مقال للقاضي ناصر عمران الموسوي عن اشتراطات الحصانة البرلمانية
لا يمكن الولوج إلى كنه ،مفهوم (الحصانة البرلمانية ) إلا بعد ا لكشف عن مدلولها اللغوي ومن ثمه الانزياح صوب التعريف الاصطلاحي ،والحصانة كما تراها المعاجم اللغوية هي مصدر للفعل (حصُنَ يَحصُن ) ،فهو حصين وحصانة ،وتعني ألمنعه ومكان حصين يعني مكان منيع ضد ما يتعرض إليه فيكون عصي على العارض ،ومنها عُرفت المناعة بالحصانة ضد الأمراض .
اما الحصانة اصطلاحا ً :
فتعني امتياز أو حق أو قانون خاص ذو امتياز يبعد من يتمتع به عن المساءلة القانونية . ،
ظهرت الحصانة البرلمانية في إنجلترا عام 1688م على أثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم شرعة (الحقوق الشهيرة) التي اشرت النهاية الحقيقية للحكم الملكي المطلق في بريطانية وفرضت احترام القانون والبرلمان على الملكة (ماري) ومنحت البرلمان شرعنة تنفيذ او تقييد القوانين عبر موافقته والتي كانت حقا مطلقا للملكة ومن ضمن ما تضمنته هذه الوثيقة التي جاءت تتويجا ًلميثاق العهد الاعظم (الماكناكارتا ) الصادرة في 1215 وعريضة الحقوق عام 1628 وقانون (الهابياس كورباس )الذي اصدره البرلمان البريطاني عام 1679 وفرضه على الملك شارل والذي يقضي منع الاعتقال التعسفي وتقديم الشخص المقبوض عليه امام قاضي مستقل عن السلطة التنفيذية وخلال ثلاثة ايام و حرية الكلام والمناقشات والاجراءات داخل البرلمان ولايمكن ان تخضع المناقشة والكلام في اية محكمة او مكان الا البرلمان نفسه.
حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية القول – المناقشات – الإجراءات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية أو محلا للمساءلة أمام أي من المحاكم وإقرار هذه الحصانة في إنجلترا كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك وليس حمايتهم من مواطنيهم والحصانة البرلمانية في إنجلترا كانت قاصرة على الدعاوى المدنية إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة فقد استثنت من نطاق هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن.
ولهذا فقد كان من الممكن دائما القبض على عضو البرلمان في أي من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه، كما استثنت من الحصانة البرلمانية الجرائم التي ترتكب من أعضاء البرلمان في مواجهة إحدى المحاكم وقد أطلق على هذه الجرائم ‘ جرائم إهانة المحكمة ‘ إلا أنه حدث تطور هام خلال القرن الثامن عشر في مجال الحصانة البرلمانية، فقد صدر قانون ينظم أحكامها ويضع بعض القيود والضوابط لكيفية مباشرتها.
اما في فرنسا فقد وجدت الحصانة في معظم المواثيق الدستورية الفرنسية بذات المضمون الذي كانت عليه في انكلترا فقد نص عليها بداية في قرار الجمعية التأسيسية الفرنسية الصادرة في 23 يونيو 1789م وفي دستور عام 1791م. ثم في دستور 1795 وكذلك الدساتير المتتالية في عام 1799 ودستور عام 1848 ودستور 1875 ودستور 1946م وأخيراً الدستور الحالي الصادر عام 1958م وعرفت (مبدأ الحصانة ضد المسئولية البرلمانية ) أما عن (الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية ) فقد كانت سابقة حيث نص عليها في قرار الجمعية التأسيسية الصادر في 26 يونيو سنة 1790 م.
ولا تزال القواعد والأحكام سارية المفعول
متى يتمتع النائب بالحصانة البرلمانية ..؟
اختلفت الدساتير حول وقت تمتع النائب بالحصانة ،فالدستورالفرنسي الصادر عام 1946 وفي المادة (22) فقد قضى بعدم اتخاذ الاجراءات الجنائية ضد اعضاء البرلمان طوال مدة نيابتهم الا باذن المجلس التابعين له ، اما في انكلترا فالحصانة للنائب اثناء دور الانعقاد فقط ،ودستورالولايات المتحدة الامريكية نص في الفقرة الاولى من المادة السادسة على (لايجوز القبض على نائب او شيخ خلال دور الانعقاد للمجلس الخاص به او ذهابه وايابه من والى دور الانغقاد….)
اما الدساتير العربية فالحصانة البرلمانية تقتصر في الدساتير المصرية على دور الانعقاد سواء اكان عاديا ًاو غير عادي في البرلمان على ضوء ذلك يمكن اتخاذ الإجراءات الجنائية بحق النائب اثناء عطلة البرلمان وإخطار المجلس بما اتخذ من إجراءات بحق النائب عن أول انعقاد له ،ثم جاء مدت الحصانة لتشمل فترة عطلة البرلمان وتطلبت المادة (99) ضرورة استئذان رئيس مجلس الشعب وإخطار المجلس عند أول انعقاد له ،أما الدستور الأردني فقد نص في المادة (86) ان فترة الحصانة لا تشمل سوى فترة لانعقاد المجلس فقط ،وقد جاء النص مقتصرا ً على القبض دون التفتيش ،مع ان تفتيش الشخص يقاس على القبض عليه .
الحصانة في الدستور العراقي .
لم يختلف الدستور العراقي عن غيره من الدساتير في النص على الحصانة البرلمانية فقد عالجت المادة (63) من الدستور وفي (ثانيا ً / أ،ب ،ج ) فقد نصت الفقرة (أ) على تمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به آراء أثناء دورة الانعقاد،ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك . وهو نص واضح على ان النائب يتمتع بالحصانة عن ما يبديه من آراء قد تشكل جريمة ،وهو نص يمنح النائب قدرة كبيرة في التعبير عما يجول في خاطره او في ذاكرته او عند مناقشته وبمناسبة التعرض لقضية او فكرة او مسالة ما ،اما الفقرة (ب ) فإنها لا تجوز إلقاء القبض على النائب خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما ًبجناية ،وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه ،وتناولت الفقرة (ج) الحصانة خارج الفصل التشريعي فنصت على عدم جوازا لقاء القبض على العضو الا اذا كان متهما ًبجناية وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه .
الاستثناء من الحصانة البرلمانية ..!
وردت استثناءات ،في الفقرتين (ب ،ج) أباحت إلقاء القبض على النائب عند ارتكابه الجرم المشهود في جناية ،والجريمة المشهودة التي عرفتها القوانين وبضمتها قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل في المادة (1/ب ) والتي نصت (تكون الجريمة مشهودة إذا شوهدت حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة أو إذا تبع المجني عليه مرتكبها اثر وقوعه أو تبعه الجمهور مع الصياح أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا ًآلات او أسلحة أو أمتعة أوأوراق او أشياء أخرى يستدل منها على انه فاعل او شريك فيها أو إذا وجدت به في ذلك آثار أو علامات تدل على ذلك .)
اترك تعليقاً