دراسة في قانون الأحوال الشخصية العراقي .. كفاءة الزوجين وعيوبهما
معنى الكفاءة عند الذين اعتبروها في الزواج : أن يتساوى الرجل مع المرأة في الأشياء التي سنشير إليها ، وقد اعتبروا الكفاءة في الرجال دون النساء ؛ لأنّ الرجل لا يعير بزواج مَن هو أدنى بخلاف المرأة .
وقد اتفق الحنفية والشافعية والحنابلة على اعتبار الكفاءة في الإسلام والحرية والحرفة والنسب ، واختلفوا في المال واليسار ، فاعتبروه الحنفية والحنابلة ، ولَم يعتبره الشافعية .
أمّا الإمامية والمالكية فلم يعتبروا الكفاءة إلاّ في الدين ؛ لحديث : ( إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه أن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
ومهما يكن ، فانّ شرط الكفاءة في الزواج لا يتلاءم مع نص القرآن : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [1] ، ومع مبادئ الإسلام ( لا فضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى).
العيوب
يطرح في هذا المقام تساؤل مفاده : إذا وجد أحد الزوجين عيباً في الآخر فهل له فسخ الزواج ؟
الجواب :
للمذاهب تفصيل واختلاف في عدد العيوب الموجبة للفسخ ، وفي أحكامها, كما يلي :
1- العنن
العنن : داء يعجز معه الرجل عن عملية الجنس ، ويوجب للزوجة خيار الفسخ بالاتفاق ، ولكنّهم اختلفوا فيما لو عجز عن الزوجة وقدر على غيرها . فهل يكون لها الخيار ؟
قال الإمامية : لا يثبت لها خيار الفسخ إلاّ مع عجزه عن جميع النساء ، فلو عجز عن الزوجة فقط وقدر على غيرها فلا خيار[2]؛ لأنّ الدليل دل على أنّ لزوجة العنين الفسخ ، ومَن قدر على امرأة ما ، لا يكون عنيناً بالمعنى الصحيح ؛ لأنّ العنة نقص في جسم الرجل يوجب عجزه عن جميع النساء ، تماماً كالأعمى الذي لا يبصر شيئاً وإذا افتُرض وجود شخص يعجز عن زوجته ويقدر على غيرها فلا محالة يكون السبب خارجاً عن أصل الحلقة ، كالحياء ، أو الخوف ، أو لصفة في الزوجة توجب النفرة منها أو غير ذلك ، وإنّ كثيراً من المجرمين يبلغ فيهم كره الحلال إلى حد يوجب لهم العجز عنه ، ويرغبون في الحرام رغبة تبعث فيهم القوة والنشاط .
وقال الشافعية والحنابلة والحنفية : إذا عجز عن إتيان الزوجة فلها الخيار ، حتى ولو قدر على غيرها ؛ لأنّه يُسمّى ـ والحال هذه ـ عنيناً بالنسبة إليها ، وأيّ نفع يصل إلى الزوجة إذا أصاب غيرها !
ومهما يكن ، فقد اتفقوا على أنّ المرأة إذا ادّعت العنة على زوجها ، وأنكر فعليها إقامة البينة على اعترافه بأنّه عنين ، فإن لم تكن بينة[3] ينظر ، فإن كانت بكراً عُرِضت على النساء الخبيرات ، وعُمل بقولهن ، وإن كانت ثيباً عرض عليه اليمين ؛ لأنّه منكِر ، إذ تدّعي هي وجود عيب فيه موجب للخيار ، فإن حلف رُدت دعواها ، وإن نكل حلفت هي ، ثمّ يؤجله القاضي سنة قمرية ، فّإن لم ينفعها طوال سنة خيّرها القاضي بعد انتهاء المدة بين البقاء معه والفسخ ، فإن اختارت البقاء فالأمر إليها ، وإن اختارت الفسخ فسخت هي ، أو فسخ الحاكم بطلب منها .
ولا تحتاج إلى طلاق عند الإمامية والشافعية والحنابلة . وقال المالكية : تطلق هي نفسها بأمر القاضي ، ويرجع قولهم هذا في حقيقته إلى الفسخ . وقال الحنفية : القاضي يأمر الزوج بالطلاق فإن امتنع طلّقها هو .
وقال الحنفية : يثبت لها جميع المهر. وقال الإمامية : نصفه وقال المالكية والشافعية والحنابلة : لا شيء لها .
وإذا عرضت العنة بعد العقد والدخول فلا خيار لها ، وإن طرأ بعد العقد وقبل الدخول فلها الخيار ، كما لو كانت العنة قبل العقد .
فائدة :
قال صاحب كتاب الجواهر[4] : (لو أقر الزوج بالعجز عن إتيان الزوجة وأجّله الحاكم سنة ، وبعد انتهائها قال : دخلتُ . وقالت هي : لم يدخل . يؤخذ بقول الزوج مع يمينه ، كما لو لم يقر بالعجز من أوّل الأمر ، واستدل بأدلة دقيقة محكمة قلّ مَن يتنبه إليها ؛ لأنّ دعوى الزواج ـ القدرة بعد الإقرار بالعجز ـ لا تُسمع ؛ لأنّه مدع لشيء جديد بحسب الظاهر ، ولكنّ الشيخ أبعدُ نظراً من الذين لا يرون إلاّ الظواهر) .
وقد استند السيد على المسائل التالية :
أولاً : إنّ إقراره بالعجز قبل ضرب الأجل لا يثبت العنة ، إذ العجز في حينه قد يكون عجزاً مؤقتاً وقد يكون دائماً ، ووجود العام لا يثبت وجود الخاص ، فإذا قلت: كتبت بالقلم ، لا يدلّ قولك هذا على أنّ القلم الذي كتبت به قلم رصاص ، أو قلم حبر ، كذلك العجز لا يدل على العنة أو غيرها ، فقد يكون لنقص في الخلقة ، وقد يكون لسبب خارج عنها ، واستصحاب العجز لا يثبت العنة إلاّ على القول بالأصل المثبت[5] .
ثانياً : إنّ المنكِر هو الذي لو سُكت عنه لسكت ، والمدعي هو الذي لو سُكت عنه لم يسكت . وبكلمة : (إنّ المدعي هو الذي يأخذ بالخناق ، ويثير الحروب ).
والمنكر هو الذي يطلب السلامة والخلاص . وليس من شك أنّ الزوجة لو سكتت عن دعوى العنة لسكت عنها الزوج، ولو سكت الزوج لم تسكت هي ،فتكون ـ والحال هذه ـ مدعية عليها البينة ، ويكون هو منكراً عليه اليمين .
ثالثاً : لقد ثبت في الحديث ( أنّ الرجل إذا تزوج المرأة الثيب ، وزعمت أنّه لم يقربها، فالقول قول الرجل ، وعليه أن يحلف بأنّه قد جامعها ), فالحديث جعل اليمين على الرجل ، ولم يفرق بين مَن سبق منه الإقرار بالعجز وغيره .
2- الجَب والخصاء
الجب : قطع الذكر . والخصاء سل الإنثيين أو رضهما . ويثبت بهما خيار الفسخ للزوجة بالاتفاق من غير إمهال على أن يعرض الجب أو الخصاء قبل الوطء أمّا لو حدث بعد العقد والوطء فلا خيار لها .
وقال الحنفية : إذا انتصب ذكر الخصي فلا خيار ، حتى إذا لم يُنزل . وقال غيرهم يثبت به الخيار انتصب أو لم ينتصب ما دام لم يُنزل ؛ لأنّ عدم الإنزال عيب كالعنن .
ونقل عن الشهيد الثاني قوله بأن: (إنّ الخصي يولج ، ويبالغ ، وحالته في ذلك أكثر من الفحل ، ولكنّه لا يُنزل ، وهذا عيب يوجب الفسخ للأحاديث الدالة على أنّ لزوجة الخصي أن تختار فراقه)[6] .
وقال الحنفية : إذا تم الفسخ بسبب الجب والخصاء فلها المهر كاملاً . وقال غيرهم : إذا اختارت الفسخ بسبب الجب فلا مهر ، حيث لا دخول ، وإذا اختارته بسبب الخصاء فلها المهر مع الإيلاج ، ولا شيء لها بدونه .
ثمّ إنّ الحنفية لا يرون للرجل حق الفسخ ، ولو رأى عشرات العيوب مجتمعة في المرأة ، أمّا الزوجة فتفسح بالعيوب الثلاثة التي تكلمنا عنها ، وهي الجب والخصاء والعنة ، ولذا لا يبقى أيّ كلام للحنفية في العيوب الآتية :
أ- الجنون :
اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على أنّ الزوج يفسخ العقد بجنون زوجته والزوجة تفسخ بجنون زوجها, واختلفوا في التفاصيل ، فقال الشافعية والحنابلة: (يثبت الفسخ لكل منهما، سواء أَحدث الجنون قبل العقد أم بعده ، وبعد الدخول أيضاً ولا يُشترط الإمهال ، كما هي الحال في العنن) .
وقال المالكية : إذا حدث الجنون قبل العقد فلكل منهما الفسخ على شريطة أن يتضرر العاقل بمعاشرة المجنون ، وإذا حدث الجنون بعد العقد تفسخ به الزوجة فقط بعد أن يؤجل الحاكم سنة قمرية ، إذ ربّما عوفي أثناء هذه المدة ، أمّا الزوج فلا يحق له الفسخ بجنون زوجته المتجدد بعد العقد .
وقال الإمامية : لا يفسخ الزوج بجنون زوجته المتجدد بعد العقد ، حيث يمكنه الطلاق وتفسخ هي بجنون زوجها ، سوء كان الجنون قبل العقد أم حدث بعده وبعد الدخول .
واتفق الإمامية والحنابلة والشافعية والمالكية على أنّ لها المهر كاملاً مع الدخول ولا شيء بدونه .
ب- البرص والجذام :
قال الإمامية : البرص والجذام من العيوب التي يفسخ بها الرجل دون المرأة على شريطة أن يحدث أحدهما قبل العقد، وأن يكون الرجل جاهلاً به ، ولا يحق للمرأة أن تفسخ إذا كان أحد هذين العيبين في الرجل .
وقال الشافعية والمالكية والحنابلة : هما من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة ولكل منهما أن يفسخ العقد إذا وجد بصاحبه برصاً أو جذاماً ، وحكمهما عند الشافعية والحنابلة حكم الجنون .
وقال المالكية : تفسخ الزوجة بالجذام إذا وجِد في الرجل قبل العقد وبعده ، أمّا الرجل فيفسخ إذا كان الجذام في المرأة قبل العقد أو حينه .
أمّا البرص فإن كان قبل العقد فلكل منهما حق الخيار ، وإن حدث بعد العقد فالخيار لها لا له ، ولا أثر للبرص اليسير بعد العقد . ويؤجل الحاكم الأبرص والمجذوم سنة قمرية مع احتمال الشفاء والبرء .
ج- الرتق والقرن والعَفَل والإفضاء :
معنى الرتق 🙁 انسداد مدخل الذكر من الفرْج بحيث يتعسر معه الجماع) .
والقرن : (شيء يبرز في الفرج ، كقرن الشاة . والعَفَل : لحم في القُبُل لا يخلو من رشح) .
والإفضاء : (إختلاط المسلكين) .
وهذه العيوب الأربعة كما ترى مختصة بالمرأة ، وهي عند المالكية والحنابلة توجب للزوج حق الخيار .
وقال الشافعية : الموجب للفسخ الرتق والقرن فقط ، ولا تأثير للإفضاء والعفل .
وقال الإمامية : التأثير في حق الفسخ للقرن والإفضاء ، أمّا الرتق والعفل فلا يوجبان شيئاً . وقالوا : إنّ العمى والعرج الواضح إذا وجِد أحدهما بالمرأة قبل العقد ولم يعلم به الرجل يفسخ العقد إن شاء ، ولا تفسخ المرأة إذا وجدت أحدهما بالرجل.
وفي رأي الشيخ مغنية: ( أنّ أيّ مرض من الأمراض المختصة أو المشتركة بين الرجل والمرأة إذا أمكن استئصاله وعولج ، ولم يترك العلاج أثراً مشوهاً ومعيباً فإنّ وجوده يكون كعدمه لا يوجب أي شيء ؛ لأنّه ـ والحال هذه ـ يكون كسائر الأمراض العارضة التي لا يخلو أحد منها ـ في الغالب, أمّا اهتمام الفقهاء بهذه العيوب منذ زمان فلأنّها كانت في عدهم مستعصية على فن الجراحة) .
اما في الجانب القانوني فالأصل في فسخ العقد أنه يقع بيد الزوج العاقل البالغ الذي تعود عليه التبعات المادية والاعباء العائلية لذا فقد اعطي القانون الحق للزوجة طلب التفريق عن طريق المحكمة اذا وجدت علة من العلل التي ذُكرت سابقاً لا يرجى شفاؤها, او كانت العلة لا يؤمل زوالها قبل سنة, مما تتعذر معه استمرار الرابطة الزوجية ولا يمكنها العيش معه الا بضرر.
وهذا ما اشارت اليه البنود (4,5,6) من الفقرة (1) من المادة (43) من قانون الاحوال الشخصية العراقي, في أن هنالك بعض العيوب التي يتعسر معها استمرار الحياة الزوجية والتي تعطي الحق للزوجة فقط لطلب التفريق, وليس للزوج طلب التفريق اذا وجد زوجته مصابة بمرض عقلي.
وقد نصت البنود اعلاه على ما يلي :
البند (4) ينص على: (إذا وجدت زوجها عنيناً أو مبتلى بما لا يستطيع معه القيام بالواجبات الزوجية، سواء كان ذلك لأسباب عضوية أو نفسية، أو إذا أصيب بذلك بعد الدخول بها وثبت عدم إمكان شفائه منها بتقرير صادر عن لجنة طبية رسمية مختصة، على أنه إذا وجدت المحكمة أن سبب ذلك نفسي، فتؤجل التفريق لمدة سنة واحدة، شريطة أن تمكن زوجها من نفسها خلالها) .
ومما يلاحظ في هذا البند انه اشار الى بعض الامراض الجنسية الحاصلة قبل او بعد العقد سواء كانت عضوية او جنسية, التي ابتلي بها بعد الدخول وعلى ذلك اذا وجدت الزوجة زوجها مصاب بمرض العنة (عدم القدرة الجنسي) مثلاً وقت المواقعة ولم يستطع معه الدخول دخولاً حقيقاً لسببٍ يتعلق بمرضٍ تناسلي سواء اكان المرض عضوي او نفسي(أي ليس به علة بدنية او عضويةبل نفسية كالخوف او الخجل), ولم تعرف بعنته وقت انعقاد عقد الزواج, فلها حق طلب التفريق بدعوى ترفعها للقاضي وللقاضي ان يتأكد من عدم امكانية شفائه بالرجوع الى لجنة طبية مختصة بذلك.
اما اذا وجدت المحكمة ان العلة نفسية او يحتاج الى مدة فتوجل التفريق لمدة سنة واحدة شريطة ان تمكن الزوجة زوجها من الإتصال بها خلال تلك الفترة, وبعد ذلك تقرر المحكمة إما رد الدعوى ان دخل بزوجته او التفريق ان لم يستطيع الدخول بها.
اما البند (5) فقد ذهب إلى ما يلي : ( إذا كان الزوج عقيماً، أو ابتلي بالعقم، بعد الزواج ولم يكن لها ولد منه على قيد الحياة).
فقد جعل هذا البند عقم الزوج سبباً مبرراً لطلب التفريق من قبل الزوجة سواء كان الزوج عقيماً او ابتلي بعقمٍ بعد الزواج, لكي لا تحرم الزوجة من إشباع عاطفة الأمومة في نفسها, لكن في ذات الوقت منع القانون الزوجة طلب التفريق لعقم الزوج اذا كان لها ولدٌ واحد ذكر كان ام انثى على قيد الحياة.
ويثبت العقم بالإحالة الى معهد الطب العدلي, والمراد بالعقم هنا الذي لا يٌمكن شفائه , اما إذا تبين انه يؤمل شفاؤه خلال مدةٍ معينة من خلال التقرير الطبي فلا يحكم القاضي بالتفريق .
وقد ذهب البند (6) إلى مسائل تخص ما بعد العقد بنصه على : (إذا وجدت بعد العقد، أن زوجها مبتلى بعلة لا يمكن معها معاشرته بلا ضرر، كالجذام أو البرص أو السل أو الزهري أو الجنون، أو أنه قد أصيب بعد ذلك بعلة من هذه العلل أو ما يماثلها.
على أنه إذا وجدت الحكومة بعد الكشف الطبي، أن العلة يؤمل زوالها فتؤجل التفريق حتى زوال تلك العلة، وللزوجة أن تمتنع عن الإجتماع بالزوج طيلة مدة التأجيل، أما إذا وجدت المحكمة، ان العلة لا يؤمل زوالها خلال مدة مناسبة وإمتنع الزوج عن الطلاق وأصرت الزوجة على طلبها، فيحكم القاضي بالتفريق) .
د- الفورية :
قال الإمامية : إنّ خيار الفسخ يثبت على الفور ، فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر إلى الفسخ لزم العقد ، وكذلك الخيار مع التدليس .
وقال صاحب الجواهر : إنّ الجهل بالخيار بل والفورية عذر ؛ لإطلاق ما دل على الخيار . وقال أيضاً : إنّ الفسخ بجميع أفراده لا يتوقف على الحاكم ، وإنّما يتوقف عليه ضرب الأجل في خصوص العنين .
اما في الجانب القانوني فيحق بموجبه للزوج او الزوجة طلب فسخ العقد إذا تبين أن احد العاقدين كان مجنوناً او معتوهاً حين ابرام العقد فله ان يطلب فسخ عقد الزواج وهذا أخذت محكمة التمييز العراقية بهذا المبدأ[7].
هـ – خيار الشرط
الفرق بين شرط الخيار وبين خيار الشرط أنّه في الأوّل أخذ الخيار شرطاً في متن العقد فتقول المخطوبة : زوّجتك نفسي على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام ويقول الخاطب : قبلتُ, أو تقول : زوجتك نفسي، ويقول هو: قبلتُ على أن يكون لي الخيار مدة كذا . فيؤخذ الخيار في فسخ الزواج شرطاً في متن العقد وهذا الشرط يبطل العقد بالاتفاق ، كما قدّمنا .
أمّا خيار الشرط فلا يؤخذ نفس الخيار شرطاً في العقد ، بل يؤخذ فيه وصف معيّن ، كما لو اشترط الخاطب أن تكون المخطوبة بكراً ، أو اشترطت هي أن يكون معه شهادة جامعية ، بحيث إذا لم يوجد الوصف جاز للآخر أن يفسخ العقد ، وقد اختلفت المذاهب في ذلك .
قال الحنفية : إذا اشترط أحد الزوجين في متن العقد شرطاً سلبياً ، كالسلامة من العمى أو المرض ، أو ايجابياً ، كاشتراط الجمال أو البكارة ، وما إلى ذلك ، ثم تبين العكس يصحّ العقد ، ولا ينفذ الشرط إلاّ إذا اشترطت هي شرطاً يعود إلى الكفاءة ، كاشتراط النسب أو الحرفة أو المال فيحق لها الفسخ مع تخلف الشرط ، أمّا هو فلا ينفذ شيء من شروطه ؛ لأنّ الكفاءة شرط في الزوج لا في الزوجة كما تقدم .
وقال المالكية والشافعية والإمامية والحنابلة : يصحّ الشرط ، وإذا تبين العكس كان المشترط بالخيار بين الرضى وفسخ العقد ؛ للحديث الشريف : ( المسلمون عند شروطهم ) ؛ ولأنّ مثل هذا الشرط لا يتنافى مع طبيعة العقد ، ولا يخالف كتاب الله وسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أي لا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً .
و- التدليس :
تكلم الإمامية في هذا الباب عن تدليس المرأة على الرجل ، وذلك أن تخفي عنه نقصاً موجوداً فيها ، أو تدّعي كمالاً غير موجود .
أمّا الصورة الأُولى ـ وهي أن تخفي النقص وتسكت عنه ـ : فلا يحق للرجل أن يفسخ العقد إذا لم يشترط عدم وجوده بطريق من الطرق ، فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق(ع) : في الرجل يتزوج إلى قوم ، فإذا امرأته عوراء ، ولم يبيّنوا له قال : ( لا تُرد )، وعلى هذا جميع المذاهب .
أمّا الصورة الثانية ـ وهي أن تدّعي كمالاً غير موجود ـ : فإذا أُخذت صفة الكمال شرطاً في العقد جاء الكلام السابق من أنّه لغو عند الحنفية صحيح عند غيرهم ، وإن لم تؤخذ شرطاً في العقد ، فإمّا أن تُذكر فيه على سبيل الوصف ، وإمّا أن تُذكر قبل العقد ثم يبتني العقد عليها ، فهنا حالتان :
1- أن تُذكر صفة الكمال وصفاً في العقد ، كما لو قال وكيل الزوجة : زوّجتك البنت البكر ، أو البنت السالمة من كل عيب . وقال الإمامية : إذا ظهر أنّها غير متصفة بالوصف المذكور في العقد ، كان للزوج الخيار .
2- أن لا تُذكر صفة الكمال شرطاً ولا وصفاً في العقد ، بل تُذكر عند التداول في حديث الزواج ، كما لو قالت هي أو وكيلها : إنّها بكر ولا عيب فيها ، وما إلى ذلك ، ثمّ وقع العقد مبنياً على ذلك بحيث يكون المفهوم من العقد أنّه جرى على البنت المتصفة بهذه الصفة الخاصة . ولم أرَ فيما لدي من المصادر مَن تعرّض لهذه الحالة غير الإمامية ، وقد اختلف فقهاؤهم في ثبوت الخيار للزوج .
فمنهم مَن قال : له الخيار، ومن هؤلاء السيد أبو الحسن الأصفهاني في كتاب الوسيلة ؛ لأنّ تواطؤ العاقدين وتباينهما على الوصف ثمّ ابتناء العقد عليه يجعله كالشرط الضمني في العقد . ومنهم مَن قال : لا أثر للتباني ما دام لم يُذكر الوصف في العقد ، ولم يدل عليه بطريق من الطرق . وإلى هذا ذهب الشهيد الثاني في المسالك: ( وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقن ) ، أي لا نرفع اليد عن لزوج العقد إلاّ بدليل قاطع ، وهو غير موجود .
والخلاصة :
إنّ الوصف إذا أُخذ في العقد بأحد الطرق الثلاث ـ أي شرطاً أو وصفاً أو إخباراً ـ قبل العقد فللزوج أن يختار الفسخ أو الرضى بالزواج ، فإن رضي به فليس له أن ينقصها شيئاً من مهرها مهما كان العيب ، إلاّ إذا اشترط كونها بكراً فوجدها ثيباً ، فله ـ والحال هذه ـ أن ينقص من مهرها بنسبة التفاوت بين مهرها بكراً ومهرها ثيباً عند الإمامية .
وإذا اختار فسخ الزواج ، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها عند الإمامية وغيرهم ممّن أجازوا الفسخ ، وإن كان بعد الدخول كان لها مهر المثل ، ولا يرجع بشيء على الذي غره عند الشافعية .
وقال الإمامية : ينظر ، فإن كانت هي التي غررت بالزواج فلا تستحق شيئاً من المهر حتى مع الدخول ، وإن كان الذي غرر به غيرها فلها المهر المسمّى كاملاً ، ويرجع هو بما دفعه على مَن غره ؛ لقاعدة المغرور يرجع على مَن غره .
وهنا مسائل :
1 ـ إذا تبين لأحد الزوجين بعد العقد أنّ في صاحبه نقصاً ، وادعى أنّ العقد جرى على انتفاء النقص بأحد الطرق الثلاث ، وأنكر الآخر ، كلّف الأوّل بالإثبات ، فإن أثبت يقرر القاضي له حق الفسخ ، ومع عجزه عن الإثبات يحلف المنكِر ، ويرد القاضي الدعوى .
2 ـ إذا تزوج امرأة على أنّها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ، فوجدها ثيباً فلا يحق له الفسخ إلاّ إذا ثبت أنّ الثيبوبة كانت متقدمة على العقد ويثبت سبقها على العقد بإقرار الزوجة أو بالبينة أو بقرائن الأحوال المفيدة للعلم ، كما لو دخل بها بعد العقد بمدة لا يحتمل تجدد الثيبوبة فيها.
وإذا اشتبه الحال ، ولم نعلم بطريق من الطرق : هل كانت متقدمة على العقد أو متأخرة عنه ؟ فلا يثبت الخيار للزوج ؛ لأصالة عدم تقدم الثيبوبة ، ولا مكان تجددها بسبب خفي ، كالركوب والنزوة[8] .
3 ـ قال السيد أبو الحسن الأصفهاني[9]:( لو تزوج رجل فتاة ولم تكن البكارة قد ذُكرت في مقدمات الزواج ، ولم يقع العقد مبنياً عليها ، ولم تكن شرطاً ولا وصفاً في متن العقد ، وإنّما تزوجها باعتقاد أنّها بكر ؛ لأنّها لم تتزوج أحداً غيره من قَبل وبعد العقد ثبت أنّها كانت ثيباً قبل العقد ، فليس للزوج أن يفسخ الزواج ، كما هي الحال لو أُخذت البكارة بأحد الطرق الثلاث ، بل له أن ينقص من مهرها شيئاً ، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكراً ومهر مثلها ثيباً ، فإذا كان المهر المسمّى مئة وكان مهر مثلها بكراً ثمانين وثيباً ستين ، ينقص من المئة الربع 25 ويبقى 75 ).
وعلى هذا ، فللبكارة عند السيد المذكور أربع حالات :
1- أن تؤخذ شرطاً في متن العقد .
2- أن تؤخذ وصفاً فيه .
3- أن تُذكر عند حديث الزواج ، ويبتني عليها العقد .
4- أن يتزوجها باعتقاد البكارة دون أن يسبق لها ذكر لا قبل العقد ولا في متنه.
وفي الحالات الثلاث يثبت للزوج الخيار ، وفي الحالة الرابعة لا خيار له ، بل ينقص من المهر شيئاً على النحور المتقدم .
المصادر
[1] . الحجرات 13
[2] . نقل الشهيد في المسالك عن الشيخ المفيد : إنّ العبرة في جواز فسخ المرأة الزواج أن يعجز عنها بالذات ، حتى ولو قدر على غيرها ، والاعتبار يساعد على ذلك .
[3] . أُقيمت عند الشيخ مغنية دعوى من هذا النوع ، ولمّا أحال المدعى عليه إلى الأطباء أفادوا بأنّ الطب بعدُ لم يكتشف داء العنة ، وأنّه لا يُعرف إلاّ بممارسة النساء .
[4] . الجزء الخامس, باب الزواج, مسألة العنن.
[5] . من الأصول الباطلة عند الإمامية الأصل المثبت ، وهو ما يثبت الأثر باللزوم العقلي لا بالأصل الشرعي . فالاستصحاب حجة بالقياس إلى ما يترتب على المستصحب من أحكام دون لوازم العقل ، فإذا استصحبنا بقاء الليل في رمضان ، فهذا الاستصحاب يبيح لنا تناول الطعام ، ولكنّه لا يثبت أنّ الساعة لم تبلغ الخامسة باعتبار أنّها وقت لطلوع الفجر.
[6] . كتاب المسالك, ج1 , باب الزواج.
[7] . قرار 477/شخصية / بتأريخ 7/3/1977, منشور في مجموعة الأحكام العدلية , العدد الأول , السنة الثامنة , 1977م, وقرار 255/شخصية / بتأريخ 9/12/1977, نفس المصدر.
[8] . المسالك للشهيد الثاني , ج2 , باب الزواج.
[9] . كتاب الوسيلة باب الزواج .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً