القصد الأحتمالى لمطلقي العيارات النارية في المناسبات في الاردن
استوقفني احد التعليقات المنشورة على احد المواقع الالكترونية, هذا التعليق قد ورد على الخبر المتعلق بتحويل مطلقي العيارات النارية الى محكمة الجنايات الكبرى ومسائلتهم عن جرم القتل القصد في حال حدوث وفاة على أساس القصد الاحتمالي لدى الفاعل , ويرى صاحب هذا التعليق انه لا يمكن التوسع في تطبيق القصد الاحتمالي وانه لا يمكن تطبيقه خاصة إذا كان المصاب في مكان بعيد عن المناسبة لان عنصر التوقع يجب التعامل معه بحذر لأنه لا احد يتوقع ضمن المنطق العادي للأمور أن تصيب الرصاصة شخص بعيد وان تم التوقع فان مطلق العيار الناري لم يرد النتيجة ولم يتوقعها ولم يقبلها,,,, وإذا أردنا أن ننظر للمسالة من ناحية قانونية فسأورد الملاحظات التالية :
1- إن القول بان مطلق العيار الناري قد توقع أو لم يتوقع النتيجة والقول بقبوله لها من عدمه تحكمه الظروف التي أحاطت بارتكاب الفعل ولا يكفي مجرد القول ان التوقع والقبول أمر يصعب استظهاره, بل لا بد من البحث والتقصي عن هذه النية وما اتجهت إليه , ولما كان القصد أمر نفسي يكمن في باطن النفس البشرية, فانه من المستقر عليه انه يستدل عليه من الظروف المادية التي أحاطت بارتكاب الفعل , وعليه يظهر القصد لدى مطلق العيارات النارية بوضوح وبشكل جلي ويتم استخلاص عنصري القصد الاحتمالي وهما عنصر التوقع لنتيجة فعله وعنصر القبول لهذه النتيجة من خلال الظروف المادية التي أحاطت بالفعل , ومنها الموقع الذي تم فيه إطلاق العيار الناري فمن يطلق العيار الناري في مدينة مأهولة بالسكان فهو قطعا يعلم أن مرد الطلقة التي أطلقها هو الارتداد وان هناك احتمالية كبيرة بسقوطها على إنسان فإما أن تصيبه بأذى او تقتله , ومن هنا يظهر مدى توفر عنصر التوقع وبشكل جلي لدى مطلق العيار الناري, أما فيما يتعلق بعنصر القبول فبمجرد أن يتوقع الفاعل ان تصيب الرصاصة التي سيطلقها في الهواء وفي مكان مأهول احد الأشخاص وبالرغم من ذلك يستمر بفعله غير آبه بالنتيجة إن وقعت وهي وفاة إنسان أو إصابته بأذى فهذا دليل قاطع على قبوله لهذه النتيجة إن وقعت, فمن لا يقبل بهذه النتيجة سيمتنع عن إطلاق العيار الناري في الهواء, لأنه توقع ابتداء سقوطها على احد الأشخاص, ويظهر من خلال هذا التحليل مدى توفر القصد الاحتمالي لدى مطلق العيارات النارية, وتم الاستدلال عليه من الظروف التي أحاطت بارتكاب الفعل وهي مكان الإطلاق واستمرار الفاعل بفعله بالرغم من علمه المسبق انه يطلق في مكان مأهول بالسكان غير آبه بما سيقع.
2- أما القول أن الفاعل لا يتوقع أن تصيب الرصاصة شخص بعيد عن المكان الذي تم الإطلاق منه, فهذا كلام ليس من القانون, لان طبيعة السلاح الناري تفيد بأنه أداة قاتلة قادرة على إلحاق الإصابة بالهدف من مسافات بعيدة, فسواء سقطت الرصاصة على إنسان في مكان قريب أم في مكان بعيد, فلا تأثير لذلك على القصد كون النتيجة واحدة وهي وفاة إنسان, ولا يؤثر سقوطها في مكان بعيد أو قريب, فمطلق العيار الناري لا يعرف أين ستسقط الرصاصة ويكفي ان يعلم بأنه يطلق في مكان مأهول بالسكان ,طبعاً إلا إذا استخدم نظرية فيثاغورس لتحديد مكان سقوط الرصاصة فيختار بناء على حساباته وفقاً لنظرية مكانا لا يوجد به احد لتسقط به الرصاصة, ونكون قد حللنا المشكلة من أساسها!!!!!!!!!! .
3- القول انه لا يجوز التوسع بالتجريم بهذه الصورة أمر غريب ومستهجن, فإذا رجعنا إلى الأساس لنشأة القواعد القانونية لوجدنا أنها وجدت لمعالجة الظواهر التي تحيط بالأفراد , ومسألة التجريم من عدمه تحكمها نصوص القانون التي تحارب هذه الظواهر , فإذا توفر النص القانوني الذي يجرم فعلا وتوفرت لهذا الفعل عقوبة (ما يسمى بمبدأ الشرعية) , وتم ارتكاب الفعل المجرم فلا يكون من مجال سوى لتطبيق القانون وإنزال العقوبة الرادعة بحق الجاني , فإذا نجم عن فعل الإطلاق لعيار ناري وفاة فهنا نحن أمام فعل مجرم لا بد من إنزال العقوبة الرادعة بحق الجاني , وكما أشرت سابقا لدى النظر الى الظروف التي أحاطت بحالة إطلاق العيار الناري والذي ينجم عنه وفاة او إصابة بأذى, سنجد توفر أركان جريمة القتل القصد ليس إلا .
وبالنهاية فان إطلاق العيارات النارية داخل مدن مأهولة بالسكان إنما يدل عن نفسية مستهترة بأرواح الآخرين وتتوقع ان تصيب الرصاصة التي تطلق بالهواء إنسانا فترديه قتيلا, وبالرغم من ذلك ترحب هذه النفسية بالنتيجة وتستمر بفعلها غير آبهة بحياة الآخرين ومن هنا ساوى القانون بينها وبين نفسية الجاني الذي تتجه إرادته مباشرة لقتل إنسان آخر فكلتاهما سيان في نظر القانون, وكل الشكر لصاحب الجلالة الهاشمية على مبادرته السامية التي وجهت الحكومة لضرورة وضع حدود لهذه الظاهرة التي باتت تؤرق المواطنين وتشكل خطراُ على حياتهم.
اترك تعليقاً