القانون الدولي يوضح مستوطنات إسرائيل غير قانونية
نشر موقع Global Research مقالا للكاتب Richard Falk متناولا فيه موقف الولايات المتحدة من مسألة المستوطنات الإسرائيلية وأثر ذلك على الجغرافيا السياسية… ونعرض منه ما يلى:
تصدرت العديد من تصريحات وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو عناوين الصحف حول العالم هذا الأسبوع وذلك عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها قد غيرت موقفها، ولم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية انتهاكا للقانون الدولى. ففى واحدة من أغبى التصريحات فى عصرنا هذا، أوضح بومبيو أن «الجدل الدائر حول من على صواب ومن على خطأ بشأن المستوطنات وطبقا لقواعد القانون الدولى، لن يجلب السلام أبدا». إنه غبى، حيث كانت إسرائيل تقف وحدها فى الدفاع عن شرعية المستوطنات قبل أن تتدخل الولايات المتحدة وتساندها.
الواقع على الأرض
يتمثل دور القانون الدولى فى تنظيم سلوك الدول ذات السيادة ــ وليس صنع السلام من خلال إغفال القانون. أزال بومبيو أى شك حول هذا عندما برر تغير موقف الولايات المتحدة تجاه المستوطنات الإسرائيلية بأنه «اعتراف بالواقع على الأرض». بعبارة أخرى أكثر وضوحا، يمكن أن يصبح السلوك الخارج عن القانون قانونيا إذا استمر لفترة طويلة بالقوة، وهو المنطق الذى لا يتحدى القانون الدولى فحسب، بل يتعارض مع جوهر الالتزامات القانونية لميثاق الأمم المتحدة..
يمكن أن يكون القانون الدولى غامضا بعض الشىء عندما يتعلق الأمر على وجه التحديد بالسلم والأمن. فلقد تم الإبقاء على العديد من المواقف المتضاربة أو حلها من قبل محكمة معتمدة أو من خلال الممارسة المستمرة مدة من الزمن. إن إقامة مستوطنات على الأرض الفلسطينية المحتلة لا يمكن اعتبارها بأى حال من الأحوال قانونية لمجرد إنشائها على أرض محتلة لا سيادة لها.
وقد أشار المراقبون مرارا وتكرارا إلى عدم مشروعية اعتداءات المستوطنين باعتباره أكبر عقبة أمام السلام، وانتهاك إسرائيلى وقح وصارخ للقانون الدولى.
إذن، هل منحت واشنطن إسرائيل الضوء الأخضر لفعل ما يحلو لها بشأن المستوطنات حتى تلك الموجودة فى الضفة الغربية المحتلة؟ على العموم، إذا أقر البيت الأبيض الآن ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، فقد يُنظر إلى الضفة الغربية على أنها مغانم صغيرة.
إن موقف القانون الدولى تجاه مسألة المستوطنات الإسرائيلية يظهر بجلاء من تصريحات الفاعلين المؤثرين فى المجتمع الدولى بأنها غير قانونية، وهناك عدة أمثلة رئيسية توضح هذا الإجماع الدولى.
إجماع على عدم الشرعية
أولا: تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن سلطة الاحتلال «لا يجوز لها ترحيل أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها». هذا البند المهم من القانون الإنسانى الدولى يُفهم عالميا على أنه يحظر إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى أى جزء من الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وإذا كانت إسرائيل تمتثل للقانون الدولى، لكانت قد أوقفت النشاط الاستيطانى وأزالت ما قامت ببنائه فى السنوات التى تلت حرب 1967. فبدلا من ذلك، واصلت إسرائيل بناء المستوطنات بوتيرة متسارعة، معززة بذلك المنطق الأعرج القائل إن «على الإسرائيليين العيش فى أى مكان يريدونه فى فلسطين». لا ترى إسرائيل حتى أن مناطق المستوطنات فى القدس والضفة الغربية «مناطق محتلة» بالمعنى القانونى، لكنها تعتبرها جزءا من «الأرض الموعودة».
ثانيا: أظهرت محكمة العدل الدولية درجة غير عادية من الوحدة والاتفاق. عندما أكدت المحكمة بقوة فى عام 2004 عدم مشروعية بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأرض المحتلة ــ وذلك بقرار صادر بأغلبية 14 صوتا مقابل 1.
أشارت المحكمة إلى أن الجدار الفاصل تم بناؤه بحيث يضع على الجانب الإسرائيلى 80 فى المائة من المستوطنين، مشيرة إلى أنه تم إنشاء المستوطنات فى انتهاك صارخ للقانون المعمول به. رفضت إسرائيل الامتثال لهذا الحكم النهائى، مؤكدة على طابعه «الاستشارى».
ثالثا، فى ديسمبر 2016، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2334، واعتبر بتصويت (14ــ0) ــ حيث امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ــ أن المستوطنات ليس لها أى شرعية قانونية. أشار القرار إلى أن المستوطنات تشكل «انتهاكا صارخا للقانون الدولى وعقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين وسلام عادل ودائم وشامل». وهو عكس ما صرح به وزير الخارجية الأمريكى بومبيو.
الأهمية الجيوسياسية
لا يمكن لأى دولة أن تغير من الوضع القانونى للنشاط الاستيطانى الإسرائيلى. ما أعلنه بومبيو هو تحول فى الموقف السياسى للحكومة الأمريكية. فإن كان غير مهم من الناحية القانونية، إلا أنه مهم من ناحية الجغرافية السياسية. وحاول ترامب أن يقلل من حدة تأثير تغير الموقف الأمريكى بشأن المستوطنات وذلك بالتذكير بما أعلنه رونالد ريجان، بينما كان رئيسا، أنه لا يعتقد أن المستوطنات غير قانونية، ولكنه مضى قائلا أن التوسع فى بناء المستوطنات «عمل استفزازى غير ضرورى».
والأمر الأكثر أهمية هو تبادل رسائل بين الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلى السابق أرييل شارون فى عام 2004، والتى اتفقا فيها على أن أى اتفاق سلام قابل للتطبيق مع الفلسطينيين لابد أن يدمج الكتل الاستيطانية على طول الحدود مع لسرائيل. مرة أخرى، كان هذا الاتفاق الجانبى بدون أسس قانونية، لكنه كان مؤشرا على ما ستطالب به إسرائيل والولايات المتحدة فى مفاوضات السلام المستقبلية.
ما يجعل بيان بومبيو مختلفا هو موقعه بالنسبة لتصريحات ترامب المثيرة للجدل ولغة التمويه المرتبطة بها، والتى تعطى إسرائيل حافزا للمضى قدما فى الضم. وهذا هو مثال آخر على سياسة الخداع التى تنتهجها الولايات المتحدة.
آخر مسمار فى النعش
لا تزال المقاومة الفلسطينية قوية، بدليل مسيرة العودة الكبرى على طول السياج بين غزة وإسرائيل، وها هى مبادرات التضامن العالمى مع الشعب الفلسطينى تتلقى الدعم، كل ذلك دفع إسرائيل إلى محاولة تشويه خصومها العزل على أنهم معادون للسامية.
إن الخطاب الجديد حول المستوطنات يؤكد التوجه الذى وضعته إدارة ترامب: التنصل من الإجماع الدولى حول القضايا الرئيسية التى تؤثر على حقوق وواجبات الدول. حيث شملت النقاط البارزة لهذا التوجه فى السياق الفلسطينى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والموافقة على الضم الإسرائيلى لمرتفعات الجولان، والآن، تهميش مستوطنات إسرائيل باعتبارها غير ذات صلة.
لقد تم إدانة هذه الخطوة فى الأوساط الدبلوماسية باعتبارها المسمار الأخير فى نعش حل الدولتين. إنها تحرك البوصلة السياسية نحو إقامة دولة واحدة ذات هيمنة يهودية مع إخضاع الفلسطينيين لدولة تظهر وتتصرف مثل نظام الفصل العنصرى.
هل هذه إذن نهاية لعبة الكفاح والنضال الفلسطينى؟ لا أعتقد ذلك. فالمقاومة الفلسطينية وحركة التضامن العالمية ستخبران العالم قصة مختلفة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً