دستورية مادة 15،14 قانون 49 لسنة 1977 ايجارات
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 31 يوليو سنة 2005 م ، الموافق 25 جمادى الآخرة سنة 1426 ه .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : حمدى محمد على وماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله ومحمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف وتهانى محمد الجبالى. أعضاء
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 68 لسنة 19ق ” دستورية ”
المقامة من
السيدة / فاطمة حسين محمد
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد وزير الإسكان
4- السيد/ محمد الصغير محمد وهبه
5- السيد/ صابر أحمد مصطفى
الإجراءات
بتاريخ الخامس من إبريل سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادتين(14 و15) من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعى عليه الرابع كان قد أقام الدعوى رقم 10 لسنة 1991 أمام محكمة الجيزة الابتدائية، طعناً على قرار لجنة تقدير الأجرة للوحدة السكنية التى يستأجرها بالعقار المملوك للمدعية بقرية وراق العرب مركز إمبابه بأجرة شهرية اتفاقية مقدارها أربعون جنيها طالباً الغاءه. والمحكمة ندبت خبيراً، وقدم تقريره منتهياً فيه إلى أن البيت أنشئ عام 1978على كل مساحة الأرض المسموح بالبناء عليها مستكملاً إلى الحد الذى تسمح به قيود الارتفاع، وانه وفقاً للقانون 49 لسنة 1977 الذى يخضع له تكون الأجره 75ر23 جنيها شهرياً .
وبجلسة 3/3/197 دفعت المدعية بعدم دستورية المادتين (14 و15) من القانون 49 لسنة 1977 وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إنه قد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بحكمها الصادر بتاريخ 2/12/2000 فى القضية رقم 166 لسنة 21 قضائية دستورية والمنشور فى الجريدة الرسمية فى عددها رقم (50) بتاريخ 14/12/2000 برفض الدعوى بالنسبة لنص الفقرتين الثانية والثالثة فى المادة (14) من القانون الطعين . ومن ثم فإن هذا القضاء بماله من حجية مطلقه فى مواجهة الكافة، تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد فإن الدعوى بشأن هاتين الفقرتين تكون غير مقبولة . ويبقى الطعن قاصراً على الفقرة الأولى من المادة (14) والمادة (15) من القانون المشار إليه.
وحيث إن النص فى الفقرة الأولى من المادة (14) المطعون عليها على أنه “تقدر أجره المبنى المرخص فى إقامته من تاريخ العمل بهذا القانون على الأسس التالية :
أ- صافى عائد استثمار العمارة بواقع 7% (سبعة فى المائه) من قيمة الأرض والمبانى.
ب- مقابل استهلاك رأس المال ومصروفات الإصلاحات والصيانة والإدارة بواقع 3% (ثلاثة فى المائة من قيمة المبانى) كما جاء النص فى المادة (15) على أنه”يكون تحديد أجرة المبانى بعد إنشائها على أساس تقدير قيمة الأرض، وفقاً لثمن المثل فى عام 1974 مع زيادة سنوية مقدارها 7% (سبعة فى المائة) لحين البناء، وتقدير قيمة المبانى وفقاً للتكلفة الفعلية وقت البناء ، وذلك دون التقيد بالأجرة المبدئية المقدرة للمبنى قبل إنشائه مع الالتزام بمستوى المبانى المبين بالموافقة الصادر على أساسها ترخيص البناء ، ودون إعتداد بأية زيادة فى المواصفات اثناء التنفيذ.
وتحسب كامل قيمة الأرض والمبانى والأساسات ….. أما فى حالة البناء على كل المساحة المسموح بالبناء عليها …. وإذا كان البناء لايشغل غير جزء من الأرض المسموح بالبناء عليها ….”
وحيث إن المدعية تنعى على النصين المطعون عليهما إهدارهما لارادة المتعاقدين بما يناهض مبادئ الشريعة الإسلامية التى تقضى بأن العقد شريعة المتعاقدين وتحرم التسعير. فضلاً عن مساسها بالملكية الخاصة ومخالفتها لمبدأى التضامن الاجتماعى وتكافؤ الفرص.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النصين المطعون عليهما لأحكام الشريعة الإسلامية بما تضمنته من تقرير لحرية التعاقد وتحريم للتسعير. فإنه مردود، ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على الشرعية الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة فى مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور بعد تعديلها ، لاتمتد لغير النصوص القانونية الصادرة بعد ذلك التعديل الحاصل فى 22 مايو سنة 1980، ولا كذلك المادتين المطعون عليهما حيث لم يلحقهما تعديل بعد نفاد التعديل.
وحتى لو قيل بخضوعهما له بتصور انه قد لحقهما تعديل بالاحالة الواردة فى المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 فإن النعى يبقى كذلك مردوداً بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها معاً ، هى وحدها التى يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الاسلامية ثوابتها التى لاتحتمل تأويلاً أو تبديلاً ، أما الأحكام غير القطعية فى ثبوتها أو فى دلالتها أو فيهما معاً ،
فإن باب الإجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهو اجتهاد وإن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو فى ذلك أوجب وأولى لولى الأمر ليواجه ماتقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءا وجلباً للأمرين معاً، وإذ كان الحكم القطعى الثبوت فى شأن العقود كافة ، هو النص القرآنى الكريم “ياأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود ” – اية رقم (1) سورة المائدة- وقد اختلف الفقهاء إختلافاً كبيراً فيما هو مقصود بالعقد فى تفسير الآيه الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الإختلاف الذى كشف عن ظنية دلالة هذا النص بالرغم من قطعية ثبونة.
كما رحبت الآفاق لاجتهاد الفقهاء فى أحكام عقد الايجار سواء من ناحية مدته أو من ناحيه قيمة الأجرة وجواز التسعير فيها شرعاً ، فحرمه البعض بينما أجازه آخرون بل أوجبوه تحقيقاً للعدل الإجتماعى ، الأمر الذى تعين معه القول بأن تدخل المشرع فى أمر تحديد الأجرة ووضع ضوابط لتقديرها بقصد علاج أزمة الإسكان وتيسير الانتفاع بالأعيان المؤجرة لغالبية المواطنين ومواجهة الارتفاع الفاحش فى الايجارات ، وتحقيقاً للتوازن فى العلاقة بين المؤجر والمستأجر دون حيف أو جور بما يؤدى إلى مصلحة معتبره شرعاً، لايكون قد خرج عن دائرة مااجتهد فيه الفقهاء ولم يخالف حكماً شرعياً قطعى الثبوت والدلالة، ومن ثم فلا مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية بأى وجه من الوجوه.
وحيث إنه عن النعى بمساس النصين الطعينين بالملكية الخاصة وإخلالهما بمبدأ التضامن الاجتماعى ، فإنه مردود أيضاً، ذلك أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة ، وحوطه بسياج من الضمانات التى تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه فى ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الإجتماعى لحق الملكية ، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التى تقتضيها أو تفرضها ضرورة إجتماعية ، وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية فى جوهره أو يعدمه جل خصائصه، كما جرى قضاء المحكمة أيضاً على أن حرية التعاقد- وهى وثيقة الصلة بالحق فى الملكية- قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، وهذه الحرية التى تعتبر حقاً طبيعياً ولازماً لكل انسان يستحيل وصفها بالاطلاق، بل يجوز فرض قيود عليها وفق أسس موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان فلا تكون حرية التعاقد بذلك ألا حقاً موصوفاً لايدنيها من اهدافها إلا قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها، بين تمردها على كوابحها والحدود المنطقية لممارستها، بين مروقها مما يحد من اندفاعها وردها إلى ضوابط لايمليها التحكم . وفى إطار هذا التوازن تتحدد دستورية القيود التى يفرضها المشرع عليها.
فإذا ساغ للسلطة التشريعية استثناءً أن تتناول انواعاً من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم آمر فإن ذلك لابد وأن يكون مستنداً إلى مصلحة مشروعة. لما كان ذلك، وكان المشرع قد أورد بنص المادتين (14 و 15) المطعون عليهما وغيرهما من مواد القانون رقم 49 لسنة 1977 تنظيماً متكاملاً لتحديد أجرة الأماكن التى يسرى عليها أحكامه، واضعاً أسس وقواعد موضوعية لتقدير الأجرة وإجراءات تحديدها، وأوكل ذلك إلى لجان إدارية تشكل وتقوم بأعمالها وفق أحكام القانون، وتلتزم بالأسس الموضوعية التى حددها لها، دون أن يجعل قرارتها نهائية ، وإنما أباح لذوى الشأن حق الطعن فيها أمام المحكمة الابتدائية الكائن فى دائرتها المكان المؤجر .
وقد كان المشرع فى تقريره لذلك التنظيم محكوماً بضرورة إجتماعية ملحة من زيادة فى أجرة الأماكن بما لايتناسب مع دخول القاعدة العريضة من أفراد المجتمع، وماقد يؤدى إلى ذلك من تشريد لالآف منهم لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم فى سداد الأجرة إذ ماترك أمر تحديدها بيد مؤجريها وحدهم وماينتج عن ذلك من تفتيت لبنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لايملكون ولايقدرون ومن يملكون ويتحكمون، ومن ثم كان لزاماً على المشرع – بما له من سلطة تقديرية- أن يتدخل بالتنظيم مستهدفاً إزالة اسباب الخلاف بين المؤجرين والمستأجرين، موازناً بين مصلحة هذا وذاك ودون تعسف أو استغلال، عن طريق وضع أسس موضوعية عادلة لتقدير الأجرة عن طريق لجان محايدة ، تراقبها المحكمة المختصة. ومن ثم فإن تدخل المشرع على هذا النحو يكون قد قام على سبب صحيح يبرره مرتبطاً منطقياً بالأغراض التى توخاها بما لايعد إخلالاً بمبدأ التضامن الاجتماعى، بل تأكيداً له ، فضلاً عن أن النصين الطعينين لم يهدرا الأجرة الاتفاقية التى قبلها الطرفان المتعاقدان، إذ لم يجعل المشرع لإدارة المتعاقدين بشأنا فى تقدير هذه الأجرة، بل ضبطها بقواعد آمرة لايجوز الاتفاق على خلافها وهو مايملكه .
ولايعدو كل اتفاق على مقدار الأجرة، أن يكون تحديداً مبدئياً لمبلغها، لايبطل عمل القواعد الآمرة ولا يقفها. بل تظل هذه القواعد وحدها إطاراً نهائياً لتقديرها. ولايجوز بالتالى القول بأن المشرع قد عدل بهذه القواعد الآمرة عقداً نشأ صحيحاً وفقاً لأحكام القوانين المعمول بها. بل الصحيح أن العقد أبرم فى ظل نفاذ القواعد الآمرة وعلى خلافها ويتعين بالتالى أن يرد إلى أحكامها.
وحيث إنه عن قاله مخالفة النصين المطعون عليها لمبدأ تكافؤ الفرص فإنه لامحل لها، ذلك أن هذا المبدأ يفترض بالضرورة أن تكون ثمة فرص محدودة عدداً تعهدت الدولة بتقديمها ، ويتزاحم عليها طالبوها للنفاذ اليها وهو مايخرج عن مجال التنظيم محل النصين الطعينين.
وحيث إن النصين المطعون عليهما لم يخالفا حكماً أخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، ومصادرة الكفالة ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
اترك تعليقاً