تنازع بين حكم لهيئة تحكيم وحكم القضاء العادي
المحكمة الدستورية عليا المصرية
تنازع بين حكم لهيئة تحكيم وحكم القضاء العادي العليا “تنازع”
قضية رقم 15 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 10 ديسمبر سنة 2006 م، الموافق 19 ذي القعدة سنة 1427 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري
نائب رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ محمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي والدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 15 لسنة 27 قضائية “تنازع”.
المقامة من
السيد/ …
ضد
1- السيد/ محضر أول محكمة مركز بلبيس الجزئية
2- السيد/ …
3- السيد/ …
4- السيدة/ …
5- السيدة/ …
6- السيدة/ …
7- السيدة/ …
8- السيد/ …
9- السيدة/ …
10- السيدة/ …؛ عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر: … و… و… و…؛ أولاد المرحوم …
الإجراءات
بتاريخ العشرين من يوليه سنة 2005، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم:
أولا: بصفة مستعجلة؛ بوقف تنفيذ حكم المحكمين رقم 8 لسنة 1995 “تحكيم مدني كلي الزقازيق” وإخطار محكمة النقض بوقف نظر موضوع الطعن بالنقض المدني رقم 5975 لسنة 75 قضائية ووقف نظر الشق المستعجل به، وكذا إخطار محكمة بلبيس الجزئية بوقف نظر الإشكالين رقمي 183 و276 لسنة 2005 “مستعجل بلبيس” حتى يفصل في موضوع النزاع الماثل، والاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 2121 لسنة 1986 مدني كلي الزقازيق.
ثانيا: في الموضوع؛ بوقف تنفيذ حكم المحكمين الصادر في التحكيم رقم 8 لسنة 1995 “تحكيم مدني كلي الزقازيق” وقفا نهائيا.
وبتاريخ 13/3/2006 أمر السيد المستشار رئيس المحكمة بوقف تنفيذ حكم المحكمين المشار إليه.
وقدم المدعى عليهم من الثاني إلى العاشرة مذكرة طلبوا فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 2121 لسنة 1986 مدني أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد المدعى عليهم من الثاني حتى العاشرة؛ بطلب الحكم بتثبيت ملكيته للأرض الزراعية المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، فقضت بجلسة 18/2/1988 بتثبيت ملكيته لهذه الأرض، وإذ لم يرتض المحكوم ضدهم في تلك الدعوى هذا القضاء، فقد طعنوا عليه بالاستئناف رقم 382 لسنة 31 “قضائية” أمام محكمة استئناف المنصورة “مأمورية الزقازيق”، التي قضت بجلسة 8/9/1993 بتأييد الحكم المستأنف، وتم تنفيذه بتاريخ 30/9/1995، وإذ طعنوا عليه بالنقض بالطعن رقم 8582 لسنة 63 قضائية – “مدني”، فقضت فيه المحكمة بجلسة 4/4/2002 بعدم القبول. وبتاريخ 17/10/1995 صدر حكم في التحكيم المقيد برقم 8 لسنة 1995 “كلي الزقازيق” ذيل بالأمر بالتنفيذ رقم 70 لسنة 1995 الصادر من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الزقازيق الابتدائية في 1/11/1995، قاضيا بأحقية المدعى عليهم “ورثة المرحوم …” للأرض الزراعية محل النزاع، وإذ لم يرتض المحكوم ضده هذا الحكم، وطعن عليه بالاستئناف رقم 1215 لسنة 39 “قضائية” أمام محكمة استئناف المنصورة “مأمورية الزقازيق”؛ طالبا الحكم ببطلانه، فقضت فيه تلك المحكمة بجلسة 22/3/2005 برفضه، فطعن فيه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 5975 لسنة 75 “قضائية”؛ حيث قضت في شقه العاجل بجلسة 15/12/2005 برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. وبتاريخ 22/5/2005 كان قد صدر قرار المحامي العام لنيابة جنوب الزقازيق الكلية في محضر الحيازة رقم 6231 لسنة 2003 “إداري بلبيس” بتمكين المدعي من حيازة الأرض محل النزاع.
وحيث إنه بعرض طلب وقف تنفيذ حكم المحكمين الصادر في التحكيم رقم 8 لسنة 1995 “مدني كلي الزقازيق” على السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا؛ قرر بتاريخ 13/3/2006 وقف تنفيذه.
وحيث إن المحكمة – بما لها من هيمنة على الدعوى – هي التي تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانوني الصحيح، على ضوء طلبات رافعها بعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها دون التقيد بحرفية ألفاظها أو مبانيها، وكان ما يهدف إليه المدعي من دعواه هو فض التناقض القائم بين حكم التحكيم وحكم القضاء العادي، والاعتداد بالحكم الأخير دون الحكم الأول، فإن الدعوى الماثلة – في تكييفها الصحيح – تعد من المنازعات المنصوص عليها في البند “ثالثا” من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، مما يستنهض ولاية المحكمة للفصل فيها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالاة، مجردا من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، فالتحكيم مصدره الاتفاق؛ إذ يحدد طرفاه – وفقا لأحكامه – نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها،
ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذا كاملا وفقا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزة اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة، ومن ثم يعتبر التحكيم نظاما بديلا عن القضاء، فلا يجتمعان.
وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين طبقا للبند “ثالثا” من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون أحد الحكمين صادرا من إحدى جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد حسما موضوع النزاع في جوانبه كلها أو بعضها وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معا. متى كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن محكمة الزقازيق الابتدائية قضت في الدعوى رقم 2121 لسنة 1986 بتثبيت ملكية المدعى للأرض محل النزاع، وأيدت محكمة استئناف المنصورة “مأمورية الزقازيق” هذا الحكم، بحكمها الصادر في الاستئناف رقم 382 لسنة 31 “قضائية”،
وتم تنفيذ هذا الحكم بتسليم المدعي الأرض محل النزاع، وأن الحكم الصادر في التحكيم المقيد برقم 8 لسنة 1995 “كلي الزقازيق” المذيل بالأمر بالتنفيذ رقم 70 لسنة 1995 الصادر من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الزقازيق الابتدائية، قضى بأحقية المدعى عليهم “ورثة المرحوم/ …” للأرض ذاتها، مما مقتضاه عدم جواز تسليمها إلى المدعي؛ وبما مؤداه عدم الاعتداد بسبق تسليمها إليه، ومن ثم فإن الحكمين يكونان قد اتحدا نطاقا وتناقضا، وغدا إنفاذ قضائهما معا متعذرا؛ وبالتالي فإن مناط التناقض بينهما يكون متحققا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المفاضلة التي تجريها بين الحكمين النهائيين المتناقضين لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ إنما تتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
وحيث إنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن المنازعات المتعلقة بالأموال والملكية والحيازة هي – بحسب الأصل – من المنازعات الناشئة عن روابط القانون الخاص؛ مما يدخل الفصل فيه في اختصاص جهة القضاء العادي باعتباره صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات إلا ما استثني بنص خاص؛ طبقا للمادة (15) من قانون السلطة القضائية.
وحيث إن البند (2) من المادة (58) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 ينص على أنه “لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقا لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:
(أ) أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع…”.
وحيث إن مفاد هذا النص – وفقا لقضاء هذه المحكمة – أن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقا لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع؛ بما مؤداه أن ما قرره هذا النص من عدم جواز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم في حالة سبق صدور حكم قضائي في موضوع النزاع، إنما هو تأكيد لانتفاء اختصاص أي هيئة للتحكيم بالفصل فيما سبق أن حسمته الأحكام القضائية من أنزعة؛ إعمالا لحجية هذه الأحكام القضائية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النزاع محل الدعوى الماثلة قد تم حسمه بصدور حكم محكمة استئناف المنصورة في الاستئناف رقم 382 لسنة 31 “قضائية” بجلسة 8/9/1993 بتأييد الحكم المستأنف السالف البيان؛ الصادر بتثبيت ملكية المدعي لأرض النزاع، وتم تنفيذه بتاريخ 30/9/1995، ثم قضت محكمة النقض بعدم قبول الطعن عليه على النحو المشار إليه، بيد أنه بتاريخ 17/10/1995 صدر حكم في التحكيم رقم 8 لسنة 1995 “كلي الزقازيق” المذيل بالأمر بالتنفيذ رقم 70 لسنة 1995 في 1/11/1995، وانتهى هذا الحكم إلى أحقية المدعى عليهم للأرض محل النزاع،
ولما طعن المدعي على هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة؛ طالبا الحكم ببطلانه، قضت فيه تلك المحكمة بالرفض، فطعن المدعي على الحكم الأخير أمام محكمة النقض بطلب وقف تنفيذه، فقضت فيه كذلك بالرفض، وكانت جهة القضاء العادي تعد صاحبة الولاية العامة في نظر كافة المنازعات إلا ما استثنى بنص خاص؛ طبقا للمادة (15) من قانون السلطة القضائية، كما ينتفي اختصاص أي هيئة للتحكيم بالفصل في أي نزاع سبق حسمه بحكم قضائي، ولا يجوز لقاضى التنفيذ الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الذي يتعارض مع ذلك الحكم القضائي،
فإن هيئة التحكيم إذ عادت – وهي بصدد الفصل في موضوع النزاع المطروح أمامها – إلى بحث ملكية المدعي للأرض ذاتها محل النزاع، وأصدرت حكمها بأحقية المدعي عليهم لها، بعد أن استنفدت جهة القضاء العادي ولايتها بنظر هذا النزاع بقضائها بتثبيت ملكية المدعي لأرض النزاع وصيرورة هذا القضاء نهائيا وتنفيذه بالتسليم الفعلي، تكون قد جاوزت اختصاصها، ومن ثم فإن الحكم الصادر من جهة القضاء العادي – دون حكم هيئة التحكيم – يكون هو الأحق بالتنفيذ.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بالحكم النهائي الصادر من محكمة الزقازيق الابتدائية في الدعوى رقم 2121 لسنة 1986 مدني؛ المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف المنصورة “مأمورية الزقازيق” في الاستئناف رقم 382 لسنة 31 “قضائية”.
اترك تعليقاً