عدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 12 مارس سنة 2006م ،الموافق 12صفر سنة 1427ه.
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين : حمدى محمد على ومحمد عبد القادر عبدالله و على عوض محمد صالح و أنور رشاد العاصى و إلهام نجيب نوار ومحمد خيرى طه
. وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 120 لسنة 27 قضائية ” دستورية “. المحالة من محكمة الفيوم الابتدائية – جنح مستأنف بحكمها الصادر بجلسة 30/4/2005 فى الدعوى رقم 6642 لسنة2005
المقامة من النيابة العامة
ضد / ————-
” الإجراءات”
بتاريخ الثانى والعشرين من مايو سنة 2005 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 6642 لسنة 2005 بعد أن قضت محكمة الفيوم الابتدائية – دائرة الجنح المستأنفة- بجلسة 30/4/1998 بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين معدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980 فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على النحوالمبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد أحالت —— إلى محكمة جنح قسم الفيوم متهمه إياه أنه بتاريخ 6/7/2004 بدائرة قسم الفيوم أنتج خبزاً بلدياً ناقص الوزن، وطلبت معاقبته بالمواد 1/أ، 8، 56، 58، 61 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل بالقانون 109 لسنة 1980 وبجلسة 25/12/2004 قضت المحكمة حضورياً بمعاقبة المتهم بالحبس سنة مع الشغل وكفالة مائة جنيه وغرامة خمسمائة جنيه والغلق لمدة شهر وإذ لم يرتض المتهم هذا الحكم فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 6642 لسنة 2005 جنح مستأنف الفيوم وأثناء نظر الدعوى بجلسة19 / 3 / 2005 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فيها بجلسة 30/4/2005 حيث قضت بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والمعدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980 فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة على سند من مخالفة ذلك لنصوص المواد 86، 165، 166 من الدستور فى ضوء ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها.
وحيث إن المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين معدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980المطعون على فقرتها الأخيرة- تنص على أن :-“يعاقب على كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولاتزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاث مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه ، ……………………… وفى جميع الأحوال لايجوزالحكم بوقف تنفيذ العقوبة”. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مؤداه ألا تفصل المحكمة فى غيرالمسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى.
ومن ثم يكون للمتهم مصلحة شخصية ومباشرة فى الفصل فى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 56 سالفة البيان. إذ أن القضاء بعدم دستوريتها يحقق له فائدة يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى، على أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وأن تقرير استثناء من هذا الأصل – أيا كانت الأغراض التى يتوخاها- مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم بالتالى يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو مايعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى.
ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر القاضي سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، فى الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعى فيعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التى يباشرها القاضى فى مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها، تقديراً بأن التفريد لاينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها فى ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها “بنصها” على الواقعة الإجرامية محل التداعى، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة- ويندرج تحتها الأمر بإيقافها – هى التى تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها. وحيث إن تناسب العقوبة مع الجريمة ومرتكبها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعدده من بينها تلك التى يجريها القاضى- فى كل واقعة على حدة- بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع- بالفقرة الأخيرة من المادة 56 المطعون عليها- قد جرد القاضى من السلطة التى يقدر بها لكل جريمة عقوبتها التى تناسبها بما يناقض موضوعية تطبيقها، وكان لا يجوز للدولة- فى مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعى- أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التى لا يطمئن المتهم فى غيابها إلى محاكمة منصفة، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التى بينتها المادة 67 من الدستور،
وكان من المقرر أن “شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها” مرتبطتان “بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها” على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، ومدى الضرر الناجم عنها، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها، وكان تقديرهذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية بإعتباره من مكوناتها، فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم “بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى حالة بذاتها” مؤاده بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولايكون إنفاذها ” إلا عملاً مجرداً بعزلها عن بيئتها” دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدا فجا ًمجافياً لقيم الحق والعدل. وحيث إن النص المطعون فيه – وعلى ضوء ماتقدم- يكون قد أهدر- من خلال الغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة- جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطويا كذلك على تدخل فى شئونها، مقيداً الحرية الشخصية فى غير ضرورة ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة ووقعاً بالتالى فى حمأة مخالفة أحكام المواد 41و67و 165و166من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبة.
أمين السر رئيس المحكمة
اترك تعليقاً