المتهم له حق الدفاع في التحقيق الإداري طبقاً للقانون العراقي .
مفهوم حق الدفاع
يعد مبدأ حق الدفاع من الضمانات المقررة للموظف،والذي يتمثل بضرورة إخطار الموظف بما هو منسوب إليه من أفعال وإفساح المجال أمامه لتقديم دفوعه واعتراضاته إما شفويا أو كتابيا ،وذلك لدحض ما هو منسوب إليه وتقديم دليل براءته . ويعد حق الدفاع أيضا من الضمانات الأساسية التي يلجأ إليها الموظفون للحد من السلطات الرئاسية المطلقة وخشية التعسف في استعمال الحق التأديبي في مواجهتهم .
وقد أصبح حق الدفاع مقدسا وارتقى إلى مصاف المبادئ القانونية العامة ،فنضحت منه ضمانات ولم تزل، الغاية منها حماية الأفراد ومنع الاعتداء على حقوقهم وحرياتهم .
فلا تستهدف ضمانة الدفاع تحقيق مصلحة خاصة بالمتهم فحسب،بل يتعدى ذلك إلى تحقيق المصلحة للمجتمع ككل بإظهار الحقائق وكفالة العدالة منها باعتباره من حقوق الإنسان الطبيعية والنابعة من روح القانون والعدالة كفلته الدساتير والشرائع المختلفة .
والإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه يجعل التحقيق مشوبا بالقصور ،ويترتب تبعا لذلك بطلان الجزاء الموقع من قبل السلطة التأديبية .
وتعود أهمية كفالة حق الدفاع في الإجراءات التأديبية السابقة على المحاكمة ،كون تلك الإجراءات يغلب عليها الطابع الإداري وهيمنة الإدارة على تلك الإجراءات وهو ما يفتح الباب واسعا لاحتمالات التعسف وإساءة استعمال السلطة ،وعلى هذا النحو تبدو الحاجة ملحة إلى كفالة حقوق الدفاع في تلك الإجراءات على اعتبار أن تلك الإجراءات مهمة في تقرير مسار الدعوى التأديبية وترك الموظف دون غطاء دفاعي في تلك المرحلة بحجة تمكينه من الدفاع في المراحل النهائية ،قد يتسبب بالإضرار بالموظف على اعتبار أن مرحلة المحاكمة قد تكون بعيدة واستمرار الإجراءات التأديبية وما تشكله من عبء نفسي على الموظف قد يسبب له مضاعفات سيئة في مركزه الوظيفي .
وعلى الرغم من أن عدم الإخلال بحق الدفاع من المبادئ القانونية العامة التي توجد بغير نص ،فقد أكدت قوانين التوظف على كفالة حقوق الدفاع في هذه المرحلة وعدم الاكتفاء بكفالة حق الدفاع في مرحلة المحاكمة فقط.
فقد كفل المشرع الفرنسي هذا الحق عندما نصت المادة (8) من مرسوم 28 نوفمبر 1983 على انه فيما عدا حالة الاستعجال أو الظروف الاستثنائية لا يمكن اتخاذ القرارات التي يجب أن تكون مسببة بصورة مشروعة ،إلا أن يكون باستطاعة صاحب العلاقة تقديم دفاعه .
كما إن القضاء الإداري الفرنسي قام بدور خلاق في كفالة حق الدفاع ،فأكد على مبدأ حرية الدفاع ومنح الموظف وقت مناسب لتحضير دفاعه ،إذ قرر القضاء الإداري أن حقوق الدفاع تتمثل في إخطار صاحب الشأن باتخاذ إجراء ضده ،وهذا الإخطار بقصد تمكينه من دفاعه على وجه مجدي ،ويجب أن يتم في مدة معقولة قبل تقرير الجزاء . كما لصاحب الشأن أن يستعين بمحام ،مع ضرورة الاطلاع على ملفه الشخصي ،على أن يتم هذا الاطلاع على وجه كامل ليتمكن من إعداد دفاعه .
وفي مصر تضمنت قوانين العاملين المدنيين في الدولة النص على حق الموظف في الدفاع عن نفسه ،ولم تشذ عن الأخذ بهذا المبدأ على تعددها وتعاقبها ،وقد نص القانون النافذ رقم 47 لسنة 1978 على انه (لا يجوز توقيع عقوبة على العامل إلا بعد سماع أقواله وتحقيق دفاعه) .
وتطبيقا لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بان : (حق الدفاع مكفول ولا يجوز توقيع جزاء على العامل إلا بعد سماع أقواله وتحقيق دفاعه ،يتعين كقاعدة في التحقيقات ،خاصة توفير الضمانات التي تكفل للعامل الإحاطة بالاتهام الموجه إليه ،وإبداء دفاعه وتقديم الأدلة وسماع الشهود . ويكون التحقيق باطلا إذا ما خرج على الأصول العامة الواجبة الإتباع في آرائه ،وخرج على طبيعة الموضوعية المحايدة والنزيهة ،مادام فيه أي من تلك العيوب التي تشوبه وتشكل مساسا بحق الدفاع ).
هذا وقد كفل قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي المعدل حق الدفاع عندما أجاز للموظف الاستماع إلى أقواله وإتاحة فرصة الدفاع عن نفسه بكل الوسائل التي منحها القانون ،سواء شفاهة أو كتابة دون أية معوقات طالما كان ذلك في نطاق الاتهام الموجه إليه،حتى يكون توقيع العقاب عن وضوح وبينة تامة.
وقد أكد مجلس الانضباط ضمانة حق الدفاع في بعض قراراته ،حيث قرر(…..ولكن هذه اللجنة لم تجر التحقيق الأصولي مع المعترض ولم تدون إفادته حول الأفعال المنسوبة إليه ولم تستمع إلى دفوعه في هذا الشأن على الرغم من أنها أوصت بمعاقبته بعقوبة التوبيخ ،في حين أن الأمر يقتضي إجراء التحقيق الأصولي معه وتدوين إفادته والاستماع إلى دفوعه بغية التحقق من الأفعال المنسوبة إليه وان عدم قيام اللجنة بهذا الإجراء يخل بالنتيجة التي توصلت إليها بشأن التوصية بمعاقبته بعقوبة التوبيخ إذ لا عقوبة بدون فعل مخالف للقانون وثابت صدوره من المعترض) .
حرية الدفاع
حتى يحقق الدفاع أغراضه لابد أن يتمتع الموظف بحرية كاملة في الدفاع عن نفسه ضد التهم المنسوبة إليه،وحرية الدفاع تعني الأسلوب الذي يتخذه المتهم في الدفاع عن نفسه ،فحق الدفاع لا معنى لوجوده بل يظل شعارا بلا مضمون ما لم يقترن بحرية الدفاع التي تكفل استعماله دون قيود تحد من قدرته على أداء دوره . فالحقيقة التي لا مفر من ترديدها دائما ،إن العبرة ليست بتقرير الحق أو الضمان ،وإنما بالوسائل التي تكفل فاعلية هذا الحق أو ذلك الضمان للمتهم .
لذلك يعد من مظاهر حرية الدفاع عدم جواز تحليف الموظف اليمين كونه يشكل صورة للتأثير الأدبي في إرادة المتهم ،وهو إلزام المتهم ووضعه في موقف حرج يحتم عليه ،فإما أن يكذب وينكر الحق أو يعترف ،أو أن تأثير الحلف يتغلغل في أعماقه نتيجة المعتقدات الدينية ومبادئ الأخلاق فيلزمه بقول الحقيقة .
وفي ضوء ذلك لا يجوز تحليف المتهم اليمين ، بالرغم من أن غالبية التشريعات لا تتضمن نصوصا صريحة في هذا الأمر . ويقوم هذا المبدأ على أساس أن تحليف المتهم اليمين قد يعيق حرية المتهم في إعداد دفاعه وإبداء أقواله بحرية ،وهو ما يتسبب في وقوع ضغط نفسي عليه بين أن يقول الحقيقة فيعرض للجزاء أو أن يقوم بالكذب فيخالف مبادئه وضميره .
وهناك مظهر آخر يتمثل في حق المتهم في الصمت ،فله الحرية الكاملة في عدم إبداء أقواله وله الامتناع متى شاء عن الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه ،كما انه من المتفق عليه انه لا يصح في جميع الحالات أن يؤول صمته على وجه يضر بمصلحته أو أن يستغله بأي كيفية ضده في الإثبات . وتماشيا مع هذه الاعتبارات ذهبت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان إلى التأكد على حق المتهم في الصمت يعتبر عنصرا أساسيا للحق في عدم مساهمة المتهم في دعم إدانته . كما أن المشرع الفرنسي اقر حق المتهم في الصمت لأول مرة بمقتضى القانون الصادر في 15 يونيو 2000 فأصبح للمتهم الحرية في الإجابة أو عدم الإجابة على الأسئلة الموجهة اليه.
هذا وقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر إلى تقرير حق المتهم في الصمت بقولها : (سكوت المتهم عن إبداء دفاعه في المخالفة المنسوبة إليه في التحقيق لا يشكل بذاته مخالفة إدارية أو ذنبا مستوجبا للمسؤولية التأديبية ،وكل ما في الأمر إن المتهم في هذه الحالة قد فوت على نفسه فرصة إبداء أوجه دفاعه في المخالفة المنسوبة إليه ،وعليه تقع تبعة ذلك ،ولكن لا محل لإجباره كمتهم على الإدلاء بأقواله في التحقيق مهددا بالجزاء التأديبي الذي سيوقع عليه في حالة سكوته فهو وشأنه في تخير موقعه الدفاعي إزاء الاتهام المسند إليه ،إذ إن من المقرر وفق الأصول العامة للتحقيق انه لا يسوغ إكراه المتهم على الإدلاء بأقواله بأي وسيلة من وسائل الإكراه المادي أو المعنوي .
أما عن موقف المشرع العراقي فلم يتطرق إلى حق الموظف بالصمت ،والذي نراه إن الأمر لا يختلف عن سابقاته من القوانين ،طالما كان حق الصمت من حقوق الدفاع فلا يجوز أن يستخلص من هذا الصمت قرينة ضده ،فللمتهم الحرية الكاملة في الامتناع عن الإدلاء بأقواله ،وله أيضا الامتناع متى شاء عن الإجابة عن مختلف الأسئلة التي توجه إليه عند التحقيق .
يستبان مما تقدم أن حق الدفاع يعد من الضمانات الجوهرية التي كفلتها القوانين كحق يتمتع به الموظف خلال فترة التحقيق التأديبي يترتب على غيابه بطلان الإجراءات التي تتخذ بحق الموظف ،كون الدفاع يحقق عدالة المساءلة التأديبية عندما يتاح للموظف الوقت الكافي للدفاع عن نفسه بمختلف الوسائل المشروعة ضد التهم المنسوبة اليه .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً