عدم دستورية تشكيل لجان تحديد أتعاب المحاماة
قضت المحكمة الدستورية العليا في جلستها المنعقدة 2/1/2011 . برئاسة المستشار فاروق سلطان بعدم دستورية تشكيل لجنة لتحديد أتعاب المحامي عند الخلاف مع الموكل حول تقديرها، والتي نص عليها قانون المحاماة، استنادا إلى مخالفة الدستور.
وتضمن الحكم عدم دستورية نصي الفقرتين الأولى والثانية من المادة 84 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 معدلا بالقانون رقم 197 لسنة 2007 وسقوط نص الفقرة الثالثة من ذات المادة والمادة 85 من القانون.
واستندت في أسباب وحيثيات حكمها إلى عدة أسباب منها :
1 – أن السلطة المخولة للمشرع في شأن تنظيم الحقوق، هي سلطة تقديرية، واستخدامها يكون فيما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط محددة تحد من إطلاقها.
2 – إنشاء لجنة ثلاثية يغلب على تشكيلها العنصر القضائي، وفتح باب اللجوء إليها للمحامي والموكل على حد سواء، بقي تدخله قاصرا عن تحقيق شرط الحماية القانونية المتكافئة بين المتماثلة مراكزهم القانونية، موضحة أن النص ميز المحامي عن موكله بوجود ممثل للأول دون الثاني في عضوية اللجنة الثلاثية، كما خص الخلاف بينهما حول تحديد الأتعاب – وهو خلاف بين أصيل ووكيل في إطار عقد الوكالة – بتنظيم خاص قائم بذاته، ومختلف في مضمونه عما تخضع له غير ذلك من المنازعات من قواعد حاكمة فيما بين الأصيل والوكيل بأجر خاصة في النقابات المهنية.
3 – هذا النوع من المنازعات يتماثل في طبيعتها، الأمر الذي يعد معه هذا النص افتئاتا على ولاية المحاكم العادية في نظر هذه المنازعات، وانتهاكا لاستقلالها بالتالي.
وأكدت المحكمة أن النص المطعون فيه جاء في غيبة من أية مبررات منطقية من شأن اجتماعها أن تسمح للمشرع بإحداث هذا التمييز غير المبرر في أصله، ومؤدى ذلك أن النص المحال للنظر فى دستوريته قد تجاوز الضوابط الدستورية المقررة وأخل بالحق في التقاضي، وحق المواطن في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي، والحق في مساواة المواطنين أمام القانون ومبدأ استقلال القضاء إخلالا بأحكام المواد 40 و 65 و 68 و 165 من الدستور.
وسأضع الحكم فور نشره كاملاً إن شاء الله تعالى .
ولمزيد من الإيضاح وجب القاء الضوء على نصي المادتين سالفتى البيان حيث تنص المادة 84 على أنه ”
للمحامى أو الموكل إذا وقع خلاف بينهما بشأن تحديد الأتعاب أن يتقدم بطلبه إلى لجنة مكونة من رئيس محكمة إبتدائية رئيسا وأحد قضاتها عضوا ينتدبهما رئيس المحكمة الإبتدائية التى يوجد بها مقر النقابة الفرعية وعضوية أحد أعضاء مجلس النقابة الفرعية يصدر بتعينه قرار من مجلس النقابة الفرعية لمدة سنة قابلة للتجديد.
وعلى اللجنة أن تتولى الوساطة بين المحامى وموكله فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما , فصلت فى الطلب بقرار مسبب خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ تقديمه ، وتسرى أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على ما يتبع أمامها من إجراءات .
وإذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما اللجنة ، حرر ذلك بمحضر بذلك يوقع منهما مع رئيس اللجنة وتوضع الصيغة التنفيذية على محضر الصلح بواسطة قاضى الأمور الوقتية المختص بدون رسوم .
والجدير بالذكر ان هذه المادة مستبدلة بالقانون رقم 197 لسنة 2008 منشور في الجريدة الرسمية – العدد 25 مكرر(د) في 23 يونيو سنة 2008 .
وكانت قبل استبدالها تنص على انه 0:
*مادة 84 : ” للمحامى إذا وقع خلاف بينه وبين موكله بشأن تحديد أتعابه فى حالة عدم الاتفاق كتابة عليها أن يقدم إلى النقابة التى يتبعها طلبا بما يحدده من أتعاب، وبعرض هذا الطلب على لجنة يشكلها مجلس النقابة الفرعية من ثلاثة من أعضائه ويخطر الموكل بالحضور أمامها لابداء وجهة نظره.
وعلى اللجنة أن تتولى الوساطة بين المحامى وموكله، فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما، فصلت فى موضوع الطلب خلال ستين يوما على الأكثر بقرار مسبب، وإلا جاز لكل من الطرفين أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة المختصة.
وإذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما حُرر محضر بذلك يوقع عليه الطرفان مع ممثل النقابة الفرعية وتوضع عليه الصيغة التنفيذية بواسطة قاضى الأمور الوقتية المختص وذلك بغير رسوم “.
المادة 85 : ” لا يجوز الطعن فى قرارات التقدير التى تصدرها اللجان المشار اليها فى المادة (84) إلا بالاستئناف الذى يخضع للقواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات من حيث الاختصاص والإجراءات والمواعيد .
ولا يكون قرار التقدير نهائيا إلا بعد انتهاء ميعاد الاستئناف دون طعن أو صدور الحكم فيه وتوضع الصيغة التنفيذية على قرارات التقدير النهائية بواسطة قاضى الأمور الوقتية المختص وذلك بدون رسوم .
وهذه المادة أيضاً مستبدلة بالقانون رقم 197 لسنة 2008 منشور في الجريدة الرسمية – العدد 25 مكرر(د) في 23 يونيو سنة 2008 .
وكانت قبل استبدالها تنص على انه :
*مادة 85 : ” لا يجوز الطعن فى قرارات التقدير التى تصدرها النقابات الفرعية إلا بطريق الاستئناف خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان القرار ويرفع الاستئناف للمحكمة الابتدائية التى يقع بدائرتها مكتب المحامى إذا كانت قيمة الطلب خمسمائة جنيه فأقل وإلى محكمة الاستئناف إذا جاوزت القيمة ذلك.
ولا يكون قرار التقدير نافذا إلا بعد انتهاء ميعاد الاستئناف أو صدور الحكم فيه وتوضع الصيغة التنفيذية على قرارات التقدير النهائى بواسطة قاضى الأمور الوقتية المختص وذلك بغير رسوم” .
وتجدر الإشارة الى ان المادتين قبل استبدالهما طعن عليهم بعدم الدستورية وقضت المحكمة بعدم دستوريتهما بالحكم الصادر فى رقم 153 لسنة 19 ق جلسة 5/7/1999
وجاء بحيثيات الحكم :
*إن مؤدئ المادة (84) من قانون المحاماة، أن اللجنة المشكلة طبقا لها يخلو تشكيلها من العنصر القضائى، وأن المشرع لم يقرر لها كيانا ذاتيا مستقلا عن النقابة الفرعية، وأن أعضاءها- بحكم موقعهم على القمة من تنظيمهم النقابى- إنما ينظرون المنازعة بشأن تقدير أتعاب المحاماة فى كنف نقابتهم، التى تعنى أساسا بالمصالح المهنية الخاصة لأعضائها، وأن المشرع لم يكفل لطرح النزاع على هذه اللجنة الضمانات الجوهرية للتقاضى التى ينطوى تحتها حق كل خصم فى عرض دعواه وطرح أدلتها والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافؤ أطرافها فيها جميعا ؛ بل فرض علي هذه المنازعة نهجا إجرائيا حائفا فقصر اللجوء إليها على المحامى،
وأوصد بابه على موكله، فلم يجز له أن يعرض- ابتداء- ظلامته عليها إذا ما اقتضت مصلحته ذلك، بل عليه أن يتربص الطلب الذى يتقدم به المحامى حين يشاء، كى يطرح عليها أقواله، الأمر الذى يخل بالتوازن الذى تفرضه علاقة الوكالة القائمة بينهما، إجحافا بمصلحة الموكل وترجيحا لمصلحة المحامى عليها، كما أرهق المشرع الحق فى الالتجاء مباشرة إلى المحكمة المختصة فى شأن الأتعاب محل الخلاف بما استلزمه من أن تكون اللجنة قد تقاعست عن الفصل فى موضوع الطلب- بقرار مسبب- خلال ستين يوما قبل ولوجهما طريق التقاضى؛ إذ كان ذلك، وكانت اللجنة فى مباشرتها لعملها المنوط بها لا تبدو مبرأة من امتزاجه بالعمل النقابى، مما يثير الريب حول حيدتها، وتزعزع ضمانة الاستقلال التى كان ينبغى أن تحيط بأعضائها بما لا تستقيم معه غيريتها فى مواجهة أطراف المنازعة؛ فإن هذه اللجنة لاتعتبر- إزاء المنازعة التى اختصها المشرع بالفصل فيها – هيئة ذات اختصاص قضائى، ومن ثم، فإن قرارها في هذه المنازعة لا يصدق عليه وصف القرار القضائى، بما يخرجها- بالتالى- من مفهوم القاضى الطبيعى.
*وحيث إنه إذا كان ما تقدم، وكان المشرع- بالنص المطعون فيه- قد أوكل إلى اللجنة المشار إليها- على الرغم من أنها ليست هيئة ذات اختصاص قضائى على نحو ما تقدم- الفصل فى منازعة من طبيعة قضائية، واستلب ولاية القضاء فيها من قاضيها الطبيعى ؛ وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الناس جميعا لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولافى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية ولا فى مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها؛ إذ ينبغى دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها. متى كان ذلك وكان الخلاف بين المحامى وموكله حول تقدير الأتعاب إنما يندرج فى دائرة الخلاف بين الأصيل والوكيل بأجر عند عدم الاتفاق على أجر الثانى، باعتبار أن جميع هذه المنازعات متحدة فى جوهرها متماثلة فى طبيعتها؛ فإن إفراد الخلاف بشأن تحديد أتعاب المحامى بنظام إجرائى خاص لفضه ينبؤ عن نظام التداعى بشأن تحديد أجر الوكيل- دون أن يستند ذلك إلى مبرر منطقى لهذه المغايرة- يصم هذا التنظيم التشريعى الخاص بمخالفة الدستور.
*وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن نص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) يكون قد مايز- فى مجال ممارسة حق التقاضى- بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية، بما يمثل إخلالا بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وتعويقاً لحق التقاضى واعتداء على استقلال السلطة القضائية، مخالفا بذلك أحكام المواد 40، 68، 165، 167 من الدستور.
وبذلك تصبح المادتين محكوم فيهما بعدم الدستورية للمرة الثانية على التوالى قبل تعديلهما، وأيضاَ بعد تعديلهما بالقانون 197 لسنة 2008 .
اترك تعليقاً