قراءة في فصل الموظف المنقطع عن العمل بالقانون العراقي
أ ـ د . غازي فيصل مهدي
أستاذ القانون الإداري في كلية الحقوق / جامعة النهرين .
أصدر مجلس الانضباط العام قراراً برقم (411/2006) في 9/11/2006 قضى فيه بتعديل الأمر الإداري المرقم (2107) في 4/9/2006 الصادر من المدعى عليه الأول وذلك باعتبار المدعية مستقيلة من الوظيفة بدلاً من اعتبارها مفصولة منها ، وقد اكتسب القرار المذكور الدرجة القطعية بعد تصديقه من الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة بقرارها المرقم (333/ انضباط تمييز/2006) في 25/12/2006 ، وتتلخص وقائع الدعوى بأن المدعية كانت تعمل تدريسية في كلية الحقوق/ جامعة النهرين وقد انقطعت عن الدوام بعد انتهاء الإجازة الممنوحة لها مدة تزيد على الخمسة أيام ، فما كان من المدعى عليه الأول ـ عميد كلية الحقوق/ جامعة النهرين إلا أن يقوم بفصلها من الوظيفة استناداً إلى أحكام الفقرة (8) من القسم رقم (6) من أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (30) لسنة 2003 والتي قضت بأنه (يجوز فصل الموظف أو العامل الذي يتخلف عن العمل لمدة خمسة أيام متتالية أو لمدة عشرة أيام خلال شهر واحد ما لم يكن قد حصل على إذن بذلك من المسئول المشرف عليه أو ما لم يقدم ما يثبت إصابته بمرض ما يحول دون تواجده في مكان العمل 000 الخ) .
بالنظر لعدم قناعة المدعية بأمر الفصل الصادر بحقها هرعت إلى مجلس الانضباط العام معترضة على الأمر المذكور ومطالبة باعتبارها مستقيلة من الوظيفة ، وبعد تدقيق وتمحيص في أوليات الدعوى ، قرر مجلس الانضباط العام إلزام المدعى عليه الأول ـ عميد كلية الحقوق/ جامعة النهرين إضافة لوظيفته بتعديل الأمر الإداري الصادر بحق الموما إليها وجعل الفصل المنصوص عليه فيه استقالة ، لأن الفصل عقوبة انضباطية نصت عليها المادة (8) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل ، وهي لا تفرض بحق الموظف ما لم تتوافر واحدة من الحالات التي نص عليها البند (سابعاً) من المادة المذكورة وعلى أن يسبق ذلك تحقيق أصولي .
أن ما ذهب إليه مجلس الانضباط العام غير سليم من الجهة القانونية ، لأن الفصل من الوظيفة العامة نوعان ، فصل تأديبي وفصل بغير الطريق التأديبي ، فالفصل التأديبي يتساقط بثقله على الموظف الذي يرتكب مخالفة تأديبية ، إذ على الإدارة في مثل هذا الاحتمال أن تقوم بالتحقيق مع الموظف على وفق الأصول التي حددها القانون ، فإذا ثبت لديها اقترافه المخالفة التأديبية فأنها تقوم بإصدار عقوبة الفصل إذا انطبقت بحقه واحدة من الحالات التي نص عليها البند (سابعاً) من المادة (8) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل ، بعد أن يكون قد استفاد من الضمانات القانونية المقررة ، أما الفصل بغير الطريق التأديبي فيعني قطع الرابطة الوظيفية لأحد الأسباب التي يحددها القانون وليس من بينها ارتكاب مخالفة تأديبية يقيناً ، فقد يفصل الموظف فصلاً بغير الطريق التأديبي في حالة عجزه عن ممارسة مهامه الوظيفية بناء على تقرير صادر من لجنة طبية مختصة ، وقد يفصل بالوصف المذكور نتيجة انقطاعه عن الدوام الرسمي أجلاً مسمى أو لعدم الكفاءة وهكذا ، وبما أن الأمر رقم (30) لسنة 2003 الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) قد قضى بفصل الموظف الذي ينقطع عن الدوام الرسمي لمدة خمسة أيام متتالية بدون عذر مشروع لذا فأن الفصل المذكور يعد فصلاً بغير الطريق التأديبي ، وبالتالي لا يجوز لمجلس الانضباط العام أن يبدل وصفه فيعتبره استقالة ، لأن في ذلك تغييراً للتسميات التي أطلقها القانون ، وهذا لا يجوز قطعاً ، فالقضاء يطبق القانون كما هو لا أن يعدل في أحكامه ، لأن الاجتهاد في مورد النص الصريح باطل ليس بذي أثر ، هذا ولا عبرة واعتبار لما عسى أن يقال بان المركز القانوني للموظف المستقيل أفضل من المركز القانوني للموظف المفصول فهذا الكلام صحيح إذا كان الفصل تأديبياً إذ لا يمكن أن يتساوى الموظف البريء مع الموظف المذنب ، أما إذا كان الفصل بغير الطريق التأديبي فالنتيجة واحدة تطبق على الحالتين لأن كلاهما يعني فصماً مؤقتاً للرابطة الوظيفية ، يجوز بعده إعادة تعيين الموظف المستقيل وكذلك الموظف المفصول فصلاً بغير الطريق التأديبي إذا توافرت فيه شروط إعادة التعيين .
الخلاصة لما تقدم أن قرار مجلس الانضباط العام محل التطبيق والمصادق عليه من الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة غير سليم من الناحية القانونية ، لأنه خالف صراحة النصوص القانونية وخلع على حالة الفصل التي جاء بها أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (30) لسنة 2003 تسمية أخرى وهذا لا يجوز قطعاً باليقين .
أننا بهذه المناسبة ندعو أعضاء مجلس الانضباط العام إلى التفقه في القانون الإداري واستيعاب تفاصيله ولا بأس من الاسترشاد بأقضية الدول الأخرى التي سبقتنا في تجربة القضاء الإداري ، حتى تكون قراراته أكثر صواباً ودقة وأعمق تسبيباً فينال رضى المتخاصمين ويكون للحق والعدل أقوى نصيراً .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً