مقال عن: أسباب وحالات تفسير القانون
تعرض المنازعات على القاضي ليبت فيها , ويتعيَّن عليه أن يجد لها في التشريع قبل أي مصدر آخر , وفقاً لنص الفقرة الأولى من القانون المدني . فإما أن يجد للحالة المعروضة عليه نصاً .
والنص إن وجد فإما أن يكون سليماً أو معيباً فإذا كان سليماً فليس معنى ذلك أنه لا يحتاج إلى تفسير .
فالنصوص الواضحة تحتاج هي الأخرى إلى التفسير لتحصيل معناها بدقة والوقوف على شروط انطباقها .
وقد يكون النص معيباً لأسباب لفظية , كأن يشتمل النص على لفظ بدل آخر , أو أن يأتي النص ناقصاً أو غامضاً أو متعارضاً .
إذاً : يلاحظ أنه من أهم الحالات التي تعيب النص وتجعله بحاجة إلى التفسير , الخطأ المادي , الغموض أو الإبهام , النقص أو السكوت , التناقض أو التعارض .
أولاً : حالة الخطأ المادي :
لا يؤثر على وضوح النص القانوني وقوع المشروع أحياناً في بعض الأخطاء المادية البسيطة , كالأخطاء المطبعية في ذكر رقم مادة , أو حذف حرف نفي , أو حرف عطف .
مثال : ذلك ما جاء في نص المادة /642/ ق.م.س .
فالفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أنه : ” تسري أحكام عقد العمل على العلاقة ما بين أرباب الأعمال وبين الطوافين والممثلين التجاريين الجوابين ومندوبي التأمين وغيرهم من الوسطاء ” .
فالمشرع لم يقصد في معرض تطبيق هذا النص أن يكون الممثلين التجاريين جوابين , وإنما قصد به سريان أحكام عقد العمل على الممثلين التجاريين وعلى الجوابين , فسقط سهواً حرف الواو بين كلمتي التجاريين والجوابين .
لعل ما ورد في الفقرة الثانية من المادة ذاتها يؤكد على حقيقة ما أوردناه سابقاً إذ تنص على أنه : ” إذا انتهت خدمات الممثل التجاري أو المندوب الجواب ” .
وفي ذلك دلالة واضحة على أن المشرع إنما يقصد بسريان أحكام عقد العمل على الممثلين التجاريين وعلى المندوبين الجوابين دون أن يشترط أن يكون الممثل التجاري جواباً .
ثانياً : حالة الغموض أو الإبهام :
يعتبر النص غامضاً أو مبهماً عندما يحمل اللفظ أو العبارة أكثر من معنى .
وهنا تكمن أهمية دور القاضي في المفاضلة بين المعاني المحتملة , ثم العمل على اصطفاء المعنى الأقرب منها إلى مفهوم العدالة والحق .
إذاً : قد يأتي الغموض أو الإبهام في لفظ واحد من الألفاظ التي صيغت بها النصوص القانونية .
أو قد يأتي الغموض أو الإبهام في عبارة كاملة عن عبارات النص القانوني .
مثال الحالة الأولى : أي الغموض أو الإبهام في اللفظ الواحد , ماورد في المادة /473/ من قانون العقوبات السوري حول جريمة الزنا , إذ أن لفظ الزنا يعني في اللغة ” العلاقة الجنسية المحرمة بين رجل وامرأة دون عقد زواج بينهما ” .أما معنى هذا اللفظ في القانون ” فهو العلاقة الجنسية المحرمين بيمن اثنين يكون أحدهما متزوجاً “.
مثال الحالة الثانية : المادة /92/ من قانون العمل الموحد رقم /91/ لعام 1959 التي تنص على أنه :
” لا يكون عقد العمل المشترك ملزماً إلا بعد تسجيله لدى الجهة الإدارية المختصة ونشر إعلان عن هذا التسجيل في الجريدة الرسمية يشتمل على ملخص لأحكام العقد , فإذا رفضت هذه الجهة تسجيل العقد وجب عليها أن تبلغ طالب بالتسجيل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم الطلب هذا الرفض وأسبابه , فإذا انقضت المدة ولم تقم بالتسجيل أو الاعتراض عليه وجب عليها التسجيل والنشر وفقاً لأحكام الفقرة السابقة “.
فإذا نظرنا إلى هذا النص سنجد أنه لم يبين الأصول الواجب إتباعها للتسجيل , ولم يحدد ما إذا كان من الواجب أن يتم التسجيل بناءً على طلب أحد الطرفين أم لابد من أن يتم التسجيل بناءً على طلبهما معاً , وما إذا كان هذا الطلب يتم بتقديم استدعاء أو أنه يكتفى بحضور الطرفين وقيامهما بالتوقيع أمام المرجع المختص للتسجيل .
ثالثاً : حالة النقص أو السكوت :
يعتبر النص معيباً بحالة النقص أو السكوت عندما يكون قد أغفل لفظاً في النص لا يستقيم حكمه بدونه , أو عندما لا يتناول النص جميع الحالات التي يفترض به تناولها فيأتي قاصراً .
وهنا تأتي أهمية التفسير لإكمال هذا النقص , أو لتلافي السكوت في ضوء تلمس غايات المشرع من هذا النص .
رابعاً : حالة التناقض أو التعارض :
تكمن أهمية التفسير في إزالة التَّعارض , أو التَّناقض الذي قد يقع بين النصوص ويكون التناقض أو التعارض واقعاً عندما تكون هناك نصوص أحكامها متعارضة ومتناقضة بغض النظر عن كون هذه النصوص تنتمي إلى فرع قانوني واحد , أو إلى فروع قانونية مختلفة .
ففي جميع هذه الحالات يلتزم القاضي بإزالة هذا التعارض بحيث لا تبقى إلا قاعدة قانونية واحدة واجبة الإتباع .
وفي هذا الإطار توجد مجموعة من القواعد يمكن للقاضي الاعتماد عليها لرفع هذا التعارض وإزالته .
القاعدة الأولى ومنها أن القاعدة الأعلى تبطل القاعدة الأدنى .
فعلى سبيل المثال : لا يجوز لقواعد القانون العادي معارضة قواعد القانون الدستوري كما أنه لا يجوز لقواعد القانون الفرعي معارضة قواعد القانون العادي .
والقاعدة الثانية : هي أن القاعدة اللاحقة تلغي القاعدة السابقة المساوية لها في القوة .
وهنا لا بد من مراعاة قواعد تنازع القوانين من حيث الزمان ومبدأ الأثر المباشر للقانون .
أما القاعدة الثالثة : فتتمثل في أنَّ القاعدة الخاصة تقيد القاعدة العامة المساوية أو الأدنى منها درجة دون النظر إلى تاريخ العمل بأيٍ منهما .
وهناك أمثلة عديدة على حالات التعارض أو التناقض المشار إليها سابقاً .
فمثال التعارض الواقع بين نصين من فروع قانون مختلفة ما ورد في المادة /115/ من القانون المدني السوري والتي تنص على أنه :
1- يقع باطلاً تصرف المجنون أو المعتوه إذا صدر التصرف بعد شهر قرار الحجر .
2- أما إذا صدر التصرف قبل شهر الحجر فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد , أو كان الطرف الآخر على بينة منها .
أما المادة /200/ من قانون الأحوال الشخصية فتنص على أن : ” المجنون أو المعتوه محجوران لذاتهما ويقام على كل منهما قيم بوثيقة ” .
فالمادة الأولى : نصت على ضرورة صدور قرار بالحجر على المجنون أو المعتوه من قبل المحكمة وفرقت بين حالة الجنون والمعتوه قبل صور قرار الحجر وبعده .
أما المادة الثانية : اعتبرت المجنون والمعتوه محجوران لذاتهما دون الحاجة لصدور قرار عن المحكمة .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً