حكم الزواج المنقطع بميزان القانون العراقي .
د. محمد عدنان علي الزبر
حتى تتضح الصورة عند القاريء الكريم حول موقف القضاء العراقي من الزواج المؤقت نعرض لجنابكم الكريم قرار إحدى محاكم الجنح في العراق والتي اتجهت في ادانة من لم يسجل عقد الزواج المؤقت في محكمة الاحوال الشخصية طبقا لأحكام المادة (10/ 5) من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل في حين اتجهت محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية الى نقضه، وكان لكل المحكمتين الموقف القانوني، وهو ما سنعرضه لجنابكم الكريم ومن ثم نبدي تعليقنا حول ذلك.
أولا: نص المادة 10 من قانون الاحوال الشخصية العراقي على: «يسجل عقد الزواج في المحكمة المختصة بدون رسم في سجل خاص وفقا للشروط الاتية:
1- تقديم بيان بلا طابع يتضمن هوية العاقدين وعمرهما ومقدار المهر وعدم وجود مانع شرعي من الزواج على ان يوقع هذا البيان من العاقدين ويوثق من مختار المحلة او القرية او شخصين معتبرين من سكانها.
2- يرفق البيان بتقرير طبي يؤيد سلامة الزوجين من الامراض السارية والموانع الصحية وبالوثائق الاخرى التي يشترطها القانون.
3- يدون ما تضمنه البيان في السجل ويوقع بإمضاء العاقدين او بصمة ابهامهما بحضور القاضي ويوثق من قبله وتعطى للزوجين حجة بالزواج .
4- يعمل بمضمون الحجج المسجلة وفق اصولها بلا بينة، وتكون قابلة للتنفيذ فيما يتعلق بالمهر، ما لم يعترض عليها لدى المحكمة المختصة .
5 – يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد على سنة او بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على الف دينار كل رجل عقد زواج خارج المحكمة وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات اذا عقد خارج المحكمة زواجا آخر مع قيام الزوجية .».
ثانيا: محكمة الجنح تحكم بالإدانة والعقوبة على من لم يسجل عقد الزواج المؤقت:
تشكلت محكمة جنح (…) في يوم 13/ 12/ 2015 ، من قبل قاضيها السيد (…) المأذون بالقضاء باسم الشعب واصدرت القرار الاتي:
المشتكي: الحق العام
المتهم: (…)
أحال السيد قاضي تحقيق المتهم مكفلا على هذه المحكمة لإجراء محاكمته بدعوى غير موجزة وفق المادة 10/ 5/ أحوال شخصية بموجب قرار الاحالة المرقم 2910 في 16/ 11/ 2015 ولدى ورود الدعوى الى هذه المحكمة سجلت بالعدد اعلاه وفي اليوم المعين للمحاكمة تشكلت المحكمة بحضور السيد نائب المدعي العام ونودي على المتهم فحضر وبوشر بالمحاكمة الوجاهية العلنية دونت المحكمة هوية المتهم وتلي قرار الاحالة في الجلسة علنا، قررت المحكمة انتداب المحامي (…) للدفاع عن المتهم استنادا للمادة 144 الاصولية، تلت المحاضر والتقارير ثم دونت إفادة المتهم ووجهت له التهمة وفق المادة 10/ 5 من قانون الاحوال الشخصية الشق الاخير واستمعت الى جوابه عنها والى مطالعة السيد نائب المدعي العام ولمطالعة وكيل الدفاع والى اخر اقوال المتهم ثم افهمت ختام المحاكمة واختلت المحكمة لإصدار القرار وأصدرت قرارها الآتي:
القرار: من خلال سير التحقيق والمحاكمة الجارية يتلخص موضوع هذه القضية انه بتأريخ9/ 7/ 2015 ورد نداء عبر السيطرة المركزية حول وجود مريضة في المستشفى قد اجهض لها جنين غير شرعي ولدى تدوين اقوالها افادت انها متزوجة بزواج مؤقت (متعة) بموافقة أهلها كونها مطلقة وقد حصل لها حمل واسقاط نتيجة عملها في الدار وتم فتح قضية بحق المتهم (…) وفق المادة 10/ 5 أحوال شخصية لعدم تسجيله للزواج مع المدعوة (…) في محكمة الاحوال الشخصية ولدى تدوين افادته اقر بالزواج من المدعوة (…) وانه تزوجها زواج مؤقت بموافقة اهلها وانه متزوج من زوجة اخرى (…) وتجد المحكمة ان قانون الاحوال الشخصية انما الغرض منه هو لتنظيم وتوثيق الزواجات وكان على المتهم مراجعة محكمة الاحوال الشخصية بخصوص زواجه الثاني وان ادعاء المتهم من كون زواجه هو زواج مؤقت وليس دائمي لا يتعلق بالمسائل الخلافية بين الفقهاء الشريعة الاسلامية من حيث الاثار والحقوق التي ينتجها عقد الزواج سواء كان دائميا ام مؤقتا وانما يتعلق بتسجيل عقد الزواج واثباته من قبل محكمة الاحوال الشخصية وكذلك فان الامور التي نضمها المشرع بإيراده نصوص عقابية في قانون الاحوال الشخصية هو لأمور تنظيمية فقط وان مخالفتها يعرض المخالف للمسائلة القانونية وان ما جاء اقوال المتهم من كون زواجه هو زواج مؤقتا لا يخرجه من طائلة المسائلة والعقاب وبالتالي كان على المتهم مراجعة محكمة الاحوال الشخصية لإجراء العقد بعد التحقق من سلامة الزوجين من الناحية الطبية وعدم اصابتهم بأمراض تمنع اجراء عقد الزواج من كل ما تقدم تجد المحكمة ان الادلة المتحصلة هي كافية لإدانة المتهم (…) وفق المادة 10/ 5 من قانون الاحوال الشخصية الشق الاخير لقيامه بإجراء عقد زواج خارج المحكمة مع قيام الزوجية لذا قررت المحكمة ادانته بموجبها وتحديد عقوبته بمقتضاها مع الاخذ بنظر الاعتبار كون المتهم شاب في مقتبل العمر ومعيل لعائلتين وان ظروفه تستدعي الرأفة والرحمة وذلك عند فرض العقوبة قرارا وجاهيا قابلا للتمييز صادرا استنادا لأحكام المادة 182/ أ الاصولية وافهم علنا في 13/ 12/ 2015.
ثالثا: محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية تنقض الحكم الصادر عن محكمة الجنح:
لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي واقعا ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على القرارات الصادرة في الدعوى تبين انها غير صحيحة ومخالفة للقانون ذلك لان الفعل المنسوب للمتهم لا يقع تحت طائلة نص عقابي كون ان الجزاء الذي وضعته الفقرة (5) من المادة العاشرة من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، يتعلق بعدم تسجيل عقد الزواج متى ما تحققت فيه شروط العقد واركانه المنصوص عليها في الباب الاول من القانون المذكور والمتعلقة بالزواج ولا يمكن قياس ذلك على الفعل المنسوب للمتهم في هذه الدعوى لأنه لا قياس في الجزاء مالم يكن هناك نص يجرم الفعل ويفرض له عقوبة ووفقا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص (م1 عقوبات) عليه قرر نقض كافة القرار الصادرة من محكمة جنح (…) في الدعوى 2584/ ج/ 2015 وتاريخ 13/ 12/ 2015 والحكم ببراءة المتهم (…) من التهمة الموجه وفق أحكام المادة 10/ 5 من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل واخلاء سبيله حالا عن التهمة في هذه الدعوى عملا بأحكام المادة 182/ ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل واشعار دائرة الاصلاح المودع فيها بذلك وصدر القرار بالاتفاق بالاستناد لأحكام القرار 104 لسنة 1988 المعدل، بتأريخ 2/ ربيع الثاني/ 1437 ه، الموافق ليوم 13/ 1/ 2016.
رابعا: تعليقنا على حكم محكمة الجنح وقرار الاستئناف بصفتها التمييزية أعلاه:
علينا ونحن في صدد القرار المذكور ولتوضيح بعض الالتباس الذي قد يشوبه ظاهر القرار ان نميز بين أمرين: بين الموقف القانوني من شرعية الزواج المؤقت وتوفير الحماية القانونية له من جانب، وبين مدى تجريم واقعة الزواج المؤقت خارج المحكمة وانطباق الفقرة 5 من المادة 10 أحوال شخصية؟.
بتصور الباحث “بتواضع” ان محكمة الموضوع والاستئناف بصفتها التمييزية كانتا على صواب في جانب، وجانبتا الصواب في جانب آخر، كيف؟!:
أ- فيما يتعلق بإمكانية تسجيل عقد الزواج المؤقت في محاكم الاحوال الشخصية العراقية:
1. ان محكمة الموضوع (الجنح) كانت موفقة في بعض تسبيبها اي ان الزواج المؤقت ورغم اختلاف الموقف الفقهي فيه ينبغي ان يخضع للحماية القانونية وينبغي بالتالي تسجيله في المحكمة اسوة بالزواج الدائم وان غاب النص القانوني المنظم لذلك مازالت الشريعة الاسلامية تعترف به وبحليته عند توفر الشروط فيه، وان الشريعة الاسلامية بموجب المادة 1 من قانون الاحوال الشخصية مصدراً من مصادر القانون المذكور.
فقد جاء في أحكام المادة الاولى من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل:«1 – تسرى النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها .
2 – اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون .
3 – تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الاسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية».
ولو افترضنا ان احد الزوجات قامت برفع دعوى على زوجها بعقد مؤقت لتطالب المحكمة تصديق العقد فلا يحق للقاضي ان يمتنع عن ذلك تحت مبرر فقدان النص او نقصه وان قانون الاحوال الشخصية قد نظم الزواج الدائم وحدد اركانه وشروطه دون المؤقت فذلك يعد عدم احقاق الحق (م ٣٠ مرافعات)، والتي جاء نصها بما يلي:
«لا يجوز لأية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد الحاكم ممتنعا عن احقاق الحق. ويعد ايضا التأخر غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعا عن احقاق الحق».
وبالتالي ينبغي على المحكمة أن ترجع في حالة غياب النص الى الشريعة الاسلامية والموقف الفقهي الذي يقلده الزوج والزوجة طبقا لمقتضيات الحل والحرمة، وبالتالي مصادقة العقد وتوفير الحماية القانونية له من حيث الحقوق والواجبات، فضلا عن إثبات النسب، على أن يُراعى في ظل القانون الحالي ان تسجيل العقد يكون اختياريا لا وجوبيا اي يكون رهنا بإرادة الطرفين أو أحد الاطراف على أقل تقدير نظراً لغياب النص الصريح القانوني الذي يلزم بتسجيل العقد المؤقت في المحكمة، وان المادة 10 من قانون الاحوال الشخصية ومن خلال استقراء احكام القانون المذكور عموما نجدها مقتصرة على الزواج الدائمي دون المؤقت، حينما أوجبت تسجيل عقد الزواج، في حين ان الاستعانة بمحاكم الاحوال الشخصية لتسجيل عقد الزواج المؤقت ينبغي أن يكون بالاستناد الى أحكام الشريعة الاسلامية، باعتبارها مصدرا من مصادر قانون الاحوال الشخصية تستعين بها المحاكم عند غياب النص الصريح وليس الى نصوص قانون الاحوال الشخصية الصريحة والتي اقتصرت في تنظيمها كما ذكرنا على الزواج الدائمي فحسب.
2- وتأكيدا لما تقدم اخذ القضاء يتجه تدريجيا نحو الاتجاه الذي ذكرناه لاسيما فيما يتعلق بإثبات النسب، يُنظر القرار القضائي المنشور على الرابط التالي:
https://mohammedalzeber.blogspot.com…og-post_9.html
ب- فيما يتعلق بالمسؤولية الجناية ونص المادة (10/ 5) من قانون الاحوال الشخصية: أما فيما يتعلق بنص المادة (١٠ / ٥) من قانون الاحوال الشخصية ومن استقراء النصوص المعنية بأحكام الزواج فيتضح ان المقصود من واقعة التجريم هو عدم تسجيل الزواج الدائم دون المؤقت، ولا تستطيع المحكمة ان تتوسع بالتفسير لتضم وقائع لم يقصدها المشرع لان في ذلك مخالفة صريحة لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، وبالتالي فان محكمة الموضوع قد جانبت الصواب عند تجريمها للفعل الا انها احسنت التسبيب عند قولها بشمول الزواج المؤقت بالحماية القانونية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً