دراسة حول قراءات تحليلية في القانون المغربي رقم 05.08
التحكيم التجاري الدولي مفهوم قانوني حديث نسبيا يقوم على سحب الاختصاص من القضاء الوطني لحل المنازعات التي تحدث بسبب إبرام أو تنفيذ عقود التجارة الدولية المبرمة بين الدول بعضها البعض أو بين الدول والشركات التجارية الدولية أو الأفراد ,وإسناد حل هذه المنازعات إلى أشخاص خواص يتم اختبارهم بصفة إرادية من قبل الأطراف المتعاقدة.
ويعتبر التحكيم التجاري الدولي عدالة خاصة يقوم بها أشخاص عاديون من اختيار أطراف المنازعة أنفسهم تتوفر فيهم خصائص معينة.
وحيازة المحكمين لثقة الأطراف تجعلهم في مركز أحسن من مركز القاضي العادي، مما يسهل عمله ويعطيه مصداقية لدى الأطراف تمكن من تنفيذ قرار التحكيم بسرعة وسهولة.
وقد أورد أرسطو بهذا الخصوص: “بأن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء، لأن المحكم يرئ “العدالة” بينما القاضي لا يعتد إلا بالتشريع”.
ويرجع معظم الباحثين في هذا المجال أسباب اختيار هذا النظام لحل منازعات التجارة الدولية إلى عدة أسباب أهمها أسباب عملية، قانونية، نفسية ثم مادية.
أما الأسباب العملية: فتتعلق بأهمية المبادلات التجارية الدولية في العصر الحديث، هذه الأهمية فرضت التفكير في إيجاد إطار قضائي خارج إطار قضاء الدولة. يتمثل في استحداث هيئات قضائية دولية. تنسجم مع متطلبات التجارة الدولية، ولاسيما فيما يتعلق بسرعة الفصل في هذه المنازعات، عن طريق إخراجها من دائرة القضاء الوطني الذي يعاب عليه ثقله وطول إجراءاته إضافة تكلفته الباهظة.
هذا زيادة عن الأسباب المادية: نظرا لكون المنازعة التجارية الدولية تتعلق بأطراف يقطنون عادة بأقاليم متباعدة مما يشكل انعكاسات على الكلفة النهائية للفصل في المنازعة .
أما الأسباب القانونية: فتتمثل في وجود عائق أو حاجز قانوني أساسي هو جهل المتعاملين في التجارة الدولية للقوانين الوطنية المختلفة وإجراءاتها.
هذا بالإضافة إلى أن التحكيم التجاري الدولي يمكن من تجاوز مسألة تنازع القوانين في إطار ما يسمى بالقانون الدولي الخاص الذي يشكل عقبة قانونية حسب البعض، وحتى إذا تم تجاوزها بالاعتماد على قواعد الإسناد الوطنية، فإن هذا الحل يكون في النهاية لصالح تطبيق قانوني وطني على حساب قانون وطني آخر. مع المشاكل الموضوعية والإجرائية التي يطرحها اللجوء إلى القانون الوطني في وجه المتعاملين التجاريين الدوليين.
وأخيرا يرجع البعض أسباب اختيار نظام التحكيم التجاري الدولي استنادا إلى اعتبارات نفسية تتمثل في رفض أطراف التجارة الدولية لقبول محاكم الأجنبي وتخوفهم من معاملة متحيزة.
كل هذه العوامل مجتمعة إلى جانب وجود خلفية سياسية في بعض الأحيان دفعت بالمتعاملين بشكل مستمر كل من جانبه إلى الاتجاه نحو التحكيم التجاري الدولي بالنظر للمزايا التي يحققها.
وبخصوص تطور التحكيم التجاري الدولي فقد ظهر هذا الأخير أول مرة في نزاع بين الشركة العالمية لقناة السويس مع نائب ملك مصر حيث ثم الاتفاق على عرض النزاع على التحكيم، هذا النزاع انتهى بصدور مقرر تحكيمي من طرف نابليون الثالث في أبريل 1864.
وقد عرف التطور التاريخي للتحكيم الدولي مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى : وهي مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى التي تميزت بانحصار التجارة الدولية في الدول المتقدمة وأن التحكيم لم يكن في منأى عن هذه التطورات وذلك ليؤمن للنزاعات الناشئة الحلول اللازمة .
المرحلة الثانية : فترة لحرب العالمية الثانية: حيث تنامى دور الدول النامية: لنحصل على التقنية الصناعية وتحقق تحررها من التبعية القانونية والاقتصادية والسياسية، وأمام ما تجده التجارة الدولية أصبح التحكيم عدالة دولية يتساوى فيها الجميع.
وقد لعب الهيئات الدولية: دورا كبيرا في خدمة التجارة الدولية وذلك بإصدارها مجموعة من القوانين المتمثلة في الاتفاقيات الدولية ومن أهمها البرتكول المتعلق بشرط التحكيم لسنة 1923، اتفاقية تنفيذ الأحكام التحكيمية بجنيف سنة 1927، اتفاقية الاعتراف بالأحكام التحكيمية بنيويورك سنة 1958، واتفاقية تهم حل نزاعات الاستثمارات لسنة 1965.
وأيضا دور لجنة الأمم المتحدة في إصدار مجموعة من القوانين، التي تم اعتمادها من طرف العديد من الدول.
إن أهمية التحكيم التجاري الدولي ستزداد لا محالة في المرحلة الحالية المتميزة بازدياد وثيرة التجارة الدولية، لاسيما في ظل “العولمة” التي تهدف بالأساس إلى القضاء على كثير من العراقيل الإدارية والقانونية التي تفرضها الدول في قوانينها الداخلية للحد من حرية تبادل السلع والخدمات..
ويستنتج ذلك من أحكام منظمة التجارة الدولية الداعية إلى التخلي عن الحماية القانونية للتجارة الوطنية عن طريق تحريرها التدريجي من كل القيود القانونية الحمائية.
والمشرع المغربي شأنه في ذلك شأن العديد من الدول تأثر بكل هذه العوامل وظهر ذلك بالخصوص خلال تعديله الأخير لقانون المسطرة المدنية في بابها الثامن بالقسم الخامس المتعلق بالتحكم والوساطة الاتفاقية[1].
ويعتبر التحكيم التجاري الدولي من أهم مستجدات قانون 05-08 الذي حاول المشرع من خلاله تدارك الفراغ القانوني في مادة التحكيم الدولي في القانون القديم متبنيا في ذلك مجموعة من القواعد والمبادئ التي تنسجم مع ما تم التنصيص عليه في الاتفاقيات الدولية المندرجة في هذا الإطار.
انطلاقا مما ذكر يمكن طرح التساؤل التالي :
*ما هي إجراءات الدعوى التحكيمية الدولية
الفقرة الأولى:
إجراءات الدعوى التحكيمية الدولية [2]
من خلال هذا المطلب حاولنا التطرق إلى كل من تشكيل الهيئة التحكيمية (فقرة أولى) باعتبارها الجهة التي خول لها الأطراف البث في النزاع وفق مسطرة معينة وإصدار حكم تحكيمي. وهذا الأخير لا يمكن أن يصدر إلى بعد المرور بمراحل تراتبية وهذا ما حاولنا تسميته بمراحل الدعوى التحكيمية والعوارض التي قد تصادفها (الفقرة الثانية). أولا: تشكيل الهيئة التحكيمية الدولية [3]
إن تشكيل الهيئة التحكيمية الدولية يحظى بأهمية تشريعية مهمة، فالمشرع الوطني أو الدولي حاول إضفاء الطابع الرضائي لأطراف النزاع في تشكيلها على اعتبار أن الفلسفة القانونية للتحكيم كوسيلة بديلة لحل النزاع قائمة على احترام مبدأ سلطان الإرادة كمبدأ أساسي لا يمكن استثناءه إلا في حالة سكوت الأطراف، إذ تتدخل إرادة المشرع لتحل محل إرادة الأطراف، لهذا حاولنا التطرق من خلال هذه الفقرة إلى كل من طريقة تعيين الهيئة التحكيمية وفق قانون 08.05 (أولا)، على أن نخصص (ثانيا) إلى خصوصية تعيين الهيئة وفقا لما جاءت به الاتفاقيات الدولية.
– I : تعيين الهيئة التحكيمية وفق قانون 08/05
حاول المشرع المغربي من خلال قانون 08.05 إعطاء الأولوية لإرادة الأطراف في تعيين الهيئة التحكيمية تكريسا لمبدأ سلطان الإرادة كخاصية يتسم بها التحكيم عامة… غير أن المشرع حدد بعض الحالات التي يتدخل السلطة القضائية في تعيينها وتحديد عددها عند الاقتضاء.
وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذا المحور
أ – تعيين الهيئة بناءا على سلطان إرادة الأطراف
بقراءة الفصل 41-327 يمكن للأطراف بصفة مباشرة أو استنادا إلى نظام للتحكيم أن يعين اتفاق التحكيم المحكم أو المحكمين أو ينص على إجراءات تعيينهم”. ومن هذا المنطلق حاول المشرع إخضاع عملية تعيين الهيئة التحكيمية لإرادة الأطراف وذلك إما مباشر ة كأن ينصوا في اتفاق التحكيم على تعيين الهيئة التحكيمية المعنين بالامر هدا التعين بناءا على الإحالة الصريحة أو الضمنية على نظام تحكيمي معين تكون الهيئة التحكيمية محددة من خلاله. وهذا نفس المقتضى الذي أورده المشرع من خلال الفصل 2-327 المتعلق بتشكيل الهيئة التحكيميةفي الجزء الفرعي الثاني الذي أحال عليه الفصل 43-327 حيث نص المشرع في الفصل 2-327 على أن للأطراف الحرية في تحديد إجراءات تعيين الهيئة التحكيمية وذلك إما في اتفاق التحكيمي وإما استنادا إلى نظام التحكيم الموضوع للمؤسسة المختارة.
هنا أعطى المشرع تزامنا مع مرحلة التعيين للأطراف الحرية في تحديد عدد الهيئة سواء من محكم أو محكمين حسب الاختيار المدرج في اتفاق التحكيم أو حسب طبيعة نظام التحكيم المختار، شريطة احترام مبدأ “العدد الوتري” تجنبا لمساواة الأصوات وتكريسا للأغلبية.
– لكن السؤال المطروح : ما هو الحال بشأن إغفال الأطراف تحديد الهيئة التحكيمية في اتفاق التحكيم أو عدم الإحالة إلى نظام تحكيم معين؟
ب – تدخل السلطة القضائية لتعيين الهيئة
عالج المشرع هذا الإشكال بنوع دقة إذ خول للسلطة القضائية التدخل بناءا على طلب من الطرف الأكثر استعجالا لتعيين الهيئة التحكيمية ما لم يرد شرط بخلاف ذلك ….
غير أن الجهة القضائية المختصة يختلف تدخلها تبعا لمعيار مكان التحكيم أو القانون الإجرائي الواجب التطبيق فبقراءتنا للفصل 41- 327 فإما أن يرفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي ستتولى فيما بعد تخويل الحكم التحكيمي الصيغة التنفيذية إذا كان التحكيم جاريا بالمملكة.
أو أن يرفع الأمر إلى رئيس المحكمة التجارية بالرباط إذا كان التحكيم جاريا بالخارج واتفق الأطراف على تطبيق ق.م.م المغربي.
فكلتا الحالتين الواردتين في الفصل 41-327 حدد المشرع من خلالها الجهة القضائية المختصة في تعيين الهيئة ويبقى السؤال مطروحا
ما هو عدد الهيئة التحكيمية التي يلتزم بها رئيس المحكمة في حالة عدم تحديد الأطراف لها؟
ما هي حدود سلطة تدخل رئيس المحكمة في تعيين الهيئة التحكيمية ؟ في حالة عدم اتفاق الأطراف على ذلك؟
هذا الإشكال لم يجب عليه المشرع في الفرع الثاني من ق 05-08 بل أحال على مقتضيات الفصل 2-327 و 5-327 بموجب 43-327 التي أصبحت بمثابة قواعد قانونية في التحكيم الدولي، حيث نصت على حالتين:
-حالة عدم اتفاق الأطراف على طريقة التعيين الهيئة: فهنا يتدخل رئيس المحكمة المختصة في تعيين الهيئة مع إلزامية احترام الشروط التي تطلبها القانون وتلك التي اتفق عليها الأطراف في اتفاق التحكيم… ويكون هذا التدخل وفق الشكل التالي:
إذا كانت هيئة التحكيم مكونة من محكم واحد يتولى رئيس المحكمة المختصة تعيين المحكم بناءا على طلب أحد الطرفين.
إذا كانت الهيئة مشكلة من ثلاث محكمين يعين كل طرف محكما ويتفق المحكمان المعينان على تعيين المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال 15 يوما التالية لتسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال 15 يوم، تولى رئيس المحكمة تعيينه بناءا طلب أحد الطرفين، وتكون الرئاسة الهيئة للمحاكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي عينه رئيس المحكمة.
وتتبع نفس الإجراءات إذا كانت الهيئة مشكلة من أكثر من ثلاثة محكمين.
– حالة عدم الاتفاق على عدد الهيئة التحكيمية مسبقا
فهذه الحالة تتدخل السلطة القضائية مباشرة نظرا لغياب المقتضى المحدد لإدارة الأطراف في الاتفاق التحكيمي. إذ السلطة القضائية تبقى ملزمة بصريح الفصل 2-327 التي نصت على أنه إذا لم يتفق الأطراف على عدد الهيئة التحكيمية كان العدد ثلاثة.
هذا بخصوص الإجراءات المتبعة في تشكيل الهيئة التحكيمية في قانون 05-08 لنتساءل عن موقف الاتفاقيات الدولية من هذه المسألة [4].
ثانيا. خصوصية تعيين الهيئة التحكيمية وفقا للاتفاقيات الدولية [5]
بقراءتنا لمقتضيات وبنود الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص نلاحظ أن المشرع الدولي قد حافظ على المبدأ العام في تحويل السلطة في تعيين الهيئة التحكيمية لإرادة الأطراف. غير أنه استبعد تخويلها في حالة سكوت الأطراف إلى جهة قضائية [6]، إذ نجد أن هناك بعض الخصوصية فعلى سبيل المثال: نصت المادة السادسة من قواعد التحكيم للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الاونترال) المادة (6):
1- عندما يتعلق الأمر بتعيين محكم واحد، يجوز لكل من الطرفين أن يقترح على الأخر ما يلي:
أ اسم شخص واحد ليكون الحكم الوحيد أو أسماء جملة أشخاص يمكن إختيار المحكم الواحد من بينهم.
ب اسم مؤسسة واحدة أو عدة مؤسسات أو اسم شخص أو أسماء جملة أشخا يمكن اختيار سلطة تعيين من بينها أو من بينهم، وذلك اذا لم يكن الطرفان قد اتفقا على تسمية سلطة معينة.
2- اذا انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ تسلم أحد الطرفين إقتراحاً قدم دون أن يتفق الطرفان على تعيين المحكم الواحد، تولت تعيينه سلطة التعيين التي اتفق الطرفان علي تسميتها. فإذا لم يكن الطرفان قد اتفقا على تسمية سلطة تعيين أو إذا امتنعت السلطة التي اتفقا على تسميتها عن تعيين المحكم، أو لم تتكمن من اتمام تعيينه خلال ستين يوماً من تاريخ تسلم الطلب الذي قدمه إليها أحد الطرفين في هذا الشأن، جاز لكل من الطرفين أن يطلب من الأمين العام لمحكمة التحكيم الدائمة بلاهاي تسمية سلطة تعيين.
3- تقوم سلطة التعيين بناء على طلب أحد الطرفين بتعيين محكم واحد في أقرب وقت ممكن، وتتبع في هذا التعيين طريقة القوائم وفقاً لإجراءات التالية، إلا إذا اتفق الطرفان على استبعاد هذه الطريقة، أو رأت سلطة التعيين، بما لها من سلطة تقديرية، أن استعمالها لا يناسب ظروف الحال:
أ ترسل سلطة التعيين إلى الطرفين، بناء على طلب أحدهما، نسخة متطابقة من قائمة تتضمن ثلاثة أسماء في الأقل.
ب لكل من الطرفين خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلم هذه القائمة، أن يعيدها إلى سلطة التعيين بعد شطب الإسم أو الأسماء التي يعترض عليها وترقيم الأسماء المتبقية في القائمة حسب الترتيب الذي يفضله.
ج- بعد انقضاء المدة المذكورة في الفقرة السابقة، تعين سلطة التعيين المحكم الواحد من بين الأسماء التي اعتمدها الطرفان في القائمتين اللتين أعيدتا إليها وبمراعاة ترتيب الأفضلية الذي أوضحه الطرفان.
د- اذا تعذر لسبب ما، تعيين المحكم الواحد باتباع هذه الإجراءات، كان لسلطة التعيين أن تمارس سلطتها التقديرية في تعيينه.
4- تراعي سلطة التعيين، وهي بصدد اختيار المحكم، الاعتبارات التي من شأنها ضمان اختيار محكم مستقل ومحايد، وأن تأخذ بعين الاعتبار أنه من المستحسن أن يكون المحكم من جنسية غير جنسية أحد أطراف النزاع.
بعد تطرقنا لمسطرة تشكيل الهيئة التحكيمية الدولية في كل من قانون 05-08 وفي بعض الاتفاقيات الدولية ارتئينا في الفقرة الموالية من هذا المطلب التطرق إلى المراحل التي تقطعها الدعوى التحكيمية مبرزين العوارض التي قد تعترض مسطرة سريان هذه الدعوى .
الفقرة الثانية: مراحل الدعوى التحكيمية و عوارضها
بعد تطرقنا في الفقرة السابقة لمسطرة تشكيل الهيئة التحكيمية الدولية في كل من قانون 05-08 و خصوصيتها في بعض الاتفاقيات الدولية ارتأينا في هذه الفقرة التطرق إلى كل من مراحل دعوى التحكيمية (أولا)، على أن نخصص (ثانيا) للعوارض التي قد تعترض مسطرة سريان الدعوى التحكيمية أثناء بث الهيئة في النزاع المعروض عليها.
أولا : مراحل الدعوى التحكيمية الدولية
إن الحديث على مراحل الدعوى التحكيمية الدولية ، يستوجب التطرق إلى مرحلة تكتسي طابعا مهما، خلالها تنظر الهيئة التحكيمية في مدى اختصاصها قبل البث في الموضوع وهذا ما حاولنا تسميته بالبث في الاختصاص (أولا) على أن نتطرق بعدها إلى القانون الواجب التطبيق (ثانيا) انتهاءا بالإجراءات التحفيظية والوقتية (ثالثا).
-I بث الهيئة في الاختصاص
إن هذا الاختصاص بالبث في النزاع يجد مسنده في اتفاق التحكيم هذا الأخير الذي يسحب الاختصاص من السلطة القضائية ليسنده إلى الهيئة التحكيمية، ومن ثم تبقى هذه الأخيرة ملزمة باحترام إرادة الأطراف في الحدود المضمنة في اتفاق التحكيم لذا نجد أن أول إجراء يتخذ في الدعوى التحكيمية هو النظر في مدى اختصاص الهيئة وصحة الاتفاق الذي يحدد هذا الاختصاص.
وهذا الإجراء هو ما يصطلح عليه الاختصاص بالاختصاص، وهذا المبدأ المكرس في الفصل 9- 327 المحال عليه بمقتضى الفصل 43-327 .
بقراءتنا لهذا الفصل نلاحظ أن المشرع ألزم الهيئة التحكيمية أن تبث قبل النظر في جوهر النزاع في مدى اختصاصها وحدوده، انطلاقا من اتفاق التحكيم وطبيعة موضوع النزاع، ويعتبر هذا المقتضى من الأسس المتفق عليها دوليا. إن على مستوى الاتفاقيات الدولية أو التشريعات المقارنة، وهو المستقر عليه عملا لدى المراكز الدولية للتحكيم، فقد قضت محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس بأن (للمحكم وحده وفقا للمادة 13 من لائحة التحكيم اتخاذ أي قرار يتعلق باختصاصه ).
غير أن الملاحظ على الفصل 9-327 نص على صيغة الوجوب وذلك بخلاف بعض التشريعات المقارنة. كما كان من اللازم على المشرع المغربي أن لا يقرن مسألة الطعن باختصاص الهيئة التحكيمية مع الطعن في الموضوع إذ يجب انتظار صدور المقرر التحكيمي في الموضوع ويعرض احتمالا على السلطة القضائية لمنحه الصيغة التنفيذية، لحظتها فقط سوف تتم ملاحظة عدم صحة الأمر الصادر بالاختصاص بعد ضياع الكثير من الوقت والجهد و المال .
وعلى خلاف ذلك نجد أن بعض التشريعات قد أجازت الطعن في اختصاص الهيئة منفصلا عن الطعن في المقرر التحكيمي لهذه التشريعات كقانون التحكيم الانجليزي واليوناني [7].
وعلى العموم فإنه ومع تسليمنا بأن أول التزام إجرائي يقع على عاتق الهيئة هو البث في اختصاصها، فإن هذا البث يكون متلازما مع البث في صحة اتفاق التحكيم على اعتبار أنه مصدر الاختصاص.
وبما أننا نتحدث عن التحكيم الدولي الذي يرتبط بأكثر من نظام قانوني فإن السؤال المطروح هو أي قانون يمكن الاعتماد عليه لتحديد صحة اتفاق التحكيم، هل هو قانون مكان إبرام اتفاق التحكيم أو مكان إجراء التحكيم أو القانون الواجب التطبيق على الموضوع ?
إن الجواب عن هذا السؤال استنادا إلى المبادئ العامة في تنازع القوانين، يستدعي القول على أن صحة اتفاق التحكيم من حيث الشكل يخضع لقانون بلد الإبرام( الفصل 10 من ظهير 12 غشت 1913) .
إلا أنه بالرجوع إلى مجموعة من القرارات سواء الصادرة عن الهيئات التحكيمية أو عن محكمة النقض الفرنسية نلاحظ أنه تم وضع مجموعة من المعايير يمكن الاعتماد عليها لتحديد المقتضيات التي تحكم صحة اتفاق التحكيم وهي تختلف عن المبدأ العام المقرر في تاريخ القوانين ومن أهم هذه المعايير نذكر:
أجتهادات محكمة النقض الفرنسية و التي أخضعته :
1- صحة شكل اتفاق التحكيم يحكمه مكان التحكيم: إلا أن هذا المعيار تعرض للعديد من الانتقادات أهمها الحالة التي لا يكون أطراف العقد قد حددوا مكان التحكيم جوهرا
2- صحة شكل اتفاق التحكيم بحكمه القانون المطبق على جوهر النزاع [8].
بعد بث الهيئة التحكيمية في مدى صحة اختصاصها وصحة اتفاق التحكيم، تبدأ بالشروع بالنظر في الموضوع وهذه العملية لا تتم إلا وفق قانون إجرائي شكلي يحدد الإجراءات القانونية التي تلزم كل من أطراف النزاع والهيئة التحكيمية ضمانا لمبدأ: “المحاكمة العادلة” وإنصافا لحقوق الأطراف وفق قانون موضوعي معين. وهذا ما سنحاول معالجته في المحور التالي:
II – تحديد القانون الواجب التطبيق [9]
إن تحديد القانون الواجب التطبيق يكتسي أهمية كبيرة ضمن اجراءات الدعوى التحكيمية، إذ يخول للهيئة معرفة القانون الإجرائي لسريان الدعوى التعليمية من حيث الشكل بالإضافة إلى ارتكاز حل النزاع المطروح على قانون موضوعي معين [10]
وهذا ما سنتطرقنا له في كل من القانون الإجرائي الواجب التطبيق (أولا) والإجراءات التحفظية (ثاني)ا، إلى جانب تحديد القانون الموضوعي لحل النزاع( ثالثا).
1- القانون الإجرائي الواجب التطبيق
لقد خول المشرع لإرادة الأطراف سلطة تحديد القانون الإجرائي الواجب تطبيقه خلال سريان الدعوى التحكيمية ، وهذا ما نلمسه بقراءتنا للفصل 42- 327 – 10-327، إذ يحق للأطراف التنصيص على ذلك إما في اتفاق التحكيم والاستناد إلى نظام تحكيم معين وفي الحالة التي لم يرد نص بشأن ذلك تقوم الهيئة التحكيمية بضبط إجراءات مسطرة التحكيم التي تراها منادية إما مباشرة أو بالرجوع إلى قانون أو نظام تحكيم معين، دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد المتبعة لدى المحاكم، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في إنفاق التحكيم.
وتجذر الإشارة ونحن بصدد الحديث عن القانون الإجرائي الواجب التطبيق أن هذا الأخير تحكمه شكليات قانونية من أجال وشكليات تقديم مقال والمذكرات ودفوع هذه الأخيرة تبقى خاضعة للقانون المسطري الواجب التطبيق الذي اختاره الأطراف أو المحدد من قبل الهيئة التحكيمية لكن يبقى القاسم المشترك مهما كان القانون الإجرائي المطبق، مرتكز على احترام المبادئ المتفق عليها دوليا أو ما يصطلح عليه بضمانات التقاضي أمام هيئة التحكيم، [11]
ونذكر من بين هذه الضمانات التي يستوجب احترامها في القانون الإجرائي ما يلي:
احترام مبدأ المساواة بين الخصوم : ويتجسد ذلك في تخويل كل الطرفين الفرصة كاملة لعرض دعواه وتحقيق دفاعه بشكل متكافئ ودون تميز وهو ما نص عليه المشرع في الفصل 10-327 فقرة الثالثة من قانون 08-05 حيث نص “يعامل أطراف التحكيم على قدم المساواة وتهيئ لكل منهم فرصة كاملة ومتكافئة لعرض دعواه ودفوعاته وممارسة حقه في الدفاع”.
احترام مبدأ المواجهة في نزاع التحكيم : فهذا المبدأ من المبادئ الأساسية سواء أمام القضاء الرسمي أو أمام قضاء التحكيم، إذ على المحكم التقيد به وإلا فإن أي عمل يصدر دون احترام مبدأ الوجاهة يكون معرضا للبطلان، ويتعين على الطرف المدعي إثباته دلك، وتمسك بإثارته أمام الهيئة التحكيمية تحت طائلة اعتباره بمثابة تنازل عنه ويفقد حقه في إثارته أمام محكميه الاستئناف وهو ما أكده قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر عن الغرفة المدنية 2 بتاريخ 20/11/2003 ويتجسد هذا المبدأ في ثلاث نقط:
1- حق كل خصم في أن يسمعه المحكم.
2- حق كل خصم بأن يناقش وجاهيا ومطالب خصماه.
3- حق كل خصم في مناقشة عناصر الواقع والقانون التي تلقاها و اثارها المحكم .
أما بخصوص مسطرة التحقيق كإجراء شكلي يتم تحديد ضمن القانون المسطري الواجب التطبيق، فالمشرع الغربي قد عالج ضمن مقتضيات قانون 08-05 هذا الإجراء المسطري إذ نص في الفصلين 11- 327 و 12- 327 بالقول ” تقوم الهيئة التحكيمية بجميع إجراءات التحقيق بالاستماع إلى الشهود أو بتعيين خبراء أو بأي إجراء آخر…….. ”
إن التمعن في صباغة الفصل يجعل الباحث القانوني يتساءل حول الآليات القانونية المخولة للهيئة من أجل إجبار الأطراف أو الغير الأداء بالوثائق أو كل ما هو مفيد لمسطرة التحقيق ومساعد في توفير المعلومات اللازمة لعمل الهيئة، دون التمسك بمقتضيات السر المهني أو الامتناع.
فالمشرع المغربي لم يحدد صلاحيات الهيئة التحكيمية في إجبار الأطراف [12] أو الغير بالإدلاء بالمعلومات هذا ما جعلنا نبحث عن مقتضى قانوني ضمن بنود الاتفاقيات الدولية من أجل سد هذا الفراغ القانوني.
فبالرجوع إلى اتفاقية القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (الاونسرال) في مادته 27 تحت عنوان المساعدة المقدمة من المحاكم للحصول على أدلة حيث نصت “يجوز للهيئة التحكيم أو لأي من الطرفين بموافقتها طلب المساعدة من المحكمة المختصة في هذه الدولة للحصول على أدلة ويجوز للمحكمة أن تنفذ الطلب في حدود سلطتها ووفقا لقواعدها الخاصة”.
إلى جانب طريقة تحديد القانون الإجرائي لسير مسطرة الدعوى التحكيمية الدولية سنحاول التطرق إلى نقطة ذات أهمية بما كان والمتعلقة بالإجراءات التحفظية و لضمان حقوق أطراف النزاع إلى حين صدور المقرر التحكيمي.
-2 تحديد القانون الموضوعي الواجب التطبيق
لا شك أن الهيئة التحكيمية عند انتهائها من تحديد وضبط القانون الإجرائي الواجب التطبيق، تمر بعد ذلك إلى تحديد القانون الموضوعي الواجب التطبيق على الجوهر هذا الأخير واستنادا على مبدأ سلطان الإرادة الذي يطبع العملية التحكيمية برمتها يكون هو الذي ارتضاه الأطراف بملئ إرادتهم في اتفاق التحكيم ذاته، ويبقى هذا المبدأ هو المستقر عليه دوليا ووطنيا، وهو ما نص عليه الفصل 44.327 . وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه الفصل 18. 327 فقرة أولى في التحكيم الداخلي من تم يبقى تحديد القواعد الموضوعية التي تحكم جوهر النزاع مخولة للأطراف، لهم كامل الحرية في إعمالها دون قيود ولا يمكن الحد منها تحت أي مسوغ غير احترام ما تعلق بالنظام العام.
لكن السؤال يطرح في الحالة التي يغفل فيها الأطراف تحديد القانون الموضوعي الواجب التطبيق، فهل يصار إلى استجلاء إراتهم الطمنية في اتفاق التحكيم أو يصار إلى إعمال قواعد تنازع القوانين الملائمة؟ أم أن الحرية تبقى بيد المحكم لتحديد القانون الواجب التطبيق؟
الواقع أن مختلف التشريعات والاتفاقيات الدولية منحت المحكم سلطة تحديد القانون الواجب للتطبيق وإن اختلفت حول الضوابط التي يجب إعمالها لهذا التحديد.
حيث نجد أن الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام 1987 في مادتها21: ” ألزمت المحكمين في حالة غياب الاتفاق الصريح للأطراف حول القانون الواجب التطبيق، استجلاء الإرادة الضمنية للأطراف، إن وجدت، وإلا فوفق أحكام القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع على أن تراعي قواعد الأطراف التجارية الدولية المستقرة “.
أما القانون النموذجي للتحكيم الدولي فقد نصت المادة 28 منها، على الضوابط التي يجب إتباعها في حالة غياب الإدارة الصريحة للأطراف في بنذها الثاني ” إذا لم يعين الطرفان أية قواعد، وجب على هيئة التحكيم أن تطبق القانون الذي تقرره قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها واجبة التطبيق”.
وفي جميع الأحوال، تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لشروط العقد وتأخذ في اعتبارها العادات و الاعراف المتبعة في ذلك النوع من النشاط التجاري المطبقة على المعاملة”.
فإذا كانت هذه الاتفاقيات قد وضعت عدة ضوابط مختلفة تعين أو تقيد المحكم عند اختيار القانون الموضوعي الواجب التطبيق، فإننا نجد تشريعات أخرى أطلقت يد المحكم في هذا التحديد نسبيا، ومنها القانون 05/08 والذي نص في الفصل 44.327 فقرة ثانية والثالثة على هدا المقتضى .
والملاحظ أن هذا الفصل مطابق في مقتضيات للمادة 1497 من قانون الإجراءات الفرنسي، والذي خالف بدوره ما أوصت به قواعد القانون النموذجي السالف ذكرها، وعلى الخصوص في إلزام الهيئة بالرجوع إلى قواعد تنازع القوانين[13]، لكن وحتى إن استحسنا موقف ق. 05/08 بخصوص الحرية المعطاة للمحكم في تحديد القانون الموضوعي الواجب التطبيق، باعتبارها تغنينا عن الخوض في التعقيدات التي يطرحها إعمال قواعد تنازع القوانين[14]، فإن هذه التعقيدات قد تفرض نفسها في أحيان كثيرة، خصوصا إذ علمنا أن موضوع النزاع قد يرتبط في جزء منه، بالجانب الشخصي في الالتزام وعلى الخصوص مسألة أهلية الالتزام وعيوب الرضى فيه، فهل القواعد الواجبة التطبيق هنا تخضع لما يراه المحكم ملائما، أم أن الأمر عكس ذلك ويتوجب الرجوع إلى قواعد تنازع القوانين لتحديد القانون الموضوعي الواجب التطبيق على الأهلية وما يلحق بها.
إن القانون 08/05 لا يتضمن إجابة عن هذا السؤال، وإن كان في نظرنا يجب إعمال قواعد تنازع القوانين، وعلى العموم فإننا ندعو المشرع إلى سد هذا الفراغ .
وقبل أن نختم هذه النقطة نرى من المفيد أن نذكر بأن المحكم لا يلجأ إلى تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف لحسم النزاع إلا إذا كان مفوضا بالصلح من قبل الأطراف المتنازعة وفي هذه الحالة لا يستند في حسم النزاع إلى القواعد القانونية إلا ما استوجبه النظام العام وفيما عدا ذلك فإلى مبادئ العدالة والإنصاف.
وهذا المبدأ نجده في جميع نصوص القواعد التحكيمية الدولية وفي نصوص القوانين الوطنية المختلفة ومنها الفصل 45. 327 من قانون 05/08
كذلك فإن المحكم حتى وإن كان مفوضا بالصلح لا يمكنه تجاهل القواعد الآمرة والتي تمس النظام العام الدولي للدولة التي تتصل بها المنازعة المعروضة عليه.
والتزم المحكم المفوض بالصلح بمراعاة النظام العام الدولي لهذه الدولة يبرره ضمان الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الصادر عنه في هذه الدولة التي تتصل بها المنازعة المعروضة عليه بروابط وثيقة.
وبعد تحديد الهيئة التحكيمية للقانون الإجرائي أو الموضوعي الواجب التطبيق، ثم البث في جوهر النزاع لكن قد يطرأ طارئ أثناء سير مسطرة الدعوى التحكيمية قد نتج عنه وقف أو انقطاع أو إنهاء سير الدعوى التحكيمية أو ما يصطلح عنه بـ عوارض الدعوى التحكيمية.
3- الإجراءات التحفظية في الدعوى التحكيمية الدولية [15]
تعد الإجراءات التحفظية أو الوقتية وسيلة ضمان الحق والمحافظة عليه إلى حين صدور الحكم التحكيمي، فهي توفر الحماية الوقتية، إلى حين أن تحل محلها الحماية الموضوعية الدائمة… لهذه الغاية حاولنا التطرق إلى خصوصية الإجراءات التحفظية والوقتية ضمن قانون 08-05 (أولا) على أن نعالج موقف الاتفاقيات الدولية بخصوصها( ثانيا) .
– خصوصية الإجراءات التحفظية وفق قانون 08-05
بقراءتنا لمقتضيات الفرع الثاني من قانون 08-05 نجد المشرع قد أحال على مقتضيات الفصل 15-327 بموجب الفصل 43-327، الذي يخول للهيئة التحكيمية اتخاذ كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه مناسبا وذلك بطلب من أحد الأطراف شريطة أن لا ينص الاتفاق على غير ذلك أو يكون هذا الإجراء خارج حدود مهمتها.
وما يميز خصوصية الإجراءات التحفظية في التحكيم الدولي عن مثيله الداخلي هو كون سلطة القضاء في هذا الأخير غير صاحبة الولاية في استصدار هذه الأوامر، إذ لا تتدخل سلطة القضاء إلا بطلب أحد الأطراف الذي صدر الأمر لصالحه من أجل إخبار من صدر إليه الأمر بتنفيذه.
أما بخصوص الفصل 1-327 الذي لم يحل عليه التحكيم الدولي. فهذا الفصل لا مجال لإعماله بصريح النص القانوني.
وهذا ما جعلنا نتساءل:
هل سيقبل رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور الاستعجالية طلب أحد الأطراف بإصدار إجراء تحفظي أو وقتي ؟
ما مأل الأوامر التي أصدرها رئيس المحكمة في التحكيم الدولي؟
بعد معالجتنا لإجراءات التحفظية في قانون 08-05 نتساءل عن خصوصيتها في الاتفاقيات الدولية؟
ان موقف الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص قد تضاربت ما بين اللجوء الى السلطة القضائية من أجل استصدار أوامر استعجالية لضمان حقوق الأطراف إلى حين صدور المقرر التحكيمي، لكن هذا اللجوء جعلته اختياريا، إذ تبقى السلطة المكلفة بذلك راجعة للهيئة التحكيمية وذلك لضمان مبدأ قامت عليه فلسفة التحكيم ألا وهو ضمان حياد وعدم التحيز أي سلطة قضائية بهذا الخصوص وبالتالي تستبعد هذه السلطة القضائية ولا يكون تدخلها إلا من أجل إلزام الشخص الذي صدر الأمر التحفظي ضده لتنفيذه.
وبعد إنهاء الحديث عن القانون الإجرائي الواجب التطبيق فإن المنطلق القانوني المتعارف عليه، بموجب ضرورة معرفة الهيئة التحكيمية للقواعد الموضوع التي تستند عليها لحل النزاع المطروح أمامها، وهو ما سنحاول التطرق إليه في النقطة التالية.
الفقرة الثانية : عوارض الدعوى التحكيمية الدولية
فالدعوى التحكيمية شأنها شأن الدعوى القضائية، قد تعترضها أثناء سريان مسطرة التحكيم مجموعة من العوارض تؤثر في سيرها وتقدمها نحو الفصل في النزاع بحكم حاسم. لهذا سنتطرق من خلال هذا المحور إلى عوارض أساسية تؤثر على سير الدعوى التحكيمية إما بالوقف أو الانقطاع أو الانتهاء
أولا: وقف الدعوى التحكيمية الدولية
نظرا لمبدأ سلطان الإرادة المتكرس في اتفاق التحكيم، فإنه يجوز للأطراف الاتفاق على وقف إجراءات التحكيم أو على الهيئة التحكمية إقرار ذلك أيا كانت المدة، وتستأنف الدعوى بعد انقضاء مدة الوقف ولا يترتب على الوقف الاتفاقي وفق سريان أي ميعاد في الدعوى التحكيمية إلا إذا اتفق الأطراف على ذلك.
وقد يكون الوقف بناءا على قرار الهيئة التحكيمية إذا توفرت الحالات التالية على سبيل المثال :
– وجود مسألة تخرج عن ولاية المحكم وتختص بشأنها الجهة القضائية كالطعن بالزور في أحد الوثائق واتخذت بشأنها إجراءات جنائية.
-المسائل التي ينبغي على المحكم فيها اللجوء إلى الجهة القضائية لعدم تمتعه بسلطة الإجبار.
وعارض الوقف سواء بإرادة الأطراف أو بطلب من الهيئة تبقى خاضعا لمعيار “مدى توقف الفصل في النزاع على الفصل في هذه المسائل”
ثانيا: انقطاع الدعوى التحكيمية الدولية
فحدوث سبب من أسباب الانقطاع اتجاه أحد أطراف النزاع كالوفاة أو فقدان الأهلية أو زوال صفة الممثل القانوني فإن ذلك يؤدي إلى انقطاع سير إجراءات الدعوى التحكيمية شريطة أن يكون باب المرافعات لم يقفل بعد.
ولانقطاع الدعوى التحكيمية أثار عديدة من بينها على سبيل المثال:
-وقف سريان سريان المواعيد الاتفاقية والقانونية والمهل الجارية في الدعوى التحكيمية .
-يستأنف سير الدعوى التحكيمية من آخر إجراء صحيح قبل الانقطاع وتعتبر جميع الإجراءات التي تمت قبل الانقطاع صحيحة .
ثالثا: إنهاء الدعوى التحكيمة الدولية
هناك بعض الحالات تستطيع الهيئة التحكيمية الدولية أن تصدر قرارها بإنهاء الإجراءات دون الفصل في الموضوع من بينها:
-عدم تقديم المدعى مذكرة فتح الدعوى داخل الا جل القانوني او الاتفاقي حسب مقتضيات الفصل 14 -327 فقرة التاسعة.
– توصل الأطراف إلى تسوية ودية حسب مقتضيات الفصل 19 – 327.
-فوات الميعاد المحدد لإصدار الحكم التحكيمي سواء أكان محدد بالقانون أو بالاتفاق حسب مقتضيات الفصل 20- 327 الفقرة الأخيرة.
-استحالة استمرار الهيئة في الإجراءات لسبب من الأسباب حسب مقتضيات الفصل 19 – 327 فقرة أخيرة .
المواضيع التالية مرتبطة ب
– متى يمكن اعتبار التحكيم دوليا’
وما هي الخصوصية التي تميز التحكيم التجاري الدولي عن نظيره الداخلي.
كيف يصدر الحكم التحكيمي الدولي؟ ومتى يمكن الاعتراف به وتنفيذه؟
وهل هناك قيود يمكن أن تحول دون تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي بعد صدوره؟
[1] التحكيم ليس وسيلة لفض المنازعات القائمة بالفعل فحسب ، بل هو أيضا وسيلة هامة وعملية لتفادى نشوء أى منازعات أثناء مفاوضات إبرام العقود طويلة المدى ، وأداة ذات فعالية ديناميكية لمواجهة أوجه القصور والمستحدثات التى تظهر مع الزمن فى تلك العقود طويلة المدى ، ووسيلة لمعالجة أوجه القصور فى بعض القوانين الوطنية من خلال تطبيق قانون وطنى آخر أو من خلال تطبيق قواعد الأمم المتمدينة ، أو قواعد العدالة ….(مقدمة مقتبسة من خلال عرض مشترك مع زملاء ماستر قانون الاعمال -المحمدية . )
إذ يمتاز التحكيم بخصائصه الذاتية بالفصل فى النزاع بحكم حاسم غير قابل للطعن ويتميز أيضا بمرونته فى حل النزاع وفقا لقواعد العدالة والإنصاف البحتة وهو ما يسمى بتحكيم العدالة بجانب التحكيم بالقانون .
والتحكيم يختلف تماما عن الوساطة التى تعتبر أسلوبا غير حاسم للنزاع وغير ملزم لأطرافه ، فلا يكون فى الوسع فرض الوساطة على الأطراف المتنازعة إلا برضائهم جميعا رضاءا صحيحا تاما ومستمر من جانبهم ، فإذا ما أرتأى أحدهما نبذه أو العدول عنه فى توقيت لاحق زال كل أثر للوساطة وهو ما يعبر عنه بأن ( الوساطة إجراءات تحت سيطرة الأطراف )
[2] ويمتاز التحكيم ببساطة الإجراءات حيث نجد ان هيئة التحكيم تتمتع بحرية أوسع واكثر من القضاء الوطني في كل ما يتعلق بإجراءات التقاضي، مثل التبليغات وادارة الجلسات وتنظيمها، وتقديم البينات، والاتصال بأطراف النزاع وغير ذلك. وهي في كل هذه الأمور وغيرها تبتعد، ما أمكن، عن الإجراءات الشكلية التي تكون في كثير من الأحيان، أمام القضاء، طويلة ومملة، ولا فائدة منها سوى التقيد بحرفية النصوص القانونية الخاصة بالإجراءات، وذلك على حساب موضوع وجوهر النزاع. والنتيجة الطبيعية لذلك، ان يصدر قرار التحكيم خلال وقت اقصر بشكل ملموس فيما لو عرض النزاع ذاته على القضاء.
[3] كما تعتبر طريقة اختيار هيئة التحكيم، ودور أطراف النزاع في ذلك من مميزات التحكيم. فالأطراف أو ممثلوهم تكون لهم الفرصة الأولى والأكبر في اختيار المحكمين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من اكثر من محكم، وهم عادة ثلاثة محكمين، يتولى طالب التحكيم (المدعي) تعيين محكمه أو ترشيح هذا المحكم للتعيين، في حين يقوم بالشيء ذاته المطلوب التحكيم ضده (المدعى عليه)، بالنسبة للمحكم الثاني. أما المحكم الثالث الذي يتولى رئاسة هيئة التحكيم، فإما ان تعطى الفرصة لتعيينه لطرفي النزاع، أو للمحكمين اللذين اختارهما الطرفان عنهما وذلك حسب قواعد التحكيم المطبقة على النزاع. ومثل هذا الأمر يعطي الأطراف نوعا من الأمان والراحة النفسية، حيث يساهم الشخص في اختيار قاضيه الذي سينظر النزاع، بل يساهم ولو بطريقة غير مباشرة في اختيار المحكم الثالث. وهذا بخلاف اللجوء للقضاء الوطني، حيث نجد المحكمة مكونة من قضاة رسميين في الدولة، لا دور للأطراف في تعيينهم أو تعيين أي منهم، وفي كثير من الأحيان، يكون الأطراف أو بعضهم غرباء عن ذلك النظام القضائي الوطني. وفي هذا المجال أيضا، فان بعض المحكمين، ان لم يكن كلهم، انما يتم اختيارهم من ذوي الاختصاص والكفاءة بالنسبة للعقد موضوع النزاع، خاصة فيما يسمى بالتحكيم المؤسسي الذي أشرنا إليه فيما مضى.
[4] إتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري الدولي فقد نظمت موضوع تشكيل هيئة التحكيم في المادة 15 من الاتفاقية المذكورة حيث نصت على أن ” -تتألف هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء ويجوز للطرفين الإتفاق على محكم واحد ”
فالأصل ترك تشكيل محكمة التحكيم لحرية الأطراف سواء تولوا ذلك بأنفسهم أو فوضوا جهة معينة لتتولى هذه المهمة ، أما إذا لم يوجد مثل هذا الإتفاق أو تعذر التشكيل ، فيتولى الأمر الجهة التي يحددها القانون الوطني لكل دولة.
[5] إن القواعد الدولية المعمول بها في حقل التحكيم الدولي فهي وبصورة عامة لا تضع شروطا خاصة لمن يمكن اختياره محكما، ذلك لأن القاعدة في هذه الحالة ترك الحرية للطرفين في إختيار الشخص أو الأشخاص الذين يثقون بهم و بنزاهتهم و الاطمئنان إلى عدالتهم في اتخاذ
القرار الخاص بحسم النزاع. في حين نصت بعض الاتفاقيات الدولية صراحة على إمكانية قيام الأجنبي بمهمة المحكم، فقد ورد في الاتفاقية الأوروبية لعام 1961 م 1 في المادة الثالثة منها على أنه في التحكيم الخاضع لهذه الاتفاقية يمكن للأجانب أن يعينوا المحكمين ، كما نصت بعض الاتفاقيات والقواعد
الدولية على عدم تعين محكم ممن يحملون جنسية أحد أطراف النزاع، وذلك في حال تعينه من قبل سلطة التعيين.
كما نصت الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري سنة 1987 على انه “لا يجوز أن يكون المحكمون الذين يتم تعيينهم من مواطني أحد الطرفين”، كما نصت هذه الإتفاقية في المادة 14 منها على أن ” يعد مجلس الإدارة سنويا قائمة بأسماء المحكمين من كبار رجال القانون والقضاء أو من ذوي الخبرة العالية و الإطلاع الواسع في التجارة أو الصناعة أو المال ومتمتعين بالأخلاق العالية والسمعة الحسنة ” وقد ورد نص مشابه في اتفاقية واشنطن لعام 1965
الخاصة بحل المنازعات المتعلقة بالاستثمارات، حيث جاء في المادة 38 من الاتفاقية انه “عندما يقوم رئيس مجلس إدارة تسوية المنازعات الخاصة بالاستثمارات بتعيين المحكم أو المحكمين يجب أن لا يكونوا من مواطني دولة احد الأطراف”، مثل هذا النص جاء في القواعد الدولية الخاصة بالتحكيم. مما يتعلق بهذا الخصوص ايضا ما جاء في القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة، حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة 11 “لا يمنع أي شخص بسبب جنسيته من العمل كمحكم ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك”
[6] لأستاذ الدكتور أكثم الخولى ، محاضرات بعنوان “الاتجاهات العامة فى قانون التحكيم المصرى الجديد ، مؤتمر القانون المصرى الجديد للتحكيم ، مركز القاهرة واليونسيترال ، 12 – 13 سبتمبر 1994
[7] المصري، حسني: التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة، دون ط، القاهرة، دار الكتب القانونية، 2006 ، ص 338
[8] كقاعدة عامة لا يختلف اتفاق التحكيم عن غيره من العقود ذات الطابع الدولي إذ تخضع في تشريعات مختلف الدول لقاعدة سلطان الإرادة. وقد تبنى المشرع المغربي هذه القاعدة صراحة في المادة 13 من ظهير 12 غشت 1913 التي تخضع العقود للقانون الذي يتفق عليه الأطراف أو تتجه إرادتهم إلى تطبيقه. وإلا طبق قانون محل إبرام العقد. وهذا لا يلزم المحكم سواء وقع التحكيم في مغرب أو في الخارج. فجلوس المحكم للتحكيم في مغرب لا يعني تقيده بقواعد الإسناد المقررة في القانون المغربي لأن المحكم على خلاف القاضي ليس له قانون اختصاص.
وإذا جلس للتحكيم في الخارج فهو لا يتقيد بقواعد الإسناد المقررة في القانون المغربي حتى لو اتفق الأطراف على تطبيق القانون المغربي فهو لا يتقيد إلا بإرادة الأطراف. وبالتالي فلا يتصور تطبيق المحكم قواعد الإسناد المقررة في القانون المغربي إلا إذا اتفق الأطراف على ذلك، أما مجرد الاتفاق على تطبيق القانون المغربي فيعني القواعد الموضوعية في هذا القانون دون قواعد الإسناد.
والإرادة لا زالت قاعدة مستقرة في القانون الدولي الخاص، ويقوم عليها أصلا نظام التحكيم ككل وليس اتفاق التحكيم فحسب. والأصل هو سلطان الإرادة وعند تخلف الإرادة يعتد بقانون مكان التحكيم، ويراعى أن الفصل في هذه المسألة يمكن أن يتولاها محكم، كما يمكن أن تثار لدى القاضي وذلك قبل الفصل في النزاع أو بعد صدور حكم التحكيم، وعند تقديم الحكم لتنفيذه حسب المساطر المقررة.
[9] يجب أن يتم التفريق في هذا المجال بين أمرين انقسمت حولهما آراء الفقهاء بمناسبةالبحث عن القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، فهذه الإجراءات تبدأ منذ إبداء احدأطراف النزاع رغبته في تسوية النزاع بالتحكيم، أي منذ طلب التحكيم، لحين إصدار قرار
التحكيم بصيغته النهائية، حيث يذهب الرأي الأول إلى ربط التحكيم وإجراءاته بمكان التحكيم،أي قانون الإجراءات لذلك المكان، بمعنى آخر للدولة التي يوجد على إقليمها مكان التحكيم هوالذي يطبق بالنسبة لسير الإجراءات،
أما الرأي الثاني، فيذهب إلى ربط التحكيم وإجراءات بإرادة الطرفين.
وبالنسبة لقواعد تنازع القوانين على صعيد التعامل الدولي، فيجب الرجوع إلى التكييف القانوني للتحكيم، فإذا اعتبر تصرفا اتفاقيا، فالقانون الواجب التطبيق يكون القانون الذي اختاره الطرفان المتنازعان، أما إذا اعتبر التحكيم تصرفا قضائيا أو إجرائيا ففي هذه الحالة من الضروري خضوع التحكيم إلى قانون المكان الذي يجري فيه التحكيم .
[10] سامية، راشد: التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة. دون ط. القاهرة. دار النهضة العربية. 1984 . ص 75 و ما بعدها.
[11] عبد التواب، معوض: المستحدث في التحكيم التجاري الدولي. ط 1. الإسكندرية . دار الفكرالجامعي. 1997 م.
[12] ففي نطاق الإجراءات فانه يجوز لهيئة التحكيم أو لأي من الطرفين بموافقتهما طلب المساعدة من محكمة مختصة في هذه الدولة، للحصول على أدلة وذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة، ويجوز للمحكمة أن تستجيب للطلب في حدود سلطتها المخولة لها وطبقا للقواعد القانونية التي تطبقها والخاصة بالحصول على الأدلة.وعليه فان شكل الإجراء المراد تنفيذه بمقتضى المساعدة القضائية يخضع لقانون القاضي المراد منه تنفيذها، وذلك تطبيقا لقاعدة خضوع الإجراءات لقانون.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً