أحكام الخطأ الموجب للمسئولية القانونية في المجال الرياضي بالقانون المغربي
إن الممارسة الرياضية بحكم طابعها الخاص الـذي يعتمد على تحقيق اللياقة البدنية تتطلب مجهودات عالية و متواصلة، قد تكون أحيانا عرضة للأخطاء، فالرياضيين هم أكثر عرضة لمخاطر الرياضة و خاصة في الوقت الحالي مع تزايد عدد الممارسين و التدريبات المكثفة و الصعبة، تزداد معها الأخطاء التي قد تتسبب في حدوث أخطار مؤدية إلى وقوع أضرار سواءا كانت بشكل مباشر أو غير مباشر.
في هذا الصدد يمكن التنويه هنا بأنه يمكن تسجيل وقوع مجموعة من المآسي التي ضربت الوسط الرياضي الجواري منذ سنوات و التي أودت بحياة العديد من الرياضيين من جراء أضرار جسدية خطيرة تعرضوا لها.
و أمام غياب التنظيم التشريعي الذي يحكم المسؤولية الناتجة عن الممارسة الرياضية المسببة لأضرار سواء وقعت بطريق مباشر أو غير مباشر، فلا مناص من الرجوع للقواعد العامة في القانون المدني للوقوف على أحكام هذه المسؤولية.
سنحاول من خلال هذا الملخص تناول جملة من التساؤلات حول؛ ماهية الخطأ الموجب للمسؤولية المدنية في المجال الرياضي؟ و ما مدى جسامته و درجته؟.
– ماهية الخطأ الموجب للمسؤولية في المجال الرياضي:
لقد إسترعى التفاعل بين أحكام المسؤولية المدنية و النشاط الرياضي إهتمام الفقه تبعا لما يتميز به النشاط الرياضي من خصائص خاصة ما تعلق منها بقواعد اللعبة، و يعتبر الخطأ أحد الركائز التي تبنى عليها قواعد المسؤولية القانونية، فهل يتمادى تعريفه بالاعتماد على الإهمال و الانحراف عن السلوك العادي، أم أن خصوصيته في المجال الرياضي تميزه عن مفهومه التقليدي؟
1 /موقف الفقه و القضاء حول مسألة الخطأ الرياضي:
لم يخف الفقه مدى خصوصية الخطأ الرياضي في مجال المسؤولية المدنية ذلك أن النشاط الرياضي تجاوز الجهد العادي و القدرات الذاتية تحقيقا لأفضل النتائج و الغايات، هذا التحامل على النفس لا يخرج وجوبا عن مبدأ احترام نظم اللعب و التحلي في جميع الظروف بالروح الرياضية، فهو نمط سلوكي لا يرجع إلى أب الأسرة الصالح بل إلى نمط الرياضي الصالح، ليتغير مفهوم اللامشروعية في النشاط الرياضي و يرتفع إلى مرتبة مغايرة لما هو عليه الخطأ العادي، و إذا لم نعثر على تعريف قضائي واضح في نظامنا، فالثابت بداهة أنه لا يتطابق مع الخطأ القصدي الناجم عن العنف و الاعتداء المجاني، و الثابت كذلك أنه يقدر بالنظر إلى نظام اللعب و الروح الرياضية، و يعني ذلك أن الرياضي ذو طاقة خاصة تضعف الإنعكاس العادي للحذر، و يمكن في هذا الصدد الاستئناس بالقضاء الفرنسي لكثرة التطبيقات العملية فيه و لتأصيله للفعل الضار المرتب لمسؤولية الرياضي، فبعد أن إعتبر الأمر قائما على خطأ ضد قواعد اللعب (( jeu de régles aux contraire faute إعتمد على خطأ متميز بخرق قواعد اللعب، و نتيجة لذلك إعتبر إتجاه ثان أن الخطأ الرياضي يخرج عن بوتقة الخطأ الخاص المتميز، و فاقد لمميزات خاصة به ليقترب من الأحكام العامة للقانون فلا حاجة لمعارضة الخطأ ضد اللعب و الخطأ في اللعب، و لا وجاهة حينئذ في اعتماد معيار الرياضي الصالح، لأن الخطأ هو انحراف عن سلوك الرجل اليقظ العادي، بالنظر إلى مخالفته لقواعد اللعبة فقط، مما ييسر قيام الخطأ و ينزل باللامشروعية درجة دنيا، و في الأمر قبول بالمخاطر العادية التي يشرعها النشاط الرياضي.
ولكن أنصار المذهب الثاني لم يتخلفوا عن إعطاء حجج تدعم تفسيرا مغايرا لتلك القرارات، مفادها أنها لم تتخلى عن الخطأ الرياضي الخاص، و عن خروجها عن النزاهة في ممارسة اللعبة، ليقبل أغلب الفقهاء بهذه الخصوصية التي تميزه عن الخطأ التقليدي، فالنشاط الرياضي يقوم على تحامل النفس و بذل لأقصى جهد بدني لكنه مع ذلك لا يمكن أن يخرج على إحترام قواعد اللعب.
كما أن الأخطاء التي تقوم على إهمال مبالغ فيه، لعدم تناسب الحركة الرياضية مع إمكانية الطرف الأخر في تجنبها، كأن يتولى مدرب المصارعة القيام بمسك مبتدئ مع حركة لا يقوى على ردها أو التفاعل معها، هي أخطاء رياضية. و لذلك فان تعريف الخطأ الرياضي يخرج عن مفهوم خرق قواعد اللعبة الفنية، ليعرف كخطأ يخالف قواعد اللعبة و يثير التقدير قضية الإهمال المفرط كحركة انزلاقية أدت إلى الإضرار بلاعب كرة قدم المنافس، قضاء الأصل في فرنسا رتب مسؤولية اللاعب، لكن محكمة التعقيب الفرنسية نقضت لأن القرار لم يعلل تعليلا يرتقي بمسألة الإخلال بقواعد اللعبة إلى درجة اليقين، و محكمة الإحالة إعتبرت مع ذلك قيام الخطأ الرياضي، بسبب الدرجة الخطيرة و العنيفة للحركة و التدخل.
و بذلك فإن خصوصية الخطأ الرياضي تقوم على معيار الرياضي الصالح، و هو يتجاوز الخطأ الفني، ليتحدد بالإخلال بقواعد السلامة و الحيطة، كما أن قرارات الحكم لا تتمتع بأية حجية على تعريف الخطأ المدني، لأنها غير ذات السلطة على قواعد القانونية، فالقواعد الفنية ليست في حد ذاتها قواعد قانونية مدنية، فقد أصيب لاعب بجراح خطيرة و الحكم إعتبر سلوك المتسبب في الضرر عاديا لتوافقه مع أصول اللعبة، و رغم ذلك فإن القضاء رتب المسؤولية المدنية[5 ،[و هذا إقتباس عن ما صدر في القضية؛
« Mais attendu que le principe posé par les réglements organisant la pratique d’un sport ,selon lequel la violation des régles du jeu est laissée àl’appréciation de l’arbitre chargé de veiller a leur application ,n’a pas pour effet de priver le juge civil ,saisi d’une action en responsabilité
fondée sur la faute de l’un des pratiquants de sa liberté d’apprécier si le comportement de ce dernier a constitué une infraction aux régles du jeu de nature à engagé sa responsabilité ».
و بالنظر إلى نظام الضمان و التأمين الإجباري المفروض من طرف القانون في ما يخص ممارسة الأنشطة البدنية و الرياضية، يمكن أن تترتب المسؤولية بناء على الخطأ العادي ، فقانون التأمين في مضمونه تطرق إلى الأخطار بصيغة عامة، دون تفريق بين العادية و ما يخرج عن إطار اللعبة، و هو ما ينعكس بالضرورة على تعريف الخطأ و الفعل الضار عموما، لكن القضاء إعتنق موقفا مغايرا بترك لا مشروعية السلوك جانبا ليحول النظام إلى ضمان مطلق لكل ضرر، مهما كان مصدره ، يصيب ممارس اللعبة في حادث رياضي، حتى ذلك الذي يلحقه من تلقاء نفسه عند الحصص التدريبية، أو
في مرحلة الحركات التسخينية أو عندما يسقط متعثرا على أرضية الميدان، دون أدنى إلتفاتة إلى اشتراط الخطأ، فيكفي توفر الفعل المادي مثل الإصطدام العفوي و هو ما يصفه القضاء بالجنحة، بل إن المسؤولية آلية تقوم على إرتباط الضرر سببيا مع الحادث الرياضي.
و الخلاصة مما سبق ذكره في الأحكام الصادرة من القضاء المقارن، أن القضاء يفسر الخطأ على ضوء وجود عقد التأمين المبرم مع الاتحاديات و الرابطات ، مصطلح الأخطار الرياضية ليرادفه بمفهوم الأضرار الفردية أو غيرها فإنقلبت المسؤولية من صورة ذاتية خاصة بالرياضة إلى نظام موضوعي يستند على تواجد الضمان.
2 /درجات جسامة الخطأ الرياضي:
المعروف بأن الخطأ هو كل سلوك يعتبر إنحرافا عن سلوك الشخص المعتاد، و هذا الانحراف يكون واضحا لا لبس فيه إذا كان ينطوي على قصد إحداث الضرر بالغير، أي إذا كان الخطأ عمدا و هو يكون في مثل هذا الوضوح في بعض صور الخطأ غير العمدي إذا كان الخطأ جسيما، و على العكس من ذلك يدق الحكم على السلوك بأنه خطأ أو صواب إذا كان الانحراف يسيرا، أي في حالات الخطأ اليسير.
و كل أنواع الخطأ، العمدي و اليسير و الجسيم، كلها سواء في ترتيب الالتزام بتعويض الضرر الحادث عن أي منها، و لكن القانون يضع في بعض الأحوال، أحكاما خاصة لهذه الأنواع من الأخطاء مما يستوجب الإشارة لكل نوع منها على حدى .
1 /الخطأ العمدي: هو السلوك الذي ينطوي على قصد إحداث الضرر بالغير، و لذلك يسمى اصطلاحا )جرما ( فلا يكفي لوصف السلوك بأنه خطا عمدي أن يقصد الشخص هذا السلوك، بل يجب أن يهدف منه قاصدا إلى إحداث الضرر بالغير.
2 /الخطأ بإهمال: وهو الذي يقع بدون قصد الإضرار، كإهمال الدولة إصلاح انهيار وقع في طريق عمومية ولا تنتبه إليه.
3 /الخطأ الايجابي: هو الذي يكون فيه فعل المخطئ فعلا ايجابيا.
4 /الخطأ السلبي: هو الذي يكون فعل المخطئ فيه فعلا سلبيا.
5 /الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير: فالخطأ الجسيم، هو الذي لا يرتكبه إلا شخص غبي. و الخطأ اليسير هو الذي لا يرتكبه شخص متوسط الفطنة والذكاء.
يراعى في تحديد سلوك الرجل العادي، هو الرجل المتيقض الحريص المتبصر على أساس موضوعي مجرد، لا على أساس شخصي ذاتي يتعلق بمحدث الضرر نفسه، فنحن في تحديدنا ما إذا كان الفعل خطأ أو غير ذلك لا نهتم بالشخص مرتكبه في حد ذاته، و إنما ننظر إلى الفعل نفسه ، ثم نزنه بمقياس موضوعي مجرد، فلا جدال في أن الناس يختلفون فيما هم عليه من الفطنة و الذكاء و الحرص و التبصر بالأمور، فمنهم البالغ بفطنته، و منهم
من يتمتع بفطنة و حرص عاديين، أي يحظى منهما بالقدر الذي نجده عند غيره من جمهور الناس و سوادهم، و من الناس في النهاية من يكون حظه من الحرص والتبصر أقل من المستوى العادي فيبدوا خامل الذهن قاعد الهمة، و إذا ما أردنا أن نزن الفعل بمقدار ما يتمتع به مرتكبه من فطنة أو حرص وجدناه يختلف باختلاف الأشخاص، فأقل انحراف في سلوك الرجل البالغ في ذكائه و حرصه يعتبر بالنسبة إليه خطئا، في حين أن الفعل لا
يعتبر خطئا بالنسبة إلى بليد الذهن قاعد الهمة إلا إذا تضمن انحرافا كبيرا بارزا و ظاهرا، في حين أن الفعل الذي يؤتيه الرجل المعتاد أي ذاك الذي يتمتع بفطنة و حرص عاديين يعتبر بالنسبة إليه خاطئا إذا كان ظهر من خطأ الشخص الأول و اقل بروزا من خطأ الثاني، و نحن في تكييفنا للفعل على أساس انه خاطئ أو غير خاطئ لا ننظر إليه من خلال صاحبه و إنما ننظر إليه في حد ذاته، فالمهم عندنا هو التعدي نفسه و ليس المعتدي.
نخلص من كل ما سبق، أنه يجب أن نعتد بالفعل ذاته مجردا عن صاحبه، و يترتب عن ذلك نتيجة هامة و هي وجوب أن لا نعتد بالشخصية المتعلقة بمن إرتكب الفعل من حيث أنه خارق الذكاء شديد الفطنة بالغ الحرص، أو أنه بليد الذهن محدود الذكاء خائر الهمة، و إنما نقيس الفعل على أساس ما كان يفعله الرجل العادي أي الرجل المتيقظ الحريص، و كما قلنا يقصد بالرجل العادي ذاك الذي يمثل سواد الناس، فلا هو خارق الذكاء شديد الفطنة بالغ الحرص و التبصر بحيث يرتفع من الناس إلى الذروة، ول ا محدود الفطنة خائر الهمة فينزل من الناس إلى الحضيض، بل هو وسط بين هذا أو ذاك، فإذا كان الفعل الذي نريد قياسه يتضمن إنحرافا عن سلوك الرجل العادي أي سلوك الرجل المتيقظ الحريص المتبصر، بمعنى أن الرجل العادي لو وجد في نفس الظروف كان يأتيه، فإنه لا يعتبر فعلا خاطئا حتى لو كان مرتكبه يتميز عن سواد الناس بفطنة خارقة كان يستطيع بها أن يتفاداه، فالشخص بالنسبة إلى تحديد ما إذا كان استعداده من حيث الفطنة و الذكاء و الحرص يدنوا به عن مرتبة الرجل العادي أو يرتفع، فالشخص هنا مأخوذ بمعيار سلوك الرجل العادي المتيقظ الحريص المتبصر حتى لو كان محدود الذكاء و قليل الفطنة ،و هو مأخوذ به حتى لو كان ثائر الطبع عنيف التصرف عصبي المزاج.
فلو أن رياضي قائد يحترف الرياضات الميكانيكية مثلا، كان بالغ المهارة في القيادة و مع ذلك ارتكب فعلا كان الرجل العادي ليرتكبه في نفس ظروفه، فإن هذا الرجل لا يعتبر مخطئا حتى لو كان في إمكانه لو أنه استغل مهارته الفذة أن يتفادى الفعل الذي وقع.
– ختاماً لما سبق ذكره فإن الخطأ الموجب للمسؤولية المدنية في المجال الرياضي، تجعل منه الحد الفاصل لتأسيس نظام المسؤولية المدنية عن
الحوادث الرياضية و إرساء دعائمه بالشكل الذي يحقق التوازن بين تطبيق هذه المسؤولية و بين تقييدها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً