المفهوم القانوني للدعوى القضائية
الدعوى هي سلطة الالتجاء إلى القضاء بقصد الوصول إلى حماية قاعدة مقررة في النظام. و يتضح من هذا التعريف أهم السمات أو الخصائص التي تتميز بها الدعوي وهي :
· إن الدعوى حق وليست واجب. فالدعوى مجرد رخصة لصاحبها وليست واجبًا عليه ، فله استخدامها وله تركها فلا يجبر على مباشرتها ، وله أيضا مطلق الحرية في تحديد الوقت أو الظرف الذي يراه مناسبا للالتجاء إلى القضاء ، وله كذلك الحق في النزول عن خصومته التي أقامها إذا لم يتعلق بها حق المدعى عليه.
· إن الدعوى وسيلة نظامية لحماية الحق ، يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى السلطة القضائية ، أي إلى المحاكم لحماية حقه ، وهي بهذا تتميز عن وسائل نظامية أخرى وافق عليها المنظم يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى سلطات أخرى كالسلطة التنفيذية أو يذود بها عن حقه بنفسه.
· إن الدعوى هي السلطة التي خولها النظام للأشخاص للذود عن حقوقهم بعد أن حرمهم من اقتضائها بأنفسهم ، وبتعبير آخر الدعوى هي الوسيلة التي استعيض بها عن الانتقام الفردي. والأصل في العصر الحديث أنه لا يجوز لأي شخص حماية حقه بنفسه وإنما أَذِن المنظم للأفراد في ظروف استثنائية خاصة حماية حقوقهم بأنفسهم كما هو الحال بالنسبة لحق الدفاع الشرعي والحق في الحبس.
· إن الدعوى كوسيلة لحماية الحق أو كعنصر من عناصره لا يجوز النزول عنها مقدمًا. وإذا حدث لا يعتد بهذا النزول لأنه مخالف للنظام العام. وإن كان يجوز النزول عن الخصومة بعد أن تنشأ.
· إن بعض الدعاوى تنقضي بالتقادم ، أي بمضي المدة المحددة بموجب النظام ، فهي كأي حق لابد من مباشرتها خلال فترة زمنية معينة ، فإذا رفعها صاحبها بعد انقضاء هذه الفترة ، فإنها تكون قد انقضت ، وجاز للخصم الآخر أن يدفعها بعدم القبول لرفعها بعد فوات الأوان ، أي انقضاؤها بالتقادم.
عناصر الدعوى القضائية :
تتكون الدعوى من عناصر معينة ، مثلها في ذلك مثل سائر الحقوق ، فهي لابد لها من أشخاص تقوم بينهم ، ومحل ترد عليه ، وأخيراً لابد لها من سبب تستند إليه. ونبين ذلك فيما يلي:
أولاً : أشخاص الدعوى :
يقصد بأشخاص الدعوى أطرافها ، أي الشخص الذي ينسب له الإدعاء والشخص الذي يوجه إليه هذا الإدعاء ، وبمعنى آخر المدعي والمدعى عليه. وبناءً على ذلك فالقاضي لا يعتبر طرفاً في الدعوى.
والعبرة في تحديد أشخاص الدعوى هي بصفتهم فيها لا بمباشرتهم لها ، إذ قد تباشر الدعوى من شخص لا صفة له بالنسبة للحق المدعى به ، مثل المحامي أو الوكيل في الخصومة ومع ذلك فأيهم لا يعد طرفًا في الدعوى وإنما الذي يعد كذلك هو الموكل أو الأصيل الذي ينسب له الحق أو يكون طرفًا سلبيًا فيه.
ولا يشترط في أشخاص الدعوى أن يكونوا من الأشخاص الطبيعيين ، فقد يكونوا من الأشخاص الاعتباريين كشركة أو جمعية أو وزارة أو مصلحة. كما لا يشترط فيهم أن يكونوا كاملي الأهلية ، فقد يكون القاصر والمحجور عليه مدعٍ أو مدعى عليه ؛ لأنه لا يباشر الدعوى بنفسه أو تباشر في مواجهته وإنما تباشر بواسطة أو في مواجهة من يمثله.
ثانيًا : محل الدعوى :
يقصد بمحل الدعوى ما تهدف الدعوى إلى تحقيقه ، أي ما يطلبه المدعي في دعواه . وهو عبارة عن تقرير وجود أو عدم وجود حق أو مركز نظامي ، أو إلزام الخصم بأداء معين.
والحقيقة أن هذا العنصر يختلف من دعوى إلى أخرى ، غير أنه دائماً يتكون من ثلاثة عناصر أساسية ، هي:
· الحكم المطلوب إصداره من القضاء : وهل هو مجرد تأكيد وجود أو نفي حق أو إحداث تغيير معين في الحق النظامي أو الإلزام بأداء معين قابل للتنفيذ الجبري؟
· الحق الذي يرد عليه الحكم : وهل هو حق ملكية أو ارتفاق أو حق شخصي؟
· الشيء محل الحق: وهل هو عقار أو منقول ؟
ثالثًا : سبب الدعوى :
وهو مجموعة الوقائع النظامية المنتجة التي يتمسك بها المدعى كسبب لدعواه بصرف النظر عن التكييف النظامي لهذه الوقائع.
أهمية تحديد عناصر الدعوى .
تبدو أهمية تحديد عناصر الدعوى فيما يأتي :
§ يتقيد القاضي في حكمه بعناصر الدعوى . فلا يجوز أن يقضى لشخص أو على شخص لم يكن طرفًا في الدعوى ، كما أنه لا يجوز أن يقضى بأكثر مما طلب المدعى أو بغير ما طلب.
§ لا يجوز أن تقوم خصومتان متعاصرتان بالنسبة للدعوى ذاتها. وعناصر الدعوى هى وسيلة التحقق من وحدة الدعوى في الخصومتين.
§ لا يجوز رفع الدعوى ذاتها من جديد بإجراءات جديدة أمام ذات المحكمة ناظرة الدعوى أو أمام محكمة أخرى. فإذا رفعت الدعوى ذاتها أمام ذات المحكمة ناظرة الدعوى فإن المدعى عليه يستطيع أن يدفع بضمها . أما إذا رفعت أمام محكمة أخرى فإن المدعى عليه يستطيع أن يدفع بالإحالة أمام هذه المحكمة ، لإحالتها إلى المحكمة التي رفعت إليها الدعوى ابتداءً.
§ تتحدد حجية الحكم الذي يصدر في الدعوى بعناصر الدعوى . فحجية الأحكام حجية نسبية تقتصر على أطراف الدعوى ، وتتحدد بموضوع الدعوى ( محلاً وسببًا ) الذي فصل فيها القاضي.
شروط قبول الدعوى :
الدعوى وسيلة نظامية يتوجه بها الشخص إلى القضاء لكي يتسنى له الحصول على تقرير حق أو حمايته ، ومن ثم فإن تعريف الدعوى يختلف عن التقاضي ، على أساس أن هذا الأخير يعد حقًا من الحقوق العامة اللصيقة بالشخصية يكفله النظام لكل الأشخاص دون تمييز بينهم ، ومن ثم لا يجوز التنازل عنه ولا ينقضي بعدم الاستعمال.
وللدعوى شروط ومقومات أساسية لا تقوم إلا بها لكي تكون مقبولة من الناحيتين الشرعية والنظامية ، ويمكن تقسيمها إلى شروط تتعلق بأطراف الدعوى ، وأخرى بالحق المدعى به ، وفقًا للتفصيل التالي:
الشروط اللازمة في أطراف الدعوى :
يقصد بأطراف الدعوى ، الشخص الذي ترفع منه والشخص الذي توجه إليه ، وبمعنى آخر المدعي والمدعى عليه. والعبرة في تحديد أشخاص الدعوى هي بصفتهم فيها لا بمباشرتهم لها، إذ قد تباشر الدعوى من شخص لا صفة له بالنسبة للحق المدعى به، مثل المحامي أو الوكيل ومع ذلك فأيهم لا يعد طرفًا في الدعوى وإنما الذي يعد كذلك هو الموكل أو الأصيل.
ويتعين حتى تسمع الدعوى أن تتوافر في أطراف الدعوى جملة شروط ، وبغير توافرها تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى دون حاجة إلى فحص موضوعها ، وتنحصر هذه الشروط في التالي:
الشرط الأول : أن ترفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة.
لما كان موضوع الدعوى هو دائمًا إدعاء بحق أو بمركز نظامي اعتدي عليه أو مهدد بالاعتداء عليه ، فإن الدعوى المرفوعة لحماية هذا الحق ، لابد أن تكون ممن يدعي لنفسه هذا الحق على من اعتدى عليه أو هدد بالاعتداء عليه ، وهذا هو معنى الصفة في الدعوى ، فلا تُرفع الدعوى من غيرهم وعلى غيرهم.
وإذا كان هذا هو الأصل ، فإن النظام يجيز استثناءً لشخص الصفة في الدعوى ، فيجيز له رفع الدعوى للمطالبة بحق لا لنفسه ولكن لغيره ويحل هذا الشخص محل صاحب الصفة الأصلية ، ومثالها الدعوى التي يرفعها الولي أو الوصي أو القيم والتي تجيز لأي منهم أن يطالب بحقوق من ينوب عنه لدى الغير.
وأما بالنسبة إلى صفة المدعى عليه ، فالدعوى لا تقبل إذا كان لا شأن له بالنزاع كما إذا رفعت على ولي أو وصي بعد أن زالت صفته بزوال الولاية أو الوصاية.
ويعتبر شرط الصفة ضروريًا ولازماً لإقامة الدعوى . فإذا توفر في المدعي كانت دعواه مقبولة شكلاً ، أما إذا انعدم ، فيحكم القاضي بعدم قبول الدعوى موضوعًا لا شكلاً.
فشرط الصفة إذن من أهم شروط رفع الدعوى ، إذ يمكن إثارته من قبل المتقاضين في أي مرحلة من مراحل الدعوى ، كما يمكن للمحكمة إثارته من تلقاء ذاتها ، ويمكن أن تقضي بناءً عليه بعدم قبول الدعوى المعروضة عليها إذا تحقق لديها أن المدعي لا صفة له في ادعائه.
الشرط الثاني : أن يكون لرافع الدعوى مصلحة في رفعها.
يقال عادة تعبيرًا عن هذا المعنى لا دعوى بغير مصلحة ، وأن المصلحة في هذا المعنى هي المنفعة التي يجنيها المدعى من التجائه إلى القضاء أو هي الباعث على رفع الدعوى ، وهي من ناحية أخرى الغاية المقصودة منه.
واشتراط المصلحة لقبول الدعوى مسلم به في نظام المرافعات الشرعية ؛ لأنه من الواجب ألا تشغل المحاكم بدعاوى لا يفيد منها أحد. ولقد تعرض نظام المرافعات لهذا الشرط في المادة الرابعة منه ونصها كالتالي ” لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة مشروعة ، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النـزاع فيه. وإذا ظهر للقاضي أن الدعوى صورية كان عليه رفضها ، وله الحكم على المدعي بنكال “.
والمصلحة ليست شرطًا لقبول الدعوى فحسب بل هي شرط لقبول أي طلب أو دفع أو طعن في حكم. ويعتد بالمصلحة سواء كانت مادية أو أدبية ، ذات قيمة كبيرة أو زهيدة ، كما أنه يشترط فيها تحقق ضوابط ثلاثة :
الضابط الأول : أن تكون مصلحة نظامية ؛ أي تستند إلى حق ، وبعبارة أخرى يتعين أن يكون موضوع الدعوى هو المطالبة بحق أو بمركز نظامي أو التعويض عن ضرر أصاب حقًا من الحقوق. وبناءً علي ذلك ، إذا كانت المصلحة غير نظامية ، فلا يعتد بها ولا تكفي لقبول الدعوى. وتكون المصلحة غير نظامية إذا كانت مخالفة للنظام العام .
الضابط الثاني : أن تكون مصلحة حالة وقائمة وقت رفع الدعوى ؛ بمعنى أن يكون حق رافع الدعوى قد اعتدى عليه بالفعل أو حصلت له منازعة فيه فيتحقق الضرر الذي يبرر الالتجاء إلى القضاء.
الضابط الثالث : أن تكون مصلحة شخصية مباشرة ؛ بمعنى أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق المراد حمايته أو من يقوم مقامه كالوكيل بالنسبة للموكل وكالوصي أو الولي بالنسبة للقاصر.
حكم المصلحة المحتملة:
إذا كان الضرر محتملا أو بعبارة أخرى إذا كانت المصلحة محتملة ، فالأصل أن الدعوى لا تقبل ، غير أن هناك دعاوى معينة جرى القضاء على جواز قبولها بالرغم من أن المصلحة في رفعها محتملة.
ولقد قررت القاعدة العامة والاستثناء الوارد عليها المادة الرابعة من نظام المرافعات وهي تنص على أنه لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة مشروعة ، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النـزاع فيه ، كالدعوى التي ترفع بقصد إثبات وقائع معينة يستند إليها لإثبات حق ترفع بشأنه دعوى في المستقبل. فقد جاء نص المادة الرابعة من نظام المرافعات صريحًا في إجازة قبول الدعاوى بطلب إثبات وقائع إذا كان الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه . وإزاء هذا النص العام يجوز قبول هذه الدعاوى أيًا كان نوع الإثبات المراد إجراؤه كما هو الحال بالنسبة لدعوى التزوير الأصلية ، والدعوى المرفوعة إلى قاضي الأمور المستعجلة بطلب سماع شاهد أو بطلب انتقال المحكمة للمعاينة أو بندب خبير للمعاينة وإثبات الحالة.
الشروط اللازمة في الحق المدعى به :
فضلا عن الشروط اللازمة في أطراف الدعوى هناك شروط لابد من توافرها في الحق المدعى به حتى تقبل الدعوى . وتنحصر هذه الشروط في التالي.
الشرط الأول : أن يكون الحق المدعى به ثابتًا ومستحق الأداء .
إذ لا يجوز التمسك بحق غير موجود أصلا ، كما يشترط أن يكون الحق المدعى به مستحق الأداء.
بيد أن عدم ثبوت الحق وعدم استحقاقه حالاً لا يمنع المدعي من اتخاذ بعض الإجراءات التحفظية التي من شأنها المحافظة على هذا الحق إلى أن يصير ثابتًا ومستحق الأداء .
الشرط الثاني : أن يكون الحق المدعى به مشروعًا .
بمعنى أن يكون الحق المطالب به غير مخالف لقواعد الشرعة الإسلامية والأنظمة النافذة في المملكة وغير مخالف للنظام العام أو الأخلاق الحميدة. فإذا ما اعتبر النظام الحق المطالب به غير مشروع ، لم يجز الادعاء من أجله.
الشرط الثالث : ألا يكون الحق المدعى به قد سبق الحكم به .
فإذا كان قد حكم للمدعي بالحق الذي يطالب به بحكم فاصل في النزاع ، فإنه لا يجوز له أن يتقدم بدعوى ثانية من أجل الحق ذاته تطبيقًا لمبدأ حجية الشيء المحكوم به، إذ لا يجوز للمحكمة أن تفصل في نزاع سبق أن حسمه حكم سابق إلا إذا كانت هي المختصة بنظر الطعن الموجه إليه ؛ بمعنى أنه إذا اتحدت عناصر الدعوى الثلاثة وهي :
الموضوع والسبب والأطراف ، وبتت المحكمة فيها سلبًا أو إيجابًا ، فإنه لا يمكن أن تقام الدعوى بذات هذه العناصر إلا وفقاً لطرق الطعن النظامية.
الشرط الرابع : ألا يكون قد أتُفق على التحكيم بصدد الحق المدعى به.
فالاتفاق على التحكيم ينزع الاختصاص دائمًا. والخصم بهذا الاتفاق يتنازل عن الالتجاء إلى القضاء لحماية حقه ، وبالتالي يكون الدفع بالاعتداد بشرط التحكيم من قبيل الدفع بعدم قبول الدعوى؛ لأن الخصم ينكر به سلطة خصمه في الالتجاء إلى القضاء العادي للذود عن الحق.
الشرط الخامس : ألا يكون قد تم صلح بين الخصوم بصدد الحق المدعى به.
إذ بمقتضى هذا الصلح لا يعتد بما كان للخصوم من حقوق مسها وبالتالي لا تكون لديهم دعوى لحمايتها، غير أنه إذا ثار نزاع بصدد تفسيره فمن الجائز أن ترفع دعوى بطلب تفسيره وتحديد حقوق أطرافه.
هذه هي شروط قبول الدعوى : وإنما جرى بعض الفقهاء على إدراج الأهلية – أي صلاحية الشخص لأن يرفع الدعوى وأن ترفع ضده – بين شروط قبول الدعوى ، والواقع أن شرط الأهلية أي اشتراط توافر أهلية التقاضي فيمن يباشر الدعوى فهو شرط لصحة المطالبة القضائية أي لصحة انعقاد الخصومة وليس شرطاً لقبول الدعوى بدليل أنه إذا فقد أحد الخصوم أهليته للتقاضي أثناء نظر الدعوى وقفت إجراءاتها دون أن تفقد شرطًا من شروط قبولها. ويحدد أهلية الشخص للتقاضي نظام أحواله الشخصية ، فإذا كان صاحب الحق في رفع الدعوى لا تتوافر فيه هذه الأهلية وجب أن يباشر الدعوى نيابة عنه وليه أو وصيه.
اترك تعليقاً