أشكال جرائم الإجهاض و عقوبتها
يثبت من النصوص القانونية التي عاقبت على الإجهاض وجود عدة صور لهذه الجرائم، لكل منها عقوبة تختلف عن الأخرى بحسب مقدار جسامتها ووسيلتها والشخص القائم بارتكابها، وهي على النحو الآتي:
• إجهاض الحامل نفسها:
نصت المادة 541 من قانون العقوبات على أنه: «كل إمرأة طرّحت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات».
فعندما تقدم المرأة الحامل نفسها قصداً على ارتكاب أفعال من شأنها أن تؤدي الى موت الجنين أو خروجه من رحمها قبل الموعد الطبيعي لولادته، تكون قد ارتكبت جريمة الإجهاض وتعاقَب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات. سواء أقدمت على ذلك من تلقاء نفسها، أو بناء على اقتراح أو تحريض من شخص آخر، أو مكّنت غيرها من إجهاضها برضاها.
فلا يجوز للمرأة أن توافق على إجهاض جنينها؛ إذ للأم رسالة إنسانية ودينية واجتماعية في الحمل والإنجاب وتحمّل آلام الحمل والولادة ومتاعبها.
لكن المادة 545 من قانون العقوبات نصت على أن المرأة التي ترتكب جرم الإجهاض محافظة على شرفها، تستفيد من عذر مخفّف للعقوبة، ويستفيد من هذا العذر المخفّف أيضاً من يرتكب جريمة الإجهاض للمحافظة على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية. فقد يكون الحمل مصدر عار للمرأة الحامل؛ كأن يكون نتيجة علاقة جنسية غير شرعية، أو نتيجة تعرضها لاغتصاب، أو نتيجة تعرضها لتلقيح إصطناعي أجري عليها من دون رضاها، فتقدم على الإجهاض دفعاً لهذا العار ومحافظة على شرفها.
إلا أنه لا يجوز ارتكاب جريمة الإجهاض لأسباب إجتماعية أو إقتصادية؛ كالإجهاض عندما يكون عدد أفراد الأسرة كبيراً والدخل قليلاً؛ إذ أن حق الجنين في الحياة يرجّح على المركز الإجتماعي والإقتصادي للأسرة.
أما إذا كان الحمل أو الجنين يشكّل خطراً على حياة المرأة الحامل بالموت أو بخطر جسيم، يمكن تطبيق أحكام حالة الضرورة إذا توافرت شروطها القانونية، حيث نصّت المادة 229 من قانون العقوبات على أنه: «لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة الى أن يدفع به عن نفسه أو عن غيره أو عن ملكه أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً لم يتسبّب هو فيه قصداً شرط أن يكون الفعل متناسباً والخطر».
ولا يزال التساؤل جارياً عن جواز الإجهاض الطبي عندما يكون الجنين مصاباً بمرض خطير أو مشوّهاً في رحم أمه، لعدم وجود نص قانوني واضح وصريح يعالج هذه المسألة.
• إقدام الغير على إجهاض الحامل برضاها:
نصت المادة 542 من قانون العقوبات على أنه: مَن أقدم بأي وسيلة كانت على تطريح إمرأة أو محاولة تطريحها برضاها، عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات. وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله الى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من أربع الى سبع سنوات. وتكون العقوبة من خمس الى عشر سنوات إذا نتج الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة».
ويستفيد من العذر المخفّف مَن يرتكب جريمة الإجهاض للمحافظة على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية، سنداً للمادة 545 من قانون العقوبات.
• إقدام الغير على إجهاض الحامل من دون رضاها:
نصت المادة 543 من قانون العقوبات على أنه: «مَن تسبّب عن قصد بتطريح إمرأة من دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل. ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة الى موت المرأة».
وقد نصت المادة 544 من قانون العقوبات على وجوب تطبيق نص المادتين 542 و543 المذكورتين حتى ولو كانت المرأة التي أُجريت عليها وسائل التطريح غير حامل. ويعتبر هذا النص خروجاً على القواعد العامة في جريمة الإجهاض المشار اليها، التي تشترط وجود جنين في رحم امرأة حامل كأحد شروط هذه الجريمة وعناصرها. إلا أن المشترع اللبناني أراد وضع نص خاص في المادة 544 المذكورة لمنع إستفادة المجرمين من أسباب قانونية قد تعفيهم من تحمّل مسؤولية أفعالهم الجرمية، فأوجب معاقبتهم عند إقدامهم على استعمال وسائل للإجهاض والتطريح حتى ولو كانت المرأة التي أُجريت عليها وسائل التطريح غير حامل.
• جريمة التسبّب بإجهاض حامل:
سنداً للمادة 588 معطوفة على المادتين 554 و557 من قانون العقوبات، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر مَن أقدم قصداً بالضرب أو الجرح أو الإيذاء وتسبّب بإجهاض حامل وهو على علم بحملها.
فلكي تتحقق هذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 558 عقوبات وتكتمل، يقتضي توافر أربعة عناصر: أولها حصول فعل الضرب أو الجرح أو الإيذاء القصدي، وثانيها إجهاض إمرأة حامل، وثالثها وجود رابطة سببية بين هذا الفعل القصدي وبين الإجهاض، ورابعها أن يكون الفاعل على علم بحمل هذه الإمرأة.
• جريمة الدعاية لنشر أو ترويج أو تسهيل إستعمال وسائط الإجهاض أو بيعها:
عاقبت المادة 539 معطوفة على المادة 209 من قانون العقوبات، كل دعاية في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو بالكلام أو بالكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير، يقصد منها نشر وسائط الإجهاض أو ترويجها أو تسهيل استعمالها، بالحبس من شهرين الى سنتين وبالغرامة من مئة ألف الى خمسماية ألف ليرة.
كما عاقبت المادة 540 من قانون العقوبات بالعقوبة المذكورة ذاتها، كل مَن باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع مواداً معدة لإحداث الإجهاض أو سهّل استعمالها بأي طريقة كانت.
• تشديد عقوبة جريمة الإجهاض المرتكبة من طبيب أو جرّاح أو صيدلي أو أحد مستخدميهم:
نصت المادة 546 من قانون العقوبات على أنه: إذا ارتكب إحدى الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل طبيب أو جرّاح أو قابلة أو صيدلي أو أحد مستخدميهم فاعلين كانوا أو محرّضين أو متدخلين، شدّدت العقوبة وفقاً للمادة 257. ويكون الأمر كذلك إذا كان المجرم قد اعتاد بيع العقاقير وسائر المواد المعدة للتطريح. ويتعرّض المجرم فضلاً عن ذلك للمنع من مزاولة مهنته أو عمله وإن لم يكونا منوطين بإذن السلطة أو نيل شهادة، ويمكن الحكم ايضاً بإقفال المحل.
اترك تعليقاً