بحث في: العرف مصدر من مصادر القانون في سوريا
كان للعرف قديما أهمية كبرى كمصدر رئيسي للقواعد القانونية ، فقد كان هو المصدر الوحيد للقانون في الجماعات البدائية قبل نشوء الدولة , حيث اضطر الأفراد تحت ضغط الحاجات والظروف ، ونظرا لعدم وجود مشرع يضع أحكام القانونوينظم الروابط الاجتماعية إلى إيجاد قواعد يخضع لها الكافة ، كضوابط لتنظيم علاقاتهم .
فالعرف هو أقدم مصادر القانون ، وكان يعهد بتطبيقه إلى محكمين يختارهم الخصوم , ثم أخذ السلطان أو الحاكم ينشىء محاكم تطبق العرف ، وانتهـــى الأمر بأن أصبح هو ينشىء قواعد قانونية عن طريق الأوامر التي يصدرها للرعية ، ومن هذه اللحظة أخذ العرف ينكمش تدريجيا ليترك المجال للتشريع الذي استقرت له الغلبة .
و على هذا النحو يبدو أن العرف كانت له فيما مضى أهمية قصوى كمصدر رسمي للقواعد القانونية , حتى أن التقنينات الأولى كشريعة حمورابي وتقنين الألواح الإثني عشر ، لم تكن في جملتها الا مجرد جمع للقواعد العرفية المعمول بها .
إن العرف و إن كان قد تقلص دوره كمصدر رسمي للقواعد القانونية في معظم دول العالم اليوم , فلا زالت له أهمية باعتباره مصدرا ماديا أو تاريخيا لكثير من القواعد القانونية , ذلك أن المشرع عند وضعه للنصوص المختلفة كثيراً ما يستلهم العرف السائد الذي يتوافق مع حاجات الجماعة ويعبر تماما عن رغبتها ، وبذلك يصبح العرف هو المصدر التاريخي أو المادي لكثير من النصوص التشريعية.
إذن فالعرف مصدر للقواعد القانونية , و إن كانت أهميته كمصدر رسمي قد أصبحت ضئيلة في الوقت الحاضر , و لذلك نرى ضرورة دراسته كمحور هام من محاور النظرية العامة للقانون , وعليه نرى تقسيم هذا البحث إلى مطالب أربعة هي :
المطلب الأول : مفهوم العرف .
المطلب الثاني : أركان العرف .
المطلب الثالث : أساس القوة الملزمة للعرف .
المطلب الرابع : منزلة العرف في النظام القانوني السوري .
المطلب الأول : مفهوم العرف
يختلف منشأ العرف عن منشأ التشريع ، فهو يتكون من الاستعمال المتكرر و المستمر بشكل اعتيادي في موضوع معين , بحيث يتعذر غالبا معرفة مبدئه أو معرفة الهيئة أو الشخص الذي أوجده ، حيث ينشا ببطء خلال زمن طويل و بشكل لا يشعر الناس إلا و قد أصبح متأصلا فيهم قائما في وسطهم الاجتماعي ,كما يشـعرون أن احترامه و تطبيقه أصبح واجبا غير متنازع فيه ، دون سلطان أو إرادة عليا تفرضه.
من هنا يرى بعض الفقهاء بان القوانين العرفية هي قوانين شعبية تتشكل من تعامل الشعب و استعماله ، و تنبثق من طبيعة العلاقات الاجتماعية و الحياة الشعبية , بخلاف التشريع الذي هو وليد عمل تشريعي و عقل مفكر قام بخلقه و فرضه بإرادته .
و من هنا يقابل بعض الفقهاء بين العرف و التشريع , فيرون أن كلا منهما يعتبر قاعدة قانونية ملزمة إلا إنهما يختلفان من حيث أن :
التشريع هو قاعدة قانونية مكتوبة أوجدها المشرع .
أما العرف فهو قاعدة قانونية غير مكتوبة أوجدها تعامل الناس اللاشعوري واطراد سلوكهم في مسألة معينة على وجه مخصوص .
لكن الاقتصار في تعريف العرف على أنه قانون غير مكتوب قد لا يكون كافيا للوقوف على الخصائص الذاتية للعرف . فإذا كان هذا التعريف كافيا لتمييز العرف عن التشريع ، فانه غير كاف لبيان أوجه الاختلاف بين العرف وبين غيره من مصادر القانون الأخرى .
لذلك يمكن تعريف العرف بأنه :
مجموعة القواعد التي تنشأ عن اعتياد الناس على اتباع سنة معينة , في مسألة محددة , فترة من الزمن , مع شعورهم بإلزامها قانوناً .
ـ دور العرف في فروع القانون المختلفة :
بالرغم من أن العرف يعتبر أحد المصادر الرسمية للقانون فان دوره يتفاوت تفاوتاً بيناً وملحوظاً في نطاق تطبيقه بين مختلف الفروع , على النحو الأتي :
1 ـ في القانون الجزائي :
لا مجال لتطبيق العرف في القانون الجزائي , نظراً لان للمشرع وحده حق تجريم الأفعال وفرض العقوبات , عملا بالقاعدة التي تقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي .
و بالتالي عند خلو التشريع من نص يقضي بتجريم فعل والعقاب عليه لا يكون أمام القاضي إلا تبرئة المتهم دون أن يملك حق اللجوء إلى العرف لسد نقص التشريع ، وبالتالي تجريم الفعل المرتكب.
و تحرص عادة بعض الدساتير على النص صراحة على هذا المبدأ ، كالمادة /29 / من الدستور السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (208 ) لعام 1973 التي تنص على أنه :
” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني “.
2 ـ في القانون الإداري :
يلعب العرف دورا بارزاً كمصدر من المصادر الرسمية للقانون الاداري , فهو بالإضافة لكونه المصدر التاريخي للعديد من القواعد الإدارية , فانه يكمل أيضا النقص في حال عدم كفاية التشريعات و اللوائح الادارية .
فهو قاعدة قانونية غير مكتوبة جرت السلطة الإدارية على اتباعها في مباشرتها لوظيفتها بصدد حالة معينة فترة من الزمن بحيث تصبح الإدارة و المتعاملين معها ملتزمين باحترامها .
3- في القانون المدني :
يعتبر العرف وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون المدني مصدراً من المصادر الرسمية للقانون ، لكن بالرغم من ذلك فان دوره في نطاق القانون المدني يتسم بالضعف , نظراً لاتساع نطاق النصوص التشريعية المدنية التي تتصف بالإحاطة و الشمول ، لكن هذا لا ينفي وجوده و أهميته في حسم العديد من النزاعات ذات الطابع المدني .
4- في القانون التجاري :
يبدو أن أثر العرف في نطاق القانون التجاري أكثر شمولية و تنوعاً مما عليه في بقية فروع القانون ، و لاسيما أن طبيعة الحياة التجارية تتطلب شيئا من المرونة و السهولة و تعتمد على عنصر السرعة و الثقة و الائتمان .
و من ثم نرى أن القانون التجاري يترك الكثير من الأمور ليتم تنظيمها بالاستناد إلى ما ينشأ بين فئة التجار من عادات يقوم على أساسها عرف التعامل في هذا الميدان .
5- في القانون الدولي العام :
و هو القانون الذي يحكم العلاقات بين الدول , سواء في فترة الحرب أو السلم ، أو في حالة الحياد ، و يلعب العرف دوراً أساسيا كمصدر من المصادر الرئيسية للقانون الدولي .
6- في القانون الدستوري :
يختلف دور العرف من دولة إلى أخرى , ففي المملكة المتحدة ( بريطانيا ) يعتبر العرف المصدر الأساسي للقانون الدستوري ، أما في بقية الدول و التي تعتمد على الدساتير المكتوبة فيتضاءل دور العرف .
ـ مزايا العرف :
أ-ينشأ العرف بطريق التعامل التدريجي بين الناس على سلوك معين بصدد مسألة معينة مع الشعور بإلزاميته , فهو لا يوضع من قبل هيئة تفرض إرادتها , بل تتكون قواعده عبر الزمن بصورة تلقائية باعتبارها منبثقة عن المجتمع ذاته .
ب-يمتاز العرف أيضا بالعفوية و التلقائية و تطور قواعده ، فطالما أن القواعد العرفية لا تأتي في قوالب مكتوبة , فهي قواعد يشحذها ويطورها التعامل الحي في نطاق الجماعة , مما يجعلها أكثر مسايرة لطبيعة التعامل بين الأفراد , فتتطور القواعد العرفية بتطور أحوال الجماعة وتتغير بتغيرها .
ج ـيلعب العرف دورا مهما في سد الثغرات التي تتضمنها أحكام التشريع ، إذ من المعروف أن التنظيم الكلي لمختلف الروابط داخل الجماعة أمر يستعصي على التشريع مهما بلغ من الدقة والإحاطة ، فيبرز هنا دور العرف في تنظيممسائل لم يتعرض لها التشريع , فيسد بذلك نواحي النقص في القانون المكتوب , أي في التشريع.
ـ عيوب العرف :
على الرغم مما للعرف من مزايا فانه يثير الكثير من العيوب هي :
أ ـ العرف بطيء في تطوره : وهو إذا اسـتقر صعب التخلص منه إلا بعد مضي مدة من الزمن ، و ذلك رغم تغير الظروف التي أدت إلى نشوئه ، وفي خلال هذه المدة يصبح العرف غير متفق مع حاجات الجماعة .
ب ـكثيرا ما يختلف العرف في نطاق الدولة الواحدة باختلاف أجزائها المختلفة : مما يؤدي إلى اختلاف القواعد التي تحكم نوعاً واحداً من الرابط الاجتماعية داخل الدولة , و هذا يمهد السبيل لاختلاف القواعد القانونية في جميع أجزاء الدولة .
ج ـ صعوبة معرفة مضمونة : تثير مسألة عدم صياغة القواعد العرفية في نصوص مكتوبة العديد من الصعوبات , سواء تعلق الأمر ببيان ماهيتها ، أو تعلق الأمر بمعرفة متى يبدأ سريانها أو متى ينتهي العمل بها . وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى قيام منازعات في شأنه .
لكن لابد من الإشارة إلى أنه بالرغم من هذه العيوب التي قد تضعف أحيانا من قيمة العرف كمصدر من مصادر القانون ، إلا أن ذلك لا يعني أنه يمكن الاستغناء عنه ،بل نحن بحاجة إليه باستمرار للمساعدة في تنظيم السلوك الاجتماعي إلى جانب التشريع والمصادر الأخرى للقانون .
و من أمثلة القواعد العرفية : “البقشيش” أو ما يسمى بالوهبة في الفنادق والمطاعم .
المطلب الثاني : أركان العرف
يتكون العرف تدريجيا ببطء ، فأذا اتبع شخصان قاعدة ما لتنظيم رابطة اجتماعية بينهما ، وظهرت صلاحية هذه القاعدة وعدالتها ومطابقتها للظروف و رغبة الجماعة ، نرى الآخرين يتبعون نفس القاعدة ، مدفوعين في هذا بغيرة التقليد واتباع المألوف ، ثم يعم استعمال هذه القاعدة بين الناس و يطرد ويثبت ، و يتوارثها جيلا بعد جيل ، ويتولد الشعور بضرورة احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالفها .
على هذا النحو يتكون العرف من ركنين اثنين :
أولهما ركن مادي : وهو العادة أو الاعتياد .
والثاني ركن معنوي : وهو الشعور بالإلزام .
أولا : الركن المادي : ( العادة )
الركن المادي هو الاعتياد المستمر طويل الأمد , بمعنى أن هذا الاعتياد لا يتحقق إلا باضطراد العمل به و تواتره بمعزل عن أي تدخل من السلطة السياسية أو التشريعية في الدولة .
و بالتالي فان هذه العادة تنشأ من خلال التعامل في الجماعة بشكل تلقائي وعفوي بحيث يجد الناسبموجبها حكماً معيناً ، أو حلاً لمشكلة قانونية معينة لا يوجد فيها نص قانوني معين في زمن معين .
فإذا تواترت هذه القاعدة واضطرد العمل بها في نطاق الجماعة تكون عندئذ الركن المادي للعرف نتيجة هذا الاعتياد المتكرر و المستمر والثابت من قبل أفراد الجماعة .
و يعتبر إثبات توافر الركن المادي من قبل قاضي الموضوع من المسائل الموضوعية أو الواقعية التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض .
ـ شروط الركن المادي :
1 ـ أن يكون عاما :
طالما أن العرف ينشئ قواعد قانونية شأنه في ذلك شأن التشريع ، فلا بد من أن تتوافر صفة العمومية والتجريد في قواعده ، بمعنى أن يكون العرف منتشرا على نطاق واسع في الوسـط
الاجتماعي أو المهني .
و ليس ضروريا أن يكون العرف شاملا جميع أفراد المجتمع , بل يكفي أن ينتشر في فئة محدودة أو منطقة معينة , باعتبار أنه ممكن أن تنشأ أعراف مهنية أو محلية , و هذا هو الشأن بالنسبة للأعراف التي تنشأ بين فئة التجار .
بل قد ينشأ العرف من تعود شخص واحد غير معين بذاته على إتباع سنة معينة في مسألة محددة ، كما لو اعتاد رئيس الدولة على إصدار قرارات من نوع خاص في مسألة محددة ، إذ قد يترتب على هذا أن تتكون قاعدة عرفية تخول رئيس الدولة إصدار مثل تلك القرارات .
و تقدير ما إذا كان العرف عاما أو غير عام مسألة موضوعية متروكة لتقدير قاضي الموضوع ، وليس لمحكمة النقض رقابة عليه بشأنها .
2 ـ أن يكون قديما :
بمعنى أن يتواتر العملبه مدة طويلة من الزمن ، تكفي لتأكيد ثباته واستقراره في نفوس الناس .
و الواقع أنه لا يمكن أن تحدد بصورة مسـبقة المدة اللازمة لتكوين العرف برقم محدد و ثابت ، ولذلك يبقى الأمر متروكا لتقدير قاضي الموضوع ليقدر ـ حسب الظروف ـ فيما إذا كانت المدة التي استمر عليها السلوك كافية لاعتباره قاعدة قانونية عرفية ، ولا رقابة عليه في هذا الشأن من محكمة النقض .
3 ـ أن يكون مستقراً :
بمعنى أن يتواتر الناس على العمل به بصورة منتظمة غير متقطعة . وبالتالي فهذا الانتظام والاستمرار هو الذي يضفي على العرف صفة الاستقرار .
وتقدير قيام هذا الشرط هو أيضا متروك لقاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك .
4 ـ أن لا يكون مخالفا النظام العام أو الآداب العامة :
الواقع أن هذا الشرطنظري ، إذ لا يتصور عملياً أن يستقر العرف و تتوفر له أركانه في حين أنه مخالف للنظام العام والآداب العامة, و لكن يمكن مع ذلك أن نتصور حدوث تطور في فكرة النظام العام , وهي كما عرفنا متغيرة من حيث الزمان والمكان , بحيث يصبح العرف الذي كان فيما مضى متفقاً مع النظام العام خارجاً عنه , و يترتب على ذلك عدم الاعتداد به , كعادة الأخذ بالثأر .
يلاحظ أن :
الشروط الثلاثة الاولى : العمومية والقدم والاستقرار : تعتبر من الأمور الموضوعية أو الواقعية التي يستقل في تقديرها قاضي الموضوع , و تقديرهفي ذلكتقدير مطلق لا يخضع لرقابة محكمة النقض .
أما الشرط الأخير , وهو عدم مخالفة العرف للنظام العام والآداب العامة , فيعتبر من المسائل القانونية التي يخضع فيها تقدير قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض .
ثانياً : الركن المعنوي :
لا يكفي اضطراد العمل و تواتره على قاعدة معينة لأن تصبح هذه القاعدة عرفاً , بل لا بد من توافر الركن المعنوي , أي شعور الأشخاص الذين يتبعون هذه القاعدة بأنها قاعدة واجبة الاحترام تماماً كما تحترم القاعدة القانونية .
أو بمعنى أخر شعور الأشخاص بأن هذه القاعدة ملزمة لهم قانوناً.
فالركن المعنوي هو الذي يحول الاعتياد المادي إلى قاعدة قانونية .
و لا يمكن أن تخلق قاعدة قانونية مصدرها العرف ـ مهما استقرت ـ إلا إذا توافر الشعور بأنها قاعدةقانونية ملزمة يجب احترامها و توقيع الجزاء على من يخالفها .
و على ذلك فتقديم الهدايا في بعض المناسبات كالزواج و أعياد الميلاد يمثل عادة قديمة و مستقرة و عامة, و مع ذلك لم تنشأ قاعدة قانونية ملزمة مصدرها العرف , لأن الثابت أن الناس يتبعونها لمجرد المجاملة دون أن يستقر في الأذهان الشعور بوجوب احترامها.
ـ التمييز بين العرف و العادة الاتفاقية :
أشرنا إلى أن العرف هو مجموعة القواعد التي تنشأ عن اعتياد الناس على اتباع سنة معينة في مسالة محددة مع شعورهم بإلزامها قانوناً .
أما العادة الاتفاقية فهي تلك القاعدة التي تعارف الناس على اتباعها في تنفيذ عقودهم و تفسيرها دون أن يعتقدوا بأن لها قوة ملزمة بذاتها , كالعادة التي جرى عليها الناس في أكثر المدن في أن يتحمل المؤجر ثمن المياه التي يستهلكها المستأجر .
فالعادة عرف ناقص , لأنها يتوافر فيها الركن المادي للعرف – و هو كونها قديمة عامة مستقرة و غير مخالفة للنظام العام – دون الركن المعنوي الذي يتخلف فيها لعدم شعور الناس بضرورة احترامها .
فالعادة مجرد واقعة مادية تتبع دون أن تكون لها القوة على إلزام أي فرد بأحكامها , إلا إذا أراد الفرد هو نفسه أن يلتزم بها , شريطة أن تظهر هذه الإرادةبشكل صريح أو ضمني , فعندئذ لا يكون إلزام الفرد بها نتيجة وجودها كقاعدة قانونية لها قوة ذاتية ملزمة كالعرف , بل يكون الإلزام بها نتيجة قبول الفرد باتباعها بمحض إرادته و رضاه .
و يعني هذا أن القوة الملزمة للعادة لا تقوم على أساس القوة الذاتية الكامنة فيها ككل قاعدة قانونية , بل تقوم على أساس إرادة المتعاقدين و اتفاقهم على تنظيم علاقتهم وقفاً لها .
لذلك تسمى بالعادة الاتفاقية دلالة على أنها لا تطبق إلا إذا ثبت للقاضي أن المتعاقدين قصدا اتباع حكمها :
و قد يكون ذلك صراحة في العقد .
كما قد يكون ضمنياً , إذا اتضح من ظروف العقد و ملابساته أن قصد المتعاقدين قد انصرف إلى تطبيقها .
و يقصد من ظروف العقد مكانه و زمانه و الغرض منه و مركز المتعاقدين , إلى غير ذلك إلى من ملابسات العقد الخاصة .
فمثلاً إذا أجر شخص منزلاً للسكن , و كانت العادة قد جرت على أن المؤجر يدفع ثمن المياه , و كان المؤجر و المستأجر عالمين بهذه العادة , فإن حكمها يطبق عليهما ، و لو لم ينصا صراحة في عقد الإيجار على تطبيقها , و ذلك لأنه يفهم من ظروف الحال أن كلا منهما قد قصد ذلك .
و وفقا لما تقدم لا يجوز الأخذ بالعادة الاتفاقية إلا إذا اتجهت إليها إرادة الإفراد في تنظيم عقودهم و تفسيرها , سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني , فإذا لم يتحقق ذلك فلا يمكن إلزام الأفراد بأحكامها .
ـ الفرق بين العادة الاتفاقية و القاعدة القانونية التكميلية:
تختلف العادة الاتفاقية عن القاعدة القانونية التكميلية من حيث أن :
العادة الاتفاقية لا تلزم المتعاقدين إلا إذا اتفقا على اتباعها إما صراحة أو ضمنا .
في حين أن القاعدة القانونية التكميلية أو المفسرة ملزمة للأفراد , و يجب تطبيقها عليهم ، إلا إذا اتفقوا على استبعاد حكمها . كالقاعدة التي تقضي بأن الثمن مستحق الوفاء في الوقت الذي يسلم فيه المبيع ( المادة425 ق.م.س ) .
فالقاعدة التكميلية هي إذا ملزمة و لا تحتاج إلى اتفاق الطرفين على اتباعها ، كل ما في الامر أن هذين الطرفين يستطيعان جعلها غير نافذة إذا اتفقا على خلافها .
فالفرق إذاً بتلخص بالآتي :
القاعدة القانونية المكملة واجبة الاتباع ما لم يتفق على استبعاد حكمها ، أما العادة الاتفاقية فهي غير ملزمة إلا إذا قصد الأفراد الأخذ بها صراحة أو ضمنا .
و يترتب على التمييز بين العرف و العادة الاتفاقية نتائج متعددة أهمها ما يلي :
1- يعتبر العرف قاعدة قانونية , لذلك يفترض العلم به كما يفترض العلم بأي قاعدة قانونية , و لا يقبل من أحد أن يحتج بجهله للعرف .
أما العادة الاتفاقية فهي واقعة مادية ترتكز في قوتها الإلزامية على إرادة المتعاقدين الصريحة أو الضمنية , و بالتالي يستطيع أحد المتعاقدين أو كلاهما الاحتجاج بالجهل بهذه العادة , و يكون هذا الاحتجاج سليماً و صحيحاً .
2- العرف باعتباره قاعدة قانونية لا يكلف الخصوم بإثباته , بل يفترض علم القاضي به و تطبيقه من تلقاء نفسه . بالرغم من أن القاضي قد يلجأ من الناحية العلمية إلى الاسترشاد بأهل
الخبرة و الاختصاص لمعرفته و الوقوف عليه لتحديد معناه و بيان حكمه .
أما العادة الاتفاقية فلا يفترض بالقاضي العلم بها , فيجب على الخصوم التمسك بها , و أن يقوم ذو المصلحة بإثباتها .
فعلى من يريد أن يتمسك بها أن يثبت أولاً وجود العادة الاتفاقية , ثم ينتقل بعد ذلك إلى إثبات انصراف إرادة المتعاقدين إلى الأخذ بأحكامها .
3- يخضع القاضي في تطبيقه للقاعدة العرفية لرقابة محكمة النقض , لأن القاعدة العرفية ليست إلا قاعدة قانونية , و يدخل في وظيفة محكمة النقض التثبت من صحة تطبيق قاضي الموضوع لها .
أما العادة الاتفاقية فهي مجرد واقعة مادية ، إذا أخطأ القاضي في تطبيقها إنما يخطئ في مجرد الوقائع لا في القانون , و لا يخضع بالتالي لرقابة محكمة النقض .
و يلاحظ أن المشرع كثيراً ما يحيل على حكم العادة الاتفاقية . و من أمثلة ذلك ما ورد في شأن تفسير العقد في الفقرة الثانية من القانون المدني حيث تنص على أنه :
” إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ , مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة و ثقة بين المتعاقدين ، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات “.
كما تنص المادة 233 من القانون المدني على أنه :
” لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد , ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال , و ذلك كله دون إخلال بالقواعد و العادات التجارية ” .
و يلاحظ أن المشرع هنا قد خلط بين العرف و العادة فاستعمل لفظ عرف بدل لفظ العادة , و قد سلك هذا الموقف في نصوص تشريعية كثيرة .
كما يلاحظ أيضا أنه في الأحوال التي يحيل فيها التشريع على حكم العادة الاتفاقية ـ كما هو الحال في الأمثلة السابقة ـ تعتبر العادة الاتفاقية ملزمة ، و تستمد إلزامها من إحالة التشريع عليها ، و اشارته بوجوب تطبيقها و لو لم يثبت انصراف إرادة المتعاقدين إلى الأخذ بها , على أنه يجوز للأفراد مع ذلك الاتفاق على مخالفتها و استبعاد حكمها , و لذلك فهي لا تطبق إلا إذا لم يثبت أن المتعاقدين قد اتفقا على الخروج عليها .
المطلب الثالث : أساس القوة الملزمة للعرف
من المسلم به أن للعرف قوة قانونية ملزمة ، عند استكمال ركنيه المادي و المعنوي , و قد تعددت المذاهب بشأن تحديد الأسـاس الذي يبنى عليه العرف كمصدر رسمي من مصادر القانون , و سنعرض فيما يلي لهذه المذاهب .
أولاً – الإرادة الضمنية للمشرع هي أساس القوة الملزمة للعرف :
يتلاقى هذا الرأي مع المذهب الشكلي في تفسير أساس القانون , إذ يذهب أنصار هذا المذهب إلى اعتبار القانون وليد إرادة الدولة و مشيئتها ، حيث لا يتصور وجود قاعدة قانونية دون أن تستند إلى هذه الإرادة .
و وفقا لذلك فان أساس القوة الملزمة للعرف يتجلى في كفالة الدولة له و تأييده له بقوتها المادية إذا اقتضى الأمر .
و طالما أن المشرع رضي قيام العرف و تطبيقه فإن مجرد هذا الرضا يؤدي إلى اعتبار العرف ملزماً , لأنه يعتبر صادراً عن الإرادة الضمنية للمشرع , كما يصدر التشريع معبراً عن الإرادة الصريحة له .
أو بمعنى آخر ، طالما أن المشرع لم يعترض على القاعدة العرفية بل يكفل احترامها و ضمان الالتزام بتطبيقها بقوة المؤيد المادي للدولة , فيعني ذلك أنه إرادته تنصرف ضمنيا إلى إقرارها .
و قد ســــاد هذا الرأي ابتداء مـــن القرون الوسـطى , و اسـتمر بعد ذلك طوال القرن التاسـع عشـر .
– نقد هذا المذهب :
يؤخذ على هذا الرأي إنكاره لحقيقة ثابتة تاريخية تتمثل في أن العرف أسبق في وجوده من التشريع , و بالتالي لا يمكن إرجاع مصدر عريق للقانون إلى مصدر أقل منه عراقة .
فأصحاب هذا الرأي لا يحاولون في حقيقة الأمر تفسير أساس القوة الملزمة للعرف بقدر ما يستهدفون تجميع سلطات الدولة كلها في جهاز واحد أو في يد شخص واحد .
ثانياً – الضمير الجماعي أساس القوة الملزمة للعرف :
يلاحظ أن هذا الرأي يلتقي مع التصور العام الذي يقوم على أساسه منظور المذهب التاريخي لأساس القاعدة القانونية , إذ بموجب هذا الرأي ينشأ العرف و يتطور آلياً نتيجة ما يتفاعل في ضمير الجماعة عبر العصور من عوامل مختلفة تؤدي إلى اعتبار العرف الوسيلة الرئيسية و التلقائية في التعبير عن الضمير الجماعي , و بذلك يستند العرف في قوته الإلزامية إلى هذا الضمير .
– نقدهذا المذهب :
لا يكفي وحده لتفسير أساس قوة العرف الملزمة , استنادا لما يكتنف فكرة الضمير الجماعي من غموضو عدم تحديد , فهي فكرة غير واضحة المضمون و المعالم .
فضلا عن أن دور القانون لا يجوز أن يكون مجرد محاكاة للواقع الاجتماعي , بل لا بد من إبراز دور الإرادة الواعية التي تعمل على تطوير المجتمع من خلال ما تصدره من قواعد قانونية يمكن أن تأخذ بيد الجماعة لمزيد من التقدم و الازدهار متخطية الظروف التي تعيشها لتحقيق حياة أفضل .
ثالثاً : تطبيق المحاكم للعرف هوأساس القوة الملزمة فيه:
يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن تطبيق القضاء للعرف هو الذي يضفي عليه القوة الملزمة .
فالعرف ـ وفقا لهذا الرأي ـ لا ينشا بصورة عفوية تلقائية , إذ لا قيمة عملية أو قانونية له إلا إذا طبقته المحاكم على ما يثار أمامها من منازعات .
يلاحظ أن أنصار هذه المدرسة هم كثر و عديدون ليس فقط في نطاق النظام القانوني الانجليزي الذي يقوم أساس على نظام السوابق القضائية , بل يتجاوز ذلك ليجد من يؤيده في نطاق الفقه الفرنسي , بالرغم من خلو القانون الفرنسي من نظام السوابق القضائية .
و لعل من أبرز الفقهاء الفرنسيين الذين تبنوا هذا الرأي ” لامبير “.
ــ نقد هذا المذهب :
يلاحظ في هذا الرأي أنه لا يستند إلى أساس منطق سليم و قوي , إذ يتضح أن هناك العديد من القواعد العرفية التي هي بمثابة قواعد قانونية ملزمة قبل تدخل القضاء , و نذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر قواعد العرف المهني .
و كذلك فإن هناك العديد من القواعد العرفية التي لم تتح لها فرصة التطبيق أمام القضاء ، و مع ذلك لم ينقص هذا الأمر من قيمتها كقاعدة قانونية ملزمة .
و من جهة أخرى يلاحظ أن وظيفة القضاء هي تطبيق القانون , و يقتضي ذلك أن ينشأ القانون بمعزل عن القضاءو قبل تدخله , إذ ليس من المنطق السليم أن تكون القواعد التي يطبقها القضاء على منازعات الأفراد هي نفس القواعد التي يضعها القضاء نفسه .
فإذا رفع الأمر إلى القضاء و صدر الحكم استنادا على العرف فإن القضاء يحكم بموجب قاعدة قانونية عرفية موجودة أصلاً , و من ثم يكون دور القضاء في نطاق العرف دوراً معلناً و كاشفاً لا دوراً منشئاً .
و بالتالي عندما يقوم القاضي بتطبيق العرف فهو لا يخلقه ، إذ أن وظيفة القاضي الأصلية إنما تتمثل في تطبيق القانون أيا كان مصدره , و هو لا يطبق العرف إلا إذا استكمل أركانه و شروطه كقاعدة قانونية .
و يتوجب على القاضي العلم بالقانون و تطبيقه , سواء بذل في تحقيق ذلك مجهوداً كبيراً , كما هو الشأن بالنسبة للعرف , أو بذل مجهوداً ضئيلاً , كما هو الشأن بالنسبة للتشريع , فإن المجهود الذي يبذله في العلم بالقاعدة القانونية و تفسيرها و تطبيقها لا يجعل منه خالقاً لهذه القاعدة .
يتضح مما سبق أنه من غير المنطق القول بأن العرف يوجد لأن المحاكم تطبقه , بل المنطق القول بأن المحاكم تطبقه لأنه موجود أصلاًكقاعدة قانونية ملزمة .
رابعاً : القوة الذاتية لإلزام العرف :
إن ما ذكرناه سابقا من نظريات غير كافية بحد ذاتها لتفسير أساس القوة الملزمة للعرف ، إذ أنها في غالبيتها تنتهي إلى نتائج متطرفة لا يمكن قبولها .
ففي الواقع إن القوة الإلزامية للعرف لا ترجع إلى إرادة المشرع ، ولا إلى الضمير الجماعي أو أحكام القضاء :
فهي من ناحية تنبع من الضرورات الاجتماعية التي تفرض وجودها كمصدر من مصادر القانون , فطالما أن المشرع لا يستطيع الإحاطة بكل العلاقات و الوقائع التي تحتاج لتنظيم , سواء من حيث الزمان أو المكان , بات من الضروري البحث عن مصدر آخر لتلافي هذا النقص في التشـريع , الذي لا يمكن أن ننكر وجوده حتى في المجتمعات الأكثر تقدما و رقيا .
و بالتالي فإن العرف يستمد قوته من ذاته , أو بمعنى آخر إن القوة الملزمة للعرف ، إنما هي قوة ذاتية تكمن فيه تستند في وجودها إلى الضرورة الاجتماعية التي تحتم أن يكون العرف مصدراً أصليا من مصادر القانون يستقل عن التشريع ، و يستند إلى نفس الأسباب التي تفرض وجود القاعدة القانونية في التشريع .
و من ناحية أخرى فإن هناك مجموعة من الاعتبارات تسهم في تدعيم القوة الإلزامية الذاتية للعرف , سواء تعلق الأمر بقتضيات الأمن و الاستقرار في المعاملات بين الأفراد في المجتمع ، أو بما تفرضه طبيعة الإنسان من احترام للسنن التي جرى على اتباعها فترة طويلة من الزمن .
المطلب الرابع : منزلة العرف في النظام القانوني السوري
تنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني على أنه:
” إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية , فإذا لم توجد فبمقتضى العرف ، وإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة ” .
و طبقاً لهذه الفقرة لا خلاف في القانون المدني السوري على تقديم منزلة التشريع على العرف .
و بالتالي لا تثور مشكلة تحديد دور كل مصدر من مصادر القانون ، بالنسبة لغيره من المصادر الأخرى , طالما أن هذه الفقرة قد وضعت قواعد لتدرج مصادر القانون , و جاء العرف متخلفا عن التشريع .
و بذلك يغدو العرف وفقا للقانون السوري مصدرا لا يمكن اللجوء إليه إلا في حال نقص النصوص التشريعية و خلو الشريعة الإسلامية .
و يمكننا هنا أن نطرح مجموعة من التساؤلات لعل أهمها فيما إذا كان يجوز للعرف أن يخالف التشريع أو يلغيه؟
و للإجابة عن ذلك لا بد من التفريق بين حالتين اثنتين :
1- قدرة العرف على إلغاء التشريع .
2- قدرة العرف على مخالفة التشريع .
أولا –عدم إمكانية إلغاء التشريع بالعرف :
تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه :
” لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء ، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم , أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع “
يعني ذلك أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع مثله , سواء كان ذلك الإلغاء صريحاً أو ضمنياً , و يستتبع ذلك عدم إمكانية إلغاء النص التشريعي بمقتضى عرف لاحق .
و في هذا الصدد يطرح تساؤل آخر في بيان ما إذا كان يجوز اعتبار عدم تطبيق نص تشريعي معين من قبيل الإلغاء ؟؟؟
في الواقع لا يجوز إلغاء التشريع بعدم التطبيق و الاستعمال , انطلاقا من فكرة أساسية تتلخص في أن عدم الاستعمال مدة طويلة من الزمن يولد عرفاً سلبياً , و المادة الثانية من القانون المدني تنص صراحة على أنه : ” لا يجوز إلغاء التشريع إلا بتشريع لاحق ” , و بالتالي لا يصبح النص التشريعي ملغى لعدم استعماله .
ثانيا – قدرة العرف على مخالفة التشريع :
نرى أنه من الضروري بداية أن نحدد المقصود بمخالفة العرف للتشريع , فالثابت أنه يقصد بالمخالفة هنا أن يكون التشريع هو المصدر الأول للقانون , حيث توجد قاعدة تشريعية لحل القضية موضوع النزاع , و يجب أن تكون قد توافرت شروط انطباق حكم هذه القاعدة ، و في نفس الوقت يوجد حل في العرف ، و لكنه يخالف الحل الوارد في التشريع .
لكن قبل الخوض في تفاصيل الإشكالية السابقة ، لا بد من أن نتساءل عن تفسير العرف المخالف لمضمون النص التشريعي .
كالمادة /622/ من القانون المدني السوري التي تنص على أنه ” يستحق دفع الأجرة عند تسلم العمل ، إلا إذا قضى العرف أو الاتفاق بغير ذلك ” :
و يذهب الفقهاء في ذلك إلى أنه لا يوجد بهذا الشأن مخالفة أو تعارض بين النص التشريعي و العرف بمجرد أن المشرع قد قام بتعديل في ترتيب مصادر القانون , بمعنى أن القاضي إذا أراد أن يبحث عن حل النزاع فعليه أن يلجأ أولا للعرف فإذا لم يجد فيطبق التشريع .
و المشرع يملك هذا الحق , و هذا يعتبر تعديلا لنص المادة الأولى من القانون المدني , حيث تصبح الأسبقية للعرف بصدد هذه الحالة .
نعود للإجابة على التساؤل الأساسي و المتمثل في مدة قدرة العرف على مخالفة النص التشريعي :
و المخالفة هنا تأخذ صورة من صورتين :
فهي إما تكون مخالفة لنص تشريعي مكمل أو مفسر .
أو أن تكون مخالفة لنص تشريعي أمر .
أ- مخالفة العرف لنص تشريعي مكمل أو مفسر :
في الواقع لا داعي في هذا الصدد للتفرقة بين العرف المدني و العرف التجاري , إذ في الحالتين يجوز للعرف مخالفة النصوص التشريعية المكملة أو المفسرة , فكما يجوز الخروج عليها بمقتضى الاتفاق بين المتعاقدين ، فإنه يجوز الخروج عليها أيضا بمقتضى العرف .
و نص المادة الرابعة من القانون التجاري السوري واضح بهذا الصدد و مانع لأي جدل ، فقد نصت هذه المادة على أنه :
” على القاضي عند تحديد آثار العمل التجاري ، أن يطبق العرف المتوطد , إلا إذا ظهر أن المتعاقدين قصدوا مخالفة أحكام العرف ، أو كان العرف متعارضاً مع النصوص التشريعية الإلزامية ” .
يتضح من هذا النص و بمفهوم المخالفة أن العرف إذا لم يكن متعارضا مع النصوص الآمرة و إنما كان فقط متعارضا مع النصوص التشريعية التكميلية فإن من الواجب تطبيقه .
ب ـ مخالفة العرف لنص تشريعي آمر :
لا يجوز أن يخالف العرف النص التشريعي الآمر , لأن في ذلك مخالفة صريحة لقواعد تدرج مصادر القانون ، سواء تلك المحددة في نص المادة الأولى من القانون المدني , أو نص المادة الرابعة من القانون التجاري .
و لكن يمكن للعرف التجاري أن يخالف نصاً آمراً في القانون المدني ، و لا يعني ذلك تغليب العرف على التشريع , بل هو من قبيل إعمال مبدأ أن الخاص يقيد العام , فإذا كان العرف التجاري يطبق أولاً قبل الرجوع إلى نصوص القانون المدني , فمرد ذلك أن قواعد هذا الأخير هي قواعد عامة ، فيما يتعلق بتنظيم العلاقات التجارية , أما قواعد القانون التجاري فهي قواعد خاصة .
و بناء على ذلك إذا وجد حكم في القانون التجاري , فإنه يطبق أولا دون أن تكون هناك ضرورة للرجوع لنصوص القانون المدني , يستوي في ذلك أن تكون القاعدة القانونية التجارية مصدرها تشريعي أو العرف , لأننا في الحالتين نكون أمام نص خاص يقيد النص العام الوارد في القانون المدني .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً