حجية الحكم الاجنبي المقضي فيه
د.فراس كريم شعبان
خير الدين كاظم عبيد
مسوغات الاعتراف بحجية الحكم الاجنبي
المسِّوغ لغة : من تسوغ أو ساغ الشراب وسَهُل مدخُله ، والسواغ ما ساغت به الفَضِّة ويقال الماء سواغ الفصص ، والمساغ هو المدْخل، وعليه يكون المسوغ كل مايلتمس فيه ( تسهيل / تذليل ) عائق جدلي او محاججة معترض على امرٍ ما ، والغاية من المسوّغ توفير الغطاء المناسب لتدعيم فكرة او تسبيب حيثيات سلوك او نهج معين ، وتتعدد وتختلف المسوغات بحسب ظروفها ، فمنها ما هو قانوني وهو مسوغ خاص ، ومنها ما هو عام يتعلق بمختلف شؤون الحياة اليومية. والمسوغ بهذه المثابة قد يكون قانونيا ، وقد يكون واقعيا في احيان اخرى وذلك على الشكل التالي :
1- المسوغ القانوني
ان الحاجة الى تنفيذ الحكم الاجنبي تبقى مرتبطة جوهريا بوجود ضرورة اللجوء الى التنفيذ ، اما على شخص المحكوم ضده كمن يُلزمه الحكم بضرورة القيام بعمل معين من مثل تسلم اشياء او ارجاع محضون ، وقد تتمثل تلك الضرورة بأتخاذ اجراءات على اموال المحكوم ضده
( كالبيع الجبري للمتلكات لاستخلاص الدين منها ) ، فأذا لم يكن ذلك الحكم الاجنبي في حاجة الى التنفيذ على شخص المحكوم عليه وعلى ممتلكات ، فهنا تبدو المسألة متعلقة بالتفريق ما بين الحكم نفسه وما بين الاثر المترتب على ذلك واعتقد ان ما يهمنا هنا ويهم اطراف العلاقة القانونية هو ذلك الاثر الذي يترتب على الحكم ، وما دام ذلك الحكم ليس في حاجة الى اجراءات تنفيذية ذلك انه ينتج اثاره في البلد الذي صدر فيه بشكل اولي وتلقائي دونما حاجة الى اجراءات تنفيذية يستلزمها بمجرد صيرورته قابلاً للتنفيذ بها ، بذلك فأنه يعتبر قد استوفى اثاره في البلاد التي صدر فيها وبالتالي فأن من الممكن ان يعترف بتلك الاحكام في العراق اذا ما اريد الاحتجاج بها
فضلاً عن ذلك ان الاعتراف بالحجية للأحكام الصادرة في مسائل الحالة والاهلية دون توقف الامر على شمولها بالامر بالتنفيذ ، مرد ذلك ان هذه الاحكام منشأة لمراكز قانونية لايمكن انكارها ومن ثم يجب الاعتراف بالحجية لها فوراً وبصفة مباشرة ، والا ترتب على ذلك نتائج غير مقبولة في نطاق العلاقات الخاصة الدولية ، مثالها ان يعد الشخص
متزوجاً في بلد ومطلقاً في بلد اخر لمجرد انتقاله من مكان الى آخر ، ومثال عن احكام التفليس الذي يحدث اثرها بمجرد التصريح بها اذا ما صار نهائيا ، اذ يعتر التاجر بحالة افلاس انطلاقاً من ذلك التاريخ ولايحتاج هذا الحكم سوى الاعتراف به امام المحاكم الاخرى بنفس الوضعية ونفس الكيفية التي صدر بها
2- المسوغ الواقعي
ويتمثل بضرورة التخفيف عن كاهل المتخاصمين اطراف العلاقة القانونية ) وكذلكالتخفيف عن كاهل القضاة ما دام ان الامر لايستلزم
سلوك اجراءات معينة ، وبدعاوى لاضرورة من القيام بها ، فمن يرفع امام القضاء العراقي دعوى استرجاع ما دفعه بموجب عقد وقع ابطاله بحكم اجنبي ولايحتاج الى استصدار حكم بالاذن بتنفيذ الحكم الاجنبي القاضي بالابطال وانما يمكنه الاحتجاج بذلك الحكم حتى تعترف به المحاكم العراقية التي تنظر في دعوى استرجاع ما تم دفعه وترتب عليه النتائج القانونية .
واحيانا لايمكن تصور ان ينتج الحكم الاجنبي اثاره بغير وسيلة الاعتراف به ، فاذا تم مثلاً استصدار حكم اجنبي بالزام مدين بأداء الدين الذي عليه ، لكن الدائن يرفع ضده دعوى ثانية في العراق باستخلاص نفس الدين ، ففي هذه الحالة فأن الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها للمدين الدفاع عن نفسه هي ان يطلب من المحكمة الاعتراف بالحكم الاجنبي كوسيلة للدفع بسبق النظر بالنزاع ، فالمدين لايمكنه بداهة رفع دعوى في طلب الاذن بتنفيذ الحكم الاجنبي طالما انه لاتوجد مصلحة له من ذلك ، كما لايمكنه رفع دعوى في طلب التصريح بعدم الحجية ان كان الحكم الاجنبي مستوفياً لشروط الاعتراف ، وبذلك فأن المحكمة العراقية المرفوع امامها دعوى الاداء الثانية لايمكنها الا ان تعترف بالحكم الاجنبي حتى تتمكن من القضاء بعدم سماع الدعوى لسبق النظر فيها
فأن لم تفعل ذلك ورفضت الاعتراف بالحكم الاجنبي آل بها الامر الى القضاء بالزام المدين بدفع الدين مرتين
اترك تعليقاً