نظرة قانونية على نظام التسجيلات العقارية
إلياس روفائيل عباشي
المحامي بقسم قضايا المالية
في أواسط سنة 1923 صدر قانون أدخل بعض تعديلات على نظام تسجيل الحقوق العينية العقارية المتبع في المحاكم الأهلية وفي المحاكم المختلطة.
وقد كان هذا النظام لما له من المساس بالحركة المالية العقارية موضع عناية رجال مصر سنين عديدة يتألمون من نقصه حينًا ويبحثون فيما وصلت إليه مجهودات رجال باقي الديار الأوروبية حينًا آخر لعلهم يصلون إلى ما يهدي المتعاقدين ويريح بال غير المتعاقدين الذين يضطرون آجلاً أو عاجلاً إلى التقرب منهما والتعامل معهما.
ولعل الرجوع إلى أصل التشريع الذي ورثنا عنه هذا النظام وهو التشريع الفرنسي وإلى الأعمال التحضيرية التي شغلت مصر من سنة 1900 وما زالت تشغلها حتى الآن ينير لنا ذلك الإصلاح الذي أدخله قانون سنة 1923.
إن الفقه الفرنسي في أول عهده اتخذ تلك القاعدة التي كانت متبعة في القانون الروماني وجعلها دستورًا للمعاملات العقارية فقرر أن الأعيان العقارية لا تنتقل ملكيتها من مالك إلى آخر بمجرد التعاقد، بل إن إيجاب وقبول المتعاقدين على ذلك لا يولدان إلا التزامًا شخصيًا ولا يصبح ناقلاً للملكية إلا بتسليم الأعيان تسليمًا فعليًا إلى المشتري أو المتنازل له، وقد كان هذا التسليم الفعلي إعلامًا لغير المتعاقدين بانتقال الملكية لينصرف عن معاملة من كانت له الحيازة.
غير أنه على ممر الأعوام اضمحل شرط التسليم الفعلي هذا ورضي الفقه بأن يعترف بانتقال الملكية لمن يقرر في العقد بأنه استلم العقار ولو لم يتم له بعد التسليم الفعلي وأصبح الإقرار بحصول التسليم صيغة مدونة في كافة العقود حتى وصل الأمر أخيرًا إلى افتراضها إن سكت العقد عنها فانعدم بذلك المقصد الاسمي الذي كان سببًا في اشتراط التسليم الفعلي وضاع على الغير ما كان يتخذه بحق دليلاً على الملكية وكثر التعاقد في الظلام وضاعت حقوق العباد مما أضر بالحركة الاقتصادية أيما أضرار.
ولقد تنبهت المقاطعات الفرنسية الشمالية إلى ما وراء ضياع الثقة في المعاملات ودرأت هذا الخطر بما قررته من أن ملكية الأعيان لا تنتقل بالنسبة للغير وبالنسبة للمتعاقدين أنفسهم ما لم يحصل التعاقد في حضرة حاكم البلدة أو قضاتها ويسجل في دفاتر خصصتها لذلك وسار العمل على هذه القاعدة أعوامًا، حتى أصبحت من السنن التقليدية التي أخذ بها رجال الثورة الفرنسية في القانون الذي أصدروه في 11 بريمير من السنة السابعة من الثورة، وقد جاء في المادة (26) منه أن العقود الناقلة للملكية العقارية لا تعتبر نافذة على الغير إلا من تاريخ تسجيلها في الدفاتر المعدة لذلك، وهذا النص هو المتبع الآن وجاري العمل على مقتضاه في فرنسا وفي مصر.
أما دفاتر التسجيل المتبعة هنا وهناك فلا تؤدي إلى إعلام الغير باسم مالك العقار ليعامله وليصبح تعاقده صحيحًا وملزمًا للجميع وفي مأمن من مفاجأة لم تكن في الحسبان لأن العقود التي تقدم للتسجيل إنما تدون في تلك الدفاتر على اسم مالك العقار والشهادة التي تستخرج منها تشمل التصرفات الحاصلة من مالك العقار على كل ما يملك وما يرجوه الغير والحالة هذه إنما تاريخ حياة العين والتقلبات التي تكون مرت عليها وشتان بين شهادة متضمنة تاريخ حياة العين وشهادة تتضمن تاريخ حياة صاحبها إذ كثيرًا ما رأينا أن أطيانًا يحصل التصرف فيها ممن لا يملكها إلى آخر وهذا يتصرف فيها إلى ثالث فهذه التصرفات إذا اقترنت بوضع يد مدة خمس سنوات تجعل الملكية صحيحة لمن ابتاع الأطيان وهو سليم النية بعقد ثابت التاريخ رغم ورودها بدفاتر التسجيل تحت اسم مالكها الأصلي.
فماذا استفاد الغير من الوقوف على اسم صاحب العقار الأصلي بعد أن ضاع ملكه بالطريقة المتقدمة، لذلك أصبح الاطلاع على الدفاتر هذه غير قاطع في ملكية من يتعامل معه ويضطر المشتري والحالة هذه إلى الالتجاء إلى القاعدة التي كانت متبعة في عهد الرومانيين وفي العهد الأول للفقه الفرنسي وهي البحث عن صاحب الحيازة الفعلية، وقد لا يوفق إليه إلا من طريق التحقيق وسماع أقوال أهالي البلدة الواقعة فيها العين المرغوب مشتراها، ولا يخفى ما في هذا الإثبات من ضعف ومن مجاملة ومحاباة.
هذه حالة الالتزامات المتعلقة بالأعيان العقارية وهي عرضة لضياع حقوق المتعاقدين ومضعفة لثقة المعاملات وللحركة الاقتصادية المالية العامة، لذلك سعت حكومتنا السنية في إعادة الثقة إلي نصابها بإدخال دفاتر التسجيلات العقارية livres fonciers المتبعة في معظم البلاد الأوروبية.
ويرجع عهد هذا النظام إلى واضعه الأستاذ المصلح السير روبرت تورنس الذي كان مراقبًا لجمارك أستراليا فأمينًا لسجلات العقود العقارية بها، رأى جنابه أن سجلات العقود العقارية هذه تختلف اختلافًا كليًا عن سجلات العقود الخاصة بملكية السفن التي كان أمينًا عليها، فبينما هذه تسجل على اسم السفينة مع بيان التصرفات التي وقعت عليها والحقوق المقررة للغير تسجل عقود الأعيان العقارية على اسم صاحبها.
رأى جنابه هذا البون الشاسع بين الطريقتين كما تحقق من المصاعب التي تعترض طريقة تسجيل العقود العقارية، رأى كل ذلك وأيقن أن اتباع طريقة تسجيل العقود الخاصة بالسفن أقرب إلى الفائدة المطلوبة فاقترح إدخال هذا النظام على سجلات العقود العقارية، وقد تم له ما تمنى وأصبح سجل الميناء التابعة له السفينة يقابله سجل البلدة الواقعة في دائرتها الأعيان العقارية المراد تسجيلها، والأعيان هذه أصبحت عنوان صحيفة ذاك السجل كما كانت السفينة عنوان صحيفة السجل الخاص بها، وبالإجمال أصبحت السجلات العقارية معنونة بالعقار ومتضمنة تاريخ حياته وواقفة على التقلبات التي تكون مرت عليه، وأصبح المطلع على هذه السجلات عالمًا بما يقدم عليه من المعاملات، وانعدمت تلك المفاجأة التي كانت سببًا في ضياع ثقة المتعاقدين فلا غرابة أمام هذه الفوائد إذا رأينا معظم البلاد الأجنبية تنقل هذا النظام وتدخله في تشريعها، ولا غرابة أيضًا إذا رأينا هذا النظام موضع عناية رجال مصر الذين ما فتئوا أن حثوا على إدخاله في التشريع الأهلي والمختلط.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نسجل سرورنا لحكومتنا السنية التي لبت النداء وسعت سعيًا مشكورًا لدى الدول صاحبات الامتيازات إلى أن وصلت إلى تشكيل لجنة دولية أخذت في بحث هذا النظام من سنة 1902 إلى سنة 1908، ولما أن تشكلت لجنة إلغاء الامتيازات في مارس سنة 1917 خاضت في بحثه من جديد ووصلت إلى تقرير قواعد وانتدبت لجنة فرعية جعلها مجلس الوزراء لجنة أصلية، ورفعت هذه اللجنة تقريرها إليه وأبانت فيه القواعد التي وصلت إلى تقريره، وقد حاز قبول المجلس وصدق مبدئيًا على ما جاء به بجلسته المنعقدة في يوم 25 إبريل سنة 1922 وكنا نوع الاطلاع على هذا التقرير والتقارير التي سبقته والمذكرات التي تبادلتها وزارة الحقانية والجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة بما أنها من الأعمال التحضيرية التي تهدي القاضي والمتقاضي إلى تذليل الصعوبات التي تصادف نظامًا لم يألفه الأهالي بعد، ولنا كبير الأمل في الاطلاع عليها على صفحات مجلة المحاماة الزاهرة بفضل مساعي رئاسة التحرير لتكون منارًا يرشدنا عما سكت عنه التشريع [(1)].
على أنه قد بلغنا أن اللجنة المذكورة أشارت في تقريرها إلى الصعوبات التي صادفتها فلم توفق إلى تعيين المركز القانوني للملكية العقارية نظرًا لنقص التشريع من جهة نفاذ بعض العقود على الغير دون تسجيلها وعدم وجود جزاء يحمل المتعاقدين على تسجيل ما لديهما من العقود المتروك تحريرها لمقدرة المتعاقدين وكثير منهم أميون ومن عدم ضمان صحة توقيعات المتعاقدين عليها التي كثر بسببها دعاوى إنكار التوقيع فكان من الطبيعي أن تفكر في طريقة تزيل بها هذه العيوب تمهيدًا لإدخال نظام التسجيلات العقارية فصدر القانون سنة 1923 سدًا للنقص.
على أن أول ما يستوقف الناظر إلى هذا القانون تلك القاعدة التي قررتها المادة الأولى منه وهي أن الحقوق العينية العقارية لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير إلا بتسجيل العقود الخاصة بها فأصبح والحالة هذه الإيجاب والقبول لا يولدان سوى حق التزام شخصي ولا يؤديان إلى نقل الملكية أو تغييرها… إلخ إلا بالتسجيل وانعدم ذلك المبدأ الذي كان يعتبر التعاقد ناقلاً للملكية بالنسبة للمتعاقدين وغير ناقلها بالنسبة للغير.
ولا يفوتنا أن نشير إلى ما عانينا في ماضي أبحاثنا من المتاعب العديدة للوقوف على ذلك الغير الذي ذهب قضاء المحاكم الأهلية والمختلطة والفرنسية مذاهب شتى في تعيينه، وقد كفانا بحثًا بيان الأستاذ القدير عبد السلام بك زهني الذي أجاد فيه كما أجاد في غيره مما نتشرف بالإحالة إليه، لذلك كان لنا أن نرحب بحق بالقاعدة الجديدة التي أزالت عنا ما أثقل كواهلنا سنين عدة وراء السعي على ذلك الغير كما نرحب بها لأنها أسست الثقة العقارية على قواعد ثابتة إذ أصبح التسجيل ركنًا من أركان صحة نفاذ العقود العقارية على المتعاقدين قبل غيرهم.
أما العقود الواجبة التسجيل الوارد بيانها مطولاً في المادتين الأولى والثانية من هذا القانون فهي العقود العقارية الصادرة بين الأحياء.
وأما الحقوق العينية التي تقرر بطريق الوراثة والوصية فظلت نافذة على الغير دون تسجيل على أن اللجنة الدولية المشار إليها قد أوصت بالإشارة إليها في السجلات العقارية لإعلام الغير بها.
وأما الحقوق العينية العقارية التي يوقفها صاحبها على ذلك الشخص المعنوي جهة البر التي لا تنقطع فغير خاضعة لقواعد التسجيل هذه ومتروك تسجيلها بالسجل المعد لها بالمحكمة الشرعية الكائن بدائرتها العقار طبقًا للمادة (5) من قانون نمرة (33) سنة 1920 وهذا التسجيل لا يختلف عن النظام المتبع في أقلام التسجيل المختلط إذ لديها دفتر يسمى (المضبطة) وفيه تضبط الإشهادات كاملة النص ويمضيها المشهد والقاضي ودفتر آخر يسمى (السجل) تنقل فيه ملخصات المضبطة كما تثبت فيه الملخصات المرسلة من المحاكم الأخرى في الإشهادات المضبوطة فيها والمتعلقة بعقارات واقعة في دائرة المحكمة طبقًا للمادة (374) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ولكل من الدفترين (دفتر فهرست) تثبت فيه البيانات التي تمكنهما من البحث في أيهما.
على أن هذا التسجيل ولو أن فيه الضمان لحقوق الغير إلا أن توحيد التسجيلات في قلم واحد أمر مستحسن اقتصادًا للوقت وتسهيلاً للمعاملات بدلاً من أقلام التسجيلات الثلاثة الأهلية والمختلطة والشرعية.
على أن إنشاء الملكية وانتقالها وزوالها لا يأتي من طريق التعاقد فقط بل إن هناك أحكامًا منشئة ومغيرة لحق عيني عقاري كأحكام مرسي المزاد، والأحكام الصادرة في قضايا الشفعة وفي الدعاوى المقامة بشأن الطعن على عقود ناقلة للملكية والقاضية بإبطالها فشأنها شأن الحقوق العقارية من وجوب تسجيلها لكي تكون نافذة على المتخاصمين أنفسهم وقد كان يسجلها قلم الكتاب من تلقاء نفسه طبقًا للمواد (639) و(640) من القانون المدني الأهلي و(771) و(773) من القانون المدني المختلط والمادة (18) من قانون الشفعة الأهلي والمختلط وأما أمر التسجيل أصبح والحالة هذه من التزامات ذوي الشأن تحت جزاء عدم نفاذها على المتخاصمين أنفسهم فمسؤولية عدم تسجيلها تقع على من صدرت لمصلحته هذه الأحكام دون قلم الكتاب الذي رفع عن عاتقه ذلك العبء الذي تحمله سنين بضمانة الحكومة.
جاءت المادة الثانية متضمنة وجوب تسجيل الأحكام النهائية المقررة لحقوق الملكية أو الحقوق العينية العقارية على أن هذا الوجوب على إطلاق نصه لا يسري على ما يتعلق منها بحق عيني ناشئ عن الوصية أو الوراثة فبما أن هذه الحقوق نفسها غير خاضعة للتسجيل فيجب كذلك أن يكون الأمر بالنسبة للحكم الذي يصدر مؤيدًا لها، شأن الحكم في القسمة الحاصلة بالتراضي عن ميراث هو شأن عقد القسمة نفسه التي حصلت بالتراضي بين الورثة فلا يسجل.
وأما الأحكام المقررة لغير الحقوق المتقدمة فما كان منها مؤيد لحق عيني مسجل فلا محل لتسجيل الحكم لأنه تحصيل حاصل.
وأما القسمة التي تحصل عن شيوع حاصل بغير طريق الوراثة فلا بد من تسجيل عقدها وإذا صدر حكم بشأن نزاع في هذه القسمة فلا بد من تسجيله إذا لم يسبق تسجيل العقد.
أراد المشرع في هذا القانون أن يقضي على الدعاوى الكيدية وعلى الطرق الغير الشريفة التي يلجأ إليها كثير من المتخاصمين لإطالة أمد النزاع وعرقلة تنفيذ الأحكام ولقد رأينا خصومًا غير قليلين يتمادون في التفنن في هذا الاحتيال وفي إيجاد مشاكل عديدة يعوقون بها صاحب الحق الذي بذل من الصبر والوقت والمال ما بذله إلى أن وصل إلى تقرير حقه بحكم قضائي ويجد نفسه وقت تنفيذه أمام شخص يتصدى له بدعوى المشتري من خصمه بعقد تسجل أثناء النزاع وقد يتقوى هذا المدعي إذا آنس من صاحب الحكم ضعف إثبات التواطؤ بينه وبين خصمه بالأمس ويصبح الحكم الذي وصل إليه بعد طول عناء غير مجدٍ لأنه غير معتبر علمًا وقضاءً حجة على هذا المشتري الذي صار (غير) بتسجيل عقده.
إن نظرية الغير وعدم الاهتداء إلى إثبات طرق الاحتيال إنما يرجع سببها إلى ما يدعيه المشتري عن عدم علمه بالنزاع الذي كان قائمًا وقت المشتري لذلك أحسن القانون الجديد صنعًا بما قرره في المواد السابعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة منه من وجوب التسجيل أو التأشير على هامش سجل المحررات بما يقدم ضدها من دعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع فيها واستحقاق حق عيني والتسجيل أو التأشير بمنطوق الأحكام الصادرة فيها لكي تكون حجة على من ترتبت لهم حقوق وعلى أصحاب الديون العقارية ابتداءً من تاريخ تسجيل الدعوى أو التأشير بها ولأجل أن تكون الدعاوى هذه حجة على الغير من ذوي الجنسية الأجنبية يجب أن يطلب صاحب الشأن قيد التسجيلات والتأشيرات المشار إليها آنفًا من أقلام التسجيل المختلط.
ولما كانت رغبة الشارع حصر كافة الحقوق العينية في دفاتر التسجيل لإعلام الغير بها قرر أنه لا يصح التمسك في وجه الغير بتحويل دين مضمون برهن عقاري أو بامتياز عقاري ولا التمسك بالحق الناشئ من حلول شخص محل الدائن في هذه الحقوق بحكم القانون أو بالاتفاق ولا التمسك كذلك بالتنازل عن ترتيب الرهن العقاري إلا إذا حصل التأشير بذلك بهامش التسجيل الأصلي ويتم التأشير بناءً على طلب المحول إليه أو الدائن المرتهن أو الذي حل محل الدائن السابق ويشتمل التأشير على تاريخ السند وصفته وعلى أسماء الطرفين وألقابهم وصناعاتهم ومحال إقامتهم وعلى بيان التسجيل الأصلي مع نمرته المسلسلة وتاريخ ورقم صحيفة السجل (المادة (13) من القانون المذكور) وبذلك أصبحت أحكام المواد (433) من قانون المرافعات الأهلي و(495) من القانون المختلط ملغية ولا يُعمل بها ما لم يكن التحويل مسجلاً.
إن القانون الذي أتينا على شرحه لم يترك نظام التسجيل على حاله بعد أن رأى الشارع أن طريقة نسخ العقود في دفاتر التسجيل دون بحث وحالتها تدعو إلى الأسف الشديد لترك تحريرها إلى مقدرة المتعاقدين ودون تذليل الصعوبات الجمة التي تصادف صاحب العقار إذا ما أراد تعيينه من واقع البيانات الواردة في عقده وقد أحصت لجنة التسجيلات العقارية المشار إليها في صدر هذا المقال – عقود بيع خاصة بأطيان واقعة في بلدتين اختارتهما عفوًا (بلدة كوم الأحمر مركز بني سويف وناحية أبو الغيط مركز قليوب) عن المدة من سنة 1876 إلى سنة 1917 بقصد الوقوف على نسبة العقود الواضحة فيها بيانات تؤدي إلى هذا التعيين – فأفضى فحص العقود هذه – التي بلغت في البلدتين معًا ما يقرب من الألف وتسعماية عقدًا – على أن أربعة في الماية منها أمكنها الوقوف على موقع العين المبيعة واثنين وعشرون في الماية لم يستدل على موقعها قاطبةً وأما الباقي فقد استدل على الحوض الواقعة فيه العين ولم يهتد على موقع القطعة في هذا الحوض.
فلا غرابة والحالة هذه إذا رأينا في القضايا العديدة يتناقض آل الخبرة في تعيين مركز المتخاصمين ومستنداتهم لا تؤدي إلا إلى هذا التضارب المعيب هذا فضلاً عما ثبت قضاءً من أن كثيرًا من العقود يطعن عليها بإنكار الإمضاءات الموقع عليها ولا يخفى ما وراء هذا الإنكار من الإجراءات القضائية (المواد (255) مرافعات أهلي وما بعدها و(294) مختلط وما بعدها) ومن ضعف الإثبات، فكان على الشارع أن يعدل عن طريقة التسجيل المتبعة فقرر أسوةً بالشارع الفرنسي في القانون الصادر في 24 يولية سنة 1921 بوجوب تقديم العقد من ثلاث أصول محررة بالمداد الأسود على ورق خاص يراجعها أقلام التسجيل على نفقة الطالب وإن تقدم العقد من نسخة واحدة فتصور هذه النسخة تصويرًا شمسيًا من نسختين بمعرفة مصلحة المساحة وتسلم إحداهما للطالب وتوضع النسخة الأصلية داخل ملف يحفظ بقلم الرهون ويحل محل دفاتر التسجيل الحالي بعد التصديق على الإمضاءات وأختام طرفي المتعاقدين وبعد بحث استيفاء البيانات الخاصة بموضوعها والمفيدة للدلالة على شخصية الطرفين وتعيين العقار بالذات وعلى الأخص أسماء الطرفين ومحلات إقامتهم وأسماء آبائهم وأجدادهم لآبائهم وبيان الناحية واسم ونمرة الحوض ونمرة القطعة إذا كانت واردة في قوائم فك الزمام وكذلك حدود ومساحة القطع بأدق بيان مستطاع وفي عقود البيع والبدل يذكر أصل الملكية واسم المالك السابق وتاريخ ونمرة تسجيل عقده إذا كان مسجلاً، وتسهيلاً لمراعاة هذه البيانات تقدم الحكومة لأرباب الشأن نماذج مطبوعة لأهم العقود التي ينص القانون بتسجيلها (المواد (3) و(5) و(6) في ذلك القانون).
إن المحررات الواجب تسجيلها بأقلام الرهون المختلط كان يقدمها أربابها إلى قلم الرهون التابع له العقار وكانوا يتحملون مشاق الانتقال من بلدتهم إلى مركز هذه الأقلام فتسهيلاً لهم أنشأت الحكومة مأموريات في كل من مديريات الغربية والشرقية والمنوفية وبني سويف والفيوم والمنيا وأسيوط وجرجا وقنا وجعلت اختصاصها استلام المحررات الواجبة التسجيل وتقدير رسومها واستلام طلبات الشهادات العقارية والتصديق على إمضاءات وأختام المتعاقدين وما تستلمه من العقود ترسله إلى قسم المساحة المحلي لمراجعة البيانات الخاصة بتعيين العقار والتأشير على خريطة فك الزمام بموقع العين بما يفيد التصرف فيها.
هذه هي التعديلات القيمة التي أعادت إلى العقود قوة إثباتها وإلى المتعاقدين مركزهم القانوني وإلى العقار المبيع تعيين موقعه وإلى الغير رفع جهالته فحق للجنة التسجيلات أن تسير في طريقها إلى أن تصل إلى إنشاء كتاب التسجيلات العقارية وهي في هذا السبيل مجدة وقد رأيناها في شبين الكوم تتعهد أعمال مسح الأراضي قطعةً قطعة ونقلها بحدودها ومواقعها إلى صحف السجلات الجديدة ووجدناها في طنطا تعاين الأعمال التي يعملها عمال مصلحة المساحة من هذا القبيل.
اترك تعليقاً