مقال قانوني يشرح الفرق بين الجريمة التامة والشروع في الجريمة .
يفترض الشروع المعاقب عليه أمرين:
عدم إتمام الجريمة، وكون ذلك غير راجع إلى إرادة الجاني. فالأمر الأول يكفل التمييز بين الشروع والجريمة التامة، والأمر الثاني يكفل التمييز بين الشروع المعاقب عليه وحالات البدء في التنفيذ التي يعقبها عدول اختياري فلا يوقع فيها عقاب.
الفرق بين الجريمة التامة والشروع:
هذا الفرق ينحصر في استكمال الركن المادي في الجريمة التامة كل عناصره في حين أنه تتخلف منه النتيجة الإجرامية في حالة الشروع. ونضيف إلى ذلك أن تحديد ما إذا كانت الجريمة تامة أم اقتصر النشاط الإجرامي على مجرد الشروع يقتضي الرجوع إلى نص القانون الخاص بالجريمة واستخلاص الكيفية التي يحدد بها عناصر الركن المادي، وبصفة خاصة تحديد الواقعة التي تعد نتيجة إجرامية بالنسبة لهذه الجريمة، ثم تطبيق ذلك على سلوك الجاني وآثاره لبيان ما إذا كانت النتيجة قد تحققت أم لم تتحقق.
وتختلف الجرائم فيما بينها، ولذلك لا نستطيع أن نضع قاعدة عامة، وإنما نكتفي بالإشارة إلى بعض الجرائم: لا تتم جريمة القتل إلا بوفاة المجني عليه، فإن لم تتحقق هذه النتيجة فالجريمة في مرحلة الشروع أيا كانت خطورة الإصابات، ولا تتم جريمة السرقة إلا إذا أخرج الجاني الشيء من حيازة المجني عليه وأدخله في حيازة أخرى، فإن لم تتغير الحيازة على هذا النحو فالسرقة في مرحلة الشروع أيا كان المدى الذي بلغه الجاني في نشاطه الإجرامي، ولكن جريمة الحريق تتم بمجرد وضع النار في المكان المراد إحراقه سواء اشتعل الحريق أو لم يشتعل، ويعني ذلك أنه إذا وضع الجاني النار فانطفأت ولم تتلف شيئاً فالجريمة تامة.
وكذلك تتم جريمة استيراد السلع من خارج الجمهورية (مصر) قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد بمجرد وصول السلع إلى أحد جمارك إقليم الجمهورية ما دامت قد شحنت من الخارج قبل الحصول على الترخيص، ولا يعلق تمامها على استلام السلع من الجمارك.
الفرق بين العدول الاختياري وعدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني:
يضع هذا الفرق الحدود بين مجالين: مجال لا يعاقب القانون فيه ومجال يقرر القانون فيه توقيع العقاب. وتفسير عدم العقاب في حالة العدول الاختياري مستمد من سياسة العقاب. إذ يقدر الشارع أن مصلحة المجتمع تقتضي تشجيع من بدأ تنفيذ الجريمة على أن يعدل عن إتمامها باختياره، وفي تعبير آخر يقدر الشارع أن عدم إتمام الجريمة اختياراً يحقق للمجتمع مصلحة ترجح على مصلحته في توقيع العقاب من أجل البدء في التنفيذ. وهذا التفسير يجعل التكييف الصحيح للعدول الاختياري أنه مانع عقاب.
ويكون العدول اختيارياً إذا كان يرجع إلى أسباب نفسية خالصة جعلت مرتكب الفعل يتخذ قراره في حرية تامة بعدم المضي في إتمام الجريمة، وفي تعبير آخر يكون العدول اختيارياً إذا لم تكن ثمة عوامل خارجية مستقلة عن شخص الفاعل أثرت عليه ووجهت إرادته إلى عدم إتمام الجريمة، وعلى هذا النحو فالعدول الاختياري هو العدول التلقائي، فالفاعل يستطيع إتمام الجريمة ولكنه لا يريد ذلك. ولا يعتد القانون بالبواعث التي تحمل على العدول الاختياري: فقد تكون الإشفاق على المجني عليه أو الرغبة في احترام القانون أو تعاليم الأخلاق أو الدين، وقد تكون خشية مقاومة المجني عليه أو التعرض للقبض والمحاكمة.
ويكون العدول غير اختياري إذا كان راجعاً إلى أسباب خارجية فرضت على الجاني عدم إتمام الجريمة، فإرادة الفاعل لم تكن حرة في عدولها، بل كان ثمة إكراه مادي أو معنوي يرسم لها اتجاهاً؛ مثال ذلك أن يتعرض لمقاومة المجني عليه فيعجز عن التغلب عليه، أو أن يتدخل شخص يوقف نشاط الجاني كشرطي يقبض عليه أو شخص يناصر المجني عليه في مقاومته أو يهدده بشر جسيم إذا استمر في تنفيذ جريمته. وحكم العدول غير الاختياري لا يثير شكاً، إذ يوقع العقاب على الرغم منه.
وقد يكون العدول مختلطاً من حيث طبيعته، إذ فيه جانب غير اختياري وجانب اختياري؛ ويعني ذلك أنه لم يكن وليد عملية نفسية خالصة، وإنما عرضت للفاعل واقعة خارجية أثرت على تفكيره وإرادته وجعلته يقف في نشاطه الإجرامي، والفرض أنه إذا لم تعرض هذه الواقعة ما كان يعدل عن الجريمة، مثال ذلك أن يرى شخصاً مقبلاً نحو أو يسمع صوتاً قريباً منه فيعتقد أنه مهدد بالقبض عليه فيوقف نشاطه الإجرامي، وقد تكون الواقعة موهومة، كما لو توهم أنه يرى شخصاً أو يسمع صوتاً والحقيقة أنه لا وجود لذلك.
وحكم العدول المختلط محل خلاف في الفقه: ففريق يرى إلحاقه بالعدول الاختياري محتجاً بأن الواقعة الخارجية – حقيقية كانت أو موهومة – لا تعدو غير أن تكون باعثاً على اتجاه إرادة الفاعل إلى عدم المضي في الجريمة، والقاعدة أن البواعث لا يعتد بها القانون. وهذا الرأي معيب، إذ أن الواقعة الخارجية هي منشأ الاتجاه الإرادي، وهي بذلك تباشر تأثيراً شبيهاً بما تباشره في حالة العدول غير الاختياري، الأمر الذي ينفي عن العدول أنه اختياري. وذهب رأي إلى وجوب تحديد العامل الغالب، فإن كان الإرادة فالعدول اختياري وإن كان الواقعة الخارجية فهو غير اختياري. ويعيب هذا الرأي صعوبة تطبيقه، إذ يتطلب تحليلاً دقيقاً لنفسية الفاعل، وليس من اليسير على القاضي القيام به. والصحيح في تقديرنا إلحاق العدول المختلط بالعدول غير الاختياري، إذ لا يكون العدول اختيارياً إلا إذا كان تلقائياً راجعاً إلى أسباب نفسية خالصة، وهذه الصفة التلقائية غير متوافرة في العدول المختلط، إذ ليس مرجعه إلى نفسية الفاعل وحدها. فالمفترض أن الجاني كان يريد إتمام الجريمة ولكنه لا يستطيع ذلك.
وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن العدول يكون غير اختياري إذا دخل السارق مسكن المجني عليه فلم يجد ما يسرقه، ولكنه يكون اختيارياً إذ وجد ما يسرق ولكنه لم يره مطابقاً لما كان يتوقعه فلم يستول عليه. وفي التشريعات التي تعاقب على الشروع في الإجهاض – وليس القانون المصري منها – يكون العدول اختيارياً إذا حاولت الحامل إجهاض نفسها فوضعت في فمها المادة المجهضة ثم لم تبتلعها لرداءة طعمها، ويكون عدولها غير اختياري إذا أحدثت المادة التهاباً بالفم والبلعوم فلم تستطع ابتلاعها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً