مناقشة قانونية للمسؤولية الجنائية في جرائم الصحافة
يؤكد الدستور أن العقوبة شخصية وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ( م1 عقوبات عام ) إضافة إلى أنه لامساغ للقياس في الأمور الجزائية
وتقضي القواعد العامة في المسؤولية الجنائية بأن تقع المسؤولية عن الجريمة على من ارتكب عمداً الفعل المكون لها أو دخل في ارتكابه بإتيانه عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها فهذا الشخص يعد مسؤولاً بوصفه فاعلاً للجريمة كما يسأل معه الشريك والمتدخل وتبعة المحرض مستقلة وإن لم يفض التحريض إلى نتيجة هذا كله إذا ما توافرت أركان التحريض أو الشراكة أو التدخل .
وعليه فإن المدير المسؤول ورئيس التحرير يدخلان إلى جانب المحرر أو الكاتب أو رسام الكاريكاتير أو المصور الصحفي في المسؤولية الجنائية ، وقد تشمل أيضاً المستورد والطابع والبائع والموزع والملصق وذلك إذا تعذر معرفة مرتكب الجريمة دون أن نغفل المالك فيما لو ثبت اشتراكه أيضاً وتتعدد المبررات لتوسيع نطاق المسؤولية الجنائية عن جرائم الصحافة منها تعدد الأطراف المشاركة في الفعل المكون لجريمة الصحافة ، فهناك المحرر أو الكاتب أو الرسام أو المصور بجانب المدير المسؤول ورئيس التحرير أو الطابع ولكل منهم دور في ارتكاب الجريمة سواء كفاعل أصلي أو شريك باتخاذ قرار النشر أو تنفيذه كما يتعذر تحديد المسؤولية الجنائية عندما تكون المادة الصحفية المتعلقة بها بدون توقيع الأمر الذي يلقي بالمسؤولية على عاتق رئيس التحرير بوصفه المسؤول عن رسم السياسة التحريرية للجريدة وتنفيذها .
ويمكننا أن نستخلص ثلاث حالات لتحديد المسؤولية الجنائية عن جرائم الصحافة وهي :
1- المسؤولية المشتركة .
2- المسؤولية المفترضة .
3- المسؤولية بالتعاقب .
1- المسؤولية المشتركة :
نصت المادة 4 قانون مطبوعات على أن المسؤولين كفاعلين أصليين في العقوبات التي تفرض على المخالفات الواقعة بمقتضى هذا القانون هم المدير المسؤول ورئيس التحرير والمؤلف .
أما صاحب المطبوعة فرداً كان أم شركة فإنه يعتبر مسؤولاً بالمال عن نفقات المحاكمة والرسوم وبدل العطل والضرر الذي يحكم به لمصلحة الأفراد وإذا ثبت اشتراكه الفعلي في إدارة المطبوعة وتحريرها فإنه يعتبر كالمدير المسؤول إذ كلاً من أصحاب المطابع والمكاتب ودور النشر مسؤول بالمال عن بدل العطل والضرر الذي يحكم به من جراء المخالفات القانونية التي يرتكبها الأشخاص الذين في خدمتهم .
وهكذا أقر المشرع قاعدة المسؤولية المشتركة بين المدير المسؤول ورئيس التحرير ومالك المطبوعة إذا ثبت اشتراكه الفعلي من جهة وبين المحرر أو المؤلف أو الرسام أو المصور من جهة أخرى ومن ثم يتحمل رئيس التحرير أو من يقوم مقامه المسؤولية كفاعل أصلي بصفته المسؤول عن نشر وتداول المادة الصحفية المكونة لفعل الجريمة .
2- المسؤولية المفترضة :
وبحكم قاعدة المسؤولية المفترضة فإن رئيس التحرير المسؤول مسؤولية مفترضة عن كل ما ينشر في جريدته من مواد صحيفة فهو الذي يرسم سياستها التحريرية ويتابع تنفيذها ومن ثم يفترض أنه يراجع أو يعهد إلى مساعديه مراجعة كل ما ينشر .
وعندما تتوافر أركان الجريمة فيما تنشره الجريدة فإن مسؤولية رئيس التحرير قائمة بافتراض عدم مباشرته لمسؤولياته وتراخيه في تحري الدقة قبل النشر وعدم المام مساعديه بالقواعد القانونية المتعلقة بجرائم الصحافة وتقصيرهم بعدم الرجوع إليه واستشارته قبل النشر .
ومما لاشك فيه بأن الإبقاء على هذه القاعدة يجافي العدالة ويطرح احتمال الطعن في دستورية المادة (4) قانون مطبوعات عام فالمسؤولية الجنائية عن جرائم النشر يجب أن تكون شخصية ولا يسأل رئيس التحرير جنائياً إلا إذا قام الدليل على حصول النشر بموافقته وتعذر معرفة الصحفي المسؤول عن النشر .
3- المسؤولية بالتعاقب :
يرجع مبدأ المسؤولية بالتعاقب إلى القانون البلجيكي ويعني هذا المبدأ ترتيب الأشخاص الذين يمكن أن تقع عليهم المسؤولية بحيث لا يسأل أي منهم كفاعل أصلي إذا وجد غيره مما قدمه القانون عليه في الترتيب وبمقتضى أحكام قانون المطبوعات يأتي ترتيب المسؤولية بالتعاقب على النحو التالي:
1- المؤلف ( محرر أو كاتب أو رسام أو مصور صحفي أو مترجم ) ورئيس التحرير والمدير المسؤول ومالك المطبعة إذا ثبت اشتراكه الفعلي .
2- مالك المطبعة إذا تعذر معرفة المحرر أو رئيس التحرير أو المدير المسؤول ينطبق ذلك على حالة النشرات السرية التي تصدر عن جهة مسؤولة .
3- الباعة والموزعون والملصقون إذا تعذرت معرفة المسؤول عن النشر أو مالك المطبعة ويعفى هؤلاء من المسؤولية إذا ظهر من ظروف الدعوى أنه لم يكن في وسعهم معرفة محتويات الصحف أو المجلات أو المطبوعات في كتابة أو رسوم أو صور أو غيرها .
4- المستوردون الوسطاء في حالة المطبوعات الأجنبية المصادرة لتضمنها ما يمس النظام العام أو سمعة أو الآداب العامة .
إذا تعذر معرفة الشخص الذي يسبقه في الترتيب أما إذا تم تحديده فتنتقل المسؤولية الجنائية إلى الشخص السابق ويعفى الشخص اللاحق بوصفه مسؤولاً احتياطياً .
ولكن قد يحدث أن يشترك أكثر من طرف المسؤولية الجنائية عندما يتم النشر بالاتفاق فيما بينهم ويتم تحديد المسؤولية وفق طبيعة عمل كل طرف ودوره في ارتكاب الفعل المكون للجريمة .
اترك تعليقاً