تقدير النظام الديمقراطي وايجابياته وسلبياته
الشيء المتفق عليه ان لكل نظام سياسي أو اقتصادي اجتماعي محاسن ومساوئ، وهذا ينطبق على الديمقراطية الغربية ايضا. فإنه عبر قرون من الصراع بين الحكام والمحكومين على السلطة، توصلت الدول الغربية في القرن العشرين إلى الحكم الدستوري، أي خضوع الأمة، من القاعدة إلى القمة للقانون، ثم محاولة إلغاء الاستبداد الذي سيطر على النظام السياسي لعدة قرون في دول اوروبا الغربية، وهكذا تمكنت هذه الدول من تأسيس ديمقراطية ليبرالية (متحررة)، وتأتي ذلك بواسطة المجالس التمثيلية، فتمكّن نواب الأمة من مراقبة الحكام خوفا من الوقوع في الاستبداد. توصل نواب الأمة أيضا إلى الحكم لتطبيق برنامجهم السياسي والاقتصادي الاجتماعي الذي يرغب فيه الشعب، أي أن الأمة تمارس سيادتها بواسطة ممثليها، وبالتالي تحقق المبدأ العام للديمقراطية الغربية، أي حكم الشعب من الشعب ومن أجل الشعب.بعد هذه المقدمة نتطرق هنا إلى ذكر مزايا الديمقراطية وعيوبها.
مزايا الديمقراطية
1- الديمقراطية هي النظام الذي يجعل الحكام خاضعين للمسئولية أمام المحكومين، والذي يضمن تمتع المواطنين بحقوقهم ومصالحهم، وان الحكومات الديمقراطية تولد الكفاءات المتميزة، وتعمل على نشر الرفاهية للشعب كله، لأن رقابة الشعب المستمرة على الحكومة وعلى القائمين بأمرها تجعلهم يبذلون جهدهم في القيام بأعمالهم على خير وجه لضمان إعادة انتخابهم.
2- ان الشعب يجب أن يمارس الحكم بنفسه، حتى يتصف الحكم بالتجانس، فيكون من الشعب وإليه، لأن الحكومات جميعها لم توجد إلا لخدمة مصالح الشعب كما أن المشرّعين يسنون التشريعات لمن ساهموا في إيجاد المشرعين. والديمقراطية ايضا تجعل الدولة خادما للفرد، وليس الفرد خادما لها وفيها الضمانات الكافية للحريات الشخصية.
3- قيل ان الديمقراطية هي نظام السلم في الداخل وفي الخارج، فهي في الداخل تجعل القوانين تتغير بسهولة كلما حدث تغير في حال الشعب، وبذلك تقوم طريقة تغير الوزراء وتبدل الأغلبية البرلمانية مقام الثورة في مقابلة التطورات الاجتماعية التي تطرأ على الأمة. ومن الناحية الدولية كذلك قيل إن السلم من المعاني التي ينطوي عليها لفظ الديمقراطية، فهي لا تقوم بالحرب على أساس المبدأ، لأن الحرب والديمقراطية ضدان لا يتفقان. وذلك كبه بعكس الدكتاتورية التي تقوم على مناصرة الحرب.
فالديمقراطية تقوم على العلم وتتبع اسلوب الحوار والمناقشة والاقناع، كما تتولى الديمقراطية بنفسها تربية أبنائها، بينما في الدكتاتورية لا يوجد الاستعداد لذلك، إعداد المحكومين للاشتراك في الشئون العامة.
4- الديمقراطية قائمة على مبدأ المساواة التامة التامة في الحقوق فهي لديها نظام أصيل لإقرار العدل الذي هو من أهم الوظائف التي من أجل تحقيقها قامت الدولة. لذلك فالديمقراطية تقر للأقلية بحق المعارضة ونتيجة لحرية الرأي والمساواة ظهرت الاحزاب السياسية، وجماعات الضغط، وخصوصا بعد اقرار نظام الاقتراع العام. فالديمقراطية ليست مهددة من قبل نظام الاحزاب.
5- من الطبيعي ان يدير كل عاقل شئونه بنفسه، وأن يصرف اموره بذاته لكيلا تهدر آدميته. فمن التناقض ألا يكون للافراد مجتمعين القدرة على تصريف شئونهم المشتركة، لذلك فالمنطق والعقل يحتمان الأخذ بالديمقراطية كما يقول البعض.
6- نظام الحكم الديمقراطي يجعل السيادة في الدولة ترتكز على الاقناع والموافقة العامة لا على القوة.
7- الديمقراطية حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها وإن أحبها قوم وكرهها آخرون، وليس في استطاعة اية حكومة ان تبقى وتستقر إلا برضا الشعب، لنضج عقول الناس وزيادة وعي الشعوب بعد تقدم التكنولوجيا والتعليم والثقافة ووسائل الاعلام، وزيادة الهجرة والتنقلات، وكثرة الاتصالات العلمية. ورضا الشعب لا يتم الا بإسناد الحكم إليه، ليباشر السلطة بنفسه، ومن ثم فإن الديمقراطية تبرز وجودها وحتميتها، وان كانت تستوى على سوقها في كثير من الدول، وحتى ان معارضيها يفاخرون بأن حكوماتهم تمثل نسبة مئوية أكبر مما تحققه الديمقراطية، وهذا التقرير يعد تسليما ضمنيا منهم بسلطة الشعب. واعترافا بالتيار الجارف للديمقراطية.
8- الديمقراطية تنمي عادة الشعوب، وترفع من مستواهم، وتنشئ فيهم اهتماما بالمشكلات العامة، وتقوي ولاءهم لحكومتهم، وتغرس الثقة في نفوسهم، وذلك لشعورهم بأنهم يشتركون في الحكم اشتراكا فعليا. فالديمقراطية بمثابة منظمة لتدريب المواطنين على تحمل اعباء الحكم، وهي تقوّي حب الوطن في نفوسهم، وتقلل من اخطار السخط والانتقاد على الحكم، كما أنها ترفع مستوى الذكاء عند الشعب، وتنشر فيه الفضيلة. كما ان كثيرا من المؤمنين بالديمقراطية يرون انها لا تنجح ولا تحقق اهدافها إلا اذا توافرت في الشعب شروط منها: ارتفاع متوسط ذكائه، وشعوره بالمسئوولية العامة، ودوام اهتمامه بالاعمال العامة، وإدراكه ان ايمانه بمبدأ حكم الغالبية يجب أن يكون مصحوبا بمبدأ احترام حقوق الاقليات.
9- الديمقراطية مذهب فلسفي ونظام للحكم في آن واحد، فقد ظهرت الديمقراطية كمذهب سياسي فلسفي على يد كبار الكتاب في القرن الثامن عشر، امثال لوك في انجلترا، وجاك جاك روسو ومونتسكيو في فرنسا، وكانت غايتهم محاربة الحكم الاستبدادي الذي ساد اوروبا، ثم انتقلت الديمقراطية كنظام للحكم إلى الدول غير الديمقراطية. وتلاقى المذهب الفلسفي مع كونها نظرية للحكم في نقطة اتفاق تجمعها وهي سيادة الشعب أو الأمة.
10- يرى البعض ضرورة إحاطة الحكومات الديمقراطية بعدة قيود دستورية ترمي إلى صيانة الملكية الخاصة، وإلى احترام العقود والعهود، كما ترمي إلى الحد من سلطة الغالبية حتى لاتطغى على الاقليات، وإلى مراعاة القصد من تغير الوضع الدستوري للحكومة.
11- الديمقراطية عملت الكثير لمساعدة عامة الشعب وإقرار حقوقه، ولهذا اقبلت عليها شعوب العالم قاطبة فلم يعد من اليسير ان تتخلى عنها بعد أن تذوقت طعم الحرية، وممارسة السلطة، بل لابد أن تقاوم من يريد انتزاعها منها.
عيوب الديمقراطية
هنا انتقادات وجهت إلى الديمقراطية، فهي كأي نظام لا تخلو من العيوب والانتقادات وتتمثل في الآتي:
1- يرى انصار الحكم الفردي ان الامة عاجزة عن حكم نفسها ولا يمكن بالتالي أن تتولى السيادة إلا قوة واحدة. مضافا إلى عدم ممارسة الشعب للسياسة بصفة دائمة.
2- ليست الديمقراطية فعلا حكم الشعب كله مباشرة وحتى في صورتها النيابية ليست هي حكم الشعب كله بطريق النيابة بل وليست محققة حكم الغالبية، إنما هي في الواقع حكم الاقلية السياسية. وبذلك اتسع البون بين الديمقراطية النظرية والديمقراطية العلمية، ولو حققت الديمقراطية حكم الغالبية، فإن هذه الغالبية ستنقاد وراء المصالح، فيكون الرأي في ظاهره لمجموع الشعب، أما في حقيقته فهو رأي قلة من الشعب تمكنت من السيطرة على الحكم.
3- الديمقراطية تضع مقاليد الحكم في ايدي عامة الشعب وهي طبقة فوضوية جاهلة بأساليب الحكم، وليس عندها استعداد طبيعي له، وان مبدأ المساواة لا محل له مع وجود الفوارق الكبيرة بين الافراد بعضهم بعضا من حيث الاستعداد الذهني ودرجة التعليم والثقافة، ودرجة الاهتمام بالمسائل العامة، والمعرفة التخصصية بالنسبة إلى المشكلات السياسية.
4- الديمقراطية تفضل الكم على الكيف وذلك لأنها تطبق مبدأ سيادة الأمة والذي لا يمكن تبريره قانونيا، اذ يعني سيادة الغالبية اي النصف زائد واحد، بينما النظام الطبيعي يقتضي تفاوت الناس في الكفاءات والمعلومات. والاشخاص الاكفياء قلة وهم من يجب ان تكون مقاليد الحكم في ايديهم، والديمقراطية تساوي بين الجميع سياسيا ولا تشترط كفاءة خصوصا فيمن يتولى الحكم لأن غالبية القائمين بالامر يأتون بطريق الانتخاب وبالتالي تولى الحكم عامة الشعب، اي افقر الناس واجهلهم واعجزهم.
5- عدم وجود علاقة دائمة بين النائب ومرشحيه، وعدم دفاع النائب عن حقوق مرشحيه أو دائرته بحجة انه يمثل ويعبر عن مصالح الشعب ككل.
6- كما يؤخذ على نظام الحكم الديمقراطي كثرة إجراء الانتخابات، وقصر مدة الحكم، وسرعة تبادل المراكز الرئيسية في الدولة، ومن آثار هذا كله تعطل الاعمال الحكومية، عدم الاستمرار في التزام سياسة واحدة مدة كافية لتحقيق نتائجها، مضافا إلى ان عدم استقرار الوزراء وكبار الموظفين في مناصبهم قد يغري بعضهم باستغلال نفوذه للكسب السريع على حساب المجتمع.
7- تؤدي الديمقرطية إلى النيل من الحرية الفردية، وإلى الاستبداد البرلماني وتحكم الغالبية البرلمانية، وهو اشد انواع الاستبداد، لأنه معسول، إذ يحمل اسم السيادة الشعبية.
8- توزع الديمقراطية المسئولية إلى درجة تقربها من العدم. فترى النائب مثلا لا يقول: «أنا أخطأت» وإنما يقول عادة: «أخطأنا» ملقيا العبء على جمهور الناخبين، وكذلك ترى النائب يلقي التبعة على المجلس النيابي جملة، وكذلك الوزير بدوره يعزو أوزار الحكم وأخطاءه إلى تقصير الوزارة في مجموعها أو مجلس الوزراء. وفي كل هذه الصور يتعذر تحديد المسئول بالذات ويتضاءل الشعور بالمسئولية نفسها.
9- الديمقراطية خطرة لكونها تخلع طلاء من الذهب على الأغلال التي تقيد بها الناس فتجعلهم أقل ميلا إلى التمرد والثورة على قيود النظام القائم.
10- إن ما يراه أنصار الديمقراطية من ان الأمة شخص معنوي له سيادة وإرادة عامة مستقلة عن الأفراد يتعذر اثباته، لأنه افتراض ومجاز، ولو وجدت إرادة عامة فهي إرادة الغالبية فسحب. وهذه السيادة المزعومة غير مفيدة، لأنها لا تستلزم منطقيا مبدأ الاقتراع العام المتساوي الذي يعده أنصار الديمقراطية المظهر الحي للحرية السياسية.
11- كما يؤخذ على هذا النظام انه، وان كان يعنى بنشر التعليم، إلا ان مستوى العلم في هبوط، إذ تتجه نظم التعليم نحو العناية بالتعليم الفني والعملي، وإهمال الثقافة والآداب والفنون.
12- الديمقراطية لكونها لا تستقيم إلا بوجود أحزاب متعارضة، تعتبر أداة انقسام في البلاد ومجلبة للضغائن والأحقاد. وهي بالتالي تؤدي إلى إضاعة الجهد أحيانا في «مناقشة بيزنطية» ونقد عقيم، فضلا عما يشوبها عادة من حزبية مغرضة وأنانية بغيضة حتى أصبح بعض الساسة في البلاد الديمقراطية نفسها يفخرون بأنهم مستقلون.
13- الديمقراطية الحقيقية في بعض البلدان التي تطبق الأسلوب الليبرالي، إذ انها تعتمد على التعددية الحزبية، وهذه الأحزاب السياسية ليست بالتأكيد منسجمة في تنظيمها مع الديمقراطية الحقيقية، لأن القادة فيها ليسوا مختارين من طرف كل المنتسبين للحزب، بل هم مختارون أو معينون من قبل المركز، أي القيادة المصغرة للحزب، أي من طبقة قائدة معزولة، وبالتالي فالذين يتخذون القرار هم الأقلية في الحزب وليس الذين يعطون أصواتهم في الانتخابات العامة، إضافة إلى ذلك فإن النواب أو ممثلي الأمة يختارهم الحزب ويقدمهم إلى الشعب، وليس الشعب هو الذي يرشحهم ويختارهم كنواب عنه. بمعنى آخر إن الرأي العام تفرض عليه الأحزاب إطارا جاهزا تكوّنه عن طريق الدعاية الانتخابية.
14- يعيبون على الحكومات الديمقراطية اسرافها وتعريضها الحريات الشخصية لخطر استبداد الغالبية، أو استبداد الطبقة التي يصير الحكم إليها.
15- يضعف في الديمقراطية عنصر الارتقراطية الذي يمكن من إيجاد فرد أو هيئة تباشر سلطة معينة ولتحقيق مصلحة يرى هذا الفرد أو تلك الهيئة انها ضرورة لتحقيق الصالح العام، على ان يكون ذلك بعيدا عن رقابة الهيئة البرلمانية. مما لاشك فيه ضرورة وجود قدر كاف من هذا العنصر في الحكومة، أدلة فائدته ولا ضرر منه ولا تنافر بينه وبين الطبيعة الإنسانية، خصوصا إذا ما ارتفعت درجة التربية السياسية وتبعها بالتالي ازدياد شعور الحاكمين بالمسئولية الأدبية، هذا القدر الضروري غير متحقق في الديمقراطية بل ولا تساعد الديمقراطية على تحققه. فكان ان عجزت الحكومات الديمقراطية عن تصريف شئونها في كثير من الحالات ولم تستطع ان تقيم سلطانها، ففسد النظام واختل أحيانا إلى حد كبير ولم ينقذها من براثن هذا الخلل وتلك الفوضى إلا الدكتاتور بيده الحازمة القوية.
16- إن صلحت الديمقراطية للحكم في الظروف العادية فهي لا تصلح له في أوقات الأزمات أي حين يختل التوازن بين القوى السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ففي هذه الظروف إما أن تترك الديمقراطية مكانها للحكم الدكتاتوري، وإما ان تضعف العنصر الديمقراطي ويقوى على حسابه العنصر الأوتقرافي (الفردي) بأن تأخذ السلطة التنفيذية من البرلمان سلطات استثنائية تضعف معها – قليلا أو كثيرا – رقابة السلطة التشريعية.
17- لا تهتم الديمقراطية بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فتهمل مبدأ التخصص، وفي هذا خطر كبير وشر مستطير، إذ لا يمكن ان يؤدي العمل بإتقان من لا يعرفه، وإذا تولى إنسان رئاسة عمل لا يحسنه فستضعف رقابة الرئيس على المرؤوسين.
18- إن منطق نظرية السيادة الشعبية (كما يتصورها أنصارها) لا يؤدي حتما إلى الأخذ بمبدأ الاقتراع العام المتساوي، هذا فضلا عما قيل من ان المساواة في الاقتراع العام (أي لكل إنسان صوت واحد) يؤدي في الواقع إلى عدم المساواة الفعلية لاختلاف كفايات الأفراد بينهم، ولتباين مؤهلاتهم وتفاوت الدور الذي يقوم به كل منهم في الحياة الاجتماعية، وعليه فهذه المساواة في الاقتراع تقوم على فرض خاطئ وهو تساوي الأفراد فعلا.
19- رجال الحكومات الديمقراطية ليسوا مزودين بالمؤهلات الكافية لإدارة شئون الدولة، والناخبون لا يستطيعون ان يحكموا على المسائل العامة، ويعجزون عن اختيار أفضل المرشحين لينوبوا عنهم في ممارسة الحكم، لأن أكثر الناس ليسوا أكفياء في الشئون العامة، ولذلك يختارون من هم على شاكلتهم. كما ان الناس يساقون غالبا وراء عواطفهم، ولا يحكمون بالمنطق السليم.
ومهما ذكرنا من العيوب للنظام الديمقراطي، فإن ذلك لا ينفي تمتعه بالمزايا التي ذكرناه.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً