المحكمة الاتحادية العليا بالعراق بين أزمة التشكيل وأزمة القرار
إن تطبيق النظام الفيدرالي في العراق أسوة بالدول الفدرالية الأخرى يستلزم بالضرورة وجود جهة قضائية محايدة تفصل في مسألة دستورية القوانين الصادرة من المركز والأقاليم كما تفصل في المنازعات التي يمكن أن تثور بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم أو بالمنازعات التي تثور بين الأقاليم نفسها.
ولذلك الدستور العراقي النافذ عام 2005 في المادة (89) منه نص على أن تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون.
وأشارت الفقرة أولاً من المادة (92) بأن المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً كما بينت الفقرة ثانياً من المادة (92) بأن المحكمة الاتحادية العليا تتكون من عدد من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وتنظيم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
وأخيراً فإن المادة (93) من الدستور وضحت إن من اختصاص المحكمة الاتحادية ما يأتي:
أولاً: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
ثانياً: تغيير نصوص الدستور.
ثالثاً: الفصل بين القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات…
رابعاً: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات…
خامساً: الفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم والمحافظات…
إلا إن تشكيل المحكمة الاتحادية العليا الحالي وتم بموجب الأمر (30) لسنة 2005 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد (3996) في 17/آذار/2005 استناداً إلى أحكام المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.
وبموجب المادة (3) من القانون المذكور تتكون المحكمة من ثمانية أعضاء إضافة إلى رئيس المحكمة وقد تم فعلاً اختيار هؤلاء الأعضاء من خلال مجلس القضاء الأعلى وقام مجلس الرئاسة بإصدار المرسوم (67) في 30/3/2006 لإقرار هذا الاختيار ومن ثم تم إصدار قرار جمهوري برقم (2) في 27/6/2006 بتصديق قرار تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا. وأوردت المادة (4) من القانون المذكور اختصاصات للمحكمة ومنها النظر في الطعون عن الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الإداري والنظر في الدعاوي المقدمة أمامها بصفة استثنائية.
وبناءاً على ما تقدم نجد إن تشكيل المحكمة الحالي يخالف نصوص الدستور الحالي كونها مشكلة بموجب قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية كما إن اختصاصاتها غير الاختصاصات التي نص عليها الدستور النافذ.
ونحن نستغرب أشد الاستغراب قيام مجلس الرئاسة بإقرار اختيار أعضاء المحكمة المذكورة في 30/3/2006 رغم إن الدستور الصادر عام 2005 قد نص على تحديد أعضاء المحكمة من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون.
ويدافع البعض عن الاتجاه السابق إن المادة (130) من الدستور الحالي تقرر بقاء التشريعات النافذة معمولاً بها ما لم تلغ أو تعدل وفقاً لأحكام الدستور ولذلك فإن قانون المحكمة رقم (30) لسنة 2005 مازال نافذاً.
ونرى هنا إن عدم تطبيق بنود الدستور رغم مرور فترة زمنية طويلة على إصداره (أكثر من ثلاث سنوات) يزعزع ثقة المواطنين بالقانون والقضاء خاصة إذا كان هذا القضاء مسؤولاً عن المحافظة على دستور الدولة الاتحادي ووحدة الدولة الاتحادية فعلى سبيل المثال أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في أمريكا حكماً قضت فيه ببطلان الاتفاق المبرم بين ولايات الجنوب بالانفصال من الاتحاد الأمريكي وتكوين اتحاد فيما بينها وبين حكمها على أساس إن هذا العمل باطل لمخالفته نص المادة الأولى من الدستور الأمريكي وقيس على ذلك العديد من القرارات الأخرى التي دافعت فيها هذه المحكمة عن وحدة الدولة الفيدرالية.
ولعل التشكيل المتواضع للمحكمة الاتحادية العليا لدينا اليوم قد جعلها مهيضة الجناح وعاجزة عن إصدار القرارات المهمة والخطيرة فكانت قراراتها خجولة ومترددة ولا تعكس أي خبرة دستورية أو قانونية وهذا ليس بغريب طالما استبعدت من تشكيلها رجال القانون من أساتذة ومستشارين ومحامين يمتلكون الخبرة القانونية الكبيرة فمحكمة الدستور العليا في مصر بموجب القانون رقم (48) لسنة 1979 يتم اختيار أعضائها من أساتذة القانون والمستشارين والمحامين لدى محكمة النقض لذلك شكلت قراراتها المتعددة اجتهادات وآراء قانونية أصيلة كانت مداراً للبحث والاستلهام والمناقشة المستنبطة بين رجال القانون لما جاءت به من مبادئ قانونية فريدة أوقفت من خلالها كل من يريد انتهاك أحكام الدستور سواءً كان من الجهات الحكومية أم من جهات غير حكومية.
ولذلك كله نحن مدعوون في العراق الفيدرالي الجديد إلى إنشاء محكمة اتحادية عليا بعيدة عن الطائفية والمحاصصة قادرة على الصمود والتصدي لكل من يريد العبث بالدستور أو الاستئثار بالثروة وهذا لن يتحقق بالأماني بل بإصدار قانون جديد للمحكمة يلغي القانون رقم (30) لسنة 2005 لكي ننسجم مع نصوص الدستور النافذ الذي يقول الكل بأنه متمسك بنصوصه ونسأل الله أن تتقدم وزارة العدل بمشروع هذا القانون إلى مجلس النواب وهي قريبة منه أو أن تقوم أحدى لجان مجلس النواب باقتراح هذا القانون حتى يتجنب مجلس النواب الاستعانة بمحكمة غير مشكلة بموجب الدستور الحالي.
إعادة نشر بواسط محاماة نت
اترك تعليقاً