الأخطاء الطبية والحلول المقترحة
بقلم القاضي محمود جاموس
قاضي استئناف
لا شك أن موضوع الأخطاء الطبية من الموضوعات القانونية الشائكة التى تناولها الكثيرون بحثا وتحليلاً، وانني أود ان اقدم لكم هذه المشكلة وحلها من منظور جديد، منظور التطبيق العملي في المحاكم والمؤسسات الطبيبة وصولاً الى حلول عملية لمشكلة بدأت بالتفاقم في مجتمعنا وانعكست بشكل دعاوي قضائية متزايدة في محاكمنا.
ومن اجل ايجاد الحلول لهذه المشكلة التى تهم كل افراد المجتمع الفلسطيني؛ لا بد ان يكون التوافق على اسس تحكم موضوع الاخطاء الطبية وهي:
اولا- الخطأ الطبي لا مجال لاستئصاله حتى في أكثر المجتمعات تطوراً فهو واقع يجب التعامل معه وليس مشكلة وقتيه او عارضة يمكن القضاء عليها تماماً.
ثانيا – على الرغم مما سبق، فإن اكثر الاخطاء الطبية يمكن تجنبها، وهنا لابد من مجموعة من الإجراءات القانونية والطبية لتقليص عدد الأخطاء الطبية المرتكبة حماية لأرواح وسلامة مواطنينا.
ثالثا- من المؤكد انه يمكن لنا تحسين الية وكيفية حصول المرضى المتضررين على التعويضات المستحقة من خلال المحاكم .
رابعا- يحب ألا يقبل اي منا بالاجحاف بحقوق وضمانات الأطباء المعالجين تحت ذريعة الحد من الاخطاء الطبية، فإنصاف المريض لا يكون على حساب طبيبه، وإنما بإعطاء كل ذي حق حقه.
خامسا – يجب الا يبرر الخطأ الطبي الواضح المؤكد بأنه قضاء وقدر؛ يجب الا نستخف بأرواح الناس ونكسي الاستهتار صفة القداسة وبانه قضاء وقدر، علينا ان نخشى الله في الناس حقا ولا نبرر أخطائنا بعبارة هذا قضاء الله .
بمناقشة الاسسس الخمسة ، فإنه ومن البداية يجب ألا نتصور اننا نستطيع القضاء على الاخطاء الطبية ومنع حدوثها تماما، فهذا امر مستحيل، والخطأ وارد طالما البشر هم جزء من المعادلة؛ انما نستطيع وضع منظومة متكاملة تنقصنا حتى هذا اليوم؛ تتمثل بإجراءات وقائية تحد من الأخطاء الطبية الممكن تجنبها كماً ونوعاً ثم وضع قواعد لكيفية التعامل مع الخطأ الطبي بعد حدوثه صيانة لحقوق المواطن الفلسطيني الغالي والمظلوم في حريته ومعيشته بما فيه الكفاية.
وفي باب الوقاية، لاشك ان العنصر البشري هو العامل الرئيسي في وقوع اكثر الاخطاء الطبية، فمحدودية كفاءة بعض العاملين في القطاع الصحي العام والخاص من اطباء وممرضين وفنين هي عامل اساسي في الخطأ الطبي؛ فلا يمكن لنا الحديث عن الحد من الأخطاء الطبية دون تطوير وتأهيل للكادر الصحي الفلسطيني وضمان تمتعه بالخبرة والمعرفة اللازمة لأداء عمله.
وهنا تبرز مسؤولية وزارة الصحة ونقابة الأطباء وإدارة المستشفيات بالدرجة الأولى والذي نتمنى عليهم ان يجعلوا مهنة الطب للنخبة من المميزين علماً وأداءاً، لا باباً مفتوحاً لكل من حمل شهادة في الطب، يضاف الى كل ذلك الإجهاد والتعب وقلة الراحة التى تصيب حتى أمهر الأطباء والعاملين في القطاع الصحي فتؤثر سلباً على قراراتهم وادائهم، وجزء أساسي من ذلك اضطرار هؤلاء للعمل في أكثر من مناوبة في اليوم الواحد أو اكثر من مكان ولساعات طويلة وغالباً لأسباب معيشية، فتحديد عدد الساعات العمل للعاملين في القطاع الصحي وتحسين أوضاعهم المعيشية جزء أساسي من الحل.
أما في باب التعامل مع الخطأ بعد وقوعه فهنا لا بد من الحديث عن ثلاث مشكلات لدنيا في فلسطين، ان وصلنا الى حل فيها من خلال تحسين نظام التعويضات للمرضى المتضررين تلقائياً، اولاً إن فصل المحاكم في أكثر قضايا الاخطاء الطبية يعتمد بالدرجة الاولى على الشهادة الفنية من أطباء وعاملين في مجال الطب، فتقرير مسؤولية المدعي عليه من عدمها يعتمد على السؤال التالي “هل التصرف او الامتناع الذي قام به هذا الشخص هو تصرف خاطئ في مفهوم وعرف الاطباء”؟ إن كان الجواب نعم فغالباً ستحكم المحكمة بمسؤولية الطبيب عن التعويض والعكس بالعكس.نحن حقيقة نواجه مشكلة في عدم وجود طبيب مختص معتمد لدى المحاكم يقدم لنا إجابة واضحة علمية وخالية من مجاملة لزميله او اجحاف ضده، ولا بد من وجود مرجعية طبية معتمدة لدى المحاكم تفيدنا في اجابة السؤال المذكور فالقاضي ليس محيطا بعلم الطب وهو يحتاج دائما الى شهادة خبير في هذا النوع من القضايا.
المشكلة الثانية، هو عدم وجود كتيب ارشادات عمل للأطباء والممرضين والفنييين أو نماذج أو مراجع معتمدة لكيفية التصرف عند مواجهة حالة صحية معينة وبذلك ليس للمحاكم اي مرجعية مكتوبة تستطيع من خلالها ان تحدد هل التزام الطبيب او مساعدوه بقواعد وإجراءات العمل المعتمدة ام خالفوها فهذا الدليل ضروري جداً لعملنا وسيحسن ويسرع الفصل في هذه القضايا، بل وسيطور القطاع الصحي نفسه ويحد من الأخطاء بامكانية رجوع الأطباء والعاملين اليه في اي وقت.
المشكلة الثالثة – غياب بوليصات التأمين ضد الأخطاء الطبية في كثير من المستشفيات وفي أكثر العيادات والمراكز الصحية، مما يصعب على المحكمة الحكم بالمبالغ الكبيرة المستحقة على الطبيب ويحول في كثير من الأحيان دون حصول المريض المتضرر على التعويض رغم حصوله على حكم قضائي.
أنا شخصياً مع إلزام الأطباء والمستشفيات والعاملين فيها ببوليصات تأمين ضد الأخطاء الطبية تسهيلاً لحصول الناس على التعويض وليس فقط تسليمهم ورقة حكم محكمة لا تغني من جوع؛ راجياً من المعني اخذ هذه التوصيات الثلاث بعين الإعتبار وفي باب العدالة، يجب ان نسعى إلى اعطاء المريض المتضرر من خطأ طبي حقه دون اجحاف بحقوق وسمعة الطبيب نفسه، فليس قصدنا التجني او نصرة طرف على طرف، فقط تعويض المتضرر مالياً إن تحقق الخطأ جزماً، والمحاسبة جزائياً للمخطئ على الإهمال إن وجد وثبت.
وأخيراً في باب المفهوم الاجتماعي للخطأ الطبي، يجب ان نعمل على تشجيع المتضررين على اللجوء الى المحاكم طلباً لحقوقهم بدل السكوت عنها او اقتضائها بأيديهم، وهذا واجب العاملين على التوعية والعاملين في المجال القانوني جمعيا. أيضا ، يجب ألا نسيء الى القيم الدينية والمفاهيم العقائدية بتسمية الخطأ الطبي قضاء وقدرا، القتل بالاهمال الطبي كغيره من أنواع القتل الخطأ، محاسب عليه . والإيذاء لمريض بخطأ طبي هو من باب الإيذاء غير القصدي المعاقب عليه أيضا . هذه أفعال مجرمة نتجت عن شخص مؤتمن كان بإمكانه تجنب الخطأ ومراعاة قواعد علم الطب واتخاذ احتياطات معينة إلا انه استخف بالمريض فلم يكترث، هنا يجب الحساب وفقا للقانون، ما أبشع ان نبرر خطأنا بأنه إرادة من الله.
ختاماً، الجميع مطالب بالاهتمام وزارة الصحة، المستشفيات، نقابة الأطباء، رجال القانون، مؤسسات المجتمع المدني لان في ذلك تقدير لابناء شعبنا الفلسطيني وتعبير عن عدم تركهم ضحية للتقصير والاستهتار، عندما يصل الموضوع الى حياة وسلامة مواطن فان المتوجب ان نكون جميعا جنود في الدفاع عن حياته وحقه، إن نحن لم نقدر انفسنا فلن يقدرنا أحد كأفراد أو شعب؛ وكلى أمل أن نصل بمواطننا الى بر الأمان وبوطننا الى المكانة التى يستحق، علماً وقانوناً وسيادة.
اترك تعليقاً