مقال عن مبدأ عدم رجعية القوانين بالقانون السوري
مضمون هذا المبدأ هو أن القانون إنما يصدر ليطبق على المستقبل , أي على الفترة الزمنية التي تلي نفاذه .
وبالتالي فإن القانون الجديد لا يسري على ما تم من تصرفات ووقائع وما نتج عنها من آثار قبل بدء نفاذه بل تبقى خاضعة لأحكام القانون القديم .
هذا المبدأ هو مبدأ قديم طبقه الرومان في الكثير من الحالات وإن لم يقوموا بصياغته على شكل قاعدة عامة .
إلا أن القانون الروماني عرف قاعدة هامة في هذا الإطار لا زالت مرعية حتى اليوم تتمثل فيقاعدة عدم رجعية القوانين المفسرة , وتعني أن القوانين التي تصدر تفسيراً لقانون سابق تعتبر سارية من تاريخ سريان القانون القديم الذي تفسره , وتسري بالتالي على التصرفات والأوضاع القانونية التي يحكمها القانون القديم باستثناء تلك التي تم حسمها عن طريق صدور حكم من القضاء أو عن طريق الصلح بين الخصوم , وقد انتقلت هذه القاعدة من القانون الروماني إلى القوانين الحديثة .
كما أن رجال الثورة الفرنسية وضعوا هذه القاعدة في المادة 14 من إعلان حقوق الإنسان , وعندما صدر قانون نابليون عام 1804 نص في مادته الثانية على مبدأ عدم رجعية القوانين .
ولابدَّ للإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية السمحاء قد عرفت هذا المبدأ قبل أن تعرفه القوانين الوضعية حيث قال تعالى في كتابه الكريم : * وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا * , وقال تعالى :
* وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً * .
استناداً لهذه النصوص انتهى فقهاء الشريعة الإسلامية إلى قاعدتين أصوليتين هما:
1ـ لا حكم لأفعال العقلاء قبل وضع النص .
2ـ الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة .
أي أن ما لم يرد نص بتجريمه , فالأصل حله ولا عقاب على فعله أو تركه .
ومنذ ذلك الحين لم يجادل أحد في أهمية هذا المبدأ حتى أصبح في مفاهيم العصر الحديث من المبادئ الدستورية , فقد جاء في المادة30 من الدستور السوري الصادر بالمرسوم رقم 208 لعام 1973 أنه لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي , ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك , وتوجد نصوص مشابهة في العديد من الدساتير الحديثة كالمادة 169 من دستور الجمهوريةالإيرانية .لعام1989 والتي تنص على أن : ” كل فعل أو امتناع عن فعل لا يعتبر جريمة بالاستناد إلى قانون يسن وقوعه ” .
وأيضاً المادة /66/ من دستور مصر لعام 1971 والتي تنص على أنه : ” العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إبلا بناءً على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضاءها , ولاعقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذالقانون .
والنص الرابع من الدستور المغربي الحالي حيث ينص : ” القانون هو اسمي تعبير عن إرادة الأمة ويجب على الجميع الامتثال له وليس للقانون أثر رجعي “.
وترجع أهمية مبدأ عدم رجعية القوانين إلى الاعتبارات الآتية :
1 – العدالة :
تقتضي العدالة عدم تطبيق التشريع على الأشخاص المكلفين قبل نفاذه أي قبل نشره في الجريدة الرسمية ومرور المدة اللازمة على ذلك حتى يتمكنوا من العلم به وتنظيم تصرفاتهم وفقاً لأحكامه وقواعده .
وهي من باب أولى تقتضي عدم تطبيق التشريع على ما سبق نفاذه من تصرفات يقوم بها الأشخاص .
فإذا صدر القانون الجديد ثم طبق عليه بأثر رجعي فيؤدي ذلك إلى أن الأشخاص يخضعون لقانون يستحيل عليهم العلم به , وهذا ما يتعارض مع أبسط مبادئ العدالة .
أما القول بغير ذلك فيؤدي إلى سلب الأشخاص ما كانوا قد اكتسبوه من حقوق وحريات فيالماضي تنفيذاً لما أجازه القانون لمجرد أن قانوناً جديداً لاحقاً يغير أو يعدل ما كان سارياً سابقاً .\يمكن تصور ذلك لو افترضنا صدور تشريع جديد يعاقب على فعل أو امتناع عن فعل كان مباحاً قبل ذلك , أو يشدد في شروط اكتساب الملكية عن طريق العقد مثلاً .
فإن القول بتطبيق التشريع الجديد على الأفعال التي ارتكبت وقت أن كانت مباحة , أو على حقوق الملكية التي كسبت وفقاً لشروط التشريع السابق , يجعل الناس في حرياتهم وحقوقهم تحت رحمة المشرع والقاضي , لا يستطيعون أن يدرؤوا حلول العقاب بهم مهما فعلوا , ولا أن يطمئنوا إلى ما كسبوه من حقوق مهما احتاطوا .
2- المصلحة العامة :
إن المصلحة العامة تقضي بالمحافظة على ثقة الأفراد بالنظام القانوني واطمئنانهم إلى المراكز القانونية التي يكتسبونها وفقاً له , فإذا كانت القوانين من شأنها أن تسري على الماضي فإن ذلك يؤدي إلى انعدام الثقة في النظام القانوني القائم وإلى شيوع الاضطراب وعدم الاستقرار في المراكز القانونية التي يكتسبها الأفراد وفقاً للقوانين النافذة .
3- المنطق القانوني :
يفترض عدم رجعية القوانين لأنه يوجب أن يكون القانون مصدراً ملزماً للناس في توجيهه وتنظيم سلوكهم .
كما يوجب أن تبقى أحكامه مرعية الإجراء حتى يلغى , وأن يظل الناس خاضعين إلى هذه الأحكام مادام هو القانون النافذ في المجتمع .
فإذا كان مبدأ عدم جواز الاعتداد بجهل القانون يشكل مبدأ مفروضاً في نطاق هذا الخضوع فإن هذا المبدأ يبقى ممكناً في نطاق التشريع النافذ .
فإذا قام المشرع بوضع قانون مخالف أحكام القانون الذي كانوا يخضعون له , فإن عدم الجهل بالقانون يصبح مبدأ غير ذي موضوع في هذا النطاق .
ذلك أنه لا يمكن أن نفترض بل من المستحيل أنه يتنبأ الناس بأحكام القانون الجديد قبل صدوره ونفاذه مادام لم يصل إلى علم الناس بنشرة في الجريدة الرسمية حيث يصبح هو القانون النافذ.
فإذا كان الأمر كذلك , في نطاق المنطق القانوني فكيف يمكن أن يقال للناس إن أحكام القانون الجديد ستسري على ما قمتم به في الماضي وفقاً للقانون القديم ؟ .
إذاً : يمكن القول إن قاعدة عدم رجعية القوانين بصرف النظر على النص عليها في الدستور فإنها تستند إلى مبررات عدة توجب الالتزام بها حتى من قبل المشرع .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً