هيئة النزاهة تستخدم الطعن بطريق التمييز في الدعوى الجزائية
أن طريق الطعن بالتمييز هو طريق غير عادي للطعن في الأحكام و القرارات الجزائية إذ تعرض على محكمة التمييز بهدف مراجعتها للتأكد من صحة الأجراءات و كونها صدرت وفقا ً للقانون .
لقد أورد المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية طريق الطعن بالتمييز في الكتاب الرابع منه طرق الطعن في الأحكام حيث تضمنت الباب الثاني فنضمت أحكامه المواد من 249 الى 265 فقد جاء في المادة 249 ” أ – لكل من الأدعاء العام و المتهم و المشتكي والمدعي المدني و المسؤول مدنيا ً أن يطعن لدى محكمة التمييز في الأحكام و القرارات و التدابير الصادر من محكمة الجنح أو محكمة الجنايات في جنحة ٍ أو جناية أذا كانت قد بينت على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه او تأويله او اذا وقع خطأ جوهري في الأجراءات الأصولية او في تقدير الأدلة أو تقدير العقوبة و كان الخطأ مؤثرا ً في الحكم … “
يتضح من صدر الفقرة / أ من المادة أعلاه أن من يحق له الطعن تمييزا ً هو الأدعاء العام و المتهم و المشتكي و المدعي المدني و المسؤول مدنيا ً و هؤلاء في الحقيقة هم أطراف الدعوى الجزائية و هم الممنوحون على سبيل الحصر صلاحية الطعن بالتمييز في الأحكام و القرارات الصادرة في الدعوى الجزائية .
في 28 / 1 / 2004 أصدر المدير الأداري لسلطة الأئتلاف المؤقته في العراق أمرا ً بالعدد 55 و نشر في جريدة الوقائع العراقية بعددها المرقم 3981 مايس 2004 و الذي شكل بموجبه جهازا ً جديدا ً في العراق هو مفوضية النزاهة التي تم تعديل أسمها لاحقا ً بموجب المادة 102 من دستور العراق لسنة 2005 الى هيئة النزاهة .
لقد جاء الأمر 55 لسنة 2004 بعدة أمور مستحدثة أو دخيلة على التشريع الجزائي العراقي و لم يسبق أن صدر ما يماثلها في البلاد فأستحدثت المفوضية المذكورة و جعل مهامها مكافحة الفساد الأداري و مكافحة جرائم الوظيفة كما جعلها جهة تحقيقية تقوم بالتحقيق في قضايا الفساد المتعلقة بالوظيفة بواسطة محقق من ( الدرجة الأولى ) أعتبارا ً من 17 / تموز / 1968 .
و عند عرض القضية على قاضي التحقيق تصبح المفوضية طرفا ً فيها , هذا ما جاء بالقسم 4 / 1 من الأمر المذكور ومما يلاحظ على هذا النص أنه أضاف الى أعتبار المفوضية جهة تحقيقية مشابهه لمركز الشرطة أنها تكون طرفا ً في قضية الفساد التي يجري التحقيق فيها من قبل أحد محققيها , و بالعودة الى نص المادة 249 / أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي حصرت حق الطعن بالتمييز بأطراف الدعوى الجزائية و إذ أن القسم 4 / 1 من الأمر 55 آنف الذكر قد أعتبر أن مفوضية النزاهة هي طرف في الدعوى الجزائية التي يجري التحقيق فيها أمامها و بالقياس على أطراف الدعوى الجزائية فأن لها الحق بالطعن تمييزا ً بالقرارات التي يصدرها قاضي التحقيق و الأحكام و القرارات التي تصدرها محكمة الموضوع في تلك الدعوى و قد أستقر القضاء على ذلك و أخذت هيئة النزاهة تقدم الطعون التمييزية فيتم قبولها شكلا ً شأنها شأن باقي أطراف الدعوى و تصدر قرارات النقض و التصديق على أساس الطعن هذا بألأظافة الى طلبات التدخل التمييزي بموجب المادة 264 من قانون أصول المحاكمات الجزائية .
بتأريخ 27 / 10 / 2011 صدر القانون رقم 30 قانون هيئة النزاهة المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4217 في 14 / 11 / 2011 الذي ألغى بموجب المادة 29 منه الأمر رقم 55 لسنة 2004 الصادر من سلطة الأئتلاف المؤقتة .
كما أنه جاء بأحكام مختلفة نوعا ً ما عن تلك الواردة في الأمر الحلفي فلم يعتبر الهيئة طرفا ً في الدعوى الجزائية التي يجري التحقيق فيها بواسطة أحد محققيها كسابقة كما أنه نظم مسالة الطعن بالتمييز من قبل هيئة النزاهة أو بالاحرى حصرها في حالتين فجاءت المادة 14 منه بكل ما يتعلق بهذا الموضوع اذ نصت ” أولا ً : – يشعر قاضي التحقيق الدائرة القانونية في الهيئة عند أستهلاله التحقيق في أية قضية فساد و يطلعها على سير التحقيق فيها بناءا ً على طلبها . ثانيا ً : – تكون الهيئة طرفا ً في كل قضية فساد لا يجري التحقيق فيها بواسطة أحد محققي دائرة التحقيقات و لها متابعتها بواسطة ممثل قانوني بوكالة رسمية و للهيئة حق الطعن في الأحكام و القرارات الصادرة فيها . ثالثا ً : – يودع قاضي التحقيق أية قضية فساد تختار الهيئة أكمال التحقيق فيها الى أحد محققي دائرة التحقيقات في الهيئة أو أحد محققي متابعتها و للهيئة حق الطعن بطريق التمييز بقرار قاضي التحقيق القاضي برفضه طلبها لأي سبب ” .
من هذا النص نستنتج أن حق هيئة النزاهة بالطعن تمييزا ً بالأحكام و القرارات الصادرة في قضية فساد ينحصر في الدعاوى التي لا يجري التحقيق فيها بواسطة أحد محققيها , كأن يكون التحقيق في مركز الشرطة أو في دائرة المحقق القضائي مثلا ً , هذا بالأضافة الى حقها بالطعن تمييزا ً بقرار قاضي التحقيق عندما يرفض طلب الهيئة اكمال التحقيق في أي قضية فساد تختار الهيئة أكمال التحقيق فيها و ما عدا ذلك فلا يمكن لهيئة النزاهة أن تطعن في أي حكم أو قرار صادر بقضية فساد يجري التحقيق فيها أمامها و حسنا ً فعل المشرع بتحديد هذا الحق فلا يمكن أن نتصور أمكانية أن تكون الجهة التحقيقية المودعة لديها أوراق الدعوى طرفا ً فيها فضلا ً عن أمكانية الطعن تمييزا ً في القرارات الصادرة فيها , لعدم تواءم هذا مع مبادئ التشريع الجزائي العراقي الذي يقصر حق الطعن على الخصوم و الأدعاء العام في الدعوى الجزائية و بهذا الصدد قضت محكمة التمييز الأتحادية بقرارها المرقم 9029 / الهيأة الجزائية الأولى / 2012 في 28 / 6 / 2012 بأن قرار محكمة الجنايات في بابل خال ٍ من أي خطأ قانوني يستوجب التدخل تمييزا ً / حيث قضى القرار المطلوب التدخل التمييزي ضده برد اللائحة التمييزية المقدمة من قبل رئيس هيئة النزاهة . إضافة لوظيفته شكلا ً و ذلك لتقديمه الطعن التمييزي على قرار قاضي التحقيق في قضية يجري التحقيق فيها أمام أحد محققي هيئة النزاهة , إلا أن محكمة التمييز الأتحادية أصدرت و في وقت لاحق قرارات مختلفة عما تقدم من أتجاه مستندة الى الأستقرار القضائي المقرر بقرار الهيئة الموسعة الجزائية رقم 145 / 2012 في 25 / 7 / 2012 الذي أعطى هيأة النزاهة الحق في الطعن بالتمييز في كافة الدعاوى المتعلقة بالفساد فجاء في القرار 10726 / الهيئة الجزائية الثانية / 2012 في 1 / 8 / 2012 بأنه ” يحق لهيئة النزاهة الطعن في القرارات و الأحكام الصادرة في دعاوي الفساد التي جرى التحقيق من قبلها أو التي لم يجري لأنها أعتبرت طرف في كل قضية فساد و حسبما جاء في المادتين 10 و 14 من قانون النزاهة العامة رقم 30 لسنة 2011 و هذا ما استقر عليه قضاء الهيئة الموسعة الجزائية في محكمة التمييز الأتحادية … ” كما صدرت قرارات أخرى بنفس المآل منها القرارين 12769 / الهيئة الجزائية الأولى / 2012 و 12789 / الهيئة الجزائية الأولى / 2012 في 8 / 8 / 2012 و بما يؤكد بما لا يدع مجالا ً للشك أن محكمة التمييز الأتحادية قد أعطت لهيأة النزاهة حق الطعن تمييزا ً في كافة الدعاوى المتعلقة بالفساد و دون التقييد بما أوردته المادة الرابعة عشرة من قانون هيأة النزاهة التي بيناها سابقا ً .
أن الأستناد الى حكم المادتين 10 و 14 من قانون هيأة النزاهة في أعطاءها الحق بالطعن تمييزا ً بالأحكام و القرارات الصادرة في قضايا الفساد سيتلزم أن يبين ما أوردته المادة 10 من حكم يتعلق بالموضوع سيما و أننا بينا سابقا ً ما أوردته المادة 14 من القانون فقد جاءت المادة 10 من القانون لبيان مكونات مركز الهيأة من دوائر فعددت دوائرها و هي دائرة التحقيقات و الدائرة القانونية و دائرة الوقاية .. الخ من دوائر الهيأة و قد جاء في البند ثانيا ً الدائرة القانونية التي تتولى عدة أختصاصات فيها تمثيل الهيأة أمام المحاكم و تنظيم العقود و متابعة القضايا و الدعاوى التي تكون الهيأة طرفا ً فيها بضمنها قضايا الفساد التي لا يحقق فيها أحد محققي الهيأة , و أغلب الظن أن قرار محكمة التمييز الاتحادية أستند الى هذه الفقرة و هي الفقرة ج من البند ثانيا ً من المادة . المذكورة و لمناقشة ذلك نقول أن النص على أن تقوم الدائرة القانونية بمتابعة الدعاوى التي تكون الهيأة طرفا ً فيها , و حسب النص , يعني و حسب النص اللاحق المادة 14 / ثانيا ً هي الدعاوى التي لا يحقق فيها أحد محققي الهيأة فالقانون يفسر بعوضه بعضا ً و الدعاوى التي لا يحقق فيها أحد محققي الهيأة هي وحدها الدعاوى التي تملك الهيأة حق الطعن بالتمييز فيها دون سواها التي يجري التحقيق فيها أمامها كما أن أعطاءها الحق بالطعن في كافة الدعاوى بالتمييز حتى التي يجري التحقيق فيها أمامها هو أولا ً يعني العودة الى الأتجاه السابق الذي كان قد صدر بناءا ً على الأمر 55 لسنة 2004 و ثانيا ً أعطاء هيأة النزاهة حق لا تملكه قانونا ً بالأضافة الى تحميل النصوص أكثر مما تحتمل و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تفسير النصوص بهذه الطريقة هذا بالأضافة الى أن هنالك مسألة مهمة يجب طرحها فلو أن أرادة المشرع كانت تنصرف الى أعطاء الهيأة هذا الحق لكان صرح بذلك سيما و أنه فصل الكثير في الأمور في القانون رقم 30 لسنة 2011 و لم يغادر مسألة حق الهيأة بالطعن تمييزا ً فقيدها بالمادة 14 بفقراتها الثلاث .
يبقى أن نوضح في هذا المجال أن دعوى الفساد غالبا ً ما تكون متابعة من قبل الدوائر القانونية للوزارات المعنية بالقضية بالأضافة الى رقابة جهاز الأدعاء العام على الأحكام و القرارات و حقه القانوني بالطعن تمييزا ً و يعني كذلك عدم أفلات أي دعوى فساد من أن يتم الطعن فيها كما أن أغلب الظن في هذه المسألة و هي أعطاء هيأة النزاهة حق الطعن تمييزا ً في كافة الدعاوى هو حرص محكمة التمييز الأتحادية على أن لا تضييع فرصة مهما كانت و ذلك حفاظا ً على المال العام و على قدسية الوظيفة العامة و خصوصا ً ما يشهده البلد في هذه الأيام من أستشراء الفساد و عدم أحترام المال العام .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً