مقاربة قانونية وقضائية – إمتياز الخزينة العامة على العقار في القانون المغربي
مما لا شك فيه أن النظام القانوني للضمان العام، لا يوفر للدائنين حماية فعالة حالة إعسار مدينهم، خاصة إذا ما تعدد هؤلاء الدائنين، وخضعوا عند استحقاق ديونهم، لقاعدة المساوة في التوزيع دون اعتبار للأولوية فيما بينهم، مع احتمال عدم كفاية أمواله للوفاء بحقوقهم جميعا.
ومن هذا المنطلق جاءت فكرة الضمانات العينية[2 [التي تحد أو تخفف من الخطورة التي تواجه الضمان العام الذي يضمن حقوق الدائنين حالة إعسار مدينهم، بل أكثر من ذلك أن المدين يبقى حرا في التصرف في أمواله، مما قد يزيد ذمته ثقلا، وتأثير ذلك على دائنيه سلبا.
لهذه الاعتبارات قننت جل التشريعات نظام الضمانات العينية، ومنها التشريع المغربي في مدونة الحقوق العينية في المواد من 142 إلى 220 ،محددا بذلك الأحكام المتعلقة بالامتيازات والرهن الرسمي، والرهن الحيازي.
إلا أن دراستنا ستكون موجهة نحو حق الامتياز كضمان عيني تبعي منظم في المواد 142 إلى 144 من مدونة الحقوق العينية، وكذا مجموعة من القوانين الخاصة.
وهكذا مثلا إذا كانت الأفضلية وفق نظام التحفيظ العقاري، تعطى لصاحب الحق العيني المقيد أولا بالرسم العقاري، إذ في حالة مثلا تزاحم الدائنين المرتهنين يؤخذ بعين الاعتبار تاريخ تقييد الحق بالرسم العقاري، فإنه بالنسبة لحقوق الامتياز العقاري الوضع يختلف، فصاحبها يتقدم على جميع الدائنين المرتهنين.
كما أن آثار حقوق الامتياز غير مرتبطة بالتقييد بالرسم العقاري، إذ تعتبر موجودة ومنتجة لآثارها ولو لم يتم تقييدها، إذ تحدد رتبتها بقوة القانون.
لكن ما يثير الانتباه أن مدونة الحقوق العينية حصرت الديون التي لها وحدها امتياز على عقارات المدين في :
– المصاريف القضائية المتعلقة ببيع العقار عن طريق المزاد العلني وتوزيع ثمنه.
– حقوق الخزينة كما تقررها وتعينها القوانين المرتبطة بها، لكن لا يباشر هذا الامتياز على العقارات إلا عند عدم وجود منقولات.
إذن بعد هذا التقديم نتساءل، أنه في حالة إذا كان الدائن متمثل في الخزينة العامة، هل يمكن أن يرتب لها حق امتياز على العقار؟ وإذا كان الجواب بنعم فما هو الأساس القانوني لذلك ؟
وما موقف القانون أولا من خلال سن مقتضيات المادة 144 من مدونة الحقوق العينية ثم ثانيا ما هو موقف مدونة تحصيل الديون العمومية من خلال سن مقتضيات المادة 106 ،وأخيرا ما موقف الفقه والقضاء بين هذه المقتضيات القانونية ؟
جوابا عن التساؤلات أعلاه، ارتأينا تقسيم دراستنا إلى مطلبين، معتمدين على المنهج التحليلي وفق مقاربة قانونية وقضائية وفقهية، وذلك كالتالي :
المطلب الأول : تجليات عدم وجود حق الامتياز للخزينة العامة على العقار
المطلب الثاني : تطبيقات عدم وجود حق الامتياز للخزينة العامة على العقار
المطلب الأول: تجليات عدم وجود حق الامتياز للخزينة العامة على العقار إن التطرق لتجليات عدم وجود حق الامتياز على العقار لفائدة الخزينة العامة، يستدعي الأمر التطرق أولا لمفهوم حق الامتياز على العقار و ارتباطه بالخزينة العامة (الفقرة الأولى)، ثم استعراض موقف الفقه و القضاء من هذه المسألة (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: مفهوم حق الامتياز و ارتباطه بالخزينة العامة يعتبر حق الامتياز أفضلية يمنحه القانون لبعض الديون نظرا لسبب الدين، يخول الدائن الذي يتمتع بالامتيازات الأولوية على باقي الدائنين فيما يخص توزيع ثمن الأمتعة وغيرها من الأشياء المتعلقة بهذا الأخير.
كما عرفه أحد الباحثين أن الامتياز هو حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين، ويقتضي أن ينشأ بواسطة المشرع حيث لا يوجد بدون نص ويمكنه أن يكون عاما يرد على أموال المدين، أو خاصا حيث لا يرد إلا على أموال معينة.
وأيضا عرف على أساس أنه أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لصفته أو لسببه، فالحق هو الممتاز لا الدائن، على عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة لباقي الضمانات الأخرى (الرهن الرسمي مثلا)، وبعبارة أخرى، فصفة الأولوية تبقى لصيقة بطبيعة الدين بغض النظر عن مركز الدائن.
وقد عرفته المادة 142 من م.ح.ع على أنه: ”حق عيني تبعي يخول للدائن حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين“. كما عرفه الفصل 1243 من ق.ل.ع بأنه:
ويتميز حق الامتياز كحق عيني تبعي عن باقي الحقوق العينية التبعية الأخرى، بتخويل صاحبه حق التقدم على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين سواء في إطار الرهن الرسمي أو الحيازي.
”ق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا، لسبب الدين“.
ويفهم من هذا أن حق الامتياز ميزته هي حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين، وهذه الميزة هي التي تميزه عن باقي الحقوق.
إضافة إلى هذا فالامتياز مصدره هو القانون، كما أن هذا الأخير يقرره مراعاة منه لصفة الدين.
وعموما، فإن امتیاز الديون العمومية اعتبر كذلك نظرا للفائدة التي يجنيها الجميع من تغذية خزينة الدولة ويسري على مبلغ الدين العمومي وكذا صوائر التحصيل المدفوعة وزيادات التأخير والذعائر والغرامات، لكن مع ذلك يبقى للمكلف بالتحصيل ممارسة حقوقه على أموال المدين كأي دائن أخر.
فطبقا لمقتضيات المدونة تتمتع الخزينة بامتياز يختلف حسبما إذا كانت الديون العمومية ضرائب ورسوم أو حقوق ورسوم جمركية أو ضرائب ورسوم الجماعات الترابية وهياتها أو الديون العمومية الأخرى.
وهكذا فإنه من أجل تحصيل الضرائب والرسوم تتمتع الخزينة بنوعين من الامتياز:
– امتیاز عام: تتمتع به الخزينة ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الجدول وقائمة الإيرادات وينصب هذا الامتياز على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، وتهم المنقولات المادية وغير المادية وكذا الحقوق المماثلة كالأسهم، السندات، براءات الاختراع، حقوق التأليف، الأوراق التجارية، الأصول التجارية.
وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها.
– امتیاز خاص: يخص فقط الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، ويخص أيضا المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات المفروضة عليها
الضريبة أيا كان مالكها، وهذا ماسوف نركز عليه الحديث في إطار دراستنا هذه.
الفقرة الثانية: موقف الفقه و القضاء من عدم وجود حق الامتياز على العقار تنص المادة 106 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه “ لتحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، تتمتع الخزينة العامة على ذلك بامتياز خاص يمارس على المحاصيل و الثمار والاكرية و عائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها “.
والملاحظ أن المشرع في المادة[16[106 ″من م. ت.ع قد أضاف عبارة ”أي كان مالكها مقتفيا بذلك أثر الاجتهاد القضائي[17 ،[وهكذا، فهذا الامتياز مرتبط بالدين الضريبي بغض النظر عن بقاء العقارات في ملكية المدين أو انتقالها لشخص أخر، بعبارة أخرى، فهو امتیاز يمنح للخزينة حق التتبع لثمار ومحاصيل وأكرية وعائدات العقارات، أي كانت اليد التي تعود إليها ملكية العقار.
وعليه، ففي هذا الإطار نجد أحد الباحثين يرى أن ديون الخزينة تتمتع بامتياز عقاري، ومن مبرراته أن الخزينة العامة تتمتع بامتيازين خاصين، أولهما امتیاز ديون الضرائب والرسوم المفروضة على المؤسسات، والذي ينسحب على بعض المنقولات التي خصصت لاستغلال المؤسسة، وثانيهما امتیاز ديون الضريبة وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة، ما يعني في هذا الإطار أن هذين الامتيازين يردان على أشياء تعتبر من حيث المبدأ
عقارات، بعبارة أخرى، المنقولات التي خصصت لاستغلال المؤسسة اعتبرها المشرع عقارات بالتخصيص بالتعريف القانوني الوارد في المادة السابعة من م. ح. ع، أما المحاصيل والثمار وعائدات العقارات فقد جعلها المشرع في زمرة العقارات بالطبيعة على أساس المادة السادسة من ذات القانون.
الرأي فيما نعتقد أن المادة 106 كانت واضحة ولا تحتاج لتأويل ولا لتفسير، أي أن إمتیاز الخزينة يكون خاصا، عندما يتعلق الأمر بمحاصيل وثمار وأكرية وعائدات العقارات المفروضة عليهاالضريبة ولا يمكن قياس هذه المعايير بما جاء به الباحث من مبررات كادت أن تكون غير منطقيةبالمرة، بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات هي عقارات من حيث المبدأ.
وإسناد هذا الرأي للتعريف الوارد في المادة السادسة من م.د.ح.عالتي تنص على أنه “ العقار بطبيعته هو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته“. جاء في غير محله.
وتأكيدا لرأينا هذا ذهبت محكمة النقض إلى أنه[19…“ : [لكن حيث أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي عللته بأنه (بخصوص الدفع الذي مفاده أن امتياز الخزينة هو امتیاز خاص يخص المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقار بما فيها منتوج بيعها فإنه دفع غير مرتكز على أساس، وأن الفصل 105 وما يليه من القانون رقم 97.15 يعطيللخزينة امتيازا خاصا، على المحاصيل والثمار… وأن عائدات العقار أسفر الاجتهاد القضائي أنها لا تشمل منتوج بيع العقار لوضوح النص) تكون قد طبقت عن صواب المادة 105 من م.ت.د.ع… ويكون قرارها غير خارق للمقتضى المحتج بخرقه والوسيلة على غير أساس“.
وهذا ما أكده الفقه أيضا، حيث ذهب الأستاذ العربي محمد مياد أن المشرع المغربي لم يعترف إلا بامتياز عقاري فريد هو الامتياز المتعلق بالمصاريف القضائية المتعلقة بنفقة بيع عقاروتوزيع ثمنه.
ونحن بدورنا في هذا الصدد نؤید الاتجاه القائل أن امتياز الخزينة الذي تنص عليه م.ت.د.عيقتصرعلى المنقولات دون العقارات ودون ثمن هذا الأخير،
وذلك لاعتبارات متعددة، منها أن المادة 166 من ذات القانون، كانت واضحة وهي تستبعد العقار من حق الامتياز، كما يوجد هناك نص عام ظهر للواقع بعد مرور 10 سنوات من صدور م.ت.د.ع ويتعلق الأمر هنا بالمادة 144 من م.ح.ع، هذه الاخيرة إستبعدت كذلك العقار من حق الامتياز.
على الرغم من هذه المقتضيات والتوجهات القائلة بأن الامتياز لا يرد على العقار، إلا أن الخزينة في شخص ممثلها ما فتئت تنازع في محاصيل توزیع ثمن العقارات المبيعة على اعتبار أن لها إمتیاز على هذه العقارات إلا أن القضاء يرفض طلباتها لعدم ارتكازها على أساس.
وفي الأخير فالرأي فيما نعتقد أن المشرع المغربي كان موفقا في هذا الخصوص بعدم إدراجه للعقارات من ضمن الحقوق التي تتمتع بالامتياز، بالرغم أنه هناك من ينادي بتدخل المشرع لتمدیدامتیاز ديون الخزينة ليطال العقار أيضا، كضمان لتحصيل أوفر للديون العمومية بما فيه من مصالح للجميع.
ومن مبررات هذا الاتجاه أن مصير الديون الضريبية المترتبة على العقار والمملوكة للمدين تبقى رهينة بوضعية العقار والتحملات المترتبة عليه، وطبيعة الدائنين الآخرين ومدى تمتعهم بامتيازات من عدمها، بعبارة أخرى أن الامتياز إذا كان لصيقا بعقار بحد ذاته سيسهل من تحصيل الدين العمومي.
إلا أن هذا الاتجاه في اعتقادنا المتواضع أنه لم يفكر في العلاقة التي تجمع أطراف إجراءات التحصيل، أنها غير متوازنة بالأساس والمشرع المغربي رغبة منه حاول تحقيق نوع من التوازن وبالتالي تحقيقا للعدالة والنجاعة في استفاء ديون الخزينة، ولما لا وحماية الملكية العقارية العائدة للمدين الضريبي على اعتبارها محور التنمية في مختلف أنماط الحياة.
وما يؤكد هذا هو أن المشرع المغربي رغم تماطل المدين الضريبي على أداء ما بذمته لم ينص على حجز عقاراته مباشرة أو كثاني إجراء، وإنما جعل أمر حجز العقارات من أخر إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية، اللهم إذا كان هناك رهن رسمي لفائدة الخزينة ويفوق قيمته 000.200 درهم،
وهذا ما سوف نتطرق إليه في المطالب الموالي.
المطلب الثاني: تطبيقات عدم وجود حق الامتياز للخزينة العامة على العقار المقصود هنا بتطبيقات عدم وجود حق امتياز لفائدة الخزينة على العقار، هي إجراءات توزيع ثمن المبيع بالمزاد العلني بعد استفاء مجموعة من الإجراءات المنصوص عليها قانونا
على أي، فإن أهم أثر يرتبه بيع العقار بالمزاد العلني بالنسبة للدائنين(من بينهم الخزينة العامة)، هو نشوء حق لهؤلاء في استيفاء دينهم من ثمن المبيع، والذي يكون الراسي عليه المزاد قد أودعه بكتابة الضبط بالمحكمة المختصة، و بالتالي سلوك مسطرة معينة للحصول على هذه الحصيلة (الفقرة الأولى)، وفق ترتيب درجتهم من حيث القوة التي منحها المشرع لضماناتهم (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : ترتيب الضمانات العينية حسب قوتها القانونية
من حيث المبدأ نجد عملية توزيع ثمن المبيع لا يثير مشاكل عندما يكون هناك دائن واحد ينفرد بحصيلة التنفيذ، أو دائنين متعددين تكفي الحصيلة المذكورة للوفاء بحقوقهم جميعا، بعبارة أخرى أن ترتيب الضمانات العينية لا تكون له أهمية عند وجود دائن واحد أو أن حصيلة التنفيذ كافية لسداد الدين.
وإنما المشاكل و الصعوبات تثار عندما يتزاحم الدائنون ذوي المراتب المختلفة على حصيلة غير كافية لسداد كل الديون، حيث يتعين حصر الدائنين و بيان مراتبهم كحق الامتياز و الرهن، وإذا اتحدت رتبة الدائنين أجريت محاصة بينهم.
على أي، فعند تزاحم الدائنين ذوي الضمانات العينية فإن ترتيبهم يكون على الشكل التالي :
البداية تكون بالدائنين الممتازين، ثم الدائنين أصحاب الضمانات(الرهن الرسمي و الرهن الحيازي)، وبعدهم الدائنين العاديين، وفي حالة تزاحم دينان امتيازيان أحدهما خاص و آخر عام، فإن الدين الممتاز الخاص يقدم على الدين الممتاز العام، و إذا تزاحم حق امتياز واقع على عقار مع حق امتياز وارد على منقول، يقدم الامتياز الواقع على العقار.
وفي حالة تزاحم دين مضمون برهن مع دين عادي، فإن أولوية الاستفاء تكون للدائن المرتهن، وعند تعددهم، الأسبقية تكون بتاريخ القيد في السجل العقاري متى تعلق الأمر برهن رسمي، ولا يعتد برتبة الرهن الأسبق تاريخا مالم يقيد أو قيد و شطب عليه فيما بعدا، و إذا تعددت الديون الممتازة أو العادية وكانت من رتبة واحدة، فإن الدائنين يستوفون ديونهم وفق نسبتها، أي عن طريق المحاصة، هذا ما سنحاول التطرق إليه في الفقرة الموالية، عندما تكون الخزينة العامة طرفا أو بمفردها.
الفقرة الثانية : مركز الخزينة العامة على مستوى توزيع حصيلة التنفيذ على العقار في بعض الحالات قد تتعدد الحجوزات، كأن يكون كل حجز مستقل عن الحجز الآخر، و تلافيا لتضارب المصالح وحتى لا تضيع مصالح بعض الدائنين، عمل المشرع على التنسيق ووحدة الإجراءات حتى لا يقع تضارب إجراءات التنفيذ على عقار واحد.
فقد حدد المشرع بكيفية دقيقة المسطرة المتبعة في هذه الحالة و ذلك في الفصل 466 من ق.م.م بحيث أنه في حالة تعدد الحاجزين على العقار، فإنهم لا يباشرون جميعا الإجراءات المسطرية للتنفيذ، بل يقدم واحد على مباشرة إجراءات التنفيذ على العقار على سبيل الانفراد، ويكون بطبيعة الحال هو الحاجز الأول، كما تبقى الحجوزات اللاحقة للدائنين الموالين صفة طرف في المسطرة.
هذا وقد منحهم المشرع حق التدخل أو التعرض[27 [بين يدي العون المكلف بالتنفيذ، كما يحق لهم كذلك مراقبة الإجراءات و طلب متابعتها إن لم يقم بذلك الحاجز الأول .
على أي، عندما يحصل أن يتدخل دائن أخر في عملية الحجز أو يتعرض على ذلك لكي يحفظ حقه في الحصول على دينه بعد البيع، فإن الأمر يذهب بنا إلى تصور فرضيتين، سنعمل على ذكرها كالتالي:
أولا: حالة عدم وجود دائنين متعرضين
إذا كانت الخزينة العامة وحدها دائنا حاجزا، فإنها تتسلم مبلغ الدين من الثمن، أي منتوج بيع العقار بالمزاد العلني، ويدفع المحاسب الباقي بعد خصم المصاريف و الزيادات المتحصلة الى المدين، و يسلم وصلا او تصريحا له.
ثانيا: حالة وجود دائنين متعرضين
قد يتعدد الدائنون فتثار مسألة توزيع حصيلة بيع العقار المحجوز حسب الترتيب و الامتيازات.
وكما اشرنا أنفا أن المقصود بالترتيب، أي ترتيب الدائنين المتمتعين برهن، ففي هذه الحالة، أي حالة تزاحم دين مضمون برهن، فالأسبقية تكون حسب تاريخ القيد بالسجل العقاري، ولا يعتد برتبة الرهن المسبق تاريخا ما لم يقيد او قيد لكن شطب عليه، بمعنى أن العبرة بالتقييد وليس بإبرام عقد الرهن.
أما بالنسبة للامتيازات، عادة ما يثار نزاع عند بيع العقار بالمزاد العلني بشأن الامتياز بالنسبة للدائنين و خاصة حينما تكون الخزينة العامة من بين الدائنين، وهنا يجب التذكير بأن النص الأول المتعلق بتحصيل الديون العمومية وهو ظهير 06 يناير 1916 الملغى، حيث كان يعطي للخزينة حق الامتياز في المنقول و العقار ( الفصل 17 ،( وبذلك لم يكن يثار مشكل فيما يخص حق الاسبقية بالنسبة للخزينة العامة أمام القضاء.
غير أن هذا الحق لم يتم التنصيص عليه في القوانين التي تلت هذا النص، ويتعلق الامر طبعا بظهير 22 نوفمبر و ظهير 21 غشت 1935 و القانون الاخير رقم 97.15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، بمعنى أن المشرع تراجع عن موقفه بخصوص منح امتياز عقاري للخزينة العامة على العقار.
ليس هذا وفقط ، فالقضاء أكد ذلك من خلال مجموعة من الاحكام و القرارات، بمعنى أكد غير ما مرة على عدم إعطاء حق الأسبقية و الامتياز للخزينة العامة عند بيع العقار، من ذلك مثلا الحكم الصادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 1926/10/27 و الذي قضى بأنه :“ بموجب ظ 1924/11/22 فإن الخازن العام يملك بالنسبة لاستخلاص الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة امتيازا عاما على المنقولات و امتيازا خاصا على المحاصيل و الثمار و اكرية و مداخيل العقارات المفروضة عليها الضريبة، إلا أنه لا يملك امتيازا على الاموال العقارية للمدينين“.
ونفس النهج سار عليه القضاء في ظل ظهير 1935/08/21] 29 ،[كما أنه ومن خلال استقرائنا لبعض الأحكام الصادرة في ضوء مدونة تحصيل الديون العمومية، يلاحظ أنها أكدت،وعن صواب، أن لا امتياز لحقوق الخزينة على العقار، ولقد أكدت محكمة النقض على هذا الأمرفي عدة اجتهادات نذكر منها مثالا لا حصرا، القرار الذي جاء فيه:“ حيث إن الدين محل التعرض الذي تقدم به المحاسب مترتب عن واجبات التسجيل التكميلية …
وبمقتضى القانون رقم 97.15 … خاصة المواد من 105 إلى 116 المتعلقة بالضمانات و الامتيازات، فإن الدين المذكور غير مشمول بحق الامتياز الذي
يعطي للخزينة حق الأفضلية في استيفائه قبل الديون المضمونة برهن رسمي على عقار محفظ من منتوج بيع هذا العقار مما لا مجال للتمسك بمقتضيات المادة 100 من القانون نفسه “.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً