مفهوم وماهية الجرائم ضد الإنسانية
ان مفهوم الجرائم في حق الانسانية مفهوم حديث. وردت اول الاشارات اليه في محاكمات مجرمي الحرب بعد الحرب العالمية الثانية، فقد عرفت المادة السادسة من النظام الاساسي للمحكمة العسكرية الدولية الجرائم ضد الانسانية Crimes Against Humanity بقولها ( الجرائم ضد الانسانية: القتل العمد، افناء الشخص والاسترقاق والاقصاء عن البلد وكل عمل لا انساني مرتكب ضد السكان المدنيين قبل الحرب أو اثنائها أو الاضطهادات لاسباب سياسية او عرقية أو دينية حين تكون هذه الاضطهادات مرتكبة في اثر جناية داخلة في اختصاص هذه المحكمة أو ذات صلة بها سواء شكلت خرقاً للقانون الداخلي ام لم تشكل ).
وقد تم تأكيد هذا المفهوم لجرائم ضد الانسانية في قراري الجمعية العامة للامم المتحدة 3/ I في 13/2/1946م و 95/I في 11/1/1946م.
ومن الجدير ان هذه الجرائم لابد ان تتسم بالخطورة النسبية وتتجاوز النطاق الوطني لتشمل الانسانية قاطبة، مما يتطلب تظافر المجتمع الدولي لقمعها ومعاقبة مرتكبيها / وكذلك تأسيس محاكم دولية جنائية.
وقد تطور مفهوم الجرائم ضد الانسانيه، منذ عام 1946م و ميثاق نورمبرغ، ومن ذلك ان الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الثالثة والعشرين اصدرت قراراً نصت فيه على عدم تقادم الجرائم الحرب المرتكبة وجرائم ضد الانسانية. وفي عام 1973م اصدرت الامم المتحدة قراراً ينص على التعاون الدولي لتعقيب واعتقال وتسليم ومعاقبة الاشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
هذا ولم يشترط النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا السابقة أي رابطة ما بين الجرائم ضد الانسانية والجرائم الاخرى المرتكبة واستنتجت دائرة الاستئناف بان محدودية نطاق الجرائم ضد الانسانية والتي اعترفت بها من قبل محاكمات نورمبرغ لاثؤثر في القانون الدولي المعاصر، وبذلك فان المحكمة الدولية تعتمد على احدث الشروحات حول الجرائم ضد الانسانية.
ومن الجدير بالذكر إن إدراج الجرائم ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي بوصفها جريمة مستقلة يُعدُّ علامة مضيئة في مسيرة القانون الجنائي الدّولي ، إذ أن الجهود السابقة كافة بدءاََ من إتفاقية لاهاي لعام 1907 ومروراََ بمعاهدة فرساي لعام 1919 التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى ، واتفاقية لندن عام 1945 الخاصة بإنشاء محكمة نورمبرغ ، لم تثمر في إخراج الجرائم ضد الإنسانية من ضمن جرائم الحرب ، إذ كان يشترط لقيام هذه الجريمة أن ترتكب في أثناء الحرب أو ان تكون مرتبطة بجريمة من الجرائم ضد السلام . كما يعتبر نص نظام روما الأساسي على الجرائم ضد الإنسانية مثالاََ لتطور المبادئ والأعراف الدولية وعلى الأخص مبادئ القانون الجنائي الدولي .
وقد عرفت المحكمة الدولية الجنائية الجرائم ضد الانسانية من خلال تعداد جرائم معينة اوردها النظام الاساسي للمحكمة في المادة السابعة حيث جاء ( 1- لغرض هذا النظام الاساسي، يشكل أي فعل من الافعال التالية (( جريمة ضد الانسانية )) متى ارتكبت في إطار واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم:
القتل العمد
الابادة
ج- الاسترقاق
د- إبعاد السكان أو النقل القسري.
هـ- السجن او الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحريه البدنيه بما يخالف القواعد الاساسية للقانون الدولي.
و- التعذيب
ز- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الاكراه على البغاء. أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من اشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.
ح- اضطهاد اية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لاسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعروف في الفقرة 3، أو لاسباب اخرى من المسلم عالمياً بان القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل باي فعل مشار اليه في هذه الفقره أو جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.
ط- الاختفاء القسري للاشخاص
ي- جريمة الفصل العنصري.
ك- الافعال الا انسانية الاخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو اذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.. ) )
ويبدو من هذا النص ان النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد عد الافعال السابقة جرائم ضد الانسانية اذا ما ارتكبت ضد أي من السكان المدنيين، على خلاف جريمة ابادة الجنس البشري التي يرتكب في حق الجماعات، كما يجب ان تشكل هذه الافعال جزءاً من اعتداءات واسعة النطاق أو منظمة.
ومن الجدير بالذكر ان المحكمة الجنائية الدولية قد توسعت في مفهوم الجرائم ضد الانسانية، بل إنها قد تركت الباب مفتوحاً امام اضافة جرائم اخرى كما يتبين من عجز الفقرة (1) من المادة السابعة من النظام الاساسي للمحكمة. ويبدو ان هذا الاتجاه كان بسبب التزايد المطرد في الافعال المرتكبة من الافراد جنائياً امام المحكمة الدولية الجنائية.
ولضمان عدم افلات مرتكبي هذه الجرائم من المسؤوليةبالاستناد الى الدفع بانهم قد ارتكبوا هذه الجرائم تنفيذاً لاوامر الرئيس الاعلى وان عدم مشروعية هذه الاوامر لم تكن ظاهرة، فقد اعتبرت الفقرة (2) من المادة (33) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بان عدم مشروعيه الامر الصادر من الرئيس الاعلى تكون ظاهرة في حالة ارتكاب الجرائم ضد الانسانية، ومن ثم لا يمكن الافلات من العقاب استناداً الى هذا الدفع.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً