الأخير ،على عكس الحجز التحفظي الذي يجريه الدائن على أموال مدينه دونما الحاجة لتدخل طرف ثالث، كما أن الحجز لدى الغير – وإن كان بادئ الأمر يتخذ صورة تحفظية – إلا أنه يكتسي صبغة تنفيذية تروم التنفيذ على أموال المدين المحجوزة لدى الغير وبيعها لاستيفاء دينه،في حين تبقى الغاية من الحجز التحفظي هي المحافظة على ضمان الدائن لحقوقه المترتبة على أموال المدين ولا يمنحه الحق في التنفيذ على إمواله إلا بعد سلوك مسطرة تحويله لحجز تنفيذي7.
ب- تمييز الحجز التحفظي عن الحجز الاستحقاقي
لئن كان البعض يعتبر الحجز الاستحقاقي نوعا من أنواع الحجوز التحفظية، لأنه يهدف إلى منع حائز المنقول من التصرف فيه بصورة تضر بمصلحة الحاجز فهو حجز يوقعه مالك المنقول على المنقول ذاته، ولكن تحت يد حائزه تمهيدا لاسترداده إذا كان معه سند تنفيذي أو إذا حكم له بذلك ، إلا أن الحجز الاستحقاقي يختلف عن الحجز التحفظي من حيث نهايته، فهو ينتهي بتسليم المنقول لمن أوقع الحجز، وليس بيع المنقول المحجوز كما هو الحال في الحجز التحفظي عند تحوله إلى حجز تنفيذي.8
ت – تمييز الحجز التحفظي عن الحجز التنفيذي.
بالرغم من أنه لا يوجد تباين في الأثار التي يرتبها كل من الحجز التحفظي والحجز التنفيذي إلا أنه يوجد بعض الاختلافات بينهما فالحجز التحفظي عمل قانوني يتم بناء على طلب الدائن بوضع مال من أموال المدين تحت يد القضاء تفادياً لخطر عدم تمكن الدائن من استيفاء حقه خشية تهريب المدين لأمواله، بإخفائها أو التصرف فيها. وهو بذلك مجرد وسيلة قانونية للمحافظة على الضمان العام المقرر للدائن على أموال مدينه، تستهدف عدم نفاذ تصرفات المدين بالنسبة للأموال محل الحجز في مواجهة الدائن، فضلاً عن تقييد حق المدين في استعمال هذه الأموال أو استغلالها. بخلاف الحجز التنفيذي الذي يؤدي إلى وضع المال المحجوز عليه بين يدي القضاء تمهيداً لبيعه وتوزيع الناتج عنه على الدائنين الحاجزين، فالحجز بذلك هو أول إجراء من إجراءات التنفيذ على أموال المدين، يقوم به المحضر بناء على طلب الدائن لوضع هذه الأموال كلها أو بعضها تحت يد القضاء منعاً للمدين من التصرف منها، تمهيداً لبيعها واستيفاء الدائن حقه من ثمنها9.
ث- تمييز الحجز التحفظي عن الحجز الارتهاني.
إذا كان الحجز الارتهاني طبقا للفصل 497 من قانون المسطرة المدنية يقع على المنقولات و هو يبدأ حجز تحفظيا بأمر من الرئيس سواء كان بيد الدائن سند تنفيذي أو لم يكن هذا السـند،فهو بذلك صورة من صور الحجز التحفظي الحجز ،إذ يرد فقط- تبعا للفصول المنظمة له في قانون المسطرة المدنية – على المنقول دون العقار بخلاف الحجز التحفظي الذي يمكن تصوره في المنقول كما يحدث أن يتعداه الى العقار وذلك في حالة عدم قصور قيمة المنقولات المحجوزة عن ضمان الدين المجرى الحجز لأجله.
ثانيا : حجية محاضر تبليغ وتنفيذ الأمر بالحجزالتحفظي.
أضفى المشرع المغربي على المحاضر التي يحررها كل من المفوض القضائي وعون التنفيذ – خاصة تلك المتعلقة بالحجز التحفظي – صفة الرسمية ومنحها قوة في الإثبات .
محضرا التبليغ و التنفيذ وقوتهما في الإثبات.
إن كلا من مأمور التنفيذ والمفوض القضائي ينجزان مهامهما وفق شكليات سطرها القانون عبر وثيقة قضائية تسمى “محضر التبليغ ومحضر التنفيذ”.
وحيث إن مأمور التنفيذ وهو موظف عمومي والمفوض القضائي وهو من كلف كذلك بخدمة عامة لأن إشارة المشرع وتكليفه للعون القضائي للقيام بمهام تبليغية وتنفيذية للأحكام اعتبرها البعض نداءاً من المشرع لهذه المؤسسة أن تشاركه تسيير المرفق العام. واستناداً عليه تعتبر محررات كليهما أوراقا رسمية طبق للفصل 410 من ق .ل.ع .ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور باستثناء بعض الاستجوابات التي يتلقاها المكلف بالتنفيذ فيجوز الطعن فيها بإثبات العكس وتأكيده.
ولثبوتية هذه المحاضر لابد من أن تتوفر على مجموعة من البيانات والضوابط منها ما يلي :
– أن تحرر باللغة العربية
– أن يثبت فيها تاريخ الإجراء بالحروف والأرقام .
– أن يثبت فيها إسم القائم بالتنفيذ وصفته والمحكمة التي يعمل بها وتوقيعه .
– أن يشار فيها إلى أسماء أطراف التنفيذ ومحل إقامتهم أو موطنهم بصفة عامة أو من ينوب عنهم.
– أن يشار إلى السندات التي يقوم عليها التنفيذ من حكم مشمول بالنفاذ المعجل أو قرار وشهادة كتابة الضبط في حالة الحكم الابتدائي غير النهائي وما يعني التبليغ بصفة عامة أو أصل السند إن كان التنفيذ عليه.
ولابد من الإشارة كذلك إلى الخبراء المستعان بهم في الملفات التي تستلزم ذلك مع تقريرهم في الموضوع وتاريخه والتصميم في حالة الضرورة.
وفي العموم لابد لهذا المحضر أن يكون مقروءاً وواضحاً مستجمعاً للشروط السابقة الذكر متوفراً على كل الشكليات القانونية ومحرراً بلغة بسيطة تصل إلى قارئه ويسهل فهمه لتحقيق الغاية منه10.
الجهة المختصة بتحرير محاضر التبليغ والتنفيذ.
أوكل المشرع المغربي بالمفوض القضائي مهمة تبليغ الاحكام والأوامر بما فيها الأمر بالحجز التحفظي وتحير محضر بذلك .وأسند لعون التنفيذ الاختصاص في تنفيذ هاته الأحكام والأوامر .
أ – المفوضون القضائيون كجهة مكلفة بتبليغ الأمر بالحجز التحفظي.
تدخل هذه الفئة ضمن مساعدي القضاء، وينتمون لمؤسسة حرة تنظم بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.06.23 صادر في 15 محرم 1427 ) 14 فبراير 2006 ( الخاص بتنفيذ القانون رقم 81.03 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين الذي عدل القانون رقم 41/80 المنظم لهذه الهيئة .وقد أناط بها المشرع مهمة تبليغ الأحكام وتحرير محضر بذلك بعد تحديد مجال اختصاصها.
وقد ألزمت المادة 14 من القانون 03/81 على المفوض القضائي القيام بمهامه كلما طلب منه ذلك، و إلا أجبر على ذلك بمقتضى أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية التي يعمل بها كما أن مجال مراقبتهم أصبح بمقتضى القانون الجديد من اختصاص رئيس المحكمة بعد أن كان من اختصاص وكيل الملك الذي حددت مقتضيات خاصة في هذا الظهير نطاق تدخله.
و قد حدد المنشورالسابق الدي جاء تحت عدد 1/95 المهام التي تدخل في اختصاص الأعوان القضائيين في مجال التنفيذ و هي :
– يؤذن لهم بالقيام بإجراءات التنفيذ المتعلقة بأداء بمبالغ مالية.
– الحجوزات التحفظية –على المنقول-العقار-الأصل التجاري.
– الحجوزات التنفيذية في المنقول.
– بيع المنقول بحضور كاتب الضبط
– المعاينات والاستجوابات
واستثنى من مهامهم ما يلي :
– المبالغ المستحقة من شركات التأمين بصفة مؤقتة
– البيوعات العقارية
– الاحتجاج بعدم الدفع
– الإجراءات
– الإنابات القضائية.
في حين وسعت المادة 15 من القانون 03/81 من مجال اختصاص المفوض القضائي. كما ضمن المشرع المغربي للمفوض القضائي الحماية القانونية كالموظف العمومي، و جعله يتمتع أثناء مزاولة مهامه بالحماية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 263 و 267 من ق.ج فقد فرض عليه كذلك التزامات عليه احترامها طبقا للمادة 27 و 28 و 30و31 من القانون رقم 03/81، كما حدد له عقوبة تأديبية طبقا للفصل 38 من نفس القانون وأخرى جنائية في حالة مخالفة للضوابط القانونية تبعاً لطبيعة الفعل أو الجرم المقترف.
ب – أعوان التنفيذ المكلفون بتنفيذ ألامر بالحجز التحفظي.
وهم موظفون عموميون يخضعون لظهير 24 يناير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية .ويمثلون السلطة العامة التي تباشر التنفيذ تحت إشراف ومراقبة القضاء.وهم ملزمون بتطبيق مقتضيات النصوص المنظمة لعملية تنفيذ الأحكام والقرارات التنفيذية من حيث مراعاة الآجال المنصوص عليها قانوناً إعمال طرق التنفيذ الواجبة قانوناً حسب طبيعة المال أو العقار.
وقد أناط المشرع بالعون المكلف بالتنفيذ القيام بمجموعة من الإجراءات بالغة الجسامة وهو بذلك يلعب دوراً بالغ الأهمية والخطورة في ميدان التنفيذ إذ يحق له طبقا للفصل 436 من قانون المسطرة المدنية أن يثير صعوبة في التنفيذ سواء قانونية أو واقعية كلما اعترضه عائق ويمكنه طلب تطبيق الغرامة التهديدية في الحالة التي يكون بصدد تنفيذ حكم بالقيام بعمل أو امتناع عنه طبقا للفصل 448 من قانون المسطرة المدنية وإذا لم يكن منطوق الحكم أشار إلى ذلك كما يمكنه طلب تفسير حكم مبهم طبقاً للفصل 26 من قانون المسطرة المدنية وجد نفسه بصدده تنفيذه هذا بالإضافة إلى طرق الحجز التي ينبغي سلكها ودوره الجسيم في تطبيق الإجراءات وفق مقتضيات النصوص القانونية في هذا الباب11.
فمسؤولية موظفي المحكمة منظمة قانوناً ،و تتحمل الدولة فيها عبئ تعويض المتضرر عن الخطأ المرفقي وقد يتحمل الموظف المرتكب للخطأ الجسيم عبأها حسب الفصلين الفصل 79و 80 من قانون الالتزامات و العقود.
اترك تعليقاً