القانون الكويتي .. استمرار عقد العامل مرهون بإعلان صاحب العمل الحاجة لخدماته
نتيجة قرار مجلس الوزراء بإغلاق المنشآت التجارية والصناعية والمهنية إغلاقا مؤقتا ضمن إجراءاته الاحترازية ضد تفشي فيروس كورونا، يدور الحديث حول مدى استحقاق العمال والموظفين تقاضي أجورهم خلال فترة الإغلاق في ظل عدم استفادة صاحب العمل من جهودهم.
وفي وقت تحمي فيه التشريعات العامل وتوفر له حماية خاصة لأجره وتحرص على حقوقه ودعم استقراره المادي يجمع قانونيون على أن قرار الإغلاق يمثل «قوة قاهرة» لا دخل لصاحب العمل فيها، فضلا عن أن البعض من أرباب العمل لا يملكون أرصدة تسمح لهم بالاستمرار في صرف الرواتب، فما هو الحل الذي ينصف الطرفين إذن؟
«الأنباء» استطلعت آراء بعض القانونيين وأصحاب الاختصاص، وفيما يلي التفاصيل:
قوة قاهرة
بداية قال أستاذ القانون الخاص بجامعة الكويت د.خالد الهندياني إنه بسبب انتشار الوباء وما يترتب عليه من غلق المنشأة العمالية بقرار من السلطة العامة فإن هذا الوضع يمثل قوة قاهرة مؤقتة تؤدي إلى وقف تنفيذ عقد العمل، بمعنى أن يتحلل أطراف العقد من التزاماتهما فلا يجبر العامل على أداء العمل ولا يجبر رب العمل على دفع الأجر خلال فترة التوقف.
وأضاف الهندياني أن المشرع أراد حماية العمال فألزم رب العمل في المادة 61 من قانون العمل بأن يدفع أجور العمال عن فترة التوقف إذا رغب في استمرارهم بالعمل لديه بعد زوال القوة القاهرة، وهذا يعني بأن دفع الأجر عن فترة التوقف مرهون برغبة صاحب العمل باستمرار عمل العمال لديه بعد زوال الحالة.
وتابع: أما إذا لم يرغب صاحب العمل في ذلك فلا يلتزم بدفع الأجور عن فترة التوقف، بمعنى إذا أراد رب العمل إنهاء العقد بسبب إطالة المدة مثلا فإنه لا يلزم بدفع الأجور عن فترة التوقف.
وأفاد الهندياني بأن الحماية التي وفرها المشرع كأنها أصبحت مضرة للعمال لأنها أعطت التبرير لأرباب العمل بإنهاء العقد بدلا من إجبارهم على دفع أجور العمال.
وأشار إلى أن هناك فرضية أخرى بسبب الكساد نتيجة انتشار الوباء، وهي أن يقوم رب العمل بإجبار العمال بأخذ أجازة بدون مرتب إذا كانت المنشأة غير مغلقة مثلا، فلا يجوز له ذلك فلا يجبر العمال على أخذ أجازة بلا أجر.
الالتزامات التعاقدية
بدوره، رأى أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.مرضي العياش أن أثر القوة القاهرة يختلف من عقد إلى آخر، لأن المقصود بالذات ليس القاهرة بذاتها، بقدر أثرها على ديمومة الالتزامات التعاقدية، وما إذا كانت تؤثر عليها إلى حد الاستحالة بتنفيذها من عدمه.
وذكر العياش أنه ليس صحيحا بأن القوة القاهرة تؤدي دائما إلى انقضاء الالتزام وانفساخ العقد تلقائيا، لأن هذا فقط هو الأصل القاعدة العامة لنظرية السبب الأجنبي المنصوص عليها في المادة 215 من القانون المدني، ذلك أن هناك معالجات أخرى نص عليها المشرع تختلف من عقد إلى آخر، لا يسع المقام لذكرها.
ونوه إلى أن فيروس كورونا ليس هو القوة القاهرة المباشرة الذي أثر على التزامات العمال وأصحاب الأعمال، بل قرار مجلس الوزراء بإغلاق المنشآت الخاصة الذي صدر نتيجة لهذا الوباء، وبالتالي لا يعنينا تاريخ إعلان فيروس كورونا كوباء من قبل منظمة الصحة العالمية بل تاريخ قرار السلطة العامة بالإغلاق لأنه هو السبب الأجنبي المباشر الذي أثر على الالتزامات العقدية.
وأضاف: لأن قرار الإغلاق مشروع قانونا، فلن يستطيع أصحاب الأعمال أو العمال على حسب الأحوال الرجوع بالتعويض على الدولة، فكان لا مناص عليهم سوى احترام نص المادة 61 من قانون العمل التي تلزم أصحاب الأعمال بدفع الرواتب حتى عند الإغلاق مادام ذلك كان بسبب لا دخل للعامل فيه إذا رغبوا باستمرار العمال لديهم.
وأكد العياش أنه لا يمكن لأصحاب الأعمال أن يتحللوا من التزامهم بدفع الرواتب إلا بالاحتجاج بوقف تنفيذ عقد العمل مؤقتا إلى حين عودة النشاط إلى العمل، وهذا ليس إلا تطبيقا لحالة الاستحالة الجزئية والمؤقتة في العقود والتي أخذ بها القضاء.
ودعا إلى تعديل نص المادة 61 من قانون العمل لإزالة أي جدل مستقبلي لو تم وقف تنفيذ العمل، لأنه نص لا يوازن بين مصلحة أطراف العلاقة العمالية.
توفير الحماية
من جهتها، أفادت المحامية هديل العنزي بأنه وفقا للقانون رقم 6 لسنة 2010 بشأن العمل في القطاع الأهلي، فقد حرص المشرع على توفير الحماية الخاصة لأجر العامل وحقوقه، ومن هذه المواد «٦١/٢٨/٥٥/٥٨/٩١/٩٣/١١٥».
وأوضحت العنزي أن هذه النصوص أعطت الحق للعامل بتسلم أجره وعدم أحقية رب العمل بتخفيض راتبه حتى في الظروف القاهرة التي تعطل خلالها المنشأة كليا أو جزئيا لأي سبب خارج عن إرادة المتعاقدين، في حين غفل المشرع عن تنظيم حقوق أرباب العمل في هذه الظروف.
وأشارت إلى أن هناك عدة أسئلة تطرح من بينها «ما ديمومة هذا الظرف القاهر وارتباطه بإغلاق المنشأة وإيقاف العمل؟» و«ما مدى قدرة أرباب العمل على دفع الأجور دون وجود أي إنتاجية أو ربح؟».
وذكرت أنه في حال استمر هذا الظرف سواء كان قاهرا أو طارئا لأكثر من عام وأصبح هناك عجز لدفع هذه الالتزامات على رب العمل مع أحقية العامل بتسلم أجوره كونه الحلقة الأضعف في منظومة العمل، لذا من الأجدر تقنين حقوق أرباب العمل والنظر باعتدال ما بين رب العمل والعامل في هذه الظروف كأن يتم تسليم العاملين أجورهم لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ووقف عقد عملهم لحين انقضاء هذا الظرف.
الوضع القانوني
هذا وقد أعد بروفيسور القانون في جامعة الكويت د.سامي الدريعي دراسة قانونية حول الوضع القانوني للعمالة وأرباب العمل في ظل الظروف الاستثنائية الحالية فقال فيها، إن المشرع الكويتي أشار إلى بعض حالات الوقف المتعارف عليها في القانون، كوقف عقد العمل بسبب وقف العامل عن العمل لمصلحة التحقيق أو إذا حبس بسبب اتهام صاحب العمل وغيرها من الحالات، الا أنه في المقابل لم يشر إلى الحالات التي يترتب عليها وقف عقد العمل بسبب القوة القاهرة، ومع ذلك فإن القضاء الكويتي مستقر على إمكانية وقف عقد العمل إذا طرأ خلال مدة تنفيذه أمرا يجعل ذلك التنفيذ مستحيلا لمدة مؤقتة، لذلك فلم يتردد باعتبار أن الغزو العراقي للكويت قوة قاهرة من شأنها وقف عقد العمل وقفا مؤقتا لا أن تؤدي إلى انقضائه.
من جانب آخر، نصت المادة 61 من قانون العمل على إلزام صاحب العمل بدفع أجور عماله خلال فترة الإغلاق إذا تعمد غلق المنشأة أو لأي سبب لا دخل للعمالة فيه، ونصت على ألا ينتهي عقد العمل لذات السبب، ما يضمن أجر العامل، لاسيما أنه يعتمد عليه اعتمادا كليا بإشباع حاجاته، لذا قرر جعل العامل يستحق أجره حتى ولو لم يعمل بسبب تعطيل المنشأة، مادام أن سبب الإغلاق لا يرجع إليه، وأن صاحب العمل يرغب في استمراره بالعمل لديه.
وقال إنه قياسا على تفسيرات قانون العمل ووفقا للظرف الحالي فإنه لا يملك رب العمل إنهاء عقد العمل بإرادته عند إغلاق المنشأة لسبب خارج عن إرادة العمال إغلاقا جزئيا أو كليا، وإنما أجاز المشرع لرب العمل التمسك بوقف عقد العمل وامتناعه عن دفع أجرة عماله إذا لم يرغب في استمرار عملهم خلال فترة الإغلاق.
وخلص الدريعي إلى أن رب العمل إذا قرر إنهاء عقود عماله خلال الإغلاق الكلي أو الجزئي لسبب خارج عن إرادتهم فيعد ذلك إنهاء غير مشروع، ومن ثم يكون رب العمل مسؤولا عن ذلك وفقا لأحكام المواد 44 و46 و47 من قانون العمل، مشددا على أنه من خلال استقراء نصوص قانون العمل يتضح أنه لا يجوز تخفيض أجر العمال خلال فترة الإغلاق لسبب أجنبي.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً