مقال حول دستورية القانون الخاص بانشاء هيئة الأوقاف المصرية .
أولاً- تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم دستورية نص في قانوني ..
ليس فصلاً في دستورية هذا النص، ولا يحوز أية حجية أمام المحكمة الدستورية:
حيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: “تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعد دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لا يتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعي، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا، لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديداً لصحتها أو فسادها. وإذ تفصل محكمة الموضوع في جدية دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مُستفاد ضمناً من عيون الأوراق، ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع: إرجاء الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية، وكذلك تعليق حكمها فيه على الفصل في المسائل الدستورية التي اتصل بها”. (الطعن رقم 3 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة 4/1/1997. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 3 بتاريخ 16/1/1997).
ثانياً- عدم صحة الاستناد للحكم الصادر في الطعن رقم 104 لسنة 23 قضائية “دستورية”:
بمُطالعة الحكم الصادر في الطعن رقم 104 لسنة 23 قضائية “دستورية” الذي استند إليه المدعي في دعواه الدستورية الماثلة، تبين أن المحكمة الدستورية قد قضت في الطعن المذكور بجلسة 9/1/2005 والذي جرى منطوقه على النحو التالي:
“بعدم دستورية البند (ح) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري المُعدل بالقانون رقم 44 لسنة 1958 فيما تضمنه من النص على جواز إتباع إجراءات الحجز الإداري عند عدم الوفاء بما يكون مُستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً من إيجارات للأعيان التي تديرها الوزارة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مُقابل أتعاب المُحاماة”.
وقد أسست المحكمة الدستورية العليا حكمها سالف الذكر على أن: “البين من استعراض أحكام القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر، والقانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف، أنها ناطت بالوزارة النظر على الأوقاف الخيرية وإدارة أعيانها، وبهذه الصفة أجاز البند (ح) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري للوزارة توقيع الحجز عند عدم الوفاء بالإيجارات المُستحقة للوقف، وقد خلفت هيئة الأوقاف المصرية الوزارة – إعمالاً لنص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية – في الاختصاص بإدارة واستثمار أموال الأوقاف الخيرية والتصرف فيها، وذلك باعتبارها نائبة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على تلك الأوقاف، كما حلت الهيئة – بمقتضى المادة (9) من القانون رقم 80 لسنة 1971 – محل الوزارة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات تتعلق بإدارة واستثمار هذه الأموال، وبالتالي أصبح للهيئة بصفتها نائبة عن وزير الأوقاف كناظر للوقف رخصة توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المُستحقة للوقف، وهو الأساس القانوني لقيام الهيئة باتخاذ إجراءات الحجز في الحالة المعروضة.
وحيث أن القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها وهي بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير المرافق العامة وانتظامها، فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر استثناءً منها، وامتيازاً لصالحها، وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إعمالها في غير نطاقها الضيق الذي يتحدد باستهداف حسن سير المرافق العامة وانتظامها.
إذ كان ذلك، وكانت أموال الأوقاف تعتبر بصريح نص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 أموالاً خاصة مملوكة للوقف باعتباره – عملاً بنص المادة (52/3) من القانون المدني – شخصاً اعتبارياً، وهو يدخل بحسب طبيعته في عِداد أشخاص القانون الخاص، ولو كان يباشر النظر عليه شخصاً من أشخاص القانون العام، إذ يظل النظر – في جميع الأحوال – على وصفه القانوني مُجرد نيابة عن شخص من أشخاص القانون الخاص، وفي هذا نصت المادة 50 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف على أن “يعتبر الناظر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المُستحقين …”، ومن ثم فإن قيام وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية وهيئة الأوقاف المصرية كنائبة عنه على شئون أموال الأوقاف، إنما يكون كأي ناظر من أشخاص القانون الخاص، وعلى ذلك فإن تخويل النص الطعين وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على الأوقاف صلاحية توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المُستحقة للأوقاف، مؤداه إلحاق نشاط هذه الأوقاف – في هذا النطاق – بالأعمال التي تقوم عليها المرافق العامة، واعتبارها من جنسها، وإخضاع تحصيلها – دون مقتض – لتلك القواعد الاستثنائية التي تضمنها قانون الحجز الإداري، بما يخالف نص المادة (65) من الدستور، ذلك أن مبدأ الخضوع للقانون المُقرر بها، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها واقتضاء حقوقها بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة وبقدرها، فإذا انتفت تلك الضرورة كما هو حال النص الطعين فإنه يكون قد وقع في حمأة المُخالفة الدستورية”.
والحكم بعدم دستورية البند (ح) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري فيما تضمنه من النص على جواز إتباع إجراءات الحجز الإداري عند عدم الوفاء بما يكون مُستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً من إيجارات للأعيان التي تديرها الوزارة، وإن كان ينفي عن مال الوقف صفة المال العامة ويعتبره مالاً خاصاً، فإنه لم ولن ينفي عن هيئة الأوقاف المصرية صفة “الهيئة العامة”. ومن ثم لا يكون هناك مجالاً للاستناد إلى هذا الحكم للزعم بانتفاء صفة “الهيئة العامة” عن هيئة الأوقاف المصرية. وبالتالي تكون الدعوى الدستورية الماثلة قد جاءت على غير سند من صحيح القانون خليقة بالرفض.
ثالثاً- الأصل أن هيئة قضايا الدولة لا تنوب قضائياً عن هيئة الأوقاف المصرية:
الأصل أن “هيئة قضايا الدولة” لا تنوب عن – ولا تـُمثل – هيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء، حيث أن لهيئة الأوقاف المصرية شخصية قانونية عامة مستقلة طبقاً للمادة الأولى من قانون إنشاء الهيئة رقم 80 لسنة 1971. ويمثلها أمام القضاء وفي صلاتها بالغير السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة طبقاً لنص المادة التاسعة من القرار الجمهوري بقانون رقم 1141 لسنة 1972 بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف المصرية والتي تنص على أن: “يختص رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بتمثيل هيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء وفى صلاتها بالغير”. (وراجع حكم النقض المدني في الطعن رقم 527 لسنة 46 قضائية – السنة 31 – الجزء الثاني – صـ 1782).
كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: “النص في المادة الرابعة من القانون رقم 10 لسنة 1986 بشأن هيئة قضايا الدولة على أنه “مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية …الخ”، وفي مادته السادسة على أنه “تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يُرفع عنها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها …الخ”، مُؤداه أن هذا القانون لا يخل بما ورد بالقانون رقم 47 لسنة 1973 من اختصاص الإدارات القانونية بالمُؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها؛ وكان النص في المادة الثالثة من القانون الأخير على أنه “… كما يجوز لمجلس إدارة الهيئة العامة أو المُؤسسة العامة أو الوحدة التابعة لها بناء على اقتراح إدارتها القانونية إحالة بعض الدعاوى والمنازعات التي تكون المؤسسة أو الهيئة أو إحدى الوحدات الاقتصادية التابعة لها طرفاً فيها إلى إدارة قضايا الحكومة لمباشرتها …الخ”، مُؤداه أن إدارة قضايا الحكومة – التي تغير اسمها إلى هيئة قضايا الدولة بمُقتضى القانون رقم 10 لسنة 1986 – لا تنوب عن الهيئة العامة أو المُؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها إلا بناء على تفويض يصدر بذلك من مجلس إدارتها”. (نقض مدني في الطعن رقم 1176 لسنة 63 قضائية – جلسة 6/6/2000. المصدر: “مجموعات القوانين والمبادئ القانونية من أحكام النقض المدني في ثلاث سنوات 1999 : 2001” – المكتب الفني لهيئة قضايا الدولة – القاعدة رقم 237 – صـ 236 و 237).
ومفاد ما تقدم، أن هيئة قضايا الدولة لا تنوب قضائياً ولا تمثل قانونياً هيئة الأوقاف المصرية، إذ أن الممثل القانوني لهيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء هو السيد/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، وأن هيئة الأوقاف المصرية – طبقاً لصحيح قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 – يجوز لها أن تحيل بعض الدعاوى والمنازعات التي تكون الهيئة طرفاً فيها إلى هيئة قضايا الدولة، وعادة ما يكون ذلك بتفويض يصدر من هيئة الأوقاف المصرية إلى هيئة قضايا الدولة، وتحصل هيئة قضايا الدولة على أتعابها مقابل ذلك من هيئة الأوقاف المصرية. ومن ثم يكون المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة قد وقع في لبس إذ أعتقد أن هيئة قضايا الدولة تنوب عن وتمثل هيئة الأوقاف المصرية قضائياً بصفة دائمة، وما دام ما بني على باطل فهو باطل، فتكون الدعوى الدستورية الماثلة التي بنيت على اعتقاد خاطئ ومغلوط قد جاءت على غير سند من صحيح القانون خليقة بالرفض. وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.
رابعاً- موضوع الدعوى الدستورية غير مرتبط بالدعوى الموضوعية:
لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: “المصلحة الشخصية المباشرة – هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينهما وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع”. (الطعن رقم 6 لسنة 9 قضائية – جلسة 18/3/1995. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 14 بتاريخ 6/4/1995).
ولما كانت طلبات المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة هي الحكم له بعدم دستورية نص المادة الأولى من قانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية رقم 80 لسنة 1971 بزعم أن هيئة الأوقاف ليست هيئة عامة.
ولما كان موضوع الدعوى الموضوعية الذي أثير فيها هذا الدفع بعدم الدستورية هي فسخ عقد الإيجار المحرر بين هيئة الأوقاف المصرية كمؤجرة وبين الطاعن في الدعوى الدستورية الماثلة بصفته مستأجراً، وذلك لعدم سداده الأجرة المستحقة عليه، ولما كانت هيئة الأوقاف المصرية قد عقدت عقد الإيجار معه وسلمته العين المؤجرة وقد انتفع بها بالفعل ومن ثم يكون قد التزم بسداد أجرتها في مواعيد استحقاقها، ولا شأن لكل ذلك بما إذا كانت هيئة الأوقاف هيئة عامة أم هيئة خاصة ولا بما إذا كان مال الوقف مال عام أو مال خاص، فالعلاقة منبته الصلة بين الدعويين الدستورية والموضوعية، كما أن الحكم في تلك المنازعة الدستورية غير لازم للفصل في الدعوى الموضوعية، ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى الدستورية الماثلة لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في إقامتها.
خامساً- عدم الإشارة لنص الدستور المزعوم بمخالفته في قانون إنشاء الهيئة:
حيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية أن: “المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه “يجب أن يتضمن القرار الصادر الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى لمخالفته وأوجه المخالفة”، ومؤدى ذلك أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة 30 سالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن فيها ومن بينهم الحكومة – الذين أوجبت المادة 35 من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو الصحيفة – أن يتبينوا كافة جوانبها، ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها في المواعيد التي حددتها المادة 37 من ذات القانون، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدى فيها رأياً مسبباً وفقاً لما تقضى به المادة 40 من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه”. (الطعن رقم 116 لسنة 2 قضائية “دستورية” – جلسة 3/4/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 24 – فقرة 1).
وإذ خالف المدعي هذه الإجراءات القانونية المطلوبة عند قيد الدعوى الدستورية فلم يبين أو حتى يشير إلى النص الدستوري المدعى لمخالفته وأوجه هذه المخالفة، حيث جاءت صحيفة دعواه عبارة عن “موضوع إنشاء” ركيك الصياغة خالي تماماً من أية أسانيد قانونية أو أسباب معقولة لتلك المزاعم والأقوال المرسلة التي ساقها المدعي في صحيفة دعواه الماثلة، ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول دعواه الدستورية الماثلة.
سادساً- دستورية قانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية كهيئة عامة:
لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: “ملاءمة التشريع والبواعث على إصداره من إطلاقات السلطة التشريعية ما لم يقيدها الدستور بحدود وضوابط معينة. وإذ كان ما يقرره المدعى بشأن إغفال المادة الثالثة من القانون رقم 52 لسنة 1966 تنظيم طريق لإشهار صفة المستأجر للأرض الزراعية حتى يتبين من تعامل معه التزامه بالإخطار عن دينه، لا يعدو أن يكون جدلاً حول ملاءمة التشريع وما قد يترتب عليه من إجحاف بحقوق طائفة من الدائنين، فإن ما ينعاه المدعى في هذا الشأن لا يشكل عيباً دستورياً يوصم به النص المطعون فيه وتمتد إليه الرقابة على دستورية القوانين”. (الطعن رقم 13 لسنة 1 قضائية “دستورية” – جلسة 16/2/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 1 – صـ 151 – فقرة 1).
كما تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن: “مجالات التشريع الذي تمارسه سلطة التشريع إنما تمتد إلى جميع الموضوعات، كما أن ملائمات التشريع هي من أخص مظاهر السلطة التقديرية للمشرع العادي ما لم يقيده الدستور بحدود وضوابط يتعين على التشريع التزامها وإلا عد مخالفاً للدستور ومن ثم يكون من حق التشريع العادي أن يستقل بوضع القواعد القانونية التي يراها محققة للمصلحة العامة متى كان في ذلك ملتزماً بأحكام الدستور وقواعده”. (الطعن رقم 93 لسنة 4 قضائية “دستورية” – جلسة 18/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 3 – صـ 29 – فقرة 1).
لما كان ما تقدم، وكانت المذكرة الإيضاحية لمشروع قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 80 لسنة 1971 (بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية) قد أوضحت ملائمة هذا التشريع والبواعث على إصداره (الذي هو من إطلاقات السلطة التشريعية) بإيرادها ما يلي:
“تتابعت خطوات الدولة لإصلاح ما فرضته ظروف التخلف على نظام الوقف من عيوب، وعملت على تنقية هذا النظام من كل ما شابه أو علق به، وانتهت كلها إلى قصر رسالة وزارة الأوقاف على نشر الدعوة الإسلامية نشر ثقافتها في الداخل والخارج وفي تحقيق شروط الواقفين على الخير والبر.
وحتى تتفرغ الوزارة لتحقيق هذه الرسالة صدر القانون رقم 44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التي تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية لتتولى كل منها الإشراف على إدارتها واستثمار أموالها.
وقد والت الوزارة منذ صدور هذا القانون تقييم التجربة التي استهدفتها الدولة من إصداره والنتائج التي أسفرت عن تطبيقه.
ومع تقدير الجهد الذي بذلته المجالس المحلية والهيئة العامة للإصلاح الزراعي في إدارة أموال الأوقاف إلا أن انعدام وحدة التخطيط وتضارب سياسات استثمار هذه الأموال نتيجة تعدد جهات الإدارة لنفس المال الواحد، فضلاً عما كشف عنه العمل من سلبيات بالنسبة لإدارة هذه الأموال، أدى إلى حتمية إعادة النظر في القانون المذكور وضرورة البحث عن صيغة جديدة تستطيع أن توفر الدعم المالي لحركة الدعوة الإسلامية ورعاية شروط الواقفين وتشجيع أهل الخير على إيقاف أموالهم.
ولقد كانت نتائج تطبيق القانون رقم 44 لسنة 1962 محل دراسة الوزارة وسعت طويلاً بالاتصال الدائم بالجهات المعنية لحصر نطاق الجوانب السلبية التي أظهرها التطبيق العملي لنصوص هذا القانون وانتهت إلى أن الصيغة الملائمة هي توحيد إدارة هذه الأموال وتجميع كل أعيان وأموال الأوقاف في شكل هيئة عامة لتتولى إدارتها واستثمارها منعاً لتعدد جهات الإشراف في إدارة هذه الأموال وتكون مسئولة عن عملها تحقيقاً للإدارة المثلى حتى تستطيع الوزارة أداء رسالتها الأصلية معتمدة في ذلك على نتائج استثمار هذه الأموال.
وقد أيد هذا النظر القرارات الصادرة بإعادة تنظيم أجهزة الدولة بأن استحدثت هذه الهيئة وحددت تبعيتها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر”. (انتهى إيضاح المذكرة الإيضاحية)
لما كان ذلك، وكان من المُقرر أن للمُشرع سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق بما لا معقب عليه في تقديره ما دام أن الحكم التشريعي الذي قرره لتلك الحالات قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً في الدستور، كما أن المشرع يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها لهم المشرع. (الطعن رقم 21 لسنة 7 قضائية “دستورية” – جلسة 29/4/1989. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 20 بتاريخ 18/5/1989).
ولما كانت كل تلك القواعد سالفة الذكر قد راعها المشرع عند سنه لقانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية، فيكون هذا القانون قد جاء متماشياً مع الدستور نصوصاً وأحكاماً ومواداً وروحاً، ويكون الطعن عليه بدعوى عدم الدستورية الماثلة على غير سند من القانون خليقة بالرفض. لا سيما وأن صحيفة الدعوى الدستورية الماثلة قد جاءت خلواً من بيان النص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه هذه المخالفة، حيث جاءت كلها عبارة عن “موضوع إنشاء” ركيك الصياغة لم يحو سوى أقوال مرسلة ومزاعم باطلة (لا علاقة لها لا بالدستور ولا بالقانون) صادرة من قلب ملكوم بسبب الحكم ضده في الدعوى الموضوعية أمام محكمة أول درجة بفسخ عقد إيجاره وإخلائه من عين التداعي.
سابعاً- عدم قبول الطلب الاحتياطي في الدعوى الدستورية لخروجه عن نطاقها:
لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: “نطاق الطعن بعدم الدستورية، يتحدد بنطاق الدفع الذي أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع وإذا كان هذا الدفع قد تعلق بالمادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه، فإن موضوع الدعوى الماثلة يتحدد بالفصل في دستوريتهما، دون غيرهما من الأحكام التي انتظمها هذا القرار”. (الطعن رقم 8 لسنة 15 قضائية “دستورية” – جلسة 14/1/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 6 – صـ 473 – فقرة 5).
كما أستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أنه: “ومن حيث أن ولاية المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاؤها – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مُطابقاً للأوضاع المُقررة في قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وهذه الأوضاع الإجرائية تتعلق بالنظام العام، باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المُشرع مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها. إذ كان ذلك، وكان الثابت مما تقدم أن المدعية قصرت دفعها بعدم الدستورية (أمام محكمة الموضوع) على نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، فإن دعواها الدستورية لا تكون مقبولة بالنسبة إلى المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 لعدم اتصالها – في هذا الشق – بالمحكمة اتصالاً مُطابقاً للأوضاع المُقررة قانوناً”. (الطعن رقم 44 لسنة 17 قضائية “دستورية” – جلسة 22/2/1997. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 10 بتاريخ 6/3/1997).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً