أبحاث قانونية حول إنهاء عقود العمل بشكل غير قانوني
لا مراء من أن صدور قانون العمل 90/11 يعني مواجهة إستراتيجية و فعلية و آلية واقعية لكافة المشكلات التي ثارت من اجل ترسيخ الجوانب الاقتصادية من جهة و رقيا بالعامل باعتباره ركيزة الأداء الصناعي و التجاري من جهة أخرى، ليس من شك أن المتتبع لمواد قانون العمل سوف يدرك بكل أصالة و موضوعية انه ثمة تطور قد وقع بالفعل في آليات مواجهة الإشكاليات لان هذا القانون يتمتع بأهمية خاصة كونه يسري على قطاعات مختلفة و متعددة، و قد حاول المشرع الجزائري تكييف النصوص القانونية المتعلقة بتشريعات العمل مع السياسة الاقتصادية التي انتهجتها البلاد و قد راعى في ذلك ظروف العامل الاجتماعية باعتباره الطرف الضعيف في العقد من جهة و الأحوال المادية للمستخدم من جهة أخرى و جعل بالتالي علاقة العمل علاقة تعاقدية مجسدة في عقد العمل الذي يعتبر المنشأ الأساسي لالتزامات و حقوق طرفيه.
و نظرا لكون مسار علاقة العمل قد تعترضه بعض المؤثرات التي قد تؤدي إلى انتهائه ،فانه لا يخفى أن هذا الإنهاء قد يرجع لأسباب قانونية عادية سواء بانتهاء مدة العقد أو الفسخ أو التقاعد أو الوفاة مثلا و قد تنتهي لأسباب غير عادية كالتسريح التأديبي أو التسريح لأسباب اقتصادية ،و لا بد في هذا الصدد من الاعتراف بوجود تعارض في المصالح ما بين إطراف علاقة العمل و غالبا ما يتسبب هذا التعارض في نشوء منازعة بينهما و كون العلاقة التي تربط العامل بالمستخدم مصدرها عقد العمل الذي ارتضاه الطرفان و قبلا بمقتضاه ، فيكون فيه العامل ملزم بأداء عمله مقابل اجر و تمنح من جهة أخرى سلطة الإدارة و الرقابة و الإشراف على هذا العامل للمستخدم.
غير أن هذه السلطة تفقد محتواها إذا لم تقترن بصلاحيات أخرى يستمدها المستخدم من هذا الحق و هذه الصلاحيات تتمحور حول سلطة التأديب و سلطة تسيير العمل داخل المؤسسة ،و في حالة إخلال العامل بالنظام و الأمن داخل المؤسسة فانه يتعرض إلى فرض عقوبات تأديبية تتناسب و الخطأ المرتكب ،و بعد أن كان الخطأ التأديبي يحدد في التشريعات السابقة بصفة تنظيمية و شاملة من طرف المشرع حيث لم يترك المجال للمستخدم في تحديد طبيعته و أنواعه ،لكن الأمر تغير بعد ذلك بدءا بالقانون 90/11 فقد يبرر رب العمل سبب إنهاء علاقة العمل بما يرى انه يمثل خطا جسيما جزاؤه التسريح من العمل ، و أصبح بالتالي البحث عن الأساس القانوني لإنهاء هذه العلاقة يطرح نفسه .فهل أن المستخدم يستمد ذلك من العقد الذي يقوم على مبدأ المساواة و حرية التعاقد و عليه يكون إسناد التعسف في إنهاء علاقة العمل إلى عدم احترامه بنود العقد فنفس الإشكال مطروح عندما نتطرق لإنهاء علاقة العمل بتسريح العمال لأسباب اقتصادية ، حيث يوجد التسريح مبرره في حماية مصالح رب العمل و عدم الإخلال بالقواعد التي تحكم و تنظم المؤسسة المستخدمة ،هذا و لقد كانت عملية تصنيف و تحديد الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في القانون 90/11 المعدل و المتمم لا زالت موضع خلاف فقهي و قضائي نظرا لاختلاف قطاعات العمل و مستوياته و من تم اختلاف الأحكام القضائية في تكييف الأخطاء المهنية المتأرجحة بين الجسامة و البساطة و مسالة احترام المستخدم للإجراءات المفروض عليه إتباعها سواء كان الإنهاء تأديبيا أو لأسباب اقتصادية .إذن متى نستطيع اعتبار الإنهاء غير مشروع لعلاقة العمل ؟ ما هو المعيار المعتمد لنتمكن من تحقيق المعادلة التي تجمع بين ضرورة حماية مصلحة العامل من جهة و ضرورة حماية مصلحة المؤسسة من جهة أخرى ؟
ما هي الضمانات الممنوحة للعامل عند تسريحه و ما يترتب بالتالي على هذا الإنهاء غير المشروع من نتائج و أثار ؟ كيف يبرز دور القضاء في الرقابة على هذا الإنهاء ساء من حيث إثبات السبب الجدي للتسريح أو تقدير جسامة الخطأ ؟ و ما هي الحدود التي تتوقف عندها سلطة الرقابة؟
كل التساؤلات السابقة سنحاول الإجابة عنها من خلال إتباع خطة العمل التالية و المقسمة إلى فصل تمهيدي نتناول فيه النظام القانوني لإنهاء علاقة العمل كأساس ننطلق منه لمحاولة رصد الخروق التي تؤدي بنا إلى اعتبار الإنهاء غير مشروع ،و قد قسمناه إلى مبحثين الأول نتناول فيه الأسباب اللاإرادية لإنهاء علاقة العمل و الثاني الأسباب الإرادية لإنهاء هذه العلاقة .يليه الفصل الأول بعنوان الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل و الذي قسمناه إلى ثلاث مباحث الأول يخص تحديد مفهوم الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل أما الثاني فيعد لنا حالات هذا الإنهاء أما الثالث نتناول فيه نتائج و أثار هذا الإنهاء غير المشروع . وبعد تطرقنا لعدم المشروعية في إنهاء عقد العمل ارتأينا تخصيص فصل ثاني نتعرض فيه للرقابة التي يمارسها القضاء الاجتماعي على الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل و الذي قسمناه بدوره إلى ثلاث مباحث الأول يخص رقابة القاضي على إثبات السبب الجدي للتسريح و الثاني نتناول فيه سلطة القاضي في تقدير الظروف الموضوعية و الإجرائية للإنهاء أما الثالث و الأخير نتطرق فيه للحدود المفروضة على السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
الخـطـــة
الفصل التمهيدي : النظام القانوني لإنهاء عقد علاقة العمل
المبحث الأول : الأسباب اللاإرادية لإنهاء عقد العمل
المطلب الأول : انتهاء علاقة العمل بقوة القانون
المطلب الثاني : انتهاء علاقة العمل لاستحالة التنفيذ
المبحث الثاني : الأسباب الإرادية لانتهاء عقد العمل
المطلب الأول : إنهاء علاقة العمل بإرادة العامل
المطلب الثاني : إنهاء علاقة العمل بإرادة رب العمل
الفصل الأول : الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المبحث الأول : مفهوم الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المطلب الأول : تعريف الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المطلب الثاني : المعيار المتبع لتقدير عدم المشروعية
المبحث الثاني : حالات الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المطلب الأول : الإنهاء المتخذ مخالفة للقواعد الموضوعية
المطلب الثاني : الإنهاء المتخذ مخالفة للإجراءات
المبحث الثالث : نتائج و آثار الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المطلب الأول : نتائج الانهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المطلب الثاني : آثار الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل الفصل الثاني : رقابة القضاء الاجتماعي على الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
المبحث الأول :عبء إثبات السبب الجدي للإنهاء
المطلب الأول : إثبات أطراف النزاع للسبب الجدي
المطلب الثاني : دور قاضي الموضوع في إثبات السبب الجدي للإنهاء
المبحث الثاني : سلطة القاضي في تقدير الظروف الموضوعية و الإجرائية لإنهاء علاقة العمل
المطلب الأول : سلطة القاضي في تقدير جسامة الخطأ
المطلب الثاني : سلطة القاضي في مراقبة الشروط الإجرائية
المبحث الثالث : حدود السلطة التقديرية لقاضي الموضوع
المطلب الأول : دواعي الحد من سلطة القاضي التقديرية
المطلب الثاني : رقابة المحكمة العليا
الفصل التمهيدي :
النظام القانوني لإنهاء علاقة العمل
نصت المادة 66 من القانون 90 -11 على الأسباب القانونية لانتهاء علاقة العمل ذكرت على سبيل
المثال وأوردت النصوص القانونية أسباب أخرى سنحاول التطرق لها باعتبار أن انتهاء علاقة العمل من المواضيع التي أثارت خلافا بخصوص ما يترتب عن الإنهاء من آثار مادية ومعنوية على العمل خاصة لما ثبت أثناء التطبيق من مساس بحقوق العمال الأمر التي أدى الى تدخل الدولة لتضع حدا لهذه الممارسات بإيجاد قواعد قانونية لتنظيم حالات الإنهاء وإجراءاته وعليه تم تقسيم هذا الفصل الى مبحثين رئيسيين نتناول في الأول الأسباب اللاإرادية لانتهاء علاقة العمل والثاني لدراسة الأسباب الإرادية لانتهاء هذه العلاقة،بحكم أن مدخل التفصيل في موضوع الإنهاء الغير مشروع لعلاقة العمل هو التطرق للأسباب القانونية التي قررها المشرع لإنهاء هذه العلاقة حتى نتمكن من رصد عدم المشروعية أو التعسف في تسريح العامل وتحديده و الذي كما سنرى لاحقا ما هو إلا تعبير عن خرق القواعد القانونية و الاتفاقية المعمول بها في هذا المجال.
المبحث الأول: الأسباب اللاإرادية لإنهاء علاقة العمل
قد تنتهي علاقة العمل بقوة القانون كالحالة التي يكون فيها البطلان أو الإلغاء القانوني أو عند انتهاء المدة المحددة في العقد إذا كان هذا الأخير من العقود المحددة المدة كما قد يرجع سبب الإنهاء الى استحالة تنفيذ علاقة العمل سواء لعجز العامل عن الأداء لانتهاء النشاط القانوني للمؤسسة أو الوفاء أو القوة القاهرة .
المطلب الأول : انتهاء علاقة العمل بقوة القانون
الفرع الأول : البطلان أو الإلغاء القانوني للعقد
ينتج عن إخلال بنود العقد بمقتضيات القانون التي تفرض شروط صحته تحت طائلة البطلان وأبرز مثال على ذلك هو عدم توافر السن القانونية في العامل وهو يخص عموما محتوى العقد ذاته أي محتوى الرابطة المهنية ([1]) بحيث إذا استجد أي سبب من أسباب البطلان تنتهي العلاقة ونفس الحال ينطبق على الإلغاء القانوني سواء لزوال سبب العلاقة أو لاستحالة التنفيذ وعلى العموم ينتج البطلان عن تخلف أو عدم صحة أركان العقد وقد ذهبت المحكمة العليا الى القول انه لا يمكن إنهاء علاقة العمل سبب بطلان العقد إلا من تاريخ صدور الحكم ببطلانه ([2]) في قرارها رقم 66 الصادر في 02/11/1987 .
الفرع الثاني : انتهاء مدة العقد
كما ننتهي علاقة العمل بانتهاء مدة العقد إذا كان محدد المدة ويتعين على صاحب العمل إخبار العامل رغبته في عدم تجديدها باعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين وإذا وقع الإنهاء قبل حلول الأجل تعين الالتزام ببعض الإجراءات القانونية كتوجه الإخطار المسبق للطرف الأخر في حالة الاستقالة أو في حالة تسريح العامل دون خطأ ، وإذا قضت المحكمة بإعادة إدماج العامل في منصب عمله فإنه حسب المحكمة العليا يجب الحكم بذلك للمدة المتبقية في العقد فقط وليس لمدة غير محددة .
الفرع الثالث : التقاعد
هو حالة إنهاء العمل بسبب وصول العامل الى سن معينة يستفيد فيها بالضمانات التي تخول له الحق في تقاضي منحة مقابل اشتراكات دفعها طيلة حياته المهنية ([3]) وحسب المادة 06 من القانون 83/12 المتعلق بالتقاعد فإن علاقة العمل تنتهي وجوبا ببلوغ الرجل سن ستين سنة وللمرأة ببلوغ خمس وخمسين سنة وقد تخفض السن القانونية بالنسبة لبعض مناصب العمل الناتج عنها ضرر خاص أو بالنسبة لبعض فئات المجتمع ونصت المادة 70 من القانون 90-11 على إمكانية إحالة العامل على التقاعد المسبق ونظمها المرسوم التشريعي 94/10 المتعلق بإحداث التقاعد المسبق.
المطلب الثاني انتهاء علاقة العمل لاستحالة التنفيذ
الفرع الأول : العجز الكلي عن العمل
إن إصابة العامل بعجز كامل عن العمل يجعل من مبرر استمرار العلاقة قد زال بزوال موضوع العقد ومن ثم قد يصاب العامل سواء بسبب حادث عمل أو بسبب مرض مهني أو لسبب خارجي يجعل من استحالة التنفيذ قائمة حيث وضعت قوانين الضمان الاجتماعي والتأمينات وضعت إجراءات تحمي العمال بشرط إثبات العجز ونسبته وسببه من طرف خبير أخصائي وعرض الملف على لجنة مختصة على مستوى صندوق التأمينات الاجتماعية .
الفرع الثاني : انتهاء النشاط القانوني للمؤسسة
وهي حالات وقعت كثيرا بسبب تدهور الوضع الاقتصادي الذي عرفته البلاد وحل وتصفية المؤسسات التي أصبحت عاجزة عن دفع الديون المتراكمة عليها وفي هذه الحالة يزول محل العقد وتنتهي علاقة العمل بسبب تعرض المؤسسة الى الإفلاس وانتهاء نشاطها القانوني ، أما في حالة تغيير صاحب العمل فقط فإن عقود العمل المبرمة مع صاحب العمل القديم ، تبقى قائمة لان محل العقد مازال موجودا وتستمر علاقة العمل لاستمرار النشاط القانوني للمؤسسة .
الفرع الثالث : الوفاة
باعتبار شخصية العامل من العناصر الجوهرية في علاقة العمل فإنه بوفاته تنتهي والمقصود بالوفاة حسب المادة 66 هو وفاة العامل لا رب العمل وفي حالة وفاة هذا الأخير يترتب عليها بالأساس انتهاء علاقة العمل حيث تنتقل الالتزامات الى الورثة أو من يحلون محله إلا إذا استحال استمرار العلاقة بسبب الحل أو الغلق ([4]) .
المبحث الثاني : الأسباب الإرادية لانتهاء علاقة العمل
قد تتجه إدارة طرفي العلاقة الى إنهاء أثارها ووضع حد للرابطة سواء برغبة من العامل كما في حالة الفسخ ألاتفاقي والاستقالة والذهاب الإرادي أو يكون بإرادة رب العمل عندما يتخذ الإجراءات لتسريح العمال جماعيا أو في التسريح الفردي .
المطلب الأول : إنهاء علاقة العمل بإرادة العامل
الفرع الأول : الفسخ ألاتفاقي
في العقود الملزمة للجانبين يمكن لأحد الطرفين في عقد العمل المبادرة بفسخ العقد والتحرر من التزاماته ، مع ضرورة احترام جميع الإجراءات المعمول بها في الفسخ ألاتفاقي كالإعلان المسبق بالرغبة في الفسخ والتي عادة ما تحدد مدتها بالاتفاقيات الجماعية وعقود العمل ويمكن أن يخضع الفسخ ألاتفاقي للرقابة القضائية اللاحقة ويلزم في المبادرة بالفسخ من جانب صاحب العمل إتباع الإجراءات ذاتها المعمول بها في الاستقالة ، أما إذا كانت المبادرة لأسباب خاصة بالعمل كنقل العامل من منصب لأخر بسبب عدم كفاءته فيلزم رب العمل بالإجراءات المقررة للفسخ دون خطأ العامل وفقا لما هو محدد في الاتفاقيات الجماعية المعمول بها ، ونشير الى انه إذا لم يقبل العامل التصرف المنفرد الصادر من رب العمل بإمكانه مغادرة منصب عمله قبل انتهاء مدة الإخطار المسبق مع احتفاظه بالحقوق المادية المقررة لحالة إنهاء علاقة العمل دون خطأ من العامل ، وعند فسخ عقد محدد المدة للقضاء السلطة الكاملة لتقدير مبررات الفسخ له أن يحكم به أو أن يعطي الملتزم فرصة لتنفيذ التزامه وللقضاء تقديرالفسخ إذا انفرد طرف بفسخ عقد العمل ([5])
الفرع الثاني : الاستقالة
انطلاقا من المبدأ العام لحرية العمل ، تعتبر الاستقالة أو إنهاء علاقة العمل بإرادة العامل من الحقوق المعترف بها طبقا لنص المادة 68 من القانون 90-11 إذ يمكن للعامل إبداء رغبته في فسخ علاقة العمل مع الهيئة المستخدمة ، فيقدم استقالته كتابية ويغادر منصب عمله بعد مهلة إشعار مسبق وفقا للشروط التي تحددها الاتفاقيات والاتفاقات الجماعية وإذا اخل بهذا الالتزام يمكن للمستخدم مطالبته بدفع تعويض عن الأضرار التي ألحقها به بسبب انه لم يترك له مهلة ليوظف من يستخلفه في منصب عمله ، وتقدم الاستقالة للهيئة المؤهلة قانونا ألاستقبالها في شكل طلب كتابي ، ولا يسري مفعولها إلا بعد قبولها من طرف المستخدم ولا يرتب تصريح العامل عن استقالته أمام هيئة غير مؤهلة ولا مختصة للنظر فيها أثارا وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها رقم 420 235 الصادر في 29/03/2002 ([6]) ولا يمكن الاعتراض على حق العامل في إبداء رغبته في فسخ علاقة العمل .
الفرع الثالث : الذهاب الإرادي
لا ينص قانون العمل على الذهاب الإرادي كحالة من حالات إنهاء عقد العمل ولكن الوضع الاقتصادي الراهن أملا ذلك على أصحاب العمل والعمال على حد السواء للوصول الى حلول يمكن اعتبارها على هامش القانون لكنها مرضية لجميع الأطراف ([7]) وبالرغم من التسمية التي أطلقت عليه والتي اعتمدها المشروع في المادة 05 من المرسوم التشريعي 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 المتضمن التأمين على البطالة دون سابق إنذار ودون تحديد معالمها فان تحليل هذا الإنهاء يبين انه لا يؤدي معناه الحقيقي ، ذلك أن تسميته توحي بالاستقالة بينما الأمر غير ذلك لان إنهاء عقد العمل يقع باتفاق طرفيه حول محتوى الالتزامات التي تقع عليهما بفعل هذا الإنهاء ، فرب العمل يعرض على العامل تعويضات ما كان ليتقاضاها لو لم يدخل ضمن الجانب الاجتماعي وصاحب العمل يتفادى طول الإجراءات وتعقيدها وفي الحقيقة يمكن القول يمكن أنها حالة إنهاء اتفاقية وبالأحرى تفاوضية للعقد .
المطلب الثاني : إنهاء علاقة العمل بإرادة رب العمل
نصت المادة 66 من القانون 90-11 على الحالات التي تنتهي بها علاقة العمل ومن ضمنها العزل ، غير أنه تم تعويض هذا المصطلح بمصطلح التسريح في المادة 73 من نفس القانون وعلى عكس قانون 82/06 فان القانون 90-11 أشار الى التسريح مجردا ولم ينص على التسريح التأديبي والى جانب التسريح لأسباب اقتصادية المنظم بموجب المرسوم التشريعي 94/09 يوجد في القانون الجزائري نوع واحد من التسريح هو التسريح التأديبي .
الفرع الأول : التسريح لاسباب اقتصادية
عرف القانون 82-06 هذا النمط من الإنهاء لأول مرة وذكر فقط تسريح العامل دون خطأ منه أما التسريح الذي تضمنه قانون 1990 فانه لم يكن واضحا في هذا الشأن بكيفية تسمح بالقول انه نص على تسريح فردي لأسباب اقتصادية بالتوازي مع التسريح الجماعي من نفس النوع والتسريح لأسباب اقتصادية قد يكون فرديا كما هو منصوص عليه في نص المادة 72 الملغاة بنص المادة 35 من المرسوم التشريعي 94/09 الذي أعطى للعامل الموظف لمدة غير محددة الحق في التعويض عن التسريح في حالة تسريح فردي أو جماعي أما التسريح الجماعي الذي يختلف عن التقليص من عدد العمال الذي لا يترتب منه في جميع حالات التسريح حيث نجد أن القانون الجزائري عرف التسريح الجماعي للعمال لأسباب اقتصادية منذ الأمر 75/32 وذلك بإمكانية اللجوء الى التقليص من عدد العمال في القطاع الخاص بعد التحصيل على الترخيص الإداري وبصدور القانون 90-11 الذي أكد في المواد 69 وما يليها انه يجوز للمستخدم تقليص من عدد المستخدمين إذا بررت ذلك أسباب اقتصادية ويتخذ هذا الإجراء بعد التفاوض الجماعي وبعد اتخاذ جملة من التدابير المتعلقة بتنظيم العمل وبإنهاء عقد العمل بالتقاعد مثلا ويهدف من وراء ذلك الى التخفيف قدر المستطاع من عدد التسريحات مع منح العمال فرصا لوجود شغل أخر وبعدها صدر المرسوم 94/09 الذي يهدف الى الحفاظ على الشغل وحماية الأجراء اللذين يفقدون عملهم بصفة لا إرادية فالمادة 05 منه تنص على كل صاحب عمل الذي يشغل أكثر من تسعة عمال يقرر اللجوء الى ضبط مستويات الشغل والأجور أن يدرج ذلك في إطار الجانب الاجتماعي وبالتالي فالمرسوم لا يطبق على التسريح الفردي لسبب اقتصادي كما لا يطبق على المؤسسات التي تشغل تسعة عمال فأقل وفي هذه الحالة يتعين على صاحب العمل اللجوء الى التدابير المنصوص عليها في المادة 70 التي لا تتعارض مع المرسوم التشريعي 94/09 وتتمثل في التخفيض من ساعات العمل والعمل الجزئي والإحالة على التقاعد وتحويل العمال الى أنشطة أخرى أو مؤسسات أخرى ، ويخضع الجانب الاجتماعي المتخذ للتخفيض من عدد العمال من حيث الإجراءات الى مرحلتين الأولى تتعلق بالموافقة عليه من قبل الأجهزة المؤهلة للمؤسسة والثانية هي التفاوض عليه مع لجنة مشتركة للمؤسسة والنقابة واتخاذ مجموعة من التدابير ووردت المقاييس الواجب إتباعها في المادة 71 من القانون 90-11 التي تذكر الأقدمية ، الخبرة والتأهيل ، ولا يمكن أن تمس عملية التقليص العمال الذين تكون علاقة عملهم معلقة لإحدى الأسباب القانونية .
الفرع الثاني : التسريح التأديبي
لا يوجد في القانون تعريف للخطأ التأديبي وذلك راجع لتعدد الالتزامات المهنية الموضوعة على عاتق العامل غير انه يمكن تعريفه حسب ما ذهب إليه الفقه بأنه مخالفة العامل لالتزام مهني شرعي ، أما العقوبة التأديبية فقد عرفها المشرع الفرنسي بأنها كل إجراء يتخذه صاحب العمل ما عد الملاحظة الشفوية تبعا لتصرف يقوم به العامل معتبر خاطئ من قبله سواء كان طبيعته أن يؤثر على بقاء الأجير في المؤسسة أو وظيفته أو مساره المهني ([8]) .
وتعتبر السلطة التأديبية خاصية ينفرد بها عقد العمل بحيث تعطي لأحد طرفيه صلاحية توقيع الجزاء على تصرف الطرف الثاني للعقد وعلى هذا الأساس يتبين انه كان لابد للتشريعات أن توضح حدود هذه السلطة وان تضع معايير تطبيقها فقد يأتي القانون بالأخطاء التي يمكن أن تنسب للعامل مع العقوبات المترتبة عنها وقد يترك لصاحب العمل السلطة في تحديد هذه الأخطاء والجزاءات التي تقابلها من خلال وضعه لنظام داخلي أو سلطة تقديرية حسب نوعية كل خطأ يرتكب من قبل العامل وحسب ظروف ارتكاب الخطأ ولكن شريطة أن يجري ذلك تحت المراقبة القضائية لوصف الخطأ والعقوبة التي تتناسب معه .
هذا فيما يتعلق بإنهاء علاقة العمل من جانب واحد بالإرادة المنفردة لرب العمل ، وبعد استعراض الأسباب القانونية لإنهاء علاقة العمل أو بعبارة أخرى كيف يكون الإنهاء المشروع لعلاقة العمل يمكن لنا التطرف لدراسة عدم المشروعية في إنهاء عقد العمل الذي يتخذه رب العمل على خلاف المعطيات الواردة آنفا وهذا ما سنورده في الفصل الموالي بشيء من التدقيق و الذي قسمناه إلى ثلاث مباحث رئيسية نتناول فيها تقدير عدم المشروعية و حالات الإنهاء الغير مشروع و أثاره .
الفصـل الأول :
الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
تنشـأ عن علاقة العمل التزامات متبادلة تقع على عاتق الطرفين تتولد عنها سلطة التأديب و التسيير و الإشراف التي يتمتع بها المستخدم والمنظمة من قبل المشرع الذي قيدها بتوافر شروط إجرائية وأخرى موضوعية تحد من سلطة المستخدم وهذه الإجراءات في حقيقة الأمر آليات وجدت أيضا لحماية مصالح رب العمل من تلاعب العمال فمتى ثبت لصاحب العمل أن العامل قام بالإضرار بمصالحه المادية أو المعنوية جاز له تسريحه مع احترام ما أقره المشرع من الإجراءات وبالتالي يعد هنا التسريح تأديبيا حيث تعترف مختلف ث المعيار التشريعات لصاحب العمل بحق إيقاف وتسريح العامل الذي يثبت في حقه ارتكاب خطأ جسيم أثناء قيامه بعمله أو لأسباب اقتصادية محضة فإذا تم تسريح العامل تبعا لأسباب غير مبررة قانونا أو ضمن إجراءات غير تلك التي حددها المشرع فانه يكون قد تعسف في استعمال حقه ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نضبط مفهوم التعسف لمعرفة حالاته ؟ و ما هي الآثار المترتبة على إنهاء علاقة العمل بهذه الطريقة؟ هذا ما سنتعرض له من خلال تقسيمنا لهذا الفصل إلى ثلاث مباحث الأول نحاول فيه تحديد عنصر اللامشروعية و الثاني نتطرق فيه إلى حالاتها أما الثالث فيخص الآثار المترتبة عن إنهاء علاقة العمل بهذه الصفة.
المبحث الأول : مفهوم الإنهاء غيرالمشروع لعلاقة العمل
إن أمر تحديد عنصر التعسف هو من صلاحيات القاضي دون غيره وعلى هذا الأساس فان التعسف مرتبط بمدى حسن وسوء النية لان التعسف في استعمال الحق باعثه ذاتي وباطني لا يظهر إلا من خلال آثار ممارسة الحق وما الإنهاء الغير مشروع لعلاقة العمل إلا صورة من التعسف وفي مجال التشريع العمالي ويمكننا القول أن التعسف هو الخروج أو عدم احترام القواعد الشكلية والموضوعية التي وضعها المشرع بمعنى أن التصرف الذي يقوم به صاحب العمل مخالف لتشريع العمل فانه يكون مشوب بطابع التعسف بغض النظر عن الدوافع أو نية صاحب العمل وهذا يدعونا الى البحث عن مفهوم هذا الإنهاء الغير مشروع على مختلف المستويات للتوصل لاستخلاص العناصر التي تمكننا من ضبط معيار فاصل بين مشروعية تسريح العمال وعدمها .
المطلب الأول : تعريف الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
مهما كان المصطلح المستعمل يختلف أحيانا المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي بل أن مفهوم المعنى الاصطلاحي نفسه يضيق ويتسع فلما قلنا الإنهاء الغير المشروع أو التسريح التعسفي فكلا المصطلحين يدلان على التصرف الصادر من طرف رب العمل أين يكون قصد هذا الأخير غير موافق لمقاصد الشريعة ولا مطابق للقواعد القانونية المعمول بها بأن يؤدي الى نتيجة غير مشروعة أو أن هذا الإنهاء غير مبرر قانونا أو تم خرق الإجراءات المنصوص عليها فيوصف بأنه إنهاء غير مشروع أو تعسفي سواء من جهة نظر القانون أو الفقه والشريعة وهذا ما سنبينه في التالي .
الفرع الأول : عدم المشروعية في الفقه والشريعة
1- في الفقه :
وصف الإنهاء بغير مشروع والتعسفي في نفس الوقت غير قاصر على الكتاب العرب بل حتى الكتاب الفرنسيين الذين يستعملون المصطلحين فقد استعمل الفقيه كامر لانك وجيرارليون كين وجون بيليسي مصطلح عدم المشروعية الناتجة عن مخالفة القواعد الشكلية والموضوعية ([9]) أما الأساتذة مصطفى أحمد الزرقاء و فتحي الدريني يقولون بأن التعسف في استعمال الحق يختلف من مجاوزة الحق فالمتعسف يستند تصرفه الى حق لكن الاستعمال الغير مشروع يكون بسبب نية المتصرف أو ما آل إليه فعله الذي أدى الى نتيجة ضارة ومثالهم على ذلك هو قيام الشخص بالبناء فوق ارض الجار فهذا مجاوز للحق ، والبناء داخل حدود الملكية لكن تكون هناك تعلية تمنع الجار من الاستفادة من ملكية مع أن الأستاذ فتحي الدريني يشير الى أن كل من التعسف ومجاوزة الحق عمل غير مشروع فهو يعتبر التعسف فيه مناقضة والمناقضة باطلة والتصرف بالتالي باطل وبدل أن يصف هذا العمل بأنه غير مشروع لأن العمل الباطل معدوم هو يصفه بالتعسف وهو يعرفه قائلاً :” المقصود بالتعسف أن يمارس الشخص فعلا مشروعا في الأصل بمقتضى حق شرعي ثبت له بغرض أو بغير غرض أو بمقتضى إباحة مأذون فيها شرعا على وجه يلحق بغيره الأضرار أو يخالف حكمة المشروعية ” ([10]) .
وعرف الأستاذ مصطفى الجمال الإنهاء التعسفي لعلاقة العمل بأنه :” هو الإنهاء الذي لا يمكن إبطاله كتصرف قانوني وفقا للقواعد العامة في استعمال الحقوق العامة لكنه يعتبر مع ذلك غير مشروع إعمالا للقواعد العامة في استعمال الحقوق العامة والحرمان بصفة عامة ” ([11])
وقد وجدت اتجاهات فقهية أخرى حاولت تحديد مفهوم التعسف واتبعتها القوانين الوضعية وبعض الشراح أحيانا ، كما هو عليه الحال في التشريع اللبناني في المادة 126 من قانون الموجبات اللبناني :” مسؤولية كل من ألحق الضرر معنية للتعسف ومنها القانون المدين الجزائري في المادة 41 منه ، ومن التشريعات ما جمع بين المبدأ والحالات المحددة للتعسف وهي أغلب تشريعات العمل العربية لا سيما المادة 73 من القانون رقم 90-11 المتعلق بعلاقات العمل المعدل بالأمر رقم 91/29 والأمر 96/21ويعرف الأستاذ راشد راشد الإنهاء الغير مشروع لعلاقة العمل باعتماد ثلاثة مفاهيم هي:
-1- نية إيقاع الضرر -2- الإهمال الذي يوجب اللوم -3- خرق الشكليات واعتبر أن مناط إيقاع الضرر هو الإرادة الظالمة للمستخدم الذي ينهي علاقة العمل ومناط الإهمال هو مجاوزة الحدود العادية نتيجة المبالغة في التصرف أما الأستاذ عبد السلام ذيب فيقول : يكون التسريح غير شرعي لما يصدر مخالفة للقواعد الإجرائية المحددة قانونا واتفاقا أو لما يصدر مخالفة لقواعد موضوعية قانونية .
2- الشريعة :
إن مفهوم المصلحة في النظم القانونية والفقه يختلف عن مفهومها في التشريع الإسلامي وقد تبع بعض الفقهاء المسلمين المعاصرين اتجاه ما يعرف اليوم بنظرية التعسف في استعمال الحق حيث أن مفهوم المصلحة في الدول التي تطبق القوانين الوضعية على شعوب تدين بالإسلام ينقسم الى اتجاهين الأول يعتمد مفهوما إسلاميا محض والثاني يعتمد مفهوما غربيا تكرسه النصوص وبالتالي يقع التناقض أحيانا بين المصلحة المشروعة حسب القواعد المستمدة من الشريعة الإسلامية والمصلحة التي يسعى المشرع لحمايتها بنصوص قانونية ومن ثمة يطرح التساؤل : هل تطبيق نصوص القانون الوضعي لا سيما فيما يخص منها علاقة العمل لا يتعارض مع القواعد المستمدة من الدين وقواعد الأخلاق في مجتمع له معتقدات أخرى أو فلسفة أخرى وبالرجوع الى ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية الخاصة بها تجد أنها مربوطة بمفهوم العدل للمصلحة في الشريعة الإسلامية خصائص :
1- اتصافها بطبيعة مزدوجة فردية واجتماعية وغاية الحكم الشرعي التوفيق بين هذه المصالح بما يتوافق مع حكمة الله من هذا التشريع.
2- أن ميزان المصلحة ليس دنيويا فقط بل ينظر الى نتيجة الفعل ومقدار الجزاء الأخروي
3- تكون المصلحة معنوية أيضا نابعة من حاجة كل من الجسم والروح
4- أن المصلحة الدينية هي أولى المصالح ومقدمة على غيرها والمصالح مرتبة حسب أسبقيتها في الرعاية وهي : الدين – النفس – العقل – النسل – المال .
ومقارنة بين خصائص المصلحة في النظم القانونية الغربية والمصلحة في الشريعة الإسلامية نلاحظ أنهما مختلفان فنطاق المصلحة هي الحياة الدنيا عند الغربيين والدنيا والآخرة في الشريعة الإسلامية
الفرع الثاني : عدم المشروعية في القانون
إن علاقة العمل تنشئ مصالح لكل من المستخدم والعامل اللذان يسعيان الى حمايتها بالاستناد إلى النصوص القانونية فالغاية منها حماية الفرد أساسا وتمكينه من الاستفادة مما خوله له القانون ، وقد ساد اتجاه اعتبر المستخدم هو الحكم الوحيد الذي له تقدير مصلحة مؤسسة وتحديد من يحتفظ به من العمال ومن يستغني عنه ، وأما سيطرة المستخدم على وسائل الإنتاج وتوفر اليد العاملة انتظم العمال في نقابات تدافع عن مصالحهم مما جعل المشرع يتدخل لتقييد إنهاء علاقة العمل وجاء نص المادة 73 من القانون 90-11 المؤرخ في 21/04/1990 تتناول العزل الذي يتم في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة حسب الشروط المحددة في النظام الداخلي وفي هذا السياق قررت المحكمة العليا استناد الى هذا النص أن ” كل تسريح متخذ على أساس خطأ غير منصوص عليه في القانون الداخلي أو غير منصف كخطأ جسيم أو متخذ مخالفا للإجراءات المنصوص عليها في القانون الداخلي أو متخذا مخالفا لمقتضيات نص المادة 73 من هذا القانون يعتبر تعسفيا ويترتب عليه الأمر بإلغائه وبإعادة إدماج العامل في منصب عمله إذا ما طلب ذلك مع التعويضات .
ومع تعديل قانون العمل بموجب القانون 91-29 المؤرخ في 21/12/1991 فقد حاول إزالة الغموض الذي كان وصنف الأخطاء التي يترتب عنها التسريح التأديبي ووضح آثار إلغاء قرار التسريح والمادة 73/3 وضعت قرنية لتحديد متى يكون التسريح تعسفيا حيث اعتبرت انه يكون كذلك متى خالف القانون الى أن يثبت المستخدم العكس ، كما أضاف التعديل الذي شمل نص المادة 73 انه يكون التسريح تعسفيا في حالة ما ذهب إليه اجتهاد المحكمة العليا عندما قام صاحب العمل بجميع الإجراءات القانونية لاسيما الشكلية ورغم صحة الإجراءات إلا أن الخطأ المنسوب للعامل غير وارد ضمن الأخطاء المحددة على سبيل الحصر في نص المادة 73 و هو ما سنناقشه لاحقا.
المطلب الثاني : المعيار المعتمد لتقدير عدم المشروعية
إن تحديد مدى مشروعية إنهاء علاقة العمل من عدمها يوجب علينا اعتماد معيار فاصل بعد أن توصلنا لتعريف الإنهاء الغير مشروع لعلاقة العمل وقلنا أنه مجرد عن المصلحة المشروعة وفقا لحكم الشرع ونص القانون لكن الفقهاء لم يتفقوا على معيار معين رغم بحثه مستعينا بالنصوص القانونية والاجتهاد القضائي لذا ارتأينا دراسة المعايير المعتمدة لتقدير عدم مشروعية لانهاء علاقة العمل في كل من الفقه والقانون بصفة مستقلة .
الفرع الأول : معياره في الفقه
يختلف تقدير معيار الإنهاء الغير مشروع من فقيه لآخر فعند الغربيين نجد أن الفقيه سالي يستبعد وجود الحق خلافا لما ينص عليه القانون وأن تعبير التعسف في استعمال الحق تعبير خاطئ لأنه يقصد به انتفاء الحق وليس إساءة استعماله وعليه فهو لا يقول بنظرية التعسف أما البلجيكي بودان يذهب إلى اعتبار أن التعسف يتحقق في صورتين: الأولى إذا استعمل الحق لمجرد الإضرار والثانية إذا استعمل الحق بإهمال ودون تبصر بحيث لو استعمله الرجل العادي في نفس الظروف الزمنية والمكانية وفي نفس الشروط لما وقع هذا الخطأ. ([12])
أما عند الفقهاء العرب نجد الأستاذ السنهوري يرى أن معيار التعسف أساسه هو الخطأ التقصيري في إطار وحدود ما ذكره القانون حتى ولو كان هذا التعسف متصلا بالتعاقد مثل إنهاء العقود والميزان في تحديد سلوك الرجل العادي هو قصد الإضرار بالغير وهو معيار ذاتي ولكن يكون تعسفا ، يرجع فيه إلى مدى انحراف سلوك الشخص عن سلوك الرجل العادي ، كما أن معيار رجحان الضرر على المصلحة رجحانا كبيرا وهو معيار موضوعي يرجع فيه كذلك لسلوك الرجل العادي [13] والأستاذ الدريني يعتبر أساس نظرية التعسف هو مشروعية أصل الفعل والتعسف يلحقه من حيث النية أو النتيجة الضارة لذا لا تؤسس هذه النظرية حسب رأيه على المسؤولية التقصيرية لأن أساسها هو الفعل غير المشروع .
أما الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء يرى أن نظرية التعسف مستقلة عن المسؤولية التقصيرية عكس ما ذهب إليه الأستاذ السنهوري وأن الحق الفردي في الشريعة وظيفة اجتماعية وليس بذاته هو خليفة اجتماعية وأن نظرية التعسف مرتبطة لنظرية الحق وطبيعة ذات الوظيفة المزدوجة ، إذ يرى أن نظرية التعسف في الفقه الإسلامي مستقلة في أساسها ومبناها عن قاعدة الفعل الضار مسؤوليته التقصيرية ([14])
الفرع الثاني : معياره في القانون
حاولت التشريعات إلى جانب الفقه والقضاء إزالة الغموض الذي يشوب مفهوم الحق والمصلحة منها القانون الفرنسي القديم باعتماده معيارين هما : 1- يكون التصرف بقصد الأضرار 2- أن يقع من غير فائدة تعود على صاحبه أما القانون المدني الفرنسي الصادر سنة 1804 “نابليون” كرس مبدأ الحق في التمتع والتصرف في الأشياء بطريقة مطلقة لكن قانون العمل الصادر سنة 1890 قيد المادة 1780 من القانون المدني الفرنسي التي كانت تجيز لكل من الطرفين إنهاء عقد العمل في أي وقت، وكان هذا الوضع يخدم المستخدم طبعا أكثر من العامل فأصبحت التشريعات فيما بعد تقيد إرادة منهي علاقة العمل وتحمله المسؤولية إذا لم يتوافر السبب الجدي والحقيقي بدأت بذلك صورة عدم المشروعية والتعسف تستقل في قوانين العمل عنها في القوانين المدنية .
وفي القضاء الفرنسي تطور مفهوم التعسف في تطبيقاته واعتمد معيار قصد الأضرار وانتفاء المصلحة والاستعمال الغير معتاد للحق وعدم مطابقة الباحث للغرض الذي وجد الحق من أجله ومقارنة بالتشريعات العربية نجد أن القانون المصري أخذ بنفس الفكرة التي كانت سائدة في القانون المدني الفرنسي لكن القضاء توسع في هذا المفهوم اعتمادا على قواعد الشريعة الإسلامية وهذه المعايير كانت قصد الأضرار انتفاء المصلحة مع إصابة الغير بضرر الإهمال المؤدي إلى الضرر ولو دون قصد الضرر الفاحش ([15])
والمشرع المصري متشبع أكثر بالفكر الأوروبي المبني على المذهب الفردي فنص على أن استعمال الحق غير مشروع في الأحوال التالية : 1- إذا لم يقصد به سوى الأضرار بالغير 2- إذا كانت المصالح التي يرمي إليها قليلة الأهمية لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب الغير 3- إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة .
عكس المشرع الجزائري الذي استعمل مصطلح التعسف عند ترجمة النص الفرنسي الأصلي وجاء في المادة 41 : يعتبر استعمال الحق تعسفيا في الأحوال التالية : 1- إذا وقع بسبب الأضرار بالغير 2- إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير 3- إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة .
ومعايير التعسف المذكورة بالمادة 41 من القانون المدني الجزائري ذكرت على سبيل الحصر ذلك أن القول بأنها واردة على سبيل المثال يؤدي للإخلال بتحديد مفهوم التعسف وأن هذا التحديد على سبيل الحصر من غير النص على الجزاء يصرف القاضي إلى تطبيق قواعد الشرعية الإسلامية باعتبارها المصدر الثاني من مصادر القانون وفقا للمادة الأولى من القانون المدني وبذلك فإن المعايير التي أخذ بها القانون الجزائري والقوانين العربية عموما والتي قننت الاجتهاد الفقهي والقضائي الأوروبيين تتجاذبها الفلسفة الأوروبية المبنية على المذهب الفردي.([16]) ونطاق مفهوم عدم المشروعية أو التعسف يتسع أكثر في نطاق تطبيق قوانين العمل عنه في القوانين المدنية ومن بين أوجه الاختلاف هو اعتبار مخالفة الإجراءات الواجب إتباعها قبل اتخاذ قرار الإنهاء ، يؤدي إلى وصف الإنهاء بغير المشروع والتعسفي مع اختلاف بين القوانين فيما يخص جزاء هذه المخالفة .
المبحث الثاني : حالات الإنهاء غيرالمشروع لعلاقة العمل
إن تحديد مفهوم الإنهاء الغير مشروع خطوة على قدر كبير من الأهمية كونه يسمح لنا بالولوج إلى تبيان حالات هذا الإنهاء الغير مشروع فمهما اتسعت سلطة رب العمل في إيقاف أو فصل العامل وذلك بموجب علاقة التبعية التي ترتبط بالعامل غير أنها مقيدة من حيث الشكل أو الموضوع وكسائر القوانين في الدول العربية أو الغربية ألزم قانون العمل الجزائري الطرف المنهي لعلاقة العمل احترامها ورتب جزاءات على الامتناع عن ذلك سواء إذا كان التسريح مخالفا للإجراءات أو مخالف للقواعد الموضوعية .
المطلب الأول : الإنهاء المتخذ مخالفة للقواعد الموضوعية
يكون الإنهاء غير مشروع في حالة ورود مخالفا للإجراءات القانونية والاتفاقية الملزمة الواجبة الإتباع عند تسريح العامل باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة وهذا ما كرسته المادة 73/01 التي ألزمت رب العمل عند تكييف الخطأ الذي ارتكبه العامل بمراعاة مجموعة من الشروط والقيود خاصة الظروف التي ترتكب فيها ومدى خطورتها والضرر الناجم عنها حتى يتمكن من اتخاذ الإجراءات في مواجهة العامل وأضاف التعديل الذي شمل نص المادة 73 أنه يكون التسريح تعسفيا حتى ولو جاء مستنفذ لكل الإجراءات في حالة ما إذا كان الخطأ المنسوب للعامل غير وارد ضمن الأخطاء المذكورة بنص المادة السالفة الذكر أو تتوافر ظاهرا لكنها غير جدية .
الفرع الأول : عدم توافر حالات الخطأ الجسيم
إن المادة 73 من القانون 90/11 تنص على الخطأ الجسيم ولم تذكر المعايير المعتمدة في تحديده وكان المرجع الوحيد في تحديد الأخطاء المهنية الجسيمة النظام الداخلي للهيئة المستخدمة لكن بصدور القانون 91/29 الذي عدل المادة 73 لم يعد النظام الداخلي المرجع لتكييف الخطأ الجسيم الذي يترتب عليه التسريح التأديبي بدون مهلة أخطار ولا تعويض ولم تعرف المادة الخطأ الجسيم واكتفت بتعداد هذه الأخطاء الجسيمة الوارد فيها على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، وما زاد النقاش حده هو تناقض قرارات المحكمة العليا التي اعتبرت تارة أن التعداد وارد على سبيل الحصر ولا يجوز الخروج عنه، وتارة أخرى اعتبرته على سبيل المثال فظهر بذلك رأيين أو موقفين كل له حججه وأسانيده في ذلك.
1- تعريف النظام الداخلي: إن النظام الداخلي له أهمية بما كان في المجال التأديبي، ذلك أنه يترتب على عدم وجوده أو خرق إجراءاته اعتبار التسريح حتى و لو كان قانوني تعسفي، و هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 02/07/1996 في قضية رقم 41656 – غياب النظام الداخلي يجعل التسريح تعسفيا و يعفي القاضي من الفصل في الموضوع و النظر في القضية.
أما المشرع الجزائري فقد عرف النظام الداخلي في المادة 77 بأنه:” وثيقة مكتوبة يحدد فيها المستخدمة لزوما القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل و الوقاية الصحية و الأمن، و الانضباط، كما يحدد النظام الداخلي في المجال التأديبي طبيعة الأخطاء المهنية و دراجات العقوبات المطابقة و إجراءات التنفيذ(1).
إذن من العناصر الأساسية التي يجب ذكرها في النظام الداخلي هي تحديد طبيعة و نوعية الأخطاء المهنية و درجات العقوبات و الجزاءات المقررة لها، و تجدر الإشارة إلى أن النظام الداخلي هو حق معترف به قانونيا لصاحب العمل حماية لمصالح المؤسسة، و بالتالي فهوالتصرف بالإرادة المنفردة لصاحب العمل عند إعداده، غير أنه يتخذ بعد ذلك الطابع التعاقدي، إذ ألزم المشرع المستخدم بعرضه على لجنة المشاركة أو ممثلي العمال عند غياب هذه الأخيرة لإبداء الرأي[17].
و يعتبر الرأي الاستشاري للجنة المشاركة إجراءا شكليا جوهريا، و على مفتش العمل المختص إقليميا التأكد من مدى احترام صاحب العمل لهذا الإجراء قبل المصادقة عليه
الرأي 1: التعداد الوارد في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 وارد على سبيل المثال: ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأخطاء الجسيمة التي تم تعدادها في المادة 73 ليست على سبيل الحصر، وإنما هي أمثلة أتى بها المشرع على وجه الخصوص، وجعل كل عامل يرتكب إحداها معرض للتسريح التأديبي، ودليل ذلك أن تعديل المادة 73 من قانون 90/11 لم يصاحبه تعديل المادة 77 من نفس القانون، والتي تجعل ضمن المجال التأديبي المخول لصاحب العمل، طبيعة الخطأ المهني ودرجات العقوبات المطابقة وإجراءات التنفيذ محددة في النظام الداخلي الذي يضعه المستخدم بصفة انفرادية، ا ويضيف آخرون أن الدليل على أن التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل المثال، هو انه جاء في صلب المادة 73 مصطلح “على الخصوص”، فإضافة هذا المصطلح يوحي بأنه هناك أخطاء جسيمة أخرى لم يوردها المشرع في نص هذه المادة.
هذا وراح جانب آخر من الفقه إلى اعتبار هذا التعديل يخص المؤسسات التي تشغل أقل من 20 عاملا وقامت بإعداد أنظمة داخلية لحسن سير أنشطتها، فتدخل المشرع ليضع حدا معقولا من الخطاء الجسيمة ينبغي وجوبا على المستخدم إدراجها في النظام الداخلي، واحترام الإجراءات التي تؤدي إلى التسريح، مع التأكيد أنه بالنسبة للمؤسسات التي تشغل أكثر من 20عاملا فإن الأمر مفصول فيه بموجب المادة 75 التي تفرض ضرورة وجود نظام داخلي بجميع المقاييس التي ذكرناها سابقا.
الرأي 2: التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل الحصر: وهو ما قال به الكثير من القانونيين، إذ ما هو الهدف من تعديل المدة 73 إن لم يكن لتقييد جزء من صلاحيات المستخدم في تحديد وصف الخطأ الجسيم، ذلك أن المادة 73 قبل تعديلها كانت تخول صاحب العمل بموجب النظام الداخلي صلاحيات واسعة في وصف الأخطاء وتحديد العقوبات الموافقة لها، ومنه لا يمكن التصور أن التعديل جاء ليكرس مبدأ معروفا، هذا وبالإضافة إلى إعطاء صاحب العمل سلطة وضع وتحديد الأخطاء الجسيمة قد يظهر نوعا من التعسف في استخدام واستعمال الأسباب التي تؤدي إلى التسريح من طرف المستخدم لا بنية الإضرار بقدر ما يكون ناتجا عن عدم قدرة المستخدم على وضع نظام داخلي يتضمن الأسباب الحقيقية والجادة التي تدعو إلى عملية التسريح.
فجاء المشرع بتعديله للمادة 73 متجنبا الانتقادات التي كانت موجهة للمادة 73 قبل تعديلها، فحدد على سبيل الحصر الأخطاء الجسيمة التي توجب تسريح العامل إذا ما ارتكب واحدا منها، بالإضافة إلى الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي ومختلف القوانين الأخرى، ومثال ذلك نص المشرع على أن عرقلة حرية العمل يعتبر خطأ جسيما[18]، كما أن رفض القيام بالحد الأدنى من الخدمة في حالة الإضراب المشروع يشكل خطأ جسيما[19]. وفي اعتقادنا أن هذا الرأي الثاني هو الأقرب إلى الصواب، وبالرغم من ذلك نجد في بعض الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية تضيف حالات غير تلك المنصوص عليها في المادة 73، وصنفتها ضمن الأخطاء من الدرجة الثالثة التي تستوجب التسريح، ففي قرار المحكمة العليا رقم 155985 مؤرخ في 10/02/1998 ([20]) جاء فيه ما يلي : حيث إن الطاعة تعيب على الحكم المطعون فيه عدم أخذه بالخطأ المرتكب من طرف العامل المطعون ضده والمعترف به والمتمثل في عدم امتثاله لعملية التفتيش عند الخروج من العمل وه خطأ من الدرجة الثالثة ينص عليه النظام الداخلي ،ولكن حيث إن الخطأ المنسوب للمطعون ضده حتى وإن نص عليه النظام الداخلي للمؤسسة فإنه لا يوجد ضمن الأخطاء الجسيمة التي تؤدي إلى الطرد المنصوص عليها في المادة 73 من القانون 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 على سبيل الحصر.
حيث أنه لا يمكن إن يكون النظام الداخلي مخالف بصريح النص القانوني وعليه فإن الخطأ المنسوب للمطعون ضده ومهما كانت ظروفه وملابسته لا يمكن أن يترتب على ارتكابه طرد العامل من منصب عمله
وهذا بخلاف الحالة العكسية حالة ما إذا كان النظام الداخلي ارحم من القانون بمعنى ما اعتبره القانون خطأ جسيم اعتبره النظام الداخلي خطأ بسيط وهذا ما يدخل في مجال تطبيق القانون الأصلح للعامل وأيضا في قرار آخر لها بتاريخ 04/06/1996 أهم ما جاء فيه ” بما أن المحكمة أسست حكمها على أن المدعى عليه لم يثبت ارتكاب المدعي لخطأ جسيم يستحق عليه الطرد من الأخطاء الواردة في المادة 73 من القانون 90/11 المعدل والمتمم بالمادة 2 من القانون 91/29 على سبيل الحصر في حين أن المادة 73 لم تشر إلى الأخطاء على سبيل الحصر بل أشارت إليها على وجه الخصوص وأن العارضة قد أثبتت بما فيه الكفاية بأن المدعى ارتكب خطأ يستحق معه المذكور بالمادة 73 نفسها والمتمثلة في الغياب عن العمل والرفض دون عذر مقبول تنفيذ تعليمات المسؤول أضف إلى ذلك أن المحكمة تناقش الأخطاء التي أشار إليها الطاعن والتي ارتكبها المطعون ضده لكن حيث أن المادة 73/01 جاءت ضمن تعديل المادة 73 من القانون 90/11 والتي كانت تنص على أن الأخطاء الجسيمة تكييفا وتصنيفا متروكة للنظام الداخلي للمؤسسة .
وحيث أن التعديل بمقتضى المادة 2 من القانون 91/29 أبعد من مجال النظام الداخلي الأخطاء المؤدية إلى الطرد فهم التعديل المذكور بخلاف ذلك يفرغه من كل معنى إذ أن المشرع لا يعدل نص قانوني من أجل التعديل وإنما لغاية مقصودة .
وحيث أن الغاية من تعديل المادة 73 من القانون 90/11 هي إعطاء أكثر ضمانة للعامل بحصر مجال الأخطاء الجسيمة في إطار القانون وعدم تركه لمفاوضات الأطراف كما كان عليه الحال قبل التعديل .
حيث توضيحا لذلك يجب الإشارة إلى أن الأخطاء الجسيمة وردت في نصوص قانونية أخرى مثل القانون 90/02 المنظم لحق الإضراب مما يبين أن المشرع بذكر الأخطار على وجه الخصوص في المادة 73 إنما فعل ذلك اعتبارا منه أنها ليست المادة القانونية الوحيدة التي تتعلق بذلك كما أنه اتخذ بعين الاعتبار صدور نصوص قانونية وتنظيمية تأتي بأخطاء أخرى لاحقا .
حيث إن اجتهاد المحكمة العليا في تطبيق القانون 90/11 والقانون 91/29 المعدل له استقر على أن المادة 73 منه أخرجت مجال الأخطاء الجسيمة من دائرة النظام الداخلي ومنه أكد قضاء المحكمة بأن المادة 73 جاءت على سبيل الحصر هو قضاء صائب إذ لا يمكن الخروج عن المادة إلا بمادة قانونية تماثلها ومنه يصير الوجه المثار غير مؤسس .([21])
وبالتالي فهذا الاجتهاد القضائي جاء لصالح العامل ولرفع التناقض عن عمل المشرع نتيجة النقص الوارد في النص فتطبيقه سيحدث مشاكل ميدانية من شأنها المساس بسلطة المستخدم التسييرية أو التأديبية فبإعداد قائمة الأخطاء مهما اكتملت لا يمكن أن نتوقع كل ما هو جسيم وخطير والذي يتغير من مؤسسة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر ومقارنة بالتشريع القديم نجد أن المرسوم 82-302 المؤرخ في 11/09/1982 المتعلق فالمادة 73 تنص في بداية الأمر على الأخطاء المعاقب عليها من قبل التشريع الجزائي وقد انتهت المحكمة العليا إلى أن الخطأ الجزائي الذي يؤسس عليه التسريح يجب أن يكون ثابت بواسطة حكم جزائي نهائي وكل عقوبة تصدر قبل صدور الحكم تكون لاغيه ودون أثر معتمدة على أساس دستوري مانعا للمحاكم في إصدار الأحكام الجزائية ومن ثم لا يمكن خارج السلطة القضائية تجريم فعل معين وتقدير ثبوته وإصدار عقوبة بشأنه ولو كانت ذات طابع غير جزائي أي تأديبه دون المساس بمبدأ اختصاص المحكمة ودون مخالفة الحقوق الأساسية للدفاع أما من حيث خطورة الخطأ الجزائي أو جسامته فإن المحكمة العليا تعتبر أن المشرع يقصد الأخطاء التي توصف بالجنح والجنايات دون الأخذ بالمخالفات والتي لا يمكن اعتبارها جسمية.([22])
تداركا لما ينجرمن انعكاسات على المؤسسات أدخل الخطأ الجزائي ضمن قائمة الأخطاء الجسيمة في عموميتها ليسمح بتكييف الأفعال حسب خطورتها الميدانية [23] وبالتالي فالمادة 73 بعد تعديلها يشوبها بعض القصور في تحريرها ما يجعل مضمون الاجتهاد ضيقا وقد جاءت المادة 73 بالتالي بمعيارين هما :
الأخطاء الجسيمة المرتكبة أثناء العمل التي يعاقب عليها التشريع الجزائري
الأخطاء الجسيمة
وعلاوة على الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي والتي ترتكب أثناء العمل تعتبر على الخصوص أخطاء جسيمة يحتمل أن ينجز عنها التسريح بدون مهلة العطلة وبدون علاوات الأفعال التالية :
أولا: رفض تنفيذ التعليمات : إذا رفض العامل بدون عذر مقبول تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزامات المهنية أو التي قد تلحق أضرارا بالمؤسسة والصادرة من السلطة السلبية التي يعينها المستخدم أثناء الممارسة العادية لسلطاته .
ثانيا: الإفضاء بمعلومات مهنية: إذا أفضى بمعلومات مهنية تتعلق بالتقنيات والتكنولوجيا وطرق الصنع والتنظيم أو وثائق داخلية لهيئة المستخدمة إلا إذا أذنت السلطة السلمية بها أو أجازها القانون وعدم إفشاء الأسرار من الواجبات التي نصت عليها المادة 07 من نفس القانون .
ثالثا: المشاركة في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال ويقصد بهذه الحالة الإضراب الغير مشروع وكذلك المشروع الذي شرع في إجراءات التشاور بشأنه
رابعا: القيام بأعمال عنف : النص جاء عاما لكن المشرع لا يشترط كون الفعل هنا جريمة فهي معاقب عليها أصلا ([24]) ولا يشترط صفة معينة في الاعتداء ولا نفرق بين الفعل والقول بمعنى لا تشترط المادية .
خامسا: التسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والآلات والأدوات والمواد الأولية والأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل ويشترط عنصر نية الإضرار أي المعيار الذاتي ووقوع الضرر فعلا وأن يكون ضارا بمصالح المؤسسة فعلا ويتعذر معها استمرار علاقة العمل .
سادسا : رفض تنفيذ أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به وتم النص كذلك على هذه الحالة بالمادة 42 من القانون 90/02 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل ورفض القيام بالقدر الأدنى المفروض من الخدمة يعتبر خطأ جسيما يعرض أصحابه لعقوبة تأديبية ([25]) .
ولم يتضمن القانون الإشارة للجهة التي لها سلطة إصدار الأمر غير أن الجهة الممثلة للدولة محليا هي الوالي كما أن المستخدم يمكنه اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لاستصدار مثل هذا الأمر ولم يشر القانون أيضا إلى شكل هذا الأمر الذي يستحسن كونه كتابيا ويبلغ العامل شخصيا .
سابعا : تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل وهي الورشات ومحلات العمل و المقررات الرئيسية والفرعية والمشرع لم يشترط فحص كمية الكحول في الدم كما فعل في باقي الجرائم ونشير إلى أن جميع المسكرات تنطوي تحت لفظ كحول ولا يكون مأذون به طبيا لكن القانون أغفل حالة ما إذا حضر العامل إلى مكان العمل وهو متأثر بما تناوله من مواد مخذرة .
أصبح الخطأ التأديبي بعد الإصلاحات منذ 1990م يحدد في النظام الداخلي أما المشرع فلم يحدد إلا التي تتصف بالجسامة على سبيل الحصر وهنا قد قيد سلطة المستخدم التأديبية ([26]) بينما تباين موقف المحكمة العليا وتأرجح بين اعتبار الأخطاء الجسمية محصورة بنص المادة 73 أو مذكورة على سبيل المثال .
الفرع الثاني: حالات تطبيقية أخرى
إن عجز المعايير المنصوص عليها ضمن قوانين العمل أو المستنبطة من الفقه سمح للقضاء باعتبار حالات أخرى غير مشروعة نذكر منها :
1/ حالات ترجع لظروف تحيط بالإنهاء وهي حالات اعتبرتها المحاكم الفرنسية خاصة إنهاء غير مشروع بسبب الدافع فقد يكون السبب الحقيقي ليس هو السبب المعلن ويمكن اعتبارها غير مشروعة في النظم القانونية التي حددت الأخطاء الجسيمة على سبيل الحصر غير أن المحكمة العليا في آخر اجتهاد كما اعتبرت هذه الأخطاء واردة على سبيل المثال لا الحصر وجاء في حيثيات القرار الصادر بتاريخ 15/12/2004 غير منشور أن : “قاضي الدرجة الأولى أعطى تفسيرا خاطئا لنص وروح المادة 73 إما اعتبر أن الأخطاء المؤدية إلى التسريح هي الحالات المذكورة في هذه المادة فقط ومنه يكون أساء تطبيق القانون وقصر في تسبيب حكمه وعرضه بذلك للنقض و الإبطال ” .
ومن هذه الحالات إنهاء العلاقة بسبب تمسك العامل بحق من حقوقه أو عدم قبوله بشروط غير مشروعة أو يكون سبب الإنهاء هو التخلص من التزامات نص عليها القانون كتسريح العامل قبل صدور قانون يكفل له أكثر حماية أو الإنهاء لأسباب لا علاقة لها بعقد العمل .
وقد يكون الإنهاء بسبب الخفة الملومة وباعتماد معيار الرجل العادي يكون الإنهاء بناءا على سوء تقدير المستخدم سواء لطيش أو لكون السبب غير جدي ومرجعها إلى المادة 73/1 التي تشير إلى وجوب مراعاة ظروف ارتكاب الخطاء ودرجة خطورة والضرر اللاحق وكذا سيرة العامل وإذا لم تراع هذه الاعتبارات عد الإنهاء غير مشروع.
2/حالات ترجع لظروف تحيط بالعقد كمخالفة شروط العمل فالمستخدم لا يجوز له تعديل العقد أو شروطه بإرادته المنفردة إلا إذا كان أنفع للعامل وإلا عد إخلالا بالتزام تعاقدي وإذا كان رفض العامل هنا سببا للإنهاء وفشل المستخدم في إثبات المبرر اعتبر الإنهاء غير مشروعا.
وقد يكون الإنهاء بمعاملة جائرة من قبل المستخدم كالمضايقات والإذلال والإحراج كما لو قدم للعامل منصب من شأنه التقليل من شأنه كونه تافها مقارنة بقدرات العامل وفي القانون 90/11 يمكن اكتشاف هذه المعاملات من حرمان العامل من بعض حقوقه المنصوص عليها بالمادتين 5و6 منها عدم تقديم شغل أو عدم احترام سلامة العامل البدنية والمعنوية مثلا فقد يكون الإنهاء مشروعا في الأساس لكن هذه التصرفات تجعله عكس ذلك ([27])
أو يكون الإنهاء لحالات تمس بحرية العمل كحرية العقيدة أو النقابية أو التعبير أو تلك اللصيقة بالفرد فقد نص الدستور في مواده 29-32-35 على وجوب احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطن وبالتالي يعتبر إنهاء علاقة العمل بسبب ممارسة العامل لحرياته إنهاء غير مشروع إذا لم يتعدى العامل حقوقه كما لا يجوز للمستخدم التدخل في الحياة الشخصية للعامل وبالتالي فالإنهاء غير مشروع إذا كان سببه لصيق بحيلة العامل لكن يجوز استثناء الاعتداد بالأمور الشخصية للعامل إذا كان من شأنها التأثير على العمل والمؤسسة .
المطلب الثاني : الإنهاء المتخذ مخالفة للإجراءات القانونية .
لقد أعطى المشرع الجزائري الحق لصاحب العمل في توقيع العقوبة التأديبية غير انه قيد استعمال هذا الحق بجملة من الشروط الإجرائية يشترط إتباعها بعد الانتهاء من مرحلة تكييف الخطأ المرتكب و إلا عد الإنهاء غير مشروع وعليه سوف نتطرق للإجراءات الواجبة الإتباع من قبل المستخدم سواء تعلق الأمر بتسريح فردى أو جماعي للعمال وفي الواقع فان سلطة صاحب العمل في توقيع الجزاءات التأديبية على العامل مظهر من المظاهر البارزة لرابطة التبعية ([28]).
الفرع الأول : في التسريح الفردي للعامل
تنص المادة 73/4 المعدلة بموجب الأمر 91/29 على أنه إذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه يعتبر تعسفيا .وعليه فإن الحالة التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا من الناحية الإجرائية هي :
1تسريح العامل الأجير في غياب النظام الداخلي وذلك بنص المادة 73/2 ” يعلن عن التسريح المنصوص عليه قي المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي ” . ويتبين من خلالها أنه لا يمكن للمستخدم أن يتخذ قرار التسريح إلا بوجود نظام داخلي في مقر البيئة المستخدمة وذلك في المؤسسات التي تشغل أكثر من 20 عاملا .كما يقوم صاحب العمل بتحديد طبيعة الأخطاء المهنية ودرجات العقوبات المطابقة لها في النظام الداخلي وفي هذا الإطار جاء قرار الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا الصادر بتاريخ 20/12/1994 تحت رقم 111984 في حيثياته .”ولما كان من الثابت في قضية الحال أن عقوبة العزل التي سلطت على المدعي تحت غياب النظام الداخلي مما يعد خرقا لأحكام المادتين 73 و77 المذكورين أعلاه ” .
2- إذا وقع تسريح العامل خرقا للإجراءات التأديبية والقانونية والمتمثلة في احترام الضمانات المقررة للعامل وهي :
– إعلان مقرر التسريح إلى العامل كتابيا إلا أن المشرع الجزائري لم يضبط عملية التبليغ بمواعيد قانونية ولا كيفية التبليغ تاركا المجال للنظام الداخلي لإعطاء التفاصيل وهذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي بين وحدد آجال التبليغ وكيفية إجرائه .
سماع العامل وهو الإجراء الذي يعطي للأطراف فرصة تقدير ظروف وخطورة الوقائع والضرر اللاحق وبالتالي يمكن القول أنه يشكل عنصر فعالا في تمكين المستخدم من تطبيق المادة 73/1 تطبيقا سليما .
– تمكين العامل من حق الاستعانة بعامل آخر وهو ما أشار إليه القانون دون أن ينظمه مثلا فيما يخص جواز تمسك العامل بعدم معرفته للإجراء أو صاحب العامل ملزم بتنبيهه وما هي الضمانات الممنوحة للعامل الممثل لزميله حتى لا يضايق لاحقا وكان من الأجدر توضيح ذلك على محضر ليكون حجة على العامل إذا أثار هذه النقطة أمام القضاء .
وفي هذا الصدد نجد قرار المحكمة العليا رقم 162349 المؤرخ في 10/03/1998 : ” حيث أن الطاعن يعيب على الحكم المطعون فيه تأسيس قضائه على عدم مثول العامل أمام لجنة التأديب دون توضيح ما إذا كان الأجراء منصوص عليه في النظام الداخلي حيث أنه تبين فعلا أن المحكمة قضت بإلغاء العقوبة المتخذة لعدم احترام رب العمل الإجراءات التأديبية ومنها عدم إحالة العامل على لجنة التأديب وطالما أن المحكمة لم تستر إلى اطلاعها على النظام الداخلي للمؤسسة للتأكد من صحة الإجراءات التأديبية تكون قد خالفت القانون .
أما إذا تعلق الأمر بمندوبين نقابيين إذا ما أرتكب خطا ما فقد أورد القانون 19/14 الصادر في 02/06/1990 المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي أورد حكما خاصا به مفاده أنه في حالة ارتكابه خطأ أثناء ممارسة النشاط المهني غير متعلق بالنشاطات النقابية فلا يحق للمستخدم اتخاذ أي إجراء تأديب إلا بعد إعلام المنظمة النقابية([29])
3حالة تسريح العامل قبل انتهاء مدة العقد العمل المبرم مخالفة للمادة 12 من القانون 90/11 ذلك أن عقد العمل المحدد المدة ينصب على انجاز أعمال ذات طبيعة مؤقتة أو موسمية وتقتضي مدة محدودة لانجازها وفي هذه الحالة تسريح العامل دون صدور خطأ منه وقبل انتهاء مدة العقد يعد تسريحا تعسفيا
4عدم احترام مهلة الإخطار : وهي المهلة المفروضة على أطراف المنهي لعلاقة العمل غير محددة المدة بالإدارة المنفردة وجوب احترامها منها مفاجأة المتعاقد الآخر وتمكينا له إن كان عاملا من البحث من عمل جديد ، وإن كان مستخدما من البحث على عامل جديد يحل محل العامل الذي قرر إنهاء علاقة عمله . والقانون 90/11 نص بالمادة 68 على أنه على العامل الذي يبدي رغبته في إنهاء علاقة العمل مع الهيئة المستخدمة أن يقدم استقالته كتابة ويغادر منصب عمله بعد فترة إشعار مسبق وفقا للشروط التي تحددها الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية ، ومن جهة أخرى نصت المادة 73/5 على ” يخول التسريح للعامل الذي لا يرتكب خطأ جسيما ،الحق في مهلة العطلة – الإخطار- التي تحدد مدتها الدنيا في الاتفاقات أو الاتفاقيات الجماعية ([30]) ” .
فيما يخص شكل الإعلان بمهلة الأخطار فقد يكون مكتوبا وهو الأصل أولا يكون كذلك وعليه فقد تحال على تطبيق القواعد العامة باعتبار إعلان الأخطار تصرف قانوني صادر بالإرادة المنفردة وكل تعبير عن الإرادة يكون كتابة أو شفاهة أو بالإشارة (1)
أما عن مدة المهلة فالقانون 90/11 ترك تحديدها للاتفاقات الجماعية حسب نص المادة 73/5 أما إذا كان العامل غير خاضع لها نأخذ بما كانت تنص عليه المادة 70 من القانون رقم82/06 المتعلق بعلاقات العمل الفردية والمادة 49 من المرسوم التطبيقي 82/302 المتعلق بكيفيات تطبيق الأحكام التشريعية الخاصة بعلاقات العمل الفردية باعتبار هذا القانون تم العمل به مدة طويلة وأصبح مضمونه بمثابة العرف السائد ([31]) .
كما يمكن وفقا لنص المادة 73/6 للهيئة المستخدمة أن تفي بالالتزام بإعطاء مهلة عطلة للعامل المسرح بدفعها مبلغا مساويا للأجرة الكلية الذي يكون قد تقاضاه طوال المدة نفسها .وتعتبر المهلة هنا جزءا من العقد وتدخل ضمن الأقدمية ([32]) .وينتهي عقد العمل بمجرد انتهاء مدة المهلة وأكدت المادة المذكورة أعلاه أن التوقف عن نشاط الهيئة المستخدمة لا يحررها الالتزام باحترام مهلة العطلة فإذا كان العامل في عطلة مرضية تبدأ المهلة عند انتهاء العطلة .
الفرع الثاني :في التسريح الجماعي للعمال
وبالنسبة للتقليص من عدد العمال الذي تحكمه المواد 69-70-71 من القانون 90/11 والمرسوم التشريعي 94/09 المؤرخ في 20/05/1994 لقد أجاز للمستخدم بموجب المادة 69 من القانون 90/11 اللجوء إلى التقليص من عدد العمال إذا برزت ذلك أسباب اقتصادية ويتخذ قرار بعد تفاوض جماعي وهو إجراء يتخذه صاحب العمل عندما يتعرض لصعوبات مالية أو تجارية أو تقنية تفرض علي التخفيف من عدد العمال كحل وحيد لإعادة التوازن الاقتصادي والمالي ([33]) .
والمادة 70 من نفس القانون تلزم رب العمل قبل القيام بتقليص عدد العمال أن يلجأ لجميع الوسائل التي من شأنها التقليل من عدد التسريحات .
ويرى البعض أن الاتفاق المبرم مع النقابة والذي بمقتضاه ضبطت قائمة العمال المعنيين بالتقليص لا يشكل دليل إثبات لاحترام المواد 69-70 إذ لم ينص المحضر على أن الأطراف بحثوا فيها صراحة واعتبر التقليص تعسفيا رغم حصول الاتفاق حوله .
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 73/03 من القانون 90/11 تنص بأن التسريح الواقع خرقا لهذا القانون يعتبر تعسفي ،لكن المادة 73/04 تفتح مجال إلغاء التسريح المعتبر تعسفي لخرقه القانون دون إن تخصص أي نص وبذلك اعتبار الإجراءات المنصوص عليها في المرسوم التشريعي تدخل ضمن الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادة 73/04 ،وقد تطور الاجتهاد القضائي في هذا المجال إلى أنه في غياب نص صريح مخالف فإن الأمر لا يمكن أن يتعلق إلا بإجراءات غير تأديبية متطابقة مع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراءات وبالتالي فإن البطلان أو عدم صحة الإجراءات إلا المأخوذ من مخالفة قاعدة من النظام العام فضلا على أنه لا يمكن تصحيحه فإنه يثار تلقائيا من طرف القاضي .
أما الرأي الثاني فيرى بخصوص الإجراءات أنه متى عرض الجانب الاجتماعي للهيئة المستخدمة ووافقت عليه لجنة المشاركة أو نقابة العمال وأشر عليه مفتش العمل وتم إيداعه لدى أمانة ضبط المحكمة فإن إجراءات التقليص الأولية تعتبر صحيحة وسليمة بغض النظر عما ورد في المادتين 7و8 من المرسوم التشريعي رقم 94/09 .
والإشكالية المطروحة تتمثل في ما هي الإجراءات التي يحكم القاضي بها في حالة عدم احترام المستخدم للمراحل المنصوص عليها في المادتين 7و8؟وأمام القصور الملاحظ في مواجهة احترام مراحل التقليص نجد المادة 16 منه تنص على انه يجب إعداد مقررات فردية تتضمن إنهاء علاقة العمل بعد التقليص ودفع التعويضات المنصوص عليها في المادة 22 من نفس المرسوم ووضع قوائم اسمية للعمال المعنيين بالتقليص وتبليغها لمفتشيه العمل المختصة إقليميا ولصناديق التأمين عن البطالة والتقاعد المسبق ويرى أصحاب الرأي الثاني أن إجراء إي التقليص ليست إجراءات تأديبية كما أن المادة 73/04 من الآمر 96/21 لا تحكم هذه الإجراءات وإنما المرسوم التشريعي رقم 94/09 هو الذي ينظمها ويحدد الآليات التي تتم وفقها وبأكثر تحليل لنص المادة 73/4 “إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية و/ أو الاتفاقية الملزمة تلغي المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح بسبب عدم احترام الإجراءات وتلزم المستخدم بالقيام بالإجراءات المعمول بها وتمنح العامل تعويضا ماليا على نفقة المستخدم لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله ” ونسجل ما يلي :
إن هذه المادة يبدوا أنها قد وضعت استنادا إلى فكرة مفادها أن المحاكم وهي ما تزال تحت تأثير التشريع السابق خاصة القانون 82/06 المؤرخ في 27/02/1982 ومجموع النصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقه استمرت عن خطأ في التصريح بالإلغاء التلقائي لكل تسريح مشوب بعيب أجرائي وان تعلق الأمر بتسريح مبرر من حيث موضوعه وبالتالي فالهدف المتوخى يمكن عندئذ في منح رب العمل إمكانية تصحيح الإجراءات التي يحترمها ولكن هل التصحيح ممكن في كل الحالات ؟.
فبمقارنة بسيطة مع المادة 4-14-122 L من قانون العمل الفرنسي الذي استلهم قانون 1966 أحكامه منها نستخلص بأنها تنص صراحة على أن المحكمة تلزم المستخدم بإتباع الإجراءات المقررة فيما يخص الخطأ الفعلي والجدي المؤدي إلى التسريح وهذا يغني أن القاضي يفحص القانون الإجرائي وأقل ما يقال عن هذا المسلك أنه غير مألوف غير أن هذا الحل يجد تبريره بعدم جدوى إبطال الإجراءات التأديبية في حالة التسريح بدون سبب فعلي وجدي في حين أن المشرع الجزائري لم يقيد إمكانية تصحيح الإجراءات بضرورة قيام الخطأ الجسم .”
ومن جهة أخرى إذا كان النص الفرنسي المشار إليه أعلاه قد بين الإجراءات المنصوص عليها هي تلك الواردة بهذا الفرع أي بمعنى الإجراءات التأديبية فإن النص الجزائري اكتفى بعموميات من خلال الإشارة إلى خرق الإجراءات القانونية و/ أو الاتفاقية الإلزامية تاركا الأمر على ما يبدوا للقاضي لسد هذا النقص ومن ثمة فإن المحكمة العليا من خلال اجتهادها القضائي وضعت الإجابات المناسبة . حيث جاء في قرارها الصادر بتاريخ 21/03/2001 في ملف رقم 213831 جاء فيه :
“حيث أن المشرع ما يقصده في هذا النص من تصحيح الإجراءات القانونية أو الاتفاقية الملزمة لا يمكن أن يتعلق بالإجراءات التأديبية ذلك أنها من النظام العام ولا يمكن تدارك المخالفات أو الأخطاء التي قد تشوب سريانها وإن ما يقصده المشرع هي الإجراءات المتخذة في التسريح الغير تأديبي .
وأخيرا فإن عدم احترام أي شرط أو تدبير من شأنه أن يؤدي إلى بطلان الإجراء وبالتالي يصبح التسريح الذي يتم خلافا لما نصت عليه هذه القوانين والاتفاقات ،تسريحا تعسفيا يؤدي لبطلان قرار التسريح وفقا لأحكام المادة 73/4 المعدلة وطبقا للمادة 15 من المرسوم التشريعي 94-09 المشار إليه كذلك من قبل والتي تنص على وجوب الاحترام الصارم لأحكام هذا النص [34] .
المبحث الثالث : نتائج وآثار الإنهاء غيرالمشروع لعلاقة العمل
نصت المادة 73/04 من القانون 90/11 المعدلة بالمادة 09 من القانون 96/21 على أنه ” إذا وقع تسريح العامل مخالفة الإجراءات القانونية أو الاتفاقية الملزمة تلغي المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح بسبب عدم احترام الإجراءات ،وتلزم المستخدم بالقيام بالجراء المعمول به ،وتمنح العامل تعويضا على نفقة المستخدم لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله . وإذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه يعتبر تعسفيا .
تفصل المحكمة ابتدائيا ونهائيا إما بإعادة إدماج العامل في المؤسسة مع الاحتفاظ بامتيازاته المكتسبة أوفي حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة 06أشهر من العمل .دون الإخلال بالتعويضات المحتملة ،ويكون الحكم الصادر في هذا المجال قابلا للطعن بالنقض .”
المطلب الأول :نتائج الانهاء غير المشروع لعلاقة العمل
إن المشرع عند تحديده للأخطاء الجسيمة التي يترتب عليها التسريح واعترافه بالسلطة التأديبية لصاحب العمل ومنحه حق تسريح العامل قصد حماية مصالحه من جهة وضمان السير الحسن للمؤسسة ،ونظرا الأهمية هذه الحقوق بالنسبة للعامل والحماية القانونية التي خصها بها المشرع فإنها يمكن أن تكون محل دعوى قضائية إذا ما تعسف المستخدم في استعمال حقه طبقا للمواد 19-24 و36 من القانون 90/04 المؤرخ في 06/02/1990 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل وهذا ما سنتطرق بتحليله من خلال الآتي :
الفرع الأول :إجراءات التسوية الودية
اصطلح القانون رقم 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل على المصالحة الأولية بعبارة :” الوقاية من النزاعات الفردية في العمل وتسويتها ” وذلك إذا ما تحقق نزاع عمل وفقا للمادتين 02و20 من نفس القانون الذي يوجب محاولة حله داخل الهيئة المستخدمة ونصت المادة 03 من القانون على أن “يمكن للمعاهدات والاتفاقيات الجماعية للعمل أن تحدد الإجراءات الداخلية لمعالجة النزاعات الفردية في العمل داخل الهيئة المستخدمة ” ويشترط لتنفيذ هذه الاتفاقيات أن لا تكون مخالفة لما ينص عليه هذا القانون ([35]) من ضمانات مقررة للعامل وفي حال غياب الإجراءات المنصوص عليها بالمادة 03 يقدم العامل أمره إلى رئيسه المباشر الذي يجيبه خلال 8 أيام من تاريخ الأخطار وفقا لنص المادة 04 من نفس القانون وفي حالة عدم الرد أو عدم رضا العامل بمضمونه يرفع الأمر للهيئة المكلفة بتسيير المستخدمين أو المستخدم حسب الحالة وتلزم هذه الهيئة بالرد كتابيا عن أسباب الرفض خلال 15 يوما على الأكثر من تاريخ الإخطار ،وهذه المادة تعالج حالته كون العامل يعمل في مؤسسة صغيرة العلاقة فيها مباشرة بين العامل والمستخدم ولا يوجد مصلحة مستخدمين .
اللجوء لمكاتب المصالحة : حيث كان الأمر 75/33 ينيط مفتش العمل بمهمة القيام بالمصالحة في النزاعات الفردية للعمل إلا أن المشرع الجزائري بدخول مرحلة الإصلاحات تراجع عن هذا الموقف بموجب القانون رقم 90/03 المتعلق بمفتشيه العمل وأسند مهمة إجراء المصالحة إلى مكاتب المصالحة المنشأة بموجب القانون رقم 90/04 ([36]) وأصبح دور مفتش العمل في هذه القوانين مجرد وسيلة اتصال بين العمال ومكتب المصالحة ([37]) وبقي مفتش العمل يتلقى العرائض والشكاوى ليحيل الملف لمكتب المصالحة وتوجيه الإستدعاءات إلى أطراف النزاع لحضور الاجتماع الذي يتم بعد 8 أيام على الأقل من تاريخ الاستلام وإذا لم يحضر المدعى عليه شخصيا أو ممثلة المؤهل قانونا في التاريخ المحدد يستدعي من جديد وإذا تعينت للمرة الثانية يحرر محضر عدم الصلح ويسلم للمدعى وفي حال غياب هذا الأخير تطبق القواعد العامة .
وإذا لم يتوصل الطرفان إلى مصالحه يحرر محضر عدم الصلح وتسليم نسخ للأطراف وفقا للمادتين 19و30 من القانون 90/04 أما في حال الاتفاق الجزائي يعد المكتب محضرا بالصلح لكن يفهم من ذلك أن العامل لا يجوز له المطالبة أمام المحكمة بباقي حقوقه المتنازع حولها لكن يرى البعض أن مكتب المصالحة يمكنه تحرير محضر عدم الصلح في مواضيع الخلاف .
ومحضر المصالحة حسب المادة 32 لا يمكن الطعن فيه إلا بالتزوير ويعتبر بذلك حجة على الطرفين لكن لا يؤخذ بمضمونه المخالف للقانون رقم 90/04أو المواد 135-136-137 من القانون 90/11 لكن بعد تحرير محضر عدم الصلح يلجأ صاحب المصلحة للمحكمة الاجتماعية لرفع دعوى قضائية .
الفرع الثاني :الإجراءات أمام المحكمة الاجتماعية وطبيعة الحكم الصادر .
يرأس المحكمة الاجتماعية قاضي ويعاونه مساعدان من العمال ومساعدان من المستخدمين وفقا لما تنص عليه المادة 08 من القانون رقم 90/04 ويختص القسم الاجتماعي نوعيا بموجب المادة 500/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية “بتنفيذ وتعليق و إنهاء عقود العمل والتكوين و التمهين ” .و الاختصاص النوعي من النظام العام وبالتالي يجوز إثارته في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ،أما الاختصاص المحلي فهو غير متعلق بالنظام العام ولا بد من تمسك من قرر لمصلحته وإبدائه قبل إلي دفع في الموضوع ونصت عليه المادة 40 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في فقرتها 08 :”في المنازعات التي تقوم بين صاحب العمل والأجير يؤول الاختصاص الإقليمي للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها إبرام عقد العمل أو تنفيذه أو التي يوجد بها موطن المدعى عليه .غير أنه في حالة إنهاء أو تعليق عقد العمل بسبب حادث عمل أو مرض مهني يؤول الاختصاص للمحكمة التي يوجد بها موطن المدعي “.
وتصنيف المادة 501/1:”يؤول الاختصاص الإقليمي للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها إبرام عقد العمل أو تنفيذه أو التي يوجد بها موطن المدعى عليه .
إجراءات التقاضي :إذا لم تتم المصالحة بين الطرفين ترفع الدعاوى أمام المحكمة الاجتماعية كما نصت عليه المادة 36 من القانون 90-04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل ونرجع لقانون الإجراءات المدنية والإدارية لمعرفة الإجراءات المتبعة في ذلك والتي تشير إليها المادة 503:”ترفع الدعوى أمام القسم الاجتماعي بعريضة افتتاح دعوى طبقا للقواعد المقررة قانونا” وأضاف هذا القانون أنه يجب رفع الدعوى امام القسم الاجتماعي في أجل لا يتجاوز6 أشهر من تاريخ تسليم محضر عدم الصلح تحت طائلة سقوط الحق في رفع الدعوى كما تقرره المادة 504 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
طبيعة الحكم الصادر عن المحكمة الاجتماعية :
بالرجوع إلى القانون 90/11 المعدل بموجب القانون 91/29 الذي تضمن الفقرة الرابعة للمادة 73 بنصها على أنه في حالة التسريح المعتبر تعسفيا خرقا للإجراءات القانونية أو الاتفاقية الإلزامية يمكن للعامل أن يقدم طلب إلغاء التسريح أو أن يطلب تعويضا عن الضرر الحاصل لدى الجهة القضائية المختصة التي تثبت بكم ابتدائي نهائي ” بمعنى في هذه الحالة يصدر الحكم غير قابل للاستئناف وقابلا للطعن بالنقض أو التماس إعادة النظر .
تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا إما بإعادة إدماج العامل مع الاحتفاظ بامتيازاته المكتسبة ،أو في حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر لمدة 6 أشهر من العمل دون الإخلال بالتعويضات المحتملة يكون الحكم الصادر في هذا المجال قابلا للطعن بالنقض . وخلاصة القول فإن جميع الأحكام التي تؤسس فيها الدعوى على الطابع التعسفي للتسريح أو على مخالفة الإجراءات التأديبية تكون ابتدائية ونهائية ([38]).
المطلب الثاني : الآثار المترتبة على الإنهاء غيرالمشروع لعلاقة العمل .
إذا كان المشرع حدد الأخطاء الجسيمة ومنح صاحب العمل الحق في تسريح العامل الذي ارتكب خطأ من الأخطاء الذي أوردها على سبيل الحصر في نص المادة 73 من القانون 90/11 بعد تعديلها فإنه لم يترك هذا الحق مطلقا في ممارسة بل قيده في عدة إجراءات وشروط وهذا ما كرسه القانون 90/11 المعدل والمتمم بالقانون 91/29 والآمر 96/21 وذلك بإقراره حقوقا للعامل يقع على عاتق المستخدم ضمانها له سواء كان الإنهاء مخالفا للقواعد الموضوعية أو للإجراءات المنصوص عليها وعليه فالجزاء يختلف هنا .
الفرع الأول : آثار التعسف في إنهاء علاقة العمل
في حالة التسريح المعتبر تعسفي المتخذ مخالفة للقواعد الموضوعية يكون للعامل الحق في اللجوء إلى القضاء لاستيفاء حقه وبعد حصوله على وثيقة عدم الصالح يمكن له التقدم بدعوى بطلان عقوبة التسريح أمام الجهة القضائية المختصة كما سبق بيانه وذلك بواسطة عريضة افتتاحية شارحا فيها طلباته لاسيما إلغاء مقرر التسريح وإعادة إدماجه إلى منصب عمله مع الاحتفاظ بامتيازاته المكتسبة أو التعويض وباعتبار الأخطاء الواردة في المادة 73 جاءت حصرا فإن خرق أحكامها يجعل التسريح تعسفيا التي جاءت المادة 73/03 لتغير هذا التعريف و تنص على أنه كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا وعلى المستخدم إثبات العكس ومعنى ذلك أنه مهما كانت طبيعة القاعدة التي تم مخالفتها موضوعية كانت أم إجرائية فالتسريح معتبر تعسفي وبالمقابل أحدثت المادة خلط حول مفهوم كان واضحا ” يعتبر التسريح تعسفيا لما يتخذ مخالفة
للقواعد الموضوعية تماشيا مع ما جاء في القانون الفرنسي في التسريح بدون سبب حقيقي وجدي ([39]) “. أولا: إعادة الإدماج
بعد حصول العامل على محضر عدم المصالحة يمكنه رفع دعوى أمام الحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية ملتمسا منها جملة المطالب لم تتم المصالحة بشأنها والتي تتمثل أساسا في ( إلغاء قرار التسريح ،إعادة الإدماج في منصب عمله،التعويض) .
ويكون للعامل إذا تم فصله بطريقة غير شرعية للمطالبة بإعادة إدماجه بمنصب عمله بعد إلغاء قرار التسريح الذي صدر تعسفيا ،ويتضح من خلال المادة 73-04 الفقرة 02 أن المشرع تبنى اجتهاد المحكمة العليا حول حتمية إرجاع العامل إلى منصب عمله عند إلغاء قرار التسريح ،غير أنه في حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا ومن جهة أخرى في هذا الاجتهاد للمحكمة العليا العمل بإمكانية الجمع بين الرجوع إلى العمل والتعويض وكذا الاختيار بينهما الأمر الذي كان سائدا في النص القديم 73/04 من القانون 91/29 والذي نص على أنه في حالة التسريح و/ أو أن يطلب تعويضها عن الضرر الحاصل لدى الجهات القضائية المختصة التي تبث بحكم ابتدائي ونهائي .
ولكن الملاحظ أن حق رفض إعادة الإدماج الذي منحه المشرع لأحد الطرفين يخدم مصلحة المستخدم أكثر من مصلحة العامل .
ثانيا : الاحتفاظ بالامتيازات المكتسبة .بالرجوع للمادة 73/4 نجدها تنص على أنه في حالة الطرد المعتبر تعسفيا تفصل المحكمة بإعادة الإدماج مع الاحتفاظ بالامتيازات المكتسبة و هي مفهوم مستعار من القانون الفرنسي أين نجد الاجتهاد الفرنسي قد عرفها على أنها جملة الامتيازات الفردية والجماعية الناتجة عن القانون والتنظيم وعقد العمل والاتفاقية الجماعية وهذه الامتيازات تصبح مكتسبة إذا تمتع بها العامل إثناء تواجده بمكان العمل كما أنها جاءت على سبيل المثال إذ يمكن ذكر الامتيازات الناتجة عن حالة المرض الأمومة و مختلف العطل والعلاوات واستعمال سيارة المصلحة .
وقد استقر الاجتهاد القضائي الفرنسي على إن الامتياز المكتسب هو الذي يتعلق بحق قائم غير محتمل ذي طابع مستمر و دوري كالأجرة و علاوة الأجرة عكس الامتيازات العالقة بحدوث واقعة معينة كعلاوة التقاعد
كما أجاب الاجتهاد الفرنسي على مسألة تحديد الامتيازات المكتسبة نقدا من طرف القاضي عندما لا يمكن تقييمها أم يكتفي بذكرها فقط ؟ وهل يجب على الأجير تفصيلها ليفصل فيها القاضي ؟
ونجيب بنعم ذلك انه يمنع على القاضي إن يحل محل الأطراف في طلبا قم وبحكم بما لم يطلبه الخصوم .فالقاضي يأمر بإعادة الإدماج والاحتفاظ بالامتيازات المكتسبة وان المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 18/01/2000….. حيث إن ما يسمح للعامل في هذه الحالة بالذات أي عند الحكم بإعادة الإدماج بسبب الطابع التعسفي للتسريح ليس التعويضي وإنما الأجور المتعلقة بالفترة التي لم يعمل أثناءها بسبب المستخدم وكذلك ملحقات الأجر والامتيازات العينية التي يكون قد استفاد منها .وفيما يتعلق بالأجر و اعتباره امتياز مكتسب فانه حسب البعض لا يعتبر كذلك بالنظر لطبيعته لأنه مقابل عمل وبالتالي يتعين انتهاج مسار الاجتهاد الفرنسي و هو تعويضه عن قيمة الأجور .
و تتأثر مسألة إذا لم يطلب العامل هذه الامتيازات فهل يحكم بها القاضي من تلقاء نفسه ما دامت منصوص عليها قانونيا فيوردها عبارة في منطوق حكمه متسببا في صعوبات عند تنفيذ الحكم أو أنه يقومها نقدا إذا ما كانت تقتضي ذلك ؟ هذه الإشكالات لم يرد تفسير بشأنها ونحث نقول بأن القاضي يجب أن لا يكتفي بعبارة الإبقاء على الامتيازات المكتسبة بل يجب تعدادها في منطوق الحكم تبعا لطلبات العامل الذي يجب أن يطالب بها و يحددها تحديدا نافيا للجهالة .
ثالثا :رفض إعادة الإدماج والتعويض المالي
إن إلغاء التسريح لا يعني بالضرورة رجوع العامل إلى منصب عمله بل يبقى احتمال رفض إعادة الإدماج واردا طبقا لنص المادة 73/4 فقرة 2 حيث نصت على أنه “وفي حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة 06 أشهر من العمل دون الإخلال بالتعويضات المحتملة .ويجب أن يفصح عن هذا الرفض أثناء مجريات الدعوى بكيفية لا ليس فيها وليس من الضروري أن يكون بموجب دعوى مقابلة ،ولا يقبل في أي حال من الأحوال أن يعلن الرفض عند تنفيذ الحكم بالرجوع وإلا تعرض صاحبه للغرامة التهديدية المنصوص عليها بموجب المادة 39 من القانون 90/04.
ويترتب على ممارسة هذا الحق منح العامل تعويضا لا يقل عن مدة 06 أشهر من العمل وهنا يجد القاضي نفسه أمام صعوبة لتحديد التعويض وهو مجبر هنا على الحكم به حتى لو طلب منه أقل من ذلك وإن حدث وحكم بأقل فالمحكمة العليا تنظر هنا في مخالفة الحكم للقانون لذلك ينبغي مراعاة ما نص عليه القانون من جهة والأخذ بعين الاعتبار أقدميه العامل وسنه والصعوبات التي تعترضه لإيجاد عمل آخر إلا أن منح هذا التعويض لا يمس بحق العامل في التعويضات الناتجة عن الضرر الذي يحدد على أساس إساءة استعمال الحق خلاف أما أقره التشريع الفرنسي الذي جعل هذا التعويض ذو طبيعيتين فهو بمثابة غرامة تفرض على صاحب العمل وفي نفس الوقت ذو طابع تعويضي .
وقد جاء قرار المحكمة العليا رقم 282923 بتاريخ 16/10/2002 بمبدأ أنه لا يعد جمعا بين تعويضين التعويض الممنوح على أساس التسريح التعسفي والتعويض الممنوح على أساس الامتناع عن تنفيذ الحكم القاضي بالرجوع ([40]) .
الفرع الثاني: آثار مخالفة الإجراءات في إنهاء علاقة العمل.
خلاف للتشريع الفرنسي الذي بمناسبة القضايا المطروحة عليه فإن القاضي يطلع على الموضوع قبل وقوفه على الشكل الذي أتخذه التشريع فإن كان الموضوع مؤسسا ولكن دون أن يحترم المستخدم الإجراءات القانونية والاتفاقية الملزمة في هذا الشأن يمنح للعامل تعويضا قدره شهر عمل مقابل قيام المستخدم بتصحيح الإجراءات فإن المشرع الجزائري اعتمد الفقرة هذه في المادة 73/4 فقرة 01 من القانون 90/11 ولكن بنوع من الغموض في الإجراءات المعمول به مقابل تعويض العامل عن الفترة التي لم يعمل فيها كما لو استمرفي عمله اشترطه أن يكون الحكم ابتدائيا نهائيا .وبالتالي فالتسريح الواقع خرقا للإجراءات يترتب عنه البطلان وإلزام المستخدم بتصحيح الإجراءات الخاطئة وفي انتظار ذالك للعامل المعني الحق فيما يعوض أجوره التي كان سوف يتقاضاه ها لو واصل عمله وبهذا فالمادة 73/4 تفتح المجال لإبطال الإجراءات وإلزام المستخدم بجبر ما تم خرقه من إجراءات قانونية وتعاقدية إلزامية دون تخصيص أي نص والسؤال الذي يطرح هو ما المقصود بالإجراءات الواجبة التصحيح؟([41]).
أولا : مفهوم الإجراءات الملزمة .
إن تعديل المادة 73 أورد حكما خاصا في المادة 73/2 مفاده أنه يعلن عن تسريح المنصوص عليه أعلاه في المادة 73 ضمن احترام الإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي ويجب أن تنص هذه الإجراءات على التبليغ الكتابي لقرار التسريح واستماع المستخدم للعامل المعني الذي يمكنه اختيار عامل تابع للهيئة المستخدمة ليصطحبه وهي الإجراءات التي تطرقنا إليها سابقا.
أما الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقيات الملزمة جدير بالذكر أن المادة 73/04 فقرة 1 من القانون 90/11 جاءت عامة ولم تحدد أي وصف واعتبرت إن الإجراءات المراد تصحيحها والواردة في مصطلح الاتفاقيات الملزمة جوهرية وليست من النظام العام أي تلك الإجراءات التي تتعلق بما هو مفروض على المستخدم أن يقوم به مسبقا كالتزام منوط به بموجب الاتفاقية الملزمة مثل ما هو الحال بالنسبة للتشريع في إطار التقليص من عدد العمال الذي ينظمه المرسوم التشريعي 94-09 والذي يفرض إجراءات مسبقة وفي هذه الحالة يكون تصحيح فرق الإجراءات ممكن ولصالح الطرفين.
ثانيا: النتائج المترتبة
إلغاء مقرر التسريح وإعادة الإدماج عندما يعتمد المستخدم على إجراءات غير قانونية في تسريحه للعامل فقبل تعديل المادة 73/4 من القانون 91/29 وقع جدال حول معرفة ما إذا كان الحكم بإلغاء قرار التسريح يؤدي حتما إلى الأمر بإرجاع العامل إلى منصب عمله أولا وقررت المحكمة العليا بان إلغاء العقوبة التأديبية المتمثلة في الطرد يؤدي حتما إلى الأمر بإرجاع العامل إلى منصب عمله إذا ما طلب ذلك لأنه بإلغاء العقوبة التأديبية يعود الأطراف إلى الوضعية التي كانوا عليها قبل صدورها وهو الحل الأقرب إلى المنطق[42].أما بعد تعديل المادة 73/04 فان إعادة الإدماج لم تعد مبررة بالإلغاء فحسب وإنها بهدف تصحيح الإجراءات من طرف صاحب العمل في أقرب الآجال وكذا بإمكانية توصل الطرفين إلى حل.وقد قررت المحكمة العليا في اجتهادها أنه إذا تم إلغاء مقرر التسريح يجب على المحكمة إن تأمر بإعادة الإدماج الذي لم يعد يمثل فقط إلغاء مقرر التسريح وإنما لغاية تصحيح الإجراءات[43] والسؤال المطروح هو ما الغاية من الأمر بإعادة الإدماج وأمر المستخدم بإعادة تصحيح الإجراءات مع التعويض كل هذا بموجب حكم ابتدائي ونهائي؟ .
إن هذا الأمر قد يؤدي إلى تعارض الأحكام ويؤدي إلى تعارض الإحكام وتمسك الأطراف بمقتضيات المادة 338 من القانون المدني فالأركان الثلاثة المكونة لعناصر الحكم الحائز للحجية وهي نفس الأطراف دون تغيير صفاتهم ونفس المحل والسبب ستكون متوفرة بعد قيام المستخدم بتصحيح الإجراءات وإعادة رفع الدعوى من جديد وحسب رأي دحماني مصطفى يجب التفكير في إعادة صياغة الفقرة 01 من المادة 73/04 بما يحقق الغاية من وجودها وذلك بتعديل وصف الحكم واعتبار الإحكام التي ستصدر مستقلا في مثل هذا النوع من القضايا تصدر بحكم تحضيري قبل الفصل في الموضوع بإلزام المستخدم بالقيام بالإجراءات .
التعويض المالي : نلاحظ أن المشروع أورد مصطلح التعويض المالي تفاديا للوقوع في تناقض مع إحكام المادتين 53و80 من القانون 90/11 الذي ينبغي إن يكون مطابقا لمقتضيات المادة 81والتي تعرف الأجر وان التعويض الذي يمنح العامل على نفقة المستخدم لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمرت في عمله وهذه التعويضات ما هي إلا ابتكار من المشرع الجزائري ليتفادى به الاصطدام بمقتضيات المادة 53 و 80 من القانون 90-11 اللتان تؤكدان على أن العامل المتغيب عن العمل لا حق له في الأجر كما أن هذا الأخير يمنح مقابل العمل المؤدى و السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا التعويض يغطي الفترة التي تسبق الحكم أو يغطي كذلك مرحلة ما بعد الحكم و إلى غاية التنفيذ ؟
كما أن هذا السؤال يجرنا الى أخر مفاده هل يعقل أن يمنح تعويضا للعامل عن الفترة التي لم يعمل فيها بأجر يحتوي على عناصر المادة 81من القانون 90/11اذا اعتبرنا أن المادة 73/04 الفقرة 01 ينعته بوصفه كما لو استمر في عمله ؟
إجابة عن السؤال الأول فإنه من خصائص التعويض أن يمنح ليغطي الضرر الحاصل و الواقع والحالي وبالتالي يمكن القول أنه يقتصر على مرحلة ما قبل الحكم لأنه يهدف إلى تعويض ضرر واقع وحال وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها تحت رقم :157790 مؤرخ في 10/02/1998 وقرارها رقم 159386 بتاريخ 10/03/1998 أما السؤال الثاني فإن تحديده صعب لأن المادة 81/من القانون 91/11 تعرف الأجر على أنه يفهم من عبارة مرتب حسب هذا القانون ما يلي :
الأجر لأساسي الناجم عن التصنيف المهني في الهيئة المستخدمة .
التعويضات المدفوعة بحكم الأقدمية أو مقابل الساعات الإضافية بحكم ظروف العمل ،والعلاوات المرتبطة بإنتاجية العمل ونتائجه ،ولا يعقل في هذا المجال أن تمنح العمل تعويضا يشمل العلاوات الخاصة بالإنتاجية وهو أصلا لم يؤدي عملا والأصلح أن يترك التشريع على الحالة التي كان عليها فيما يخص هذه النقطة ما قبل التعديل الذي لحق بالمادة 73/04 أي طلب التعويض عن الضرر الحاصل له في غياب نص صريح آخر
الفرع الثالث: تسليم شهادة نهاية العمل
شهادة نهاية العمل وثيقة رسمية يصدرها المستخدم، لم يحدد لها القانون شكلا معينا، لكنها تحمل اسمه، و توقيعه، و تاريخ صدورها، و ختمه، بالإضافة إلى اسم ولقب العامل و هويته الكاملة، بداية العمل، تاريخ انتهاء علاقة العمل، نوع العمل أو الأعمال التي كان يقوم بها أثناء قيام علاقة العمل…الخ.
فالمادة -67- من القانون رقم 90/11 المتعلق بعلاقات العمل، نصت على: “يسلم للعامل، عند إنهاء علاقة العمل، شهادة عمل تبين تاريخ التوظيف و تاريخ إنهاء علاقة العمل و كذا المناصب التي شغلت و الفترات المناسبة لها، لا يترتب علن تسليم شهادة العمل فقدان حقوق و واجبات المستخدم و العامل الناشئة عن عقد العمل أو عقود التكوين إلا إذا اتفق الطرفان على عكس ذلك كتابة”، فالمادة -67- قررت مبدأ كان معمولا به من قبل، طبقا للقواعد العامة و النصوص القانونية السابقة، لكنها لم تبين ما إذا كانت هذه الشهادة تسلم بناء على طلب العامل، أم تسلم للعامل تلقائيا من طرف المستخدم، حتى و لو لم يطلبها العامل،و يرى أن هذه الشهادة لا تسلم إلا بناء على طلب العامل لها، و غايتها إنما هي تمكين العامل من إثبات علاقة العمل اتجاه المستخدم نفسه، و إثبات التجربة السابقة في العمل التي يمكن أن تكون مشترطة أو مطلوبة في الارتباط بعمل جديد لدى مستخدم آخر، و هي وسيلة لإثبات مدة الأقدمية، سواء فيما تعلق بالتقاعد أو التقاعد المسبق، أو الحق في التعويض عن البطالة، و يمكن أن تسلم هذه الشهادة قبل انتهاء مدة الإخطار لتمكين العامل من البحث عن عمل جديد، و هي الوسيلة التي يتمكن من خلالها العامل أن يثبت أنه غير مرتبط بأي علاقة عمل، و هذا ما يتفق مع روح القانون.
الفصــل الثــانــي :
رقابـة القـضاء الاجتماعي على الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل
إن القاضي الاجتماعي وهو ينظر في النزاع المتعلق بتسريح العامل من منصب عمله و قبل أن يفصل في تكييف جدّية سبب التسريح من عدمه ليقرر إن كان هذا التسريح تعسفيا أم لا، فانه يواجه مسألة في غاية الأهمية وهي إثبات وجود السبب الحقيقي و الجدّي لتسريح العامل من عدمه لما لهذه المسألة من أهمية بالغة، خاصة بعد التعديل الذي أدخله المشرع على المادة 73 من ق.رقم 90/11 المتعلق بعلاقات العمل ، وذلك بموجب القانون رقم 91/29 ، حيث نصت المادة 73/3 على انه » كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا و على المستخدم أن يثبت العكس « وهو المبرر الذي يجعلنا نتساءل ؟ عن دور قاضي الموضوع بالنسبة لمسألة الإثبات؟
وكذا كيف تبرز سلطة في تقدير توافر الظروف الموضوعية الإجرائية وما هي الحدود التي تقف عندها ؟ هذا لما سنجيب عليه من خلال هذا الفصل الذي قسمناه إلى ثلاث مباحث نتناول في الأول كيفية إثبات السبب الجدي للتسريح و الثاني نتعرض فيه لسلطة قاضي الموضوع في تقدير مبررات التسريح و إجراءاته، أما الثالث و الأخير نستعرض فيه الحدود التي تقيد سلطة قاض الموضوع التقديرية في مجال الإنهاء الغير مشروع لعلاقة العمل.
المـبحـث الأول :عبء إثبات السبب الجدي للانهـاء
إذا كان عن المسلّم به في القواعد العامة بأن يقع عبء الإثبات على المدعي بناء على مبدأ أنّ البينّة على من أدعى، وهو ما تقضي به المادة 323 من القانون المدني بقولها:« على الدائن إثبات الالتزام، و على المدين إثبات التخلص منه » و المدعي في نزعات العمل الفردية هو العامل الذي عليه أن يثبت قيام الضرر الذي أصابه بسبب التسريح التعسفي الذي لا يقوم على سبب جديّ يبرره القانون، و قد أخذت بهذه القاعدة في مجال إنهاء عقد العمل بعض الدول مثل مصر و فرنسا قبل صدور قانون 13 جويلية 1973، وبعض التشريعات قد خرجت عن هذه القاعدة و قلبت عبء الإثبات و جعلته يقع على المستخدم الذي تقوم في حقه قرينة التعسف في قرار التسريح حتى يثبت العكس ([44]) ثم يرجع لقاضي الموضوع تقدير وسائل الإثبات بناء علي عناصر الملف وما قدمه طرفي النزاع من أدلة إثبات أو نفي .
و لذلك فإن مسألة الإثبات في نزعات العمل الفردية أثارت العديد من الانتقادات ولم يستقر الرأي فيها لا فقها و لا قضاء على اعتماد المبادئ العامة في الإثبات، لأن الأمر يتعلق بعقد له خصوصياته ، وهو ما كرسه المشرع في المادة 73-3 من قانون 91/29 المعدل و المتمم لقانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل و جعل عبء إثبات السبب الجديّ لتسريح العامل يقع على المستخدم تدعمه قرينه قاطعة على التعسف إلى أن يثبت هذا الأخير العكس ، إلا أن مناقشة هذه المادة من زاوية أخرى نجدها تلقي جزءا من عبء الإثبات على العامل الذي يقع عليه عبء إثبات عدم جديّة سبب التسريح .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان المشرع أعطى دورا هاما لقاضي الموضوع في الإثبات سنعالجه في هذا المبحث .
المطلب الاول :إثبات أطراف النزاع للسبب الجدي
بالرجوع إلى أحكام قانون العمل رقم 90/11 خاصة المادة 73-3. منه نجد أن المشرع الجزائري على غرار العديد من التشريعات، و الاتفاقيات الدولية للعمل، ([45]) تبنى نظرية تحميل المستخدم عبء إثبات سبب التسريح باعتباره الطرف القوي في علاقة العمل, و لم يعتمد على القواعد العامة في الإثبات بإلقاء عبء الإثبات على المدعي الذي هو طالب التعويض المترتب على الإنهاء التعسفي لعلاقة العمل، و لكن في نفس الوقت فإنه لم يعفه كليا من عبء الإثبات بل جعله يتحمل جزءا من الإثبات فيعمل على إقامة الدليل على عدم جديّة سبب الطرد، وأن قرار الطرد جاء خرقا لقواعد قانون العمل إذ أن المادة 73-3 تنص على أنّه « كل تسريح جاء خرقا لهذا القانون يعتبر تعسفيا. و سنحاول مناقشة دور كل من المستخدم في إثبات السبب الجديّ للتسريح في ودور العامل في إثبات التعسف المستخدم في قرار التسريح .
الفرع الأول : دور المستخدم في الإثبات
قد يلجأ المستخدم إلى إنهاء علاقة العمل لأسباب مشروعة مثل الأسباب المتعلقة بالوضعية الاقتصادية للمؤسسة فيقوم بتسريح العامل بناء على إجراءات التسريح لأسباب اقتصادية طبق للمادة 71 من قانون 90/11، كما يكمن أن يكون سبب التسريح نتيجة لوضعية العامل في حد ذاته مثل حالات العجز عن العمل أو ضعف مردوده لأسباب صحية، وقد يكون بسبب خطأ يرتكبه فيؤثر على نشاط المؤسسة، وهنا يقع على المستخدم عبء إثبات الأسباب الجديّة التي دفعته لاتخاذ قرار التسريح سواء كان ذلك لأسباب اقتصادية أو بسبب خطأ تأديبي، وقد أكدت المحكمة العليا على أن الأمر لا يختلف بالنسبة لإثبات سبب قرار التسريح أيّا كان سببه إذ جاء في أحد قراراتها أنّه:« حيث أنّ عملية التقليص من عدد العمال لا تختلف في وجودها عن عملية التسريح، لأنها تشكل فكا للعلاقة التعاقدية بالإرادة المنفردة للمستخدم، وحيث أن المرسوم التشريعي 94/09 جاء تكفلا بالعمال الذين يفقدون عملهم بصفة غير إرادية، ممّا يبيّن أنه لا يتضمن تأسيس طابع قانوني مميز لعملية التسريح في إطار التقليص و التي تبقي من إجراءات التسريح الأخرى خاضعة للقواعد القانونية المنصوص عليها في قانون 90/11 لاسيما المادة 73-3. »([46]).
وطالما أنّ المشرع لم ينص صراحة في قانون 90/11 على وسائل إثبات معينة فإنه يجب تطبيق القواعد العامة في الإثبات الواردة في القانون المدني، وطالما أنّ إثبات السبب الجديّ لتسريح العامل يتعلق بإثبات وقائع مادية فإنه يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات و هي: الكتابة – البينة – القرائن – الإقرار – اليمين.
و قد ألزم المشرع المستخدم في المادة 73-2 من قانون 90/11 بأن يبيّن في رسالة الإعلام بإنهاء علاقة العمل الخطأ أو الأخطاء التي ارتكبها العامل، و المنصوص عليها في المادة 73 من نفس القانون، على وجه الخصوص, أو أي خطأ تأديبي يراه المستخدم سببا جديّا لتسريح العامل من منصب عمله.
وما يؤخذ على المشرع في نص المادة 73 أنه جاء بمجموعة من الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن تكون سببا جديّا يعتمده المستخدم في إنهاء علاقة العمل، إلا أنه لم يعط تعريفا للخطأ الجسيم، وإن كان التعريف هو من المسائل الفقهية التي يتصدى لها الفقهاء، فإن التعريف التشريعي له فوائده في إزالة اللبس و الغموض حول المفاهيم القانونية.
و لذلك فقد عرف الفقه الخطأ الجسيم أو الخطأ التأديبي الذي يكون سببا جديا لأنها علاقة العمل بأنه “الأمر الذي يجعل الاحتفاظ بعلاقة العمل غير ممكن حتى في مدة الإعلام بالطرد و يكون بطبيعته سببا جديّا للطرد” ([47])., وعرفه فريق آخر بأنه هو السبب الذي يعد في نفس الوقت موجودا و صحيا و موضعيا, و عرفه القضاء الفرنسي بأنه هو السبب الذي يتطلب باعثا حقيقيا ينطبق مع حقيقة ملموسة و موضوعية متينة.
وأيا كان مفهوم الخطأ الجسيم فإن المستخدم ملزم بأن يقدم ما من شأنه إثبات حصوله و جديّته و موضوعيته، وذلك بأي وسيلة من وسائل الإثبات وهو ما ذهبت اليه المحكمة العليا إذ جاء في حيثيات أحد قراراتها أنّه « حيث بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتبين منه أنه تطرق لجميع الإجراءات المتخذة من الطاعنة حول إحالة العامل على لجنة التأديب، و كيفية توجيه الخطأ إليه و الظروف التي تمت فيها معاينة الخطأ، و ناقش هذه الإجراءات معتبرا أن الطرد تعسفيا لعدم تقديم المؤسسة السند القانوني الذي يثبت الأفعال المنسوبة للعامل » ([48]).
و السند القانوني في إثبات الأفعال المنسوبة إلى العامل قد يكون إقراره بتلك الأفعال، وقد اعتبرت المحكمة العليا أن إقرار العامل بعدم نفيه الوقائع المنسوبة إليه سندا صحيحا لا يحتاج معه المستخدم إلى دليل آخر لإثبات خطأ العامل حيث جاء في حيثيات قرارها « و لكن حيث أنه فضلا على أن هذا الوجه لا يوجد ضمن أوجه الطعن المنصوص عليها في المادة 235ق.إ.م فإن طلب الطاعنة كان بدون موضوع طالما أن الطاعن لم ينفي الواقعة المذكورة و عليه فإن هذا الوجه غير مجدي » ([49]).
كما يمكن للمستخدم أن يستند إلى شهادة الشهود في إثبات خطأ العامل, إلا أن الإثبات بشهادة العمال الذين يعملون لدى المستخدم طرحت إشكالا يتعلق بتجريح الشاهد و يكون بسبب عدم الأهلية أو القرابة أو لأي سبب جديّ آخر، خاصة وأن ارتباطهم بعقد العمل لدى المستخدم و مركزهم الضعيف من الناحية الاقتصادية و نظرا لمقتضيات التبعية للمستخدم تجعل شهادتهم محل تجريح.([50]) و هو ما يجعل المستخدم في كثير من الأحيان عاجزا عن إثبات خطأ العامل .
لذلك يرى البعض بإمكانية الأخذ بشهادة العمال ضد العامل لأن الأخطاء الجسيمة التي تقع داخل المؤسسة لا يمن إثباتها في كثير من الأحيان إلا بشهادة العمال مثل رفض العامل تنفيذ تعليمات المتعلقة بالالتزامات المهنية.
إلا أنه فيما يتعلق باجتهاد المحكمة في هذا المجال لم نجد من القرارات المنشورة ما يفيد أنها أخذت بهذا الطرح، وإن كنا نرى أن هناك مبررات موضوعية قوية تسمح بالأخذ بشهادة العامل ضدّ العامل نظرا لطبيعة الخطأ التأديبي الذي يقع في الغالب في إطار محدود و مغلق هو المؤسسة التي يعمل بها العامل، كما أن علاقة العامل الشاهد بالمستخدم قائمة على شروط موضوعية و مصالح متبادلة، وليس لها علاقة بالطابع الشخصي مما قد يؤثر على شهادتهم من الناحية القانونية دون التأُثر بتلك الاعتبارات الشخصية، ولأنه في الأخير يبقي لقاضي الموضوع سلطة تقدير تلك الشهادة للأخذ بها أو استبعادها.
ولكن إذا كان المستخدم يتمتع بحرية إثبات خطأ العامل طبقا للقواعد العامة في إثبات الوقائع المادية بكافة الطرق، فإنه يجد نفسه في بعض الأحيان مقيدا بطرق إثبات محددة، وهي الحالة التي يتم فيها تسريح العامل بناءا على خطأ يعاقب عليه التشريع الجزائي، إذ يجب على المستخدم الإدلاء بنسخة من الحكم الصادر ضد العامل بالإدانة على الأفعال التي تشكل جريمة في القانون العام، حائزا لقوة الشيء المقضي فيه وفي نفس الوقت خطأ تأديبيا.
و إن كان المشرع لم ينص صراحة على ذلك فإن المحكمة العليا ذهبت إلى أنه لا يمكن الاستناد إلى الحكم بالإدانة إلا إذا كان نهائيا، حيث جاء في حيثيات قرارها « حيث أنه لا يسوغ لصاحب العمل اتخاذ إجراءات التسريح دون تعويض و لا إنذار على أساس ارتكاب العامل جرائم اختلاس و سوء التسيير إلا بمقتضي حكم جزائي نهائي، ولا يحق للجنة التأديب أن تحل محل الجهات القضائية »([51]).
الفرع الثاني: دور العامل في الإثبات
إن القواعد العامة في الإثبات تقتضي أن كل مدعي عليه إثبات الدعواه، وإلا كانت دعوى غير مؤسسة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن نص المادة 73-3 عندما نصت على أن « كل تسريح جاء خرقا لهذا القانون » يفهم منها أنه على العامل أن يثبت تعسف المستخدم في قرار التسريح الذي جاء خرقا لأحكام قانون العمل، و هذا ما يفيد أن المشرع قد أبقى على دور العامل في الإثبات و ذلك حتى لا يضعه في موقف سلبي من الدعوى،
و طالما أن السبب الذي يستند إليه المستخدم في اتخاذ قرار التسريح حتى لا يكون مخالفا للقانون هو في نفس الوقت سبب موجود و صحيح و موضوعي أي أنه جديّ يبرر إنهاء علاقة العمل، فإنه تبعا لذلك يقع على العامل عبء إثبات تخلف أحد عناصر السبب الجديّ، حتى يتمكن من إثبات تعسف المستخدم في إنهاء علاقة العمل، وهو الرأي الذي دعمته المحكمة العليا في قرارها الذي جاء فيه « ولكن حيث أن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه على ما جاء في النظام الداخلي من وجوب تبليغ المؤسسة بكل غياب في ظرف 48 ساعة، فإن إدعاء الطاعن بأنه أخبر رئيسه المباشر يقع عليه عبء إثباته »([52]), ففي هذا القرار فإن المحكمة العليا جعلت إثبات التسريح بسبب الغياب خلال المهلة القانونية يقع على العامل.
و طالما أن المادة 73-2 من قانون 91/29 تلزم المستخدم الذي قرر تسريح العامل أن يبين له في رسالة الإعلام بإنهاء علاقة العمل الأسباب التي كانت وراء قرار التسريح فإن العامل و حماية لحقه في التعويض عن التسريح التعسفي يكون مجبرا على تقديم وسائل إثباته التي من شأنها إقناع القاضي بعدم صحة السبب, على أن يقع تقدير السبب بالنظر إلى الوقت الذي وقع فيه التسريح(14)، وهو في ذلك ليس مقيدا بوسيلة معينة و إنما يجوز له إثبات تعسف المستخدم بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك القرائـن كـــأن يعتمد على وقائع أو أفعال صدرت عن المستخدم بتاريخ سابق عن قرار التسريح.
غير أنه في بعض الأحيان يكون السبب موجودا و لكنه غير صحيح، وهنا يجب على العامل أن لا يثبت عدم وجود السبب، وإنما أن ينفي أن يكون هذا السبب هو الذي جعل المستخدم يتخذ قرار التسريح.
و قد يكون سبب التسريح موجودا و صحيحا و لكنه غير موضوعي وليكون سبب التسريح موضوعيا يجب أن يترجم إلى مظاهر خارجية يمكن التحقق منها([53]).
و إلى غاية سنة 1990 كان القضاء الفرنسي يؤكد على أن فقدان الثقة أو عدم الوفاق بين المستخدم و العامل يعتبر سببا جديّا لإنهاء علاقة العمل لكن هذا الاتجاه تعرض إلى النقد الشديد مما جعل محكمة النقض الفرنسية تغير موقفها انطلاقا من قرارها الشهير الذي يعرف بقرار « Mme FERTREY » إذ جاء في حيثيات هذا القرار:« إن التسريح لسبب حقيقي لصيق بالشخص يجب أن يكون مؤسسا على عناصر موضوعية و أن فقدان الثقة الذي ادعاه المستخدم لا يكون في ذاته سببا للتسريح » ([54]).
إلا أنه بالنسبة للمشرع الجزائري فأنه رغم تعديل قانون العمل لاسيما المادة 73 بموجب قانون 91/29 و التي استلهم أحكامها من المادة 4-14-122 L من قانون العمل الفرنسي إلا أن القضاء الجزائري و على الخصوص قرارات المحكمة العليا مازالت تعتمد على التعداد الحصري للأخطاء الجسيمة متقيدة في ذلك بما ورد من أخطاء في المادة 73، وهو الموقف الذي لا يسمح للقاضي بتكييف السبب الجديّ للتسريح إذا لم يكن ضمن الأخطاء المذكورة في نص المادة([55]).
المطلب الثاني: دور قاضي الموضوع في إثبات سبب التسريح
رغم أن المشرع كما سبق وأن بيّنا في المطلب الأول قد جعل قرينة التعسف قائمة في قرار التسريح إلى أن يثبت المستخدم العكس، فإن ذلك فرض على القاضي الاجتماعي أن يلعب دورا ايجابيا في مسألة الإثبات متجاوزا بذلك النقاش الفقهي التقليدي حول قضية حياد القاضي في النزاع، و الذي استقر فيه الرأي الغالب سواء في الفقه أو القضاء أو التشريع مقرا بضرورة الحياد الإيجابي.
و إن كان المشرع الفرنسي من أكثر المشرعين وضوحا في تأكيد الدور الايجابي للقاضي في إثبات السبب الجديّ للتسريح، إذ نص في المادة 3-14-122 L من قانون 13جويلية1973 على أنه :« في حالات النزاع على القاضي المكلف بتقدير صحة الإجراء المتبع و الطابع الحقيقي و الجديّ للأسباب التي يدعيها صاحب العمل، أن يكون اقتناعه بناءا على العناصر التي يقدمها الأطراف، وعند الاقتضاء بعد اتخاذ تدابير التحقيق التي يراها صالحة ».
و نظرا لأهمية دور القاضي في الإثبات فإننا سنتناول دوره في تقدير أدلة الإثبات التي يقدمها الأطراف في( الفرع الأول )، ثم الوسائل القانونية التي أتاحها المشرع في مجال التحقيق القضائي في(الفرع الثاني ).
الفرع الأول: سلطة القاضي في تقدير وسائل الإثبات
إذا كان القاضي ينحصر دورة في تطبيق القانون، في حين يتولى الخصوم تقديم أدلتهم وأوجه دفاعهم و يقوم القاضي بعملية موازنة بين هذه الأدلة و يحكم لمن كانت حجته أقوى، وذلك استنادا إلى مبدأ أن القضاة يحكمون بكامل التجرد دون اعتبار للأشخاص أو المصالح، و ليس لهم الحكم في قضية استنادا إلى علمهم الشخصي و ليس لهم إتمام أو إحضار حجج الخصوم، وقد تأسس هذا المفهوم للحياد التام للقاضي انطلاقا من أفكار المذهب الفردي الذي يعتبر أن الدعوى ملك الخصوم لا يجوز للقاضي التدخل فيها بأي وجه، فإذا رأى أن الدليل ناقصا أو مبهما فليس له أن يطلب إكماله أو توضيحه ([56]).
غير أن هذا الاتجاه قد تجاوزته معظم التشريعات التي أصبحت تأخذ بالحياد الايجابي للقاضي في المنازعة القضائية، خاصة في مجال نزاعات العمل الفردية الناشئة عن عقد العمل، لأن الأخذ بمبدأ الحياد التام أفرز في الكثير من الأحيان ضياع الحقوق و هو ما يتعارض مع وظيفة القاضي التي هي في جوهرها إيصال الحقوق إلى أصحابها، وهو الاتجاه الذي تبناه المشرع ضمن القواعد العامة في الإثبات الواردة في قانون الإجراءات المدنية، أو في قانون العمل خاصة المادة 73-3 من قانون 91/29 التي أسست قرينة على تعسف المستخدم في إنهاء علاقة العمل يعتمدها القاضي إلى حين أن يثبت العكس.
و انطلاقا من هذا فإن للقاضي الاجتماعي في منازعات العمل الفردية دور جوهري و إيجابي في إثبات السبب الجديّ للتسريح، فإذا كان على طرفي الخصومة تقديم وسائل إثباتهما فإن القاضي يتولى فحصها بالبحث عن التكييف القانوني للأسباب التي قام عليها قرار التسريح، وقد ذهبت المحكمة العليا في هذا الاتجاه عندما قررت « أنه من الثبات قانونا أن الخطأ المنسوب إلى العامل لما يكون غير ثابت أو غير قائم يجعل قرار التسريح تعسفي”([57]).وهو ما يفيد أن قاضي الموضوع ينظر في عناصر الإثبات لتكييف سبب التسريح من حيث ثبوته أو عدمه و مدى موضوعيته كمبرر جدي لإنهاء علاقة العمل.
غير أنه رغم السلطة الواسعة لقاضي الموضوع في تقدير وسائل الإثبات إلا أنه يبقي خاضعا للمبادئ الأساسية في الإثبات، فليس له أن يحكم انطلاقا من علمه الشخصي و عليه أن يحترم مبدأ المواجهة بين الخصوم و في كل الأحوال فهو رغم دوره الايجابي فإن ذلك لا يجعل منه قاضي تحقيق مدني, لأنه و إن كان أنيط به تقدير وسائل الإثبات و تكييف السبب الجديّ لإنهاء علاقة العمل, فإنه لا يجوز له البحث عن الوقائع المادية، بل يعتمد في ذلك على تقدير وسائل الإثبات التي يقدمها الأطراف.
1ـ أثر الحكم الجزائي على إثبات السبب الجدي للتسريح
يعود أثر الحكم الجزائي على إثبات وجود سبب جديّ لتسريح العامل من منصب عمله إلى مبدأ عام أخذت به معظم التشريعات، و هو مبدأ حجية الحكم الجزائي على الدعوى المدنية، وهو مبدأ يقضي بأن يتقيد القاضي المدني بمنطوق الحكم الجزائي فيما يتعلق بما أثبته من أفعال مكونة للجريمة و نسبتها للفاعل وقد استقر الفقه و القضاء على حجية الحكم الجزائي القاضي بالإدانة على الدعوى المدنية في إثبات الوقائع المادية و نسبتها إلى فاعلها، إلا أنه لم يستقر على الأخذ بهذا المبدأ بالنسبة للحكم الجزائي القاضي بالبراءة، وحجتهم في ذلك أنه إذا كان القاضي المدني ملزما بالحكم الجزائي الذي قضي بإدانة المتهم، فإنه في الحكم الجزائي القاضي بالبراءة يمكن للقاضي المدني أن يبين قيام الخطأ المدني دون قيام الخطأ الجزائي، لأن الأمر يختلف في النزاع العمالي نظرا لاستقلالية الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي، ذلك أن الخطأ و إن نتج عنه عقاب تأديبي و عقوبة جزائية فإن القواعد التي يخضع لها الأول تختلف عن تلك التي يخضع لها الثاني([58])، فالخطأ الجزائي مرتبط باعتبارات حماية المجتمع من الجريمة في حين الخطأ التأديبي مرتبط باعتبارات حماية المؤسسة، و إذا كان في كثير من الأحيان يرتبط الخطأ التأديبي بالخطأ الجزائي وهو ما يبرر العقوبة الجزائية و التأديبية، فإنه في كثير من الأحيان الأخرى لا يكون الخطأ التأديبي خطأ جزائيا.وهذا مما يجعل حجية الحكم الجزائي على إثبات سبب التسريح تختلف بحسب طبيعة الحكم الجزائي إذا قضي بالإدانة أو البراءة.
حجية الحكم الجزائي القاضي بالإدانة على إثبات سبب التسريح
إذا كان الحكم الجزائي قد قضي بإدانة العامل بثبوت الأفعال المكونة للجريمة وفقا لقانون العقوبات، فإن القاضي الاجتماعي الذي ينظر في النزاع المتعلق بإنهاء علاقة العمل يكون مقيدا بها بما أثبته الحكم الجزائي من وقائع و أفعال في حق العمل و إن كان المشرع نص صراحة في المدة 339 من ق.م على تقيد القاضي المدني بالحكم الجزائي فيما فصل فيه من وقائع وكان فصله فيها ضروريا. فإن الاجتهاد القضائي تبنى هذا المبدأ من حيث أن القاضي المدني عليه أن يتقيد بالحكم الجزائي القاضي بالإدانة لأنه لا يمكن استبعاد صحة الوقائع المادية التي أثبتها القاضي الجزائي، ومبرر تقيد القاضي الاجتماعي بالوقائع التي أثبتها الحكم الجزائي في مواجهة العامل المدان بإحدى جرائم القانون العام هو تحقيق عدم تضارب الأحكام المدنية و الجزائية .
و قد تبنت المحكمة العليا هذا المبدأ في أحد قراراتها، الذي جاء فيه « حيث أنه بالرجوع إلى الحكم المنتقد يتبين منه أن قاضي الدرجة الأولى أسس قضاءه بأن تهمة السرقة المنسوبة للعامل تعد من الأخطاء التي يعاقب عليها القانون الجزائي و التي لا يمكن إثباتها في حق العامل إلا بموجب حكم قضائي نهائي و في قضية الحال فإن هذه التهمة تبقي مجرد اتهام غير ثابت في حق العامل بانعدام الحكم القضائي» ثم أضافت في حيثية أخرى « حيث أنه من الثابت في اجتهاد المحكمة العليا أن الخطأ المهني المؤدي إلى إنهاء علاقة العمل و الذي يكون جريمة في القانون الجزائي لا يمكن اعتماده كسبب للتسريح ما لم يثبت وقوعه بحكم نهائي حائز قوة الشيء المقضي فيه قبل إعلان التسريح » ([59]).
ورغم أن مبدأ حجية الحكم الجزائي على المدني قد أصبح من المبادئ المسلم بها في الفقه و القضاء سواء الجزائري أو الفرنسي، إلا أنه نظرا لخصوصية المنازعة العمالية الفردية فإن بعض الفقهاء اعتبروا أن إدانة العامل لا تعني بالضرورة إمكانية استناد المستخدم لهذه الإدانة لتبرير التسريح لأن التسريح لا يكون مبررا إلا إذا ارتكب العامل فعلا من شأنه أن يحدث اضطرابا على حسن سير المؤسسة، فقد يحدث أن يكون الفعل الذي ارتكبه العامل معاقب عليه جزائيا و لكن ليس من قبيل الأفعال التي تبـررالتسريح لأنه لا يكون من نتائجه عرقلة سير المؤسسة([60] و إن كان تقيد القاضي الاجتماعي في منازعات العمل الفردية بالحكم الجزائي القاضي بالإدانة له مبررات قانونية تتمثل في حجية الحكم الجزائي على الدعوى المدنية، فإن لهذه الحجية آثار قانونية تترتب عليها.
إن القاضي الاجتماعي عند نظره في الدعوى المتعلقة بنزاعات العمل الفردية فإنه في وجود حكم جزائي قاضي بالإدانة لا يمكنه أن يتجاوز هذا الحكم و لا يقبل وسيلة إثبات مخالفة لما أثبته القاضي الجزائي، و بالنتيجة لذلك لا يبقى له مبرر للقيام بأي إجراء تحقيقي لمعرفة ثبوت الخطأ من عدمه، أو لمعرفة جديّة سبب التسريح من عدمه، فينتفي بذلك أي موجب لإعادة النظر فيما أثبته القاضي الجزائي من وقائع في حق العامل المدان بمقتضي ذلك الحكم،هل المتابعة الجزائية المؤسسة على وقائع خارجة على مجال تنفيذ عقد العمل يمكن أن تكون سببا جديّا لتسريح العامل؟
إن الفقه الفرنسي يرى أن الأصل في التسيير و سلطة التأديب لا يمارسان إلا أثناء وجود العامل في مكان و زمان العمل، فرقابة صاحب العمل لا تتجاوز حياة العامل المهنية، حتى ولو تعلق الأمر بأفعال لها وصف جزائي طالما أنه ارتكبها خارج نطاق تنفيذ التزاماته التعاقدية، ألاّّ أنه ترد على هذا المبدأ بعض الاستثناءات التي يُخوّل فيها لصاحب العمل سلطة الرقابة على حياة العامل غير المهنية و ذلك في حالة ما إذا كان سلوك العامل الخارجي له تأثير على السير الحسن للمشروع أو المساس بسمعته([61]) و قد أجاز المشرع المصري لصاحب العمل إذا ما حكم على العامل نهائيا في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة في المادة 61/7 من قانون العمل فصل العامل دون أن يلزم أن تكون الجريمة المحكوم بها على العامل متصلة بالعمل أو مرتكبه في أثنائه أو في مكانه([62])
وهو ما كان على المشرع الجزائري أن يأخذ به دون أن يضيق مجال ارتكاب الخطأ الجزائي المبرر لتسريح العامل في الأخطاء التي يرتكبها أثناء العمل، لأنه في اعتقادنا أن العبرة في الخطأ الجزائي تكمن في تأثيره على علاقة المستخدم بالعامل من حيث الثقة التي يقوم عليها عقد العمل. إن الخطأ الجزائي حتى لو كان خارج نطاق تنفيذ عقد العمل فإن له آثاره على سير المؤسسة مما يجعل قرار التسريح مبررا وإضافة إلى ثبوت الوقائع التي لها وصف جزائي في حق العامل فإن المستخدم يعفى من واجب عرض العامل على مجلس التأديب، ودون أن يحصل على التعويض من التسريح ولا على مهلة الإنذار([63]).
أثر الحكم ببراءة العامل من المتابعة الجزائية
عدم ثبوت ارتكاب العامل للأفعال المنسوبة إليه:
إذا لم يثبت للقاضي الجزائي ارتكاب العامل المتهم للأفعال المنسوبة إليه و التي كانت سببا في تسريحه فإنه يحكم ببراءته، وهذا الحكم يكون له حجية على القاضي الاجتماعي في خصوص ما أثبته، ولكن يبقي القاضي الاجتماعي مؤهلا للنظر فيما إذا كان اتهام العامل و متابعته جزائيا مكونا لسبب حقيقي و جديّ للتسريح، فحتى لو استفاد العامل من البراءة أو بأن لا وجه للمتابعة فإن التسريح يكون مبررا و صحيحا بشرط أن يثبت المستخدم أن التصرف الذي قام به يعد خطأ تأديبيا.
وقد أقر الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا أن الحكم الجزائي القاضي بالبراءة يلزم القاضي الاجتماعي في خصوص ما أثبته، و جعلت الحكم بالبراءة له أثر في إثبات سبب التسريح، حيث جاء في أحد قراراتها «…إن رفض الطاعنة بإعادة إدراج المطعون ضدّه إلى عمله بعد إثبات براءته بموجب حكم جنائي من التهم التي كانت سببا في تعليق علاقة العمل و عدم إحالته على التقاعد رغم توافر الشروط يعد بمثابة تسريح تعسفي غير معلن عنه يبرر حقه في التعويض مقابل الضرر اللاحق به »([64]) و لكن قد تطرء بعض الحالات الاستثنائية التي يصدر فيها الحكم الجزائي ببراءة العامل من التهمة المنسوبة إليه لعدم ثبوتها في حقه، و لكن مع ذلك يقرر القاضي الاجتماعي بوجود سبب حقيقي و جديّ للطرد.
وقد تبني القضاء الفرنسي هذا الاتجاه استنادا إلى انه توجد بعض المؤسسات تتأثر بمجرد توجيه التهمة إلى احد أجرائها خاصة إذا كان إطارا فيها، مكلف بتمثيل شركته لدى الشركات الأخرى و المؤسسات العمومية، قد وقع اتهامه بخرق أحكام قانون الشركات و بعد صدور الحكـم عليه ابتدائيا بالإدانة نقلت وسائل الإعلام وقائع القضية و أصبحت محــل تعليق ، و امتدت فترة من الزمن، بين صدور الحكم الابتدائي بالإدانة و الحكم الاستئنافي الذي قضي من جديد ببراءة المتهم لعدم ثبوت التهمة في حق هذا الأخير فالقاضي الاجتماعي لم يؤسس حكمه على وقائع نفي القاضي الجزائي ثبوتها في حق المتهم، وإنما على وضعية واقعية ووقائع أخرى لم ينظر فيها القاضي الجزائي.
ب ـ ثبوت ارتكاب العامل للأفعال المنسوبة إليه وانتقاء ركن من أركان الجريمة:
إذا كان الحكم الجزائي القاضي ببراءة العامل مؤسسا على عدم توافر الركن المعنوي أو ركن آخر اشترطه المشرع، رغم أن الأفعال المادية قد ثبت ارتكابها من طرف العامل، فإن القاضي الاجتماعي يكون ملزما بما أثبته القاضي الجزائي، لكن يبقى له في هذه الحالة تقدير إذا ما كان تصرف العامل الذي يكون خطأ تأديبيا مستقلا عن التكييف الجزائي مبررا للتسريح أم لا ؟ و هنا يستعيد القاضي الاجتماعي حريته في تقدير و تكييف الوقائع عند ثبوت الأفعال، و انتفاء ركن من أركان الجريمة، و يعود الأمر في ذلك إلى الاتجاه الفقهي و القضائي الذي يقر بأن حجية الحكم الجزائي على الدعوى المدنية لا تكون مطلقة إلا إذا قضى بالإدانة .
وإن كان الاجتهاد القضائي الجزائري لم يتعرض لهذه المسألة، فإن القضاء الفرنسي كثيرا ما أقر بوجود سبب حقيقي و جديّ للتسريح رغم أن العامل لم يدن جزائيا، وذلك بناء على أن الجرائم التي يحال من أجلها العمال على القضاء الجزائي هي في أغلب الأحيان جرائم قصدية، و طالما كان القاضي الجزائي مقيدا في إدانة المتهم بتوافر القصد الجنائي فإنه في غياب هذا الركن يكون ملزما بالحكم ببراءة المتهم، إلا أن القاضي الاجتماعي لا يتقيد بهذا الحكم إذ يمكن له تكييف و تقدير الوقائع فيما إذا كانت خطأ عقديا مستقلا عن الخطأ الجزائي و لكن إذا كانت حجية الحكم الجزائي على القاضي الاجتماعي الذي ينظر في نزاعات العمل الفردية تتراوح بين الحجية المطلقة و الحجية النسبية حسبما قضى به الحكم بالإدانة أو البراءة، وحسبما إذا كان الحكم الجزائي القاضي بالبراءة مؤسسا على عدم ارتكاب العامل للأفعال المنسوبة إليه أو تخلف ركن من أركان الجريمة, فإن الأمر يختلف بالنسبة لحجيّة قرارات مجلس التأديب.
2ـ حجيّة قرار مجلس التأديب على إثبات وجود سبب التسريح
لكي لا يستأثر المستخدم بسلطة التأديب و اتخاذ قرار التسريح فإن كل مؤسسة ملزمة بإنشاء هيكل إداري ينظر في مسألة التأديب و ذلك من خلال مجلس التأديب الذي يتكون من ممثلين من العمال و ممثلين عن إدارة المؤسسة، و لهذا المجلس كافة الصلاحيات للنظر في مسألة تأديب العمال المحالين إليه بأخطاء مهنية، فله الحق في الإطلاع على كافة وثائق المؤسسة و الاستماع للعمال و ممثليهم و سماع المستخدم، و أن يتخذ بشأن ذلك القرار الذي يراه مناسبا، وعلى الرغم من فعالية الإجراءات الإدارية التي تسبق التسريح إذا ثبت الخطأ التأديبي في حق العامل، فإن القضاء يبقى صاحب السلطة و الكلمة الأخيرة في تقدير مدى جديّة الخطأ الذي ارتكبه العامل وكان سببا في تسريحه.
استئناس القاضي الاجتماعي بقرار مجلس التأديب
رغم أن القرار الذي يتخذه المجلس يجب أن يكون مسببا، فإنه يبقي للأطراف حق اللجوء إلى القضاء لعرض النزاع أمامه و هذا يعني أن القرار الذي يتخذه مجلس التأديب ليست له حجية على القاضي الاجتماعي، بل لا يعدو هذا القرار أن يكون ورقة من ضمن أوراق ملف القضية يمكن للمحكمة أن تستأنس به عند النظر في النزاع.
و طالما أن محضر مجلس التأديب يعتبر من أوراق الملف التي يتعين على القاضي تفحصها و تقديرها. ولا شك أن تقدير القاضي للقوة الثبوتية لمحضر مجلس التأديب يختلف من المحضر الذي صدر بإجماع الآراء عن ذلك الذي صدر بالتساوي، و من المحضر الذي اعترف فيه العامل بالوقائع المنسوبة إليه عن ذلك الذي تضمن إنكاره فقد يعتبر القاضي محضر مجلس التأديب حجة على العامل فيكون له أثر على وجه الفصل في النزاع إذا تضمن ما يفيد انسجام حيثياته مع بقية وسائل الإثبات المقدمة إليه كأن يتضمن شهادة بعض أعضاء المجلس بحضورهم الواقعة التي من اجلها أحيل العامل على هذا المجلس.
إلا أن ذلك لا يعني أن محضر مجلس التأديب له حجية قاطعة على ارتكاب هذا الأخير للوقائع المنسوبة إليه، وإنما على القاضي إذا أخذ بهذا المحضر أن يسبب حكمة تسبيبا كافيا لإثبات السبب الجديّ للتسريح، و هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها حيث نعت على القرار المطعون فيه ” أن قضاة الموضوع قد اعتمدوا على محضر لجنة المشاركة ليس له أي قوة ثبوتية، حيث لم يناقشوا و لم يتعرضوا للاتفاق الحقيقي الموقع بين المؤسسة و النقابة، وبذلك قد تجاهلوا مقتضيات المرسوم التشريعي 94/09 المتعلق بالحفاظ على الشغل و حماية العمال الذين يفقدون عملهم بصفة لا إرادية”([65]).
عدم أخذ القاضي الاجتماعي بمحاضر مجلس التأديب
لقد استقر الفقه و القضاء على عدم إلزامية رأي مجلس التأديب للمحكمة التي تبقى لها الحرية المطلقة في تجاوز قراره، وعدم الأخذ به، و يعود ذلك إلى مبررات واقعية و قانونية([66]).
فمن الناحية الواقعية فإن تقييد المستخدم بضرورة عرض العامل على مجلس التأديب لا يوفر الضمانات الكافية للعامل، وإن كان القانون يشترط التناصف في مجلس التأديب بين ممثلي العمال و ممثلي الإدارة، فإن تأثير المستخدم على القرار المتخذ ضد العامل لا يمكن أن يكون منعدما، بالإضـافة إلى أن رأي المجلس التأديبي هو رأي استشـاري يمكن للمستخدم عدم الأخذ به.
أما من الناحية القانونية فإنه رغم أن محاضر مجلس التأديب تتضمن ما دار بالجلسة من مرافعات و مناقشات، و يتضمن القرارات المتخذة من طرف أعضاء المجلس فإنه مع ذلك لا يمكن اعتباره محرر رسمي يتمتع بالحجيّة الرسمية، لأنه لا يستجيب لشروط و مقتضيات المادة 324 من القانون المدني، ذلك أن مقرر مجلس التأديب ليست له صفة الضابط العمومي.
و قد أخذت بهذا الاتجاه المحكمة العليا في قرارها، حيث اعتبرت أن تأسيس حكم قضاة الموضوع على السوابق التأديبية للعامل التي اتخذها ضده مجلس التأديب، وعدم مناقشة الخطأ المنسوب إليه يعد قصورا في التسبيب([67]).
الفرع الثاني: وسائل و سلطة القاضي لإثبات سبب التسريح
إذا كان المشرع قد تبنى في خصوص إثبات السبب الجديّ للتسريح نظام تحقيقي يخول لقاضي الموضوع كل الوسائل القانونية الكفيلة لتدعيم قناعته للفصل في النزاع، فإن المشرع الفرنسي في إثبات السبب الجديّ للتسريح كان أكثر وضوحا و لم يكتف بالقواعد العامة في الإثبات وإنما نص في المادة :
3-14-122 L من قانون العمل على أنه « في حالات النزاع، على القاضي المكلف بتقدير صحة الإجراء المتبع و الطابع الحقيقي و الجديّ للأسباب التي يدعيها صاحب العمل أن يكون اقتناعه بناء على العناصر التي يقدمها الأطراف و عند الاقتضاء بعد اتخاذ تدابير التحقيق التي يراها صالحة.» ([68]).
غير أنه وإن كان المشرع الجزائري اكتفى بالقواعد العامة ، فإن سلطة القاضي الاجتماعي التحقيقية في نزاعات العمل الفردية هي حقيقة ملموسة تكرس الاتجاه الحديث لدور القاضي في النزاع المدني بصفة عامة و نزاعات العمل الفردية بصفة خاصة, وفي هذا المجال يمكن للقاضي ألا يتقيد بما يقدمه أطراف النزاع من أدلة إثبات إذا كانت هذه الأدلة قاصرة عن توضيح الحقيقة، و إقامة الدليل على صحة الوقائع المدعى بها، فيعمل على توضيح الجوانب الغامضة في تلك الأدلة، فيقرر مثلا سماع شهادة بعض الأطراف و يقوم لذلك الغرض باستدعائهم لحضور الجلسة و عند سماع الأطراف يمكن له سماع كل طرف على حدى أو أن يسمع الطرفين معا و له أن يوجه إليهم الأسئلة التي يراها ضرورية لكشف الحقيقة، غير أنه إذا سمع كل طرف على حدى فإنه يتوجب عليه إعلام كل طرف بتصريحات الطرف الآخر.
و للقاضي مطلق الحرية في استخلاص النتائج في تصريحات الأطراف واستخلاص القرائن من حضور أو غياب الأطراف، خاصة و أن المستخدم غالبا ما يتم تمثيله في الجلسة بواسطة نائبه القانوني و يمكن له أيضا أن يطالب المستخدم بكل الوثائق و المستندات و الدفاتر التي يمسكها للإطلاع عليها إذا كان ذلك ضروريا للكشف عن واقعة معينة، كما له دائما في إطار سلطته التحقيقية الانتقال إلى المؤسسة و أماكن العمل للمعاينة وان يطلب من المستخدم إفادته بكل وثيقة يطلبها يمكن أن تساعده على كشف الحقيقة خاصة إذا استحال على العامل الحصول عليها لإثبات تعسف المستخدم في قرار التسريح، ورغم عدم حصول مثل هذا الإجراء في التطبيق القضائي فانه ليس هناك مانع إذا تبين للقاضي ضرورة لذلك. و قيام القاضي بوسائل التحقيق من شأنه أن يوضح الجوانب الغامضة في النزاع، ويدعم وسائل الإثبات التي قدمها الأطراف مما يؤكد قناعته بوجود السبب الحقيقي و الجديّ للتسريح من عدمه.
غير أن القاضي عند قيامه بإجراءات التحقيق قد يصطدم ببعض المسائل الفنية التي تخرج عن مجال اختصاصه و يحتاج في توضيحها إلى خبرة أهل الاختصاص لتقدير ما إذا كان هناك سببا جديّا و مشروعا للتسريح خاصة وأن هناك عدة ميادين في عالم الشغل و علاقات العمل تتصل بالقضاء اتصالا مباشرا و لكن لا يكون للقاضي علم كافي بها نظرا لتكوينه القانوني و طبيعتها التقنية مثل المحاسبة و طالما كان الفصل في النزاع يتطلب التحقيق في معطيات لا يمكن للقاضي أن يكتشفها بنفسه فإن المشرع خول له الالتجاء إلى الخبراء و تكليفهم بإعداد تقارير حول موضوع أو مسألة غامضة من الناحية الفنية.
و على القاضي إذا أمر بخبرة أن يحدد بدقة ما هو مطلوب إنجازه من طرف الخبير، و المدة التي يجب على هذا الأخير إيداع تقرير خبرته لدى أمانة ضبط المحكمة، و تبرز أهمية اللجوء إلى الخبراء في مجال المحاسبة في حالات الاختلاس و التسريح لأسباب اقتصادية خاصة أن التسريح في هذه الحالات يكون سببه صعوبات مالية و اقتصادية تعاني منها المؤسسة، ولا يمكن للقاضي أن يكشف هذه الصعوبات المالية دون الاعتماد على تقارير الخبراء المحاسبين، الذين يمكنهم وحدهم تقرير الوضعية الاقتصادية للمؤسسة إلا أنه رغم دور الخبير في إنارة سبيل العدالة فإنه لا يمكن له أن يتجاوز حدود مهامه التي كلف بها، و ليس له أن يبين أن الحق في جانب هذا أو ذاك لأنه ليس من اختصاصه البت في النزاع الذي يعود إلى القاضي, الذي له السلطة المطلقة في اعتماد الخبرة أو استبعادها غير مقيد في ذلك إلا بتسبيب حكمه.
فقد تحصل على سبيل المثال كارثة في المؤسسة فيستغل المستخدم الواقعة لتسريح عدد من العمال بدعوى أنه أصبح من المستحيل الحفاظ على عقود عملهم نتيجة استحالة مواصلة تنفيذ العمل بسبب القوة القاهرة، ولكن إذا أمر القاضي بخبرة فإنه يمكن للخبير أن يثبت من خلال تحليل الوضعية المالية للمؤسسة بأن الكارثة التي حلت بالمؤسسة ليست بالخطورة التي تجعل مواصلة العمل بها غير ممكن ولكن في بعض الحالات قد يطرح النزاع أمام القاضي الاجتماعي بعد أن يكون قد طرح نزاع آخر يتعلق بنفس الوقائع أمام القاضي الجزائي، أو مجلس التأديب فما مدى تأثير الحكم الجزائي أو قرار مجلس التأديب على إثبات السبب الجديّ لتسريح العامل؟
يظل محضر مجلس التأديب مثله مثل أي وثيقة أخرى في الملف ووسيلة من وسائل الإثبات التي تخضع لتقدير القاضي الذي يبقى مكلفا بالتحقيق فيما نسب إلى العامل من خطأ وجودا وعدما ولتأسيس قناعته فله أن يستعمل ما خوله القانون من وسائل تحقيق يراها لازمة لتدعيم قناعته بوجود الخطأ التأديبي من عدمه ، دون أن يعتمد فقط على ما جاء في محاضر مجلس التأديب ، وإلا عرض حكمه للنقض .
المبحث الثاني:
سلطة القاضي في تقدير الظروف الموضوعية والاجرائية لإنهاء علاقة العمل إذا كان من الطبيعي أنه بعد أن يتأكد قاضي الموضوع من إثبات صحة الوقائع المدعى بها و نسبتها إلى العامل أن يحدد لنفسه معايير معينة لتقدير الخطأ الجسيم، لأن الرقابة القضائية على قرار التسريح التعسفي تمر حتما بمرحلتين تفترض الثانية حصول الأولى.
فالقاضي لا يمكنه مراقبة و تقدير أسباب التسريح وإجراءاته قبل أن يثبت لديه صحتها، و لذلك فإن هذه الرقابة تنصب على واقعة ثبت حصولها، و يبقى عليه في الأخير تقدير مدى جسامة تلك الوقائع.
وأن رقابة القضاء لا تنحصر في مدى تحقق الشروط الموضوعية فقط التي تشمل مدى صحة وقوع الخطأ المنسوب للعامل وإنما تتسع لتشمل مدى توافر الشروط الإجرائية للإنهاء وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث من خلال التطرق لتعتبر جسامة الخطأ وكذا بحث الشروط الإجرائية للتسريح.
المطلب الأول: سلطة القاضي في تقدير جسامة الخطأ
تتحدد سلطة القاضي في تقدير جسامة الخطأ، و جدية السبب من خلال تقدير الظروف الملابسة لارتكاب العامل لهذا الخطأ، ولا يمكن تقدير تلك الظروف التي تحدد الوصف القانوني للخطأ، إلا بالاعتماد على معايير موضوعية و أخرى ذاتية تعطي لنا التفسير الحقيقي لارتكاب الخطأ، و تمنحنا الوصف القانوني الأكثر ملائمة في تحديد مدى تعسف المستخدم في قرار التسريح.
الفرع الأول: اعتماد المعيار الموضوعي في تقدير جسامة الخطا
وقد نص المشرع في المادة 73-1 من قانون 90/11 على أنه << يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص، عند تحديد وصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العامل الظروف التي ارتكب فيها الخطأ و مدى اتساعه و درجة خطورته و الضرر الذي ألحقه…>>.
فإن كان المشرع قد ألقى على المستخدم التزاما مقتضاه مراعاة الظروف الموضوعية لارتكاب الخطأ، فإن ذلك لا يعني أن القاضي ملزم بالوصف الذي يعطيه المستخدم لذلك الخطأ، و إنما يرجع له تقدير تلك الظروف الملابسة للخطأ. لتحديد مدى جسامته و جدية سبب التسريح من خلال بسط سلطة الرقابة القضائية دون تقيد بتقدير المستخدم في تحديد الأخطاء الجسيمة، حيث قد يتبين له أن هذه الأخطاء لا تخل بحسن سير المؤسسة، وبالتالي يعتبر تلك الأخطاء متعارضة مع القواعد الآمرة في قانون العمل، والتي يستمد منها العامل حقه في اللجوء إلى القضاء([69]).
أ) التأثير على نشاط المؤسسة
تبرم عقود العمل بين المستخدم و العامل طبقا للمقتضيات الأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها، و أهم الأهداف التي يقوم عليها نشاط المؤسسة هو تحقيق الربح، لذلك يكون من أهم التزامات العامل تأدية عمله بأقصى ما لديه من قدرات تنفيذا للواجبات المرتبطة بمنصب عمله، و أن يعمل بعناية و مواظبة في إطار تنظيم العمل الذي يضعه المستخدم([70]) وهو التزام يقع على عاتق العامل طبقا لنص المادة 07 من القانون 90/11، و كل إخلال بهذا الالتزام من شأنه أن يؤثر على نشاط المؤسسة، فإذا تمسك المستخدم في قرار تسريحه للعامل بإخلال هذا الأخير بالتزاماته بترقية نشاط المؤسسة، فان خطأ العامل في هذا الخصوص قد يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على نشاط المؤسسة، لذلك فانه يتعين على القاضي في تقديره لسبب التسريح أن ينظر في مدى تأثير الخطأ على حسن سير المؤسسة و استمرارية نشاطها فتغيب العامل عن عمله عدة مرات بصورة غير مبررة و دون ترخيص سابق من المستخدم يمثل خطأ جسيما يبرر قرار التسريح، لان الغياب المتكرر يؤثر سلبا على نشاط المؤسسة أما إذا كان ضعف النتائج يرجع إلى أسباب تخرج عن إرادة العامل فانه لا يمكن الاستناد اليها في تبرير تسريحه، و للقاضي أن يعتمد في تقدير ذلك على معيار الرجل العادي لان العامل مطالب ببذل عناية، و ليس تحقيق غاية.
و في كثير من الأحيان يتعاقد المستخدم مع العامل آخذا بعين الاعتبار الكفاءة المهنية التي يتمتع بها العامل، فإذا تبين للمستخدم بعد إبرام عقد العمل أن العامل ليست له الكفاءة المهنية التي جعلته يتعاقد معه خاصة إذا كان نقص الكفاءة أحدث اضطرابا في نشاط المؤسسة فان ذلك يبرر تسريحه لكن تقدير القاضي لجسامة الخطأ بالنظر لتأثيره على نشاط المؤسسة لا يكون في حد ذاته كافيا إلا إذا اخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية التي حصل فيها الخطأ.
ب) تقدير الخطأ في ظل الظروف الموضوعية
إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف الموضوعية التي حصل فيها الخطأ.فإنه يمكن النظر إليه على أنه لا يبرر ذلك، فرفض العامل مثلا تنفيذ تعليمات المستخدم دون مبرر يكون سببا جديا يبرر التسريح على أساس الخطأ الجسيم طبقا للمادة 73 من قانون رقم 90/11، و هنا يقدر القاضي جدية سبب التسريح.
أما إذا استند رفض تنفيذ التعليمات إلى أسباب موضوعية فإن التسريح يكون غير مبرر، فالعامل الذي يرفض تعليمات المستخدم إذا تعلقت هذه التعليمات بأوامر تهدد السلامة الجسدية للعامل، لذلك فإنه يتعين على القاضي أن ينظر إلى عدم امتثال العامل لتعليمات المستخدم بالنظر للظروف الموضوعية الملابسة لهذا السلوك فالظروف الموضوعية التي يحصل فيها الخطأ لها تأثير على الوصف القانوني للخطأ من حيث جسامته أو بساطته، فالصفة الرئاسية للعامل مثلا تعتبر من الظروف الموضوعية التي تؤثر على جسامة الخطأ بالنظر إلى هذه الصفة التي ترتب على عاتقه التزامات أكثر تعقيدا و أثقل من ناحية المسؤولية، و يعتبر بالتالي خطأ جسيما، حتى لو كان مجرد خطأ بسيط بالنسبة للعامل المرؤوس([71]). بحيث أن خطؤه يمكن أن يعرض المؤسسة إلى أخطار جسيمة.
و قد استقرا القضاء الفرنسي على اعتبار خطأ العامل جسيما بناء على صفته الرئاسية كما أنه إذا أخذنا بالظروف الموضوعية لتقدير جسامة الخطأ فإنه لا يشترط لاعتبار الخطأ جسيما أن يلحق بسببه ضررا بصاحب العمل أو أن يتحقق الضرر بالفعل، فبمجرد علم أو استطاعة العامل العلم بفداحة الضرر الذي قد يترتب على خطئه يمكن اعتباره خطأ جسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف الموضوعية التي ارتكب خلالها الخطأ، فالعامل الذي يقوم بالتدخين في المؤسسة بالقرب من مواد سريعة الالتهاب يعتبر قد ارتكب خطأ جسيما حتى و لو لم يتحقق الضرر فعلا.إلا أن القاضي في تقدير جدية سبب التسريح بالنظر إلى جسامة الخطأ، لا يمكنه الاستناد فقط إلى المعيار الموضوعي، بل لابد عليه الأخذ بعين الاعتبــار المعيار الذاتي بالنسبة للعامل، و ذلك ما سنتناوله في الاتي.
الفرع الثاني: اعتماد المعيار الذاتي في تقدير جسامة الخطأ
لقد نص المشرع في المادة 73-3 على أنه << يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد وصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العامل الظروف التي ارتكب فيها الخطأ… وكذلك السيرة التي كان يسلكها العامل حتى تاريخ ارتكابه الخطأ نحو عمله، و نحو ممتلكات هيئته المستخدمة >>.فإذا كان العامل ملزما بموجب مقتضيات عقد العمل أن يبذل العناية اللازمة في أدائه لعمله المكلف به و أن يلتزم سلوكا يتماشى و طبيعة العلاقة التعاقدية التي تربطه بالمستخدم، فهو من هذا المنطلق ملزم بعدم ارتكاب أخطاء في ممارسة عمله تؤثر على نشاط المؤسسة، فإنه يقع أيضا على المستخدم في وصف الخطأ الجسيم الذي ينسبه إلى العامل أن يراعي السيرة التي كان يسلكها العامل نحو عمله وهنا يثور التساؤل بالنسبة للقاضي الذي هو غير ملزم بالوصف الذي يعطيه المستخدم لخطأ العامل عن المعيار الواجب إتباعه في تقدير الخطأ و مدى جسامته؟
فالقاعدة في تقدير الخطأ في المسؤولية التقصيرية قد تختلف عن معيار تقدير خطأ المدين في المجال العقدي، حيث أن الخطأ يقاس في المسؤولية التقصيرية، بمعيار مجرد هو معيار الرجل العادي، و الأصل تطبيق هذا المعيار أيضا في مجال العقد فلا يمكن تقدير مدى جسامة الخطأ من هذه الزاوية إلاّ من خلال اعتماد المعيار الذاتي .
أ- البحث في نية العامل و درجة وعيه بالخطأ
إن الأخذ بالمعيار الذاتي أو الشخصي يتطلب النظر في مدى وعي العامل بالخطأ الذي ارتكبه، فإذا كان واعيا بما فعله فإن ذلك يوفر لديه عنصر القصد الذي يغير من وصف الخطأ فيحوله من خطأ بسيط إلى خطأ جسيم، و خلافا لذلك فإنه إذا لم تنصرف إرادة العامل إلى ارتكاب الفعل الضار بالمؤسسة فإن وصف الخطأ بالجسيم ينتفي، و يصبح معه التسريح تعسفيا.
و ما يؤكد أن المشرع قد تبني فكرة وجوب مراعاة نية العامل و درجة وعيه بالخطأ الذي ارتكبه هو نص المادة 73 من قانون 90/11 التي ذكرت بعض الأخطاء التي تبرر قرار التسريح، و كانت كل هذه الأخطاء قائمة على ضرورة اتجاه نية العامل إلى الإضرار بالمؤسسة، حيث نص المشرع في هذه المادة على كل فعل اعتبره خطأ جسيما و ربطه بصفة لا تدع مجالا للشك في اتجاه نية العامل إلى الإضرار بالمؤسسة، فقد استعمل عبارات تدل دلالة قاطعة على نية العامل مثل رفض العامل< بدون عذر مقبول>
تنفيذ التعليمات، < عمدا> التوقف عن العمل الجماعي< التشاوري>، و كلها عبارات تفيد وجوب توفر عنصر القصد بالإضرار في خطأ العامل و لذلك فإنه يتعين على قاضي الموضوع في تقدير مدى جسامة الخطأ أن يميز بين الخطأ القائم على نية الإضرار بالمؤسسة، و الخطأ الناتج عن حسن نية دون قصد الإضرار.
و قد نقضت المحكمة العليا في أحد قراراتها ، نظرا لأن قضاة الموضوع لم يأخذوا بعين الاعتبار في تقدير جسامة الخطأ الذي ارتكبه العامل، و لم تراع المؤسسة المطعون ضدها عند اتخاذ قرار التسريح الناجم عن الخطأ الضرر الذي لحق المؤسسة، ولا السلوك الذي كان يسلكه الطاعن تجاه عمله وأملاك المؤسسة إلى غاية ارتكاب الخطأ، خاصة أنه كان وقت الوقائع رئيس مركز الإنتاج مما يدل على الثقة التي وضعتها فيه المؤسسة من جهة، ومن جهة أخرى يحال لأول مرة على لجنة التأديب([72]).
فالاجتهاد القضائي للمحكمة العليا هو التطبيق السليم لمقتضيات المادة 73-1 التي تعتمد في تقدير الخطأ الجسيم أن لا يكون في إطار مجرد و إنما يجب أن تراعى فيه الظروف الموضوعية التي حصل فيها الخطأ، و الظروف الذاتية للعامل الذي ارتكب الخطأ.
ب) طبيعة سلوك العامل
فرفض العامل بدون عذر مقبول تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزاماته المهنية، و إفصاحه بمعلومات مهنية تتعلق بالتقنيات و التكنولوجيا و طرق الصنع، و كل الوثائق الداخلية المتعلقة بالهيئة المستخدمة، و المشاركة العمدية في التوقف عن العمل، و التسبب عمدا في أضرار مادية تصيب المؤسسة، و تناول الكحول و المخدرات داخل أماكن العمل، كلها سلوكات من شأنها أن تبرر تسريح العامل، وإن كانت تبرر ذلك فإنه لا يمكن حصرها لأنها تتعلق بوقائع و أفعال مادية غير محددة، فإن الشيء الذي يتبين بوضوح ودون أي لبس في المادة 73 أن المشرع استعمل عبارات تدل دلالة قاطعة على رفض العامل أداء عمله طبقا لما يفرضه عليه عقد العمل من إخلاص و تفاني في إنجاز المهام التي أسندت إليه في إطار وظيفته
و لذلك فإنه يتعين على قاضي الموضوع في تقدير جسامة خطأ العامل أن ينظر إلى سلوك هذا الأخير في إطار نية العامل في تنفيذ الالتزام الذي يلقي على عاتقه واجب حماية المؤسسة.
وقد يتخذ هذا السلوك من جانب العامل عدة مظاهر يمكن للقاضي أن يستخلصها من ملابسات القضية لأن القاضي غير ملزم بالوصف الذي يعطيه المستخدم للخطأ.
وقد حاول القضاء خاصة الفرنسي استخلاص بعض المظاهر في سلوكات العامل التي يمكن أن تكشف عن نيته في ارتكابه للخطأ، و استنادا إلى ذلك يمكن تقدير جسامة الخطأ، و يمكن حصر هذه المظاهر في سلوك العامل بالصور التالية، والتي هي في الواقع لا تتناقض مع قانون العمل خاصة المادة 73 التي ذكرت بعض الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها العامل، و يمكن للقاضي الجـزائري اعتمادها كإطار قانوني في تكييف جسامة الخطأ المنسوب إلى العامل، وهي :
– التشكيك في مركز المؤسسة بإضفاف الثقة في مركز المؤسسة سلوكه سواء للعمال أو للغير
– الانحراف في السلطة استغلاله للسلطة المخولة له وقيامه بأعمال تتجاوز واجبات المهنية
– الاستيلاء على أموال المؤسسة و الاحتفاظ بها دون وجه حق
– تحريض العمال على ترك المؤسسة و توقيف العمل، أو التغيب المستمر
– أداء العمل لحساب الغير في الوقت المخصص للمؤسسة
– منافسة المؤسسة وهي منافسة غير مشروعة إذا قام بها العامل هذا المؤسسة المستخدمة بعد ممارسة الرقابة على جسامة الخطأ تمر إلى فحص الإجراءات القانونية كجزء لا يتجزأ من مقرر التسريح والذي سنتناوله في الآتي.
المطلب الثاني : مراقبة الشروط الإجرائية لإنهاء علاقة العمل
نصت المادة 73-4 المعدلة بالأمر رقم 96-21 على أنه إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية والاتفاقية الملزمة تلغي المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح بسب عدم احترام الاجراءات وتلزم المستخدم بالقيام بالإجراء المعمول به وتمنح العامل تعويضا ماليا على نفقة المستخدم لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله وكما سبق وتطرقنا له في الفصل الأول فإن إنهاء علاقة العمل بموجب تسريح العمال سواء تأديبيا وفقا للمادة 73 من القانون 90-11 أو التسريح لأسباب اقتصادية المنظم بموجب المرسوم التشريعي وذلك في إطار حماية العامل وتمكينه من كافة الضمانات التي خولها له القانون .
الفرع الأول : مراقبة الشروط الإجرائية للتسريح التأديبي
تعتبر سلطة المستخدم المتعلقة بالمجال التأديبي سلطة مزدوجة لأنها تتشكل من صلاحيتين متلازمتين صلاحية الاتهام والتحقيق معا ([73]) الأمر الذي جعل المشرع يحيطها بمجموعة من القيود التي من شأنها أن تكفل العدالة وتخضع بدورها لرقابة القاضي الذي يخوله القانون سلطة إلغاء مقرر التسريح إذا ما توصل لخلال في سلسلة الإجراءات وبالتالي يمنع على استخدام أن يوقع عقوبة تأديبية ولا سيما التسريح التأديبي على العامل قبل سلسلة الإجراءات وبالتالي يمنع على استخدم أن يوقع عقوبة تأديبية ولا سيما التسريح التأديبي على العامل قبل إبلاغه كتابيا بما نسب إليه الدفاع من نفسه من جهة ثانية إلى جانب الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها العامل بعد صدور القرار المتعلق بالتسريح أو بعد نهاية الإجراءات وهذه الأخيرة مراحل نبدؤها من :
1- مرحلة التحقيق والذي يعتبر إجراء تأديب شكلي وقيد يهدف إلى البحث عن الحقيقة عن طريق مناقشة وقائع وظروف وملابسات وقوع الحادث فيحضر توقيع عقوبة على العامل إلا بعد التحقيق من الخطأ المرتكب وإبلاغه كتابيا بمناسب إليه وسماع أقواله وتمكينه من الدفاع وإثبات ذلك في محضر يودع في ملفه الخاص .
2- مرحلة المداولة والاقتراح ونجد في هذا الصدد أن المشرع الجزائري قد أحال تحديد هذه الإجراءات العملية إلى الاتفاقيات الملزمة باعتبار الأدوات التنظيمية والتطبيقية للأحكام القانونية بصفة عامة وإلى النظم الداخلية للعمل التي خصها القانون بوضع إجراءات القانونية في النظام التأديبي بالنسبة للمؤسسات الصغيرة التي تشغل عدد من العمال أقل من عشرين لكن ما على العامل هنا إلا التوجه لمنتشية العمل إذا رأى إجحافا في حقه من قبل المستخدم.
3- مرحلة اتخاذ القرار ولم ينص القانون صراحة على صاحب الحق في توقيع العقوبات التأديبية ولكن المنطق أنه يكون المستخدم أو وكيله المسؤول .
وكما رأينا فإن المشرع قيد عملية توقيع الجزاءات بإجراءات تأديبية جوهرية لابد من احترامها فإذا انظم العامل من جراء العقوبة التأديبية لعيب شاب إجراء من إجراءات التأديب فعلى القضاء وهو الجهة المعنية الأولى التي يمكن للعامل اللجوء إليها أن يمارس رقابة على مباشرة المستخدم لسلطته التأديبية للتحقق من مدى توافر الشروط الشكلية في عملية توقيع أجزاء التأديبي . ونلاحظ هنا أن رقابة القضاء تكون على التحقيق في مدى توافر شروط توقيع العقوبة التأديبية والإجراءات التي وضعها القانون أو الاتفاق فكلما لاحظ القاضي تخلف شرط إجرائي قصني بالبطلان ومن المستقر عليه أن القضاء يملك سلطة إلغاء أو إبطال العقوبة ولا يملك الحق في تعديلها كونها ليست بساطة تأديبية عليا ولا يحق لها أن تحل محل المستخدم ([74])
الفرع الثاني : مراقبة الشروط الإجرائية للتسريح لأسباب اقتصادية
تدخل المشرع الجزائري لوضع ميكانيزمات لتنظيم التسريح الجماعي وإنشاء نظام التكفل النسبي بالعمال المسرحين ومنح تشجيعات وحوافز للمؤسسات التي تبدي استعدادها للحفاظ على عمالها لكنه مقابل كل هذه التسهيلات وضع مجموعة من القيود والتدابير الأولية تشمل عدة عمليات يستوجب على صاحب العمل الالتزام بها وهو خاضع لرقابة القاضي في ذلك على النحو التالي :
رقابة مشروعية السبب الاقتصادي :
لم يحدد المشرع طبيعة هذا السبب ولم يعرفه وبالتالي لم يضع معايير يستند إليها القاضي لممارسة دوره في الرقابة على وجود هذا السبب الاقتصادي الذي يتذرع به المستخدم .وبالرجوع لنص المادة 69 من القانون 90-11 نجده وضع شرطا موضوعيا واحدا هو الصعوبات المالية الاقتصادية أو التقنية ، كما نص المنشور الوزاري رقم 01 المؤرخ في 09/07/1994 الصادر عن وزارة العمال تبرره ضرورة المحافظات على المؤسسة أو كنتيجة حتمية لها.
الرقابة على تنفيذ الشروط الاجرائية :
اـرقابة تنفيذ إجراء إعداد الخطة الاجتماعية وقد ذهبت المحكمة العليا في قرارها أنه : ” يجب على القاضي أن يتأكد من استيفاء الإجراءات الإجبارية المنصوص عليها بالمرسوم التشريعي 94/09 والتي تهدف لحماية العمال وهي بهذه الصفة تهدف إلى حماية النظام العام ([75])
وأن إثبات احترام إجراءات التسريع يقع على عاتق المستخدم وهذا ما جاءت به المحكمة العليا في قرارها : ” حيث أنه الطاقة لم تثبت أنها احترمت الإجراءات الواردة في المادة 07 من المرسوم التشريعي 94/09 …[76]
ب- رقابة مدى تنفيذ إجراء التفاوض حول الخطة الاجتماعية ويتم ذلك بين المستخدم والهيئات النقابية التمثيلية ولجنة المساهمة ويثبت هذا الإجراء بمحضر بعد اختتام الاجتماعات موقع من طرف المشاركين ويلتزم رب العمل بإيداعه أمانة الضبط المحكمة ومفتشية العمل وفقا للآجال المتفق عليها .
ج- رقابة القضاء على تنفيذ إجراء إعلام السلطة الادارية وتتمثل في مفتشية العمل المختصة إقليميا صندوق التأمين على البطالة والتقاعد المسبق ويراقب القاضي مدى تنفيذ المستخدم لإجراءات التبليغ ويثبت ذلك بتأثير الهيئة المعنية على القوائم الاسمية للعمال المبلغة لهم.
د- رقابة مدى احترام إجراءات تبليغ قرارات التسريع أو يقصد بها إعداد مقررات فردية تتضمن إنهاء علاقة العمل وتنص المادة 69 من القانون 90/11 على أنه إذا كان يبني لتقليص العدد بناء على إجراء تسريح جماعي فإن ترجمته تتم في شكل تسريحات فردية متزامنة وعليه يتعين أيضا على المستخدم تقديم للقضاء ما يثبت قيامه بتبليغ المقررات .
هـ- رقابة القاضي على عدم قيام رب العمل بإعادة توظيف عمال جدد في مناصب العمال المسرحين وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا حيث أن المحكمة ألحقت بقولها أن المؤسسة قامت بتشغيل 21 عامل دون تحديد الصنف المهني للمطعون ضده بالمقارنة مع الأصناف التي تم التشغيل من جديد فيها وهذا ما يعد انعداما كاملا في الأسباب …([77])
المبـحـث الثالث: حدود السلطة التقديرية لقاضي الموضوع
إذا كان لقاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة في تكييف مدى تعسف المستخدم في اتخاذ قرار التسريح، فإنه أحيانا يكون ملزما بالتصريح بوجود مبرر للتسريح نظرا لمقتضيات قانونية تتعلق بتنفيذ العامل لالتزاماته الناشئة عن عقد العمل و قد يجد القاضي نفسه في أحيان أخرى ملزم بمقتضيات موضوعية تبرر قرار المستخدم بتسريح العامل، نظرا لاستحالة تنفيذ العامل لالتزاماته التعاقدية، مع وجود هذه الظروف الموضوعية، وهو ما يلزم القاضي بالتصريح بوجود مبرر للتسريح، وهو ما سنعالجه في ( المطلب الأول) كما أن سلطة قاضي الموضوع التقديرية تخضع لرقابة المحكمة العليا التي تبسط رقابتها على تكييف قاضي الموضوع و استنتاجاته القانونية لمعرفة إذا كانت هذه الاستنتاجات تتوافق ووقائع القضية المعروضة عليه و ذلك ما سنعالجه في الأتي.
المطلب الأول: دواعي الحد من السلطة التقديرية للقاضي
قد يكون قرار التسريح مبني على أسباب تبرره تتعلق بقدرات العامل على تنفيذ التزاماته تجاه المستخدم، سواء تعلق الأمر بأسباب مهنية تحد من قدرة العامل على تنفيذ مقتضيات عقد العمل، أو تعلق الأمر بظروف موضوعية تؤثر على التزاماته مثل الحالة الصحية، فيجد القاضي نفسه أمام هذه الحدود القانونية أو الموضوعية ملزما بالتصريح بعدم وجود الصبغة التعسفية لقرار التسريح، بل يقتصر دوره على التأكد من توفر هذه المقتضيات التي تجعل تنفيذ عقد العمل مستحيلا، و لذلك سنتناول هذا المطلب في فرعين
الفـرع الأول: الدواعي القـانـونـيـة
رغم أن عقد العمل يتمتع بخصوصيات مميزة لارتباطه بالجانب الاجتماعي و الاقتصادي، فإن ذلك لا يؤثر على طبيعته القانونية، وخضوعه للأحكام العامة، من حيث الإبرام و المضمون و الآثار المترتبة عليه، في إطار النظرية العامة للعقد التي نضمها القانون المدني، وإذا كان الفقه قد قسم الالتزامات الناشئة عن العقد إلى التزام ببذل عناية، والتزام بتحقيق غاية، فإن عقد العمل بطبيعته مبدئيا من العقود التي ترتب على عاتق العامل التزاما ببذل عناية، لتحقيق أهداف المؤسسة المستخدم بها، فإذا تعذر تحقيق تلك النتيجة فإن العامل لا يتحمل مسؤولية ذلك، إلا إذا أثبت المستخدم عدم قيام العامل بذل العناية اللازمة في إطار عناية الرجل العادي.
إلا أن تطور النشاط الاقتصادي و التقدم التكنولوجي في ميدان المؤسسات خاصة الفنية و المتخصصة في مجالات تعتمد على التقنيات العلمية العالية، قد تتعاقد مع فئة معينة من العمال المختصين قصد تحقيق نتيجة معينة، فيكون العامل هنا قد التزم بموجب عقد العمل بتحقيق تلك النتيجة التي كانت سببا لإبرام العقد، فإذا عجز عن تحقيق ما التزم به جاز للمستخدم تسريحه ولا يمكن للعامل أن يتحلل من مسؤوليته، إلا بإثبات وجود قوة قاهرة أو ظروف طارئة لم يكن في وسعه توقعها أو دفعها طبقا للمادة 107 من القانون المدني، و في هذه الحالة يكون القاضي مقيدا في تقدير سبب التسريح، فإذا ثبت لديه في ملف القضية أن العامل عجز عن تنفيذ التزاماته، فإنه يكون أمام مقتضيات قانونية ناشئة من عقد العمل، و تلزم العامل بتنفيذه طبقا لما اشتمل عليه من التزامات وفقا للقانون، كما نصت على ذلك المادة107 من ق. م لأنه لا يمكن أن ينكر على صاحب العمل حق تسريح العامل ظهر بالفعل أنه غير قادر على القيام بعمله، و قد اعتبر القضاء الفرنسي أن صاحب العمل الحكم الوحيد في معرفة ما إذا كانت الخدمات التي يقوم بها العامل مرضية أو غير مرضية، و حضرت محكمة النقض على قضاة الموضوع أن يحلوا محل صاحب العمل في تقدير الكفاءة الجسمانية أو الفكرية للعامل المفصول([78]).
و لأن المستخدم منحت له سلطة إنهاء عقد العمل و تسريح العامل فإنه مقابل هذه السلطة فهو ملزم بأن يؤسس قرار التسريح الذي يتخذه في حق العامل على عناصر موضوعية تخضع لرقابة قاضي الموضوع ، فعدم الأخذ بعين الاعتبار بهذه الظروف تجعل قرار التسريح تعسفيا.
و لكن إذا كان القاضي يجد نفسه مقيدا في سلطته التقديرية إذا تعلق الأمر بالحدود القانونية التي يفرضها العقد طبقا لما اشتمل عليه و بحسن نية، فإنه يفقد البعض من سلطته التقديرية إذا تعلق الأمر بمقتضيات موضوعية تجعل تنفيذ عقد العمل مستحيلا بسبب الحالة الصحية للعامل التي تعتبر من المبررات الموضوعية لإنهاء علاقة العمل طبقا للمادة 66 من قانون 90/11.
الفـرع الثـانـي: الدواعي المـوضـوعـيـة
بالإضافة إلى الحدود القانونية التي تقيد من سلطة قاضي الموضوع في تقدير أسباب التسريح، فانه في أحيان أخرى يجد نفسه مقيدا في تقدير التسريح التعسفي، مقتضيات موضوعية تجعل تنفيذ عقد العمل مستحيلا مما يبرر للمستخدم إنهاء علاقة العمل بالاستناد إلى تلك الظروف الموضوعية و في هذه الحالة يكون على القاضي فقط التأكد من توافر هذه الظروف التي تحول دون تنفيذ عقد العمل.
و طالما أن عقد العمل يخضع للقواعد العامة المتعلقة بالعقد في القانون المدني، فانه ينتهي عند تعذر تنفيذه أما بسبب قوة قاهرة أو أمر طارئ، و قد حاول الفقه وضع شروط لنظرية الظروف الطارئة أو القوة القاهرة و أجملوها في ثلاثة شروط.
يتعلق الشرط الأول باستحالة التوقع، وهذا يعني أن الواقعة التي يعتد بها كقوة قاهرة هي تلك الواقعة التي لم يكن من الممكن توقعها أثناء إبرام العقد، و يقدر القاضي تلك الواقعة تقديرا موضوعيا، أما الشرط الثاني فهو استحالة دفع تلك الواقعة، فالقوة القاهرة هي كل شيء لا يستطيع الإنسان دفعه؛ لا يكفي أن تصبح مواصلة تنفيذ التزاماته مرهقا، بل يجب أن ترتبط استحالة التنفيذ باستحالة الدفع و الشرط الثالث أن لا تنسب الواقعة إلى خطأ العامل، فلا تعتبر الواقعة قوة قاهرة إذا سبقها أو اقترنت بخطئه، و هنا يكون على القاضي التأكد من توافر عناصر القوة القاهرة، فإن قاضي الموضوع له سلطة تقدير تلك الواقعة ما إذا كانت قوة قاهرة تحول دون تنفيذ عقد العمل أم مجرد حادث عرضي كان بالمكان توقعه أو دفعه.
فإذا كانت القوة القاهرة ظرفا موضوعيا يستحيل معه تنفيذ عقد العمل و يترتب عليه تسريح العامل، فإن هناك ظروف أخرى موضوعية تتعلق بعدم القدرة الصحية للعامل على تنفيذ التزاماته تجاه المؤسسة المستخدمة، مما يجعل عجزه الجسمي مبررا لتسريحه من منصب عمله و يقصد بعدم القدرة الجسمية أو الجسدية عجز العامل عن العمل بسبب المرض، أو بسبب حادث عمل بحيث تصبح حالته الصحية لا تسمح باستمراره في العمل الذي كان يمارسه([79]).
و مثلما ينقسم العمل إلى عمل ذهني و عمل بدني فإن المرض كذلك يمكن أن يؤثر على قدرة العامل البدنية كما يمكن أن يؤثر على مداركه العقلية، إلا أنه ليس كل مرض مانع من العمل و مبرر لتسريح العامل، فقد استقر القضاء الفرنسي على مبدأ يقضي بأن المرض يجعل العقد موقوفا دون إنهائه، ولا يبرر إنهاء العقد بسبب المرض إلا في الحالات التالية:
– المرض الخطير.
– المرض المستمر.
– عندما تستدعي الضرورة استخلاف العامل المريض بعامل آخر.
وإذا كان المرض خطيرا أو مستمرا، فإنه يكون من شأنه أن يؤثر على حسن سير المؤسسة بما يجعله غير متلائم مع فكرة توقيف عقد العمل، و إنما يفرض على المستخدم إنهاء علاقة العمل بتسريح العامل، لأن مرضه يجعله غير قادر على تأدية مهامه و التزاماته، لعدم توافر المؤهلات البدنية فيه وهذه الحالة تحد من سلطة قاضي الموضوع في تقدير مدى وجود سبب حقيقي و جدي يبرر التسريح، و ما على القاضي إلا الاستجابة إلى طلب صاحب العمل المتعلق بالتسريح، و يبقي عليه فقط التأكد من خطورة المرض بالالتجاء إلى خبرة أهل الاختصاص.
و يعد كذلك من مبررات التسريح بسبب المرض حالة عدم استغناء صاحب العمل عن العامل، إذا كان غياب هذا العامل بسبب مرضه يقتضي لضرورة سير المؤسسة استخلافه بعامل آخر، إلا أن تسريح العامل دون أن يؤثر غيابه بسبب حالته الصحية على المؤسسة يعتبر تسريحا تعسفيا و هكذا فإنه يتعين على قاضي الموضوع أن يأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير مرض العامل على نشاط المؤسسة، ليقرر إن كان المستخدم قد تعسف في قرار التسريح أم لا.
وهو ما أخذت به المحكمة العليا في أحد قراراتها، عندما قضت بنقض قرار صادر عن مجلس قضاء الجزائر في 11 أفريل 1990 على أساس أنه << مادام المدعية- الهيئة المستخدمة- تزعم أن المدعي كان مريضا وقت اجتماع لجنة التأديب، كان عليها أن تأمر بإجراء فحص طبي عليه للتأكد من مرضه، و اتخاذ الإجراءات الضرورية في حالة إثبات المرض العقلي المزعوم، و هذا وفقا لنص المادة 24 من المرسوم رقم 74-254 في 28 ديسمبر 1974، و بالتالي المدعية قد خالفت تشريع العمل>>.
فقرار تسريح العامل من منصب عمله بسبب حالته الصحية يكون تعسفيا إذا لم يثبت عجز العامل عن أداء مهامه بعد فحص طبي، و تقرير خبرة طبية يؤكد عدم قدرة العامل على ممارسة مهامه المسند إليه.
وعلى قاضي الموضوع في كل هذه الحالات الأخذ بعين الاعتبار الحدود القانونية و الموضوعية التي تحد من سلطته التقديرية في تكييف السبب الحقيقي و الجـدي لتسـريح العامل، و إن كانت له سلطة واسعة في تكييف الأسباب و تقدير الوقائع بما يتلاءم مع الواقع و القانون، فإنه مع ذلك يخضع لرقابة المحكمة العليا من حيث تطبيق القانون، وهو ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني .
المطلب الثاني: رقابة المحكمة العليا على سلطة القاضي التقديرية
إذا كان دور القاضي في الخصومة هو وضع حد للمنازعة التي تطرح عليه بما خوله القانون من سلطة في تكييف الوقائع موضوع النزاع، و تطبيق القاعدة القانونية التي في إطارها وضع الخصومة، و بمقتضاها فصل في النزاع، فإن هذه المسألة تفرض عليه أن يتولى تحديد الوقائع بدقة، و المجال القانوني الذي تصنف فيه و تخضع له و إن كان قاضي الموضوع يتمتع بهذه السلطة فإنه يخضع في ذلك لرقابة المحكمة العليا التي تبسط رقابتها على أحكامه من حيث تكييف الوقائع و تطبيق القانون, و لذلك سنتناول في هذا المطلب رقابة المحكمة العليا على تكييف قاضي الموضوع للوقائع ( الفرع الأول )، ثم رقابتها على تسبيب الحكم ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول: رقابة تكيف الوقائع
تتمتع المحكمة العليا بصفتها محكمة للنقض بمهمة مراقبة قضاة الموضوع في تكييفهم للوقائع لمعرفة مدى تطابقها مع الواقع، و إن كانت المحكمة العليا هي محكمة قانون لا تنظر في أصل النزاع، فإن معيار التفرقة بين الوقائع التي يستقل قضاة الموضوع بتقديرها، و بين القانون الذي هو من اختصاص المحكمة العليا، قد يبدوا سهلا من الناحية النظرية، و لكنه في الواقع يثير عددا من المسائل التطبيقية، و ذلك لأن المحكمة العليا إذا تصدت لمعرفة ما إذا كان قضاة الموضوع قد قاموا بتطبيق القانون تطبيقا سليما، فإن عليها أن تنظر في الوقائع، و تتفحص كيفية تقديريها من طرف القضاة و من ثم فإن الحدود الفاصلة بين المجالين تبدوا صعبة التمييز([80]).
ومن باب قيام المحكمة العليا بضمان تطبيق القانون، و احترامه فإنها تنظر في تقدير و تكييف الوقائع التي بُنيّ عليها الحكم، لا كمحكمة أصل، وإنما للتأكد من صلاحية تلك الوقائع لتكون مستندا واقعيا للحكم.
و الرقابة على التكييف القانوني للوقائع بما يتطابق مع الواقع، و يتلاءم مع القانون، تجد مدى أوسع في مجال منازعات العمل، نظرا لتضارب مصالح الأطراف، واختلاف موازين القوى بينهما، و إثبات وجود سبب حقيقي و جدي لإنهاء علاقة العمل، أو إثبات تعسف قرار التسريح، يستمد من واقعة العلاقة التعاقدية في حد ذاتها، فيكون للأطراف عدد كبير من الأدلة و الوقائع التي تدعم ادعاءاتهم، و غالبا ما يكون للتسريح عدة أسباب، تعطي للمستخدم الخيار في اعتماد السبب الذي يراه أكثر إقناعا للقاضي، ولو كان هذا السبب ليس هو في حد ذاته الذي دفع في الواقع المستخدم إلى تسريح العامل، وفي هذه الحالة يتعين على قاضي الموضوع أن يحدد أصل النزاع، ثم يستخلص الأسباب الحقيقية التي كانت دافعا للمستخدم في إنهاء علاقة العمل، و من جهة أخرى فإن عليه أن يسبب حكمه تسبيبا مقبولا من الناحية الواقعية، وخاضعا لمقتضيات القانون من الناحية المنطقية، بحيث يمكن للمحكمة العليا أن تتأكد من فهم قاضي الموضوع للوقائع انطلاقا مما هو ثابت بأوراق القضية.
و قد قضت المحكمة العليا بأنها ليست درجة من درجات التقاضي التي تعني بالوقـــائع، فالمحاكم هي وحدها التي تتمتع بالفصل في الوقائع حيث جاء في أحد قراراتها << حيث لكن أن الطاعن لم يوضح كيف تم خرق القانون لما كيف رب العمل نوم المدعي أثناء تأدية عمله كحارس بخطأ جسيم، و على كل حال أن تقدير الخطأ هو من تقدير الوقائع، وهو في ذلك من اختصاص قضاة الموضوع، و لا رقابة عنه من المحكمة العليا مادام أن تكييفه يتماشي و التصنيف الشرعي للعقوبات التأديبية >>([81]).
إلا أن المحكمة العليا تبسط رقابتها على بيان تكييف تلك الوقائع و كيف توصل قاضي الموضوع إلى قناعته التي جعلته يتجه في حكمه الاتجاه السليم، و ذلك من خلال تقدير الأسباب و الحجج القانونية.
و قد ذهبت المحكمة العليا إلى << أن تكييف الوقائع ينبغي أن يستمد من حقيقة الوقائع المطروحة أمام قضاة الموضوع بما لهم من سلطة تقديرية في ذلك، ولذلك فإن الحكم الذي تكون أسبابه غير كافية لمواجهة ما قدم من أدلة و ما أبدى الأطراف من طلبات و دفوع يكون مشوبا بالقصور في التسبيب المساوي لانعدامه>> ([82]).
و قضاة الموضوع ملزمون بتقدير الوقائع تقديرا واقعيا يتلاءم مع مقتضيات القانون، و يكون نتيجة منطقية مترابطة مع ما توصل إليه في حسم النزاع.
الفرع الثاني : الرقابة على التسبيب القانوني:
لا تكتفي المحكمة في بسط رقابتها على أحكام قضاة الموضوع بفحص التكييف القانوني للوقائع، التي يستخلص منها القضاة النتائج التي توصلوا إليها وإنما تتولى مهمة مراقبة تسبيب الحكم تسبيبا منطقيا و قانونيا يتوافق مع وقائع القضية. وطالما كان التسبيب ينطلق من خلال التكييف القانوني للوقائع، فالقاضي يعرض عليه النزاع، وهو الذي يعمل على تحديد طبيعته، و يضعه في إطار القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على ذلك النزاع.
و عليه فإن الأسباب هي الجزء الذي يبين فيه القاضي المبررات التي من أجلها أصدر حكمه، وذلك بتفحص الحل القانوني الذي تتضمنه المادة القانونية، و مدى انطباقها على الوقائع التي كان قد وضع لها التكييف الملائم، فإذا انطبقت القاعدة القانونية على الواقعة انزل حكم القاعدة القانونية على الواقعة حسما للنزاع، وإن لم يتحقق ذلك، فإنه يتعين عليه البحث عن القاعدة القانونية التي تتضمن الحل القانوني لتلك الواقعة و القصور في التسبيب هو عرض غير كاف للعناصر الواقعية التي تبرر تطبيق القاعدة القانونية، بحيث إذا وضعت تلك العناصر إزاء قواعد قانونية أخرى فلا تؤدي إلى حل مختلف بالنسبة للقضية، فإذا قرر القاضي الاجتماعي أن الوقائع التي ادعى المستخدم ارتكابها من طرف العامل تعتبر خطأ جسيما يبرر تسريحه، فهل بهذا يكون قد قام بتقدير الوقائع غير خاضع لرقابة المحكمة العليا، أم أنه قام بعملية قانونية خاضعة لرقابة هذه الجهة القضائية؟.
الواقع أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في تحديد دور كل من قاضي الموضوع، وقاضي القانون، فقاضي الموضوع يراقب تكييف المستخدم لسبب تسريح العامل، و قاضي القانون يراقب تكييف قاضي الموضوع لهذا السبب.
فإذا تناقض قاضي الموضوع في عرضه و تكييفه مع الحل القانوني الذي تفرضه القاعدة القانونية، نكون بصدد قصور في الأسباب، لأن تسبيب الحكم هو إيراد الحجج الواقعية و القانونية التي بنى عليها قاضي الموضوع حكمه. و قد فرض المشرع قانونا التسبيب ليحمل القضاة على العناية بتمحيص مزاعم الخصوم، و فحص أدلتهم ووزنها و دراسته جميع نقاط النزاع، سواء اتصلت بالوقائع أو بالقانون دراسة وافية تمكنهم من استخلاص النتائج التي يؤسسون عليها حكمهم.
و قد بينت المحكمة العليا في العديد من قراراتها أن فقدان الأساس القانوني، و قصور التسبيب يتوفر عندما تطبق المحكمة قاعدة قانونية دون بيان العناصر الواقعية الكافية، و المبررة لتطبيقها، حيث جاء في أحد قراراتها أنه” متى كان من المقرر قانونا أن القرار الذي احتفظ بعدم توضيح الوقائع المنسوب فعلها للعامل، و تشخيص أخطائه وفقا لنظام الطاعنة المطبق عليه، و ذلك بعدم ذكر الأخطاء الجسيمة من طرفه لتبرير فصله، فإن هذا القرار تكون أسبابه غير كافية لمواجهة ما قدم من أدلة في الدعوى و ما أبديّ من طلبات و دفوع أطرافها، و يكون ذلك مشوبا بالقصور في التسبيب و التناقض في المقتضيات”([83]).
و القرارات التي نقضت فيها المحكمة العليا أحكام قضاة الموضوع نظرا للقصور في التسبيب كثيرة، وهو ما يفيد أن التسبيب هو المهمة الأساسية التي تقع على عاتق القضاة، لأنها تتطلب إيصال الفهم الذي توصلوا إليه في النزاع إلى أذهان المتقاضين ليقتنعوا به، و يتمثل غرض المشرع في فرض التسبيب تمكين كل من سيطلع على الحكم، أما بقصد المراقبة أو التحليل لأن يطمئن إلى أنه يمثل قدرا من الصواب، وأنه أقرب ما يكون إلى الحق و مطابقة الواقع والقانون.
و هكذا تمارس المحكمة العليا رقابتها على تسبيب الأحكام من الناحية القانونية، و هي رقابة ضرورية، حتى تتمكن هذه المحكمة من تحقيق مهمتها المتمثلة في السهر على حسن تطبيق القانون، و توحيد الاجتهاد.
الــخــاتــمــة
نخلص من خلال هذه الدراسة إلى أن المشرع راعى الجانب الاقتصادي لفئة فعالة في المجتمع و سلك في ذلك سياسة التوازن بين مصلحتين من جانب العمال و المصلحة الاقتصادية للمؤسسة محددا في ذلك الحالات التي ينجر عنها التسريح و منح للمستخدم سلطة إنهاء علاقة العمل دون اللجوء إلى الجهات القضائية وقفا لإجراءات شكلية و أخرى موضوعية و من جهة أخرى أحاط العامل بوسائل و ضمانات لمواجهة تعسف رب العمل و مخالفته القيود التي تحد من سلطته التأديبية، و لم يتوقف المشرع عند هذا الحد بل حدد الأخطاء الجسيمة التي يترتب عنها التسريح على سبيل الحصر من خلال تعديله لنص المادة 73 من القانون 90/11 بموجب القانون 91/29 المكرس باجتهاد المحكمة العليا و بالتالي فان التسريح لا يكون مبررا إلا لذا كان قائما على سبب جدي و حقيقي.
و يرجع إلى القاضي الاجتماعي سلطة تقدير قيام السبب الجدي و الحقيقي من عدمه من خلال دوره الايجابي في النزاع بإجراء التحقيق و تمحيص أدلة الإثبات المقدمة من الطرفين و هذا تحت رقابة المحكمة العليا. و هذا خروجا على القاعدة العامة ان المحكمة العليا هي محكمة قانون و ليست محكمة وقائع استنادا إلى التفسير المعطى لنص المادة 73 و اجتهاد المحكمة العليا كذلك، تنفرد الدعاوى المؤسسة على الطرد التعسفي بطابع خاص و ذلك أن الأحكام الصادرة بشأنها تكون ابتدائية نهائية بغض النظر عن النتيجة التي تؤول إليها سواء كان الطلب مؤسسا أو غير مؤسس و سواء تعلق الأمر بمنازعة تصنيف الخطأ أو إثباته أو بالإجراءات التأديبية المتبعة.
إن المشرع الجزائري لم يتخلص في قانون العمل رقم 90/11 المتعلق بعلاقات العمل والقوانين المعدلة له، أو المرتبطة به مثل القانون رقم 90/04 المتعلق بكيفية تسوية النزاعات الفردية في العمل، القانون رقم 90/02 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها و ممارسة حق الإضراب، من تقليد القانون الفرنسي و الاقتباس منه، رغم أن القانون الفرنسي يستمد أسسه من الأعراف السائدة في المجتمع الفرنسي، الذي كان يحكمه القانون الكنسي لقرون، و انتشار المذاهب المختلفة، التي تشبعت بها الفلسفة الغربية وان إنهاء علاقة العمل تصرف قانوني مأذون به شرعا أو قانونا، و بالتالي فهو مكنة مشروعة، متى توافرت شروطها الموضوعية أو الشكلية التي حددها المشرع، جاز القيام بها من غير أن يسأل عن الضرر.
كما أن تحديد حالات و صور الإنهاء بالمادة -73- من القانون رقم 90/11 المعدل بالقانون رقم 91/29، و الأمر رقم 96/21، سواء كان ذلك على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، لم ينه أسباب النزاع، لأن تحديدها على سبيل الحصر لا يتماشى مع منطق التطور، و اختلاف نطاق علاقات العمل من مستخدم لآخر، و نوع الخطر الذي يهدد حياة مؤسسة ما بعينها، أو رب عمل بذاته، و لأن عدم تحديدها يؤدي إلى إطلاق يد المستخدم و لذلك فاتجاه القانون رقم 90/11 إلى تحديد بعض تلك الصور و الحالات على سبيل الخصوص غير كاف و نحن نقترح تعديل المادة -73- من القانون رقم 90/11 بالنص على أن أسباب الإنهاء محددة على سبيل الحصر بهذا القانون، أو في عقد عمل فردي مكتوب، أو اتفاق جماعي تم طبقا للقانون، أو في النظام الداخلي الذي تم إعداده طبقا لما ينص عليه القانون، متى كان ذلك أثناء العمل أو بمناسبتها وأن ينص صراحة على أن جزاء الإنهاء غير المشروع هو البطلان، و أن للقاضي سلطة إلزام المستخدم بإرجاع العامل إلى منصب عمله الأصلي أو منصب عمل مماثل، و عند امتناع المستخدم عن التنفيذ العيني يحكم بالتعويض اعتمادا على الأجر الذي كان يمكن أن يحصل عليه العامل فيما لو استمر العامل في أداء عمله، إلى غاية تاريخ الامتناع و لمل لا إعادة النظر في القانون 90ـ11برمته ومحولة تكييفه مع ما يتلاءم و طبيعة المجتمع و الأعراف السائدة.
قائمة المراجع
1ـ المؤلفات
اـ باللغة العربية
1/د.احمية سليمان:التنظيم القانوني لعلاقة العمل في التشريع الجزائري علاقة العمل الفردية الجزء2 طبعة،2001 ديوان المطبوعات الجامعية.
2/ا.عبد الرحمن خليفي:الوجيز في منازعات العمل و الضمان الاجتماعي، دار العلوم للنشر و التوزيع 2008
3/ا عبد السلام ذيب:قانون العمل و التحولات الاقتصادية ،دار القصبة للنشر الجزائر 2003
4/د.عبد الرزاق احمد السنهوري:الوسيط في شرح القانون المدني الجديد نظرية الالتزام الجزء1، دار النشر للجامعات المصرية القاهرة1952.
5/ا.عبد الحفيظ بلخيضر:الانهاء التعسفي لعقد العمل، دار الحداثة لبنان الطبعة1986.
6/عبد الوهاب البندر: طرق الطعن في العقوبات التاديبية ،دار الفكر1998.
7/د.فتحي الدريني:نظرية التعسف في استعمل الحق في الفقه الاسلامي ،مؤسسة الرسالة ط4 بيروت1977.
8/د.فتحي عبد الصبور:الوسيط في قانون العمل المدخل الى تشريع العمل علاقات العمل الفردية الجزء1، دار الهناء 1985.
9/ا.سعيد طربيت:سلطة المستخدم العمال تاديبيا، ديوان المطبوعات الجامعية 2001.
10/ ا.مصطفى محمد الجمال:الانهاء غير المشروع لعلاقة العمل محاولة تاصيل الجزاء،بيروت 1970.
11/ا.مصطفى كامل منيب:المبادىء القانونية في مواد عقد العمل ،دارالفكر العربي ط1 1989.
12/د. قدري عبد الفتاح الشهاوي:موسوعة قانون العمل،منشاة المعارف الاسكندرية2003.
13/د. نبيلة زين:قضايا العمل اجتهادات و نصوص قانونية اساسية مؤسسة بحسون للنشر و التوزيع ط 1996.
14/ا. يحي بكوش: الاحكام القضائية و صياغتها الفنية.
15/د. محمود جمال الدين زكي- عقد العمل في القانون المصري- مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب- ط2- سنة 1982.
16/ا.رشيد واضح:منازعات العمل الفردية و الجماعية في ظل الاصلاحات الاقتصادية بالجزائر،دار هومة ط 4 ،2007.
ب ـ باللغة الفرنسية
Cristophe Radé :Droit de Travail 3eme Monchestien2004
Gerard lyoncafen Jeon :Droit du travail 16eme daloz 1982
Jean paul Antona : la rupture du contrat 3eme édition 1999
ج ـ النصوص التشريعية و التنظيمية
– الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.
– قانون رقم 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل المعدل و المتمم.
ـ قانون 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الاجراءات المدنية و الادارية.
– قانون رقم 90/02 المؤرخ في 06 فيفري 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها و ممارسة حق الإضراب المعدل و المتمم.
– قانون رقم 90/04 المؤرخ في 06 فيفري 1990 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل المعدل.
– القانون رقم 90/03 المؤرخ في 06 فيفري 1990 المتعلق بمفتشية العمل المعدل و المتمم.
ـ القانون رقم 82/06 المتعلق بعلاقات العمل الفردية المؤرخ في 27-02-1982.
– المرسوم التطبيقي رقم 82/302 المتعلق بكيفية تطبيق الأحكام التشريعية الخاصة بعلاقات العمل الفردية المؤرخ في 11 سبتمبر 1982.
ب-المجلات و الدوريات القانونية
المجلة القضائية 1989 العدد الأول.
المجلة القضائية 1998 العدد الأول.
المجلة القضائية 2000 العدد الأول.
المجلة القضائية 2001 العدد الأول والثاني.
المجلة القضائية 2002 العدد الأول والثاني.
المجلة القضائية 2003 العدد الأول.
المجلة القضائية 2004 العدد الأول.
نشرة القضاة 1999 عدد 55.
الموسوعة القضائية 2000 – قرص مضغوط.
عبد السلام ذيب :الحلول القضائية للمشاكل المترتبة عن تطبيق المادة 73مكرر من قانون 90/11 مقال نشر بالمجلة القضائية 2001 العدد 2.
المجلة الجزائرية للعمل عن المعهد الوطني للعمل عدد 22 ،1998.
الاتفاقية الدولية المؤرخة 22 جوان 1982 المتعلقة بانهاء علاقة العمل بمبادرة من المستخدم تحمله عبء
اثبات وجود سبب جدي للطرد.WWW JURISTRAVAIL COM
محاضرات القاضي دحماني مصطفى.
الفـهــــرس
الفصل التمهيدي : النظام القانوني لإنهاء علاقة العمل…………………………………………ص01
المبحث الأول : الأسباب اللاإرادية لإنهاء عقد العمل …………………………………………ص02
المطلب الأول : انتهاء علاقة العمل بقوة القانون……………………………………………..ص02
الفرع الأول : البطلان أو الإلغاء القانوني للعقد………………………………………………ص02
الفرع الثاني : انتهاء مدة العقد……………………………………………………………..ص02
الفرع الثالث : التقاعد…………………………………………………………………….ص02
المطلب الثاني : انتهاء علاقة العمل لاستحالة التنفيذ…………………………………………..ص03
الفرع الأول : العجز الكلي عن العمل………………………………………………………ص03
الفرع الثاني : انتهاء النشاط القانوني للمحكمة………………………………………………..ض03
الفرع الثالث : الوفاة……………………………………………………………………..ص03
المبحث الثاني : الأسباب الإرادية لانتهاء عقد العمل …………………………………………ص03
المطلب الأول : إنهاء علاقة العمل بإرادة العامل……………………………………………..ص04
الفرع الأول : الفسخ لاتفاقي……………………………………………………………….ص04
الفرع الثاني : الاستقالة……………………………………………………………………ص04
الفرع الثالث : الذهاب الإرادي…………………………………………………………….ص04
المطلب الثاني : إنهاء علاقة العمل بإرادة رب العمل………………………………………….ص05
الفرع الأول : التسريح لأسباب اقتصادية……………………………………………………ص05
الفرع الثاني : التسريح التأديبي …………………………………………………………..ص06
الفصل الأول : الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل……………………………………………ص07
المبحث الأول : مفهوم الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل…………………………………….ص08
المطلب الأول : تعريف الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل……………………………………ص08
الفرع الأول : عدم المشروعية في الفقه و الشريعة……………………………………………ص08
الفرع الثاني : عدم المشروعية في القانون ………………………………………………….ص10
المطلب الثاني : المعيار المتبع لتقدير عدم المشروعية………………………………………..ص 11
الفرع الأول : معياره في الفقه…………………………………………………………….ص 11
الفرع الثاني : معياره في القانون………………………………………………………….ص 12
المبحث الثاني : حالات الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل ………………………………….ص 13
المطلب الأول : الإنهاء المتخذ مخالفة للقواعد الموضوعية……………………………………ص 13
الفرع الأول : عدم توافر حالات الخطأ الجسيم………………………………………………ص 13
الفرع الثاني : حالات تطبيقية أخرى ………………………………………………………ص 18 المطلب الثاني : الإنهاء المتخذ مخالفة للإجراءات……………………………………………ص19
الفرع الأول : في التسريح الفردي للعامل……………………………………………………ص19
الفرع الثاني : في التسريح الجماعي للعمال…………………………………………………ص 22
المبحث الثالث : نتائج و آثار الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل…………………………………..ص24 المطلب الأول :نتائج الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل………………………………………ص24
الفرع الأول : إجراءات التسوية الودية……………………………………………………..ص 25
الفرع الثاني : الإجراءات أمام المحكمة الاجتماعية وطبيعة الحكم الصادر………………………ص 26
المطلب الثاني : آثار الإنهاء غير المشروع …………………………………………………ص27
الفرع الأول : آثار التعسف في إنهاء علاقة العمل…………………………………………..ص 27
الفرع الثاني : آثار مخالفة الإجراءات في إنهاء علاقة العمل………………………………….ص 30
الفرع الثالث : تسليم شهادة نهاية العمل…………………………………………………….ص 32
الفصل الثاني : رقابة القضاء الاجتماعي على الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل……………….ص 34
المبحث الأول :عبء إثبات السبب الجدي للإنهاء…………………………………………….ص35
المطلب الأول : إثبات أطراف النزاع للسبب الجدي………………………………………….ص 35
الفرع الأول : دور المستخدم في الإثبات …………………………………………………..ص 36
الفرع الثاني :دور العامل في الإثبات ……………………………………………………..ص 38
المطلب الثاني : دور قاضي الموضوع في إثبات السبب الجدي للإنهاء…………………………ص 39
الفرع الأول : سلطة القاضي في تقدير وسائل الإثبات………………………………………..ص 40
الفرع الثاني : وسائل و سلطة القاضي لإثبات سبب التسريح………………………………….ص 46
المبحث الثاني : سلطة القاضي في تقدير الظروف الموضوعية و الإجرائية لإنهاء علاقة العمل…….ص48
المطلب الأول : سلطة القاضي في تقدير جسامة الخطأ……………………………………….ص 48
الفرع الأول : اعتماد المعيار الموضوعي في تقدير جسامة الخطأ……………………………..ص 48
الفرع الثاني : اعتماد المعيار الذاتي في تقدير جسامة الخطأ……………………………………ص50 المطلب الثاني : سلطة القاضي في مراقبة الشروط الإجرائية………………………………….ص 52
الفرع الأول : مراقبة الشروط الإجرائية للتسريح التأديبي……………………………………..ص52
الفرع الثاني : مراقبة الشروط الإجرائية للتسريح لأسباب اقتصادية…………………………….ص53
المبحث الثالث : حدود السلطة التقديرية لقاضي الموضوع …………………………………..ص 55
المطلب الأول : دواعي الحد من سلطة القاضي التقديرية…………………………………….ص 55
الفرع الأول : الدواعي القانونية……………………………………………………………ص55
الفرع الثاني : الدواعي الموضوعية ………………………………………………………ص56 المطلب الثاني : رقابة المحكمة العليا …………………………………………………….ص 58
الفرع الأول : رقابة تكييف الوقائع………………………………………………………..ص58
الفرع الثاني : الرقابة على التسبيب القانوني………………………………………………..ص 59
الخاتمة…………………………………………………………………………………ص61
الإهــــــداء
إلى كل الشرفاء و النزهاء بهذا الوطن
أهدي هذا العمل…
[1] الاستاذ عبد الرحمان خليفي : الوجيز في منازعات العمل والضمان الاجتماعي دار العلوم لنشر والتوزيع 2008 ص 33
[2] المجلة القضائية 1990 العدد 04 ص 05
[3] الاستاذ عبد السلام ذيب:قانون العمل و التحولات الاقتصادية دار القصبة للنشر الجزائر 2003
[5] المجلة القضائية سنة 2003 العدد 001 ص 238
[6] الاستاذ مصطفى كامل منيب : المبادئ القانونية في مواد عقد العمل ، دار الفكر العربي ، الطبعة الأولى .
[7] الاستاذ ديب عبد السلام : قانون العمل و التحولات الاقتصادية، دارالقصبة للنشر الجزائر 2003 ص 274.
[8] Droit Travail : Christophe Radé 3 eme édition Monchrestien 2004 p134 .
[9] GH Camerlynh Gerard Caen – Jean Pellissier Drceit du Travail Dalloz – 13 eme échition – Paris 1986 .p310
[10] الدكتور فتحي الدريني : نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلامي ، مؤسسة الرسالة ، ط4 ، بيروت 1977 ، ص 47 .
[11] الدكتور مصطفى محمد الجمال : الانهاء الغير مشروع لعلاقة العمل ، محاولة تأصيل الجزاء ، بيروت 1970 ص 110.
[12] – الدكتور فتحي الدريني – المرجع السابق – 321 .
[13] – الدكتور عبدالرزاق أحمد السنهوري – الوسيط فيشرح القانون المدني الجديد نظرية الالتزام (مصادر الالتزام) الجزء 1 – دار النشر لجامعات المصرية – القاهرة 1952 –ص 837 .
[14] – الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء .
[15] – الدكتور فتحي الدريني : المرجع السابق ، ص 307 .
[16] – الدكتور مصطفى محمد الجمال الانهاء الغير مشروع لعلاقة العمل محاولة تاصيل الجزاء بيروت 1970 ص 45
[17] – المادة 77 من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقة العمل المعدل و المتمم بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991.
[18] المادة 36 من قانون 90/02 المؤرخ في 06/02/1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب “تشكل عرقلة حرية العمل، كما يشكل رفض الامتثال لتنفيذ أمر قضائي بإخلاء المحلات المهنية خطأ مهني جسيم، دون المساس بالعقوبات”.
[19] الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ملف رقم 135452، قرار صادر بتاريخ 4 جوان 1994. المجلة الجزائرية للعمل الصادرة عن المعهد الوطني للعمل، عدد 22، 1998.
[20] – ذيب عبدالسلام : المرجع السابق ص324
[21] – ديب عبد السلام : المرجع السابق ص454
[22] ديب عبد السلام ، المرجع السابق ص454.
[23] – سعيد طربيت : سلطة المستخدم تسريح العمال تأديبيا : ديوان المطبوعات الجامعية 2001 ص 22 .
[24] – الدكتور فتحي عبدالصبور الوسيط في قانون العمل المدخل الى تشريع العمل علاقات العمل الفردية الجزء الاول دار الهناء 1985 ص143
[25] – رشيد واضح : منازعات العمل الفردية والجماعية فيظل للإصلاحات الاقتصادية بالجزائر دار هومة الطبعة الرابعة 2007 ص 126 .
[26] – سعيد طربيت ،المرج السابق 102.
-[27]الدكتور محمد جمال الدين زكي ص 1087
[28] – الدكتور قدري عبد الفتاح الشهاوي :موسوعة قانون العمل ،منشأة المعارف الإسكندرية 2003،ص180.
[29] – القاضي دحماني مصطفى ،بحث حول تحليل المادة 73/4 ،ق90-11 مرجع سابق .
[30] – الدكتور حسام الدين كامل الأهواني ،شرح قانون العمل – مطبعة أبناء وهبة حسان –القاهرة سنة1991 ص670.
[31] – القاضي دحماني مصطفى :المرجع السابق ص14.
[32] – الدكتور جمال الدين زكي –المرجع السابق –ص730.
[33] – أدميته سليمان –التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري -علاقة العمل الفردية الجزء2 –طبعة 2001 ديوان المطبوعات الجامعية .
[34] – أحمية سليمان :المرجع السابق :ص386
[35] – الأستاذ عبد السلام ذيب المرجع السابق :ص170 .
[36] – الأستاذ رشيدواضح:المرجع السابق ص28.
[37] – الأستاذ أحمية سليمان :المرجع السابق :ص302.
[38] – عبد السلام ذيب : المرجع السابق ص561.
[39] – القاضي دحماني مصطفى: المرجع السابق 14.
[40] المجلة القضائية العدد 1-2004
[41]- أدمية سليمان : المرجع السابق ص 320.
[42] عبد السلام ديب .المرجع السابق ص 178.
[43] محاضرات القاضي دحماني مصطفى ص 24 .
[44] – د .عبدالحفيظ بلخيضر – الإنهاء التعسفي لعقد العمل – دار الحداثة – ط 1986 – ص 364 .
[45] – الاتفاقية الدولية المؤرخة في 22 جوان 1982 ، المتعلقة بإنهاء علاقة العمل بمبادرة من المستخدم تحمله عبء إثبات وجود سبب جدي للطرد www.juristravail.com.
[46] – قرار رقم 1.91272 بتاريخ 14-03-2000 المجلة القضائية 2001 ع 2 ص 167 .
[47] – عبدالوهاب البندار – العقوبات التأديبية – دار الفكر – ص 109 .
[48] – قرار رقم 211629 بتاريخ 17-01-2001 المجلة القضائية 2002 ع1 ص 173 .
[49] – قرار رقم 155985 بتاريخ 10-02-1998 المجلة القضائية ع1
[50] – عبدالوهاب البندار – طرق الطعن في العقوبات التأديبية – دار الفكر – ص 178 .
[51] – قرار رقم 188909 بتاريخ 15-02-2000 المجلة القضائية 2001 ع2 ص 176 .
[52] – قرار رقم 167320بتاريخ 18-12-1998 المجلة القضائية 2000 ع 1 ص 105
[53] – Gerad lyon cafen jeon – Droit du travail 16 eme DALOZ 1982 P 270
[54] – Cass soc 29 nov 1990 p190 qu un licenciement pour une cause inhérents a la personne doit étre fondée sur des élements objectifs que la perte de confiance allegué par l’employeur ne constitue par en soit sur un motif de licenciement.
[55] – عبدالسلام ذيب – الحلول القضائية للمشاكل المترتبة عن تطبيق المادة 4.73 من قانون 90/11 – مقال نشر بالمجلة القضائية 2001 ع 2 ص 21 .
[56] – عبدالرزاق السنهوري – الوسيط في شرح قانون المدني – الجزء الثاني ص 30
[57] – قرار رقم 212611 بتاريح 13/02/2002 المجلة القضائية ع 1 ص: 177
[58] – jean paul-antona: la rupture du contrat du travail- 3eme édit°1999 P:03
[59] – قراررقم1629 بتاريخ 17/01/2001 المجلة القضائية 2002 عدد الأول ص 17.
[60] – jean rivero et j.savatier: droit du travail 6eme édt° dalloz p626
[61] – بلخيضر عبد الحفيظ- الإنهاء التعسفي لعقد العمل –دار الحداثة1987 –ص 228
[62] – نبيلة زين : قضايا العمل ” اجتهادات ونصوص قانونية أساسية ” مؤسسة بحسون النشر والتوزيع طبعة 1996 ص 223 .
[63] – بلحيضر عبد الحفيظ –المرجع السلبق –ص:23
[64] – قرار رقم 224829 بتاريخ 03/04/2002 المجلة القضائية 2003 العدد الأول ص 226
[65] – قرار رقم 222184 بتاريخ 16/05/2001 المجلة القضائية ع2/2002 ص287
[66] – عبد الوهاب البندار- طرق الطعن في العقوبات التأديبية – دار الفكر- ص 237.
[67] – – قرار رقم 210446 بتاريخ 17/01/2001 المجلة القضائية 2002 ع 2 ص:312
[68] – ART L 122-14-3 du code de travail F .du 13 juillet 1975 « En cas de litiges le juge a qu’il appartient d’apprécier la régularité de la procédure suivie et le caractère réel et sérieux des motifs invoquée par l’employeur.forme sa conviction au vu des élements fournis par les parties et au besois après toutes mesures d’instruction qu’il estime utiles
[69] – أحمد شوقي محمد عبد الرحمان- المرجع السابق- ص 76.
[70] – عبد السلام ذيب- المرجع السابق- ص 165.
[71] – أحمد شوقي محمد عبد الرحمن – المرجع السابق- ص 78
[72] – قرار رقم/49103 بتاريخ 06/03/1989 –الموسوعة القضائية 2000- C.D
[73] – سعيد طربيت : المرج السابق ص 47 .
[74] – د. فتحي عبدالصبور ، المرجع السابق ، ص 689
[75] – المحكمة العليا ، الغرفة الاجتماعية : قرار رقم 182.508 الصادر في 09 مارس 1993
[76] – المحكمة العليا ، الغرفة الاجتماعية : قرار رقم 182.053 الصادر في 09 جوان 1998 غير منشور
[77] – المحكمة العليا ، الغرفة الاجتماعية : قرار رقم 053 . 161 الصادر في 14 أفريل 1998 غير منشور
[78] – بلخيضر عبدالحفيظ – المرجع السابق – ص 255 .
[79] – بلخيضر عبدالحفيظ – المرجع السابق – ص 258.
[80] – يحي بكوش – الأحكام القضائية و صياغتها الفنية- ص 55.
[81] – قرار رقم111662 بتاريخ 22-11-1994 – نشرة القضاة. ع 55 ص 120.
[82] – قرار رقم 35213 بتاريخ 21-011986 – الموسوعة القضائيةC.D
[83] – قرار رقم 36976 بتاريخ 26-03-1994 – الموسوعة القضائية 2000 C.D
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً