خلاصة البيوع الممنوعة في الإسلام
البيوع الممنوعة أو المنهي عنها في الإسلام كثيرة، لا فرق فيها عند الجمهور بين باطل وفاسد، وفرق الحنفية بينهما، كما تقدم، وقد عرفنا طائفة من هذه البيوع،أذكر هنا أهمها بالنظر إلى سبب الخلل الذي صاحبها، وهو أنواع أربعة:
بسبب أهلية العاقد: وبسبب الصيغة، وبسبب المعقود عليه أو محل التعاقد، وبسبب اقتران العقد بوصف أو شرط أو نهي شرعي.
أولاً ـ البيوع الممنوعة بسبب أهلية العاقد :
اتفق الفقهاء على أنه يصح البيع من كل بالغ عاقل مختار مطلق التصرف غير محجور عليه لحق نفسه كالسفيه أو لحق غيره كالمدين. وأما من لا يصح بيعه فهو ما يأتي:
1 – بيع المجنون: لا يصح بالاتفاق، لانعدام الأهلية، ومثله المغمى عليه والسكران والمخدَّر.
2 – بيع الصبي: لا يصح بيع غير المميز اتفاقاً إلا في الشيء اليسير، وأما المميز فلا يصح بيعه عند الشافعية والحنابلة؛ لعدم الأهلية، ويصح بيعه موقوفاً على إذن وليه أو إجازته عند الحنفية والمالكية، فإذا أجيز صار نافذاً، إذ لا يمكن اختباره إلا بتفويض التصرف إليه بالبيع والشراء، عملاً بالآية: {وابتلوا اليتامى…} [النساء:6/4] ويصح تصرف المميز والسفيه بإذن وليهما عند الحنابلة.
3 – بيع الأعمى إذا وصف له المبيع صحيح عند الجمهور، لوجود الرضا، باطل غير صحيح عند الشافعية لقصوره في إدراك الجيد والرديء، فيكون المعقود عليه في حقه مجهولاً.
4 – بيع المكره: موقوف غير نافذ كالفضولي على التحقيق عند الحنفية، فإذا أجازه المكره بعد زوال الإكراه نفذ. وغير لازم في رأي المالكية، فيكون له الخيار بين فسخ العقد وإمضائه، وغير صحيح في مذهبي الشافعية والحنابلة لعدم توافر الرضا عند إبرام العقد.
5 – بيع الفضولي : صحيح موقوف على إجازة المالك الحقيقي في رأي الحنفية والمالكية؛ لأن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق. ولا يصح أصلاً عند الشافعية والحنابلة، للنهي عن بيع ما لم يملكه الإنسان، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
6 – بيع المحجور عليه : بسبب السفه أو الإفلاس أو المرض: أما السفيه المبذر فبيعه موقوف عند الحنفية والمالكية وفي الراجح لدى الحنابلة، ولا يصح في رأي الشافعية لعدم أهليته، وعدم اعتبار كلامه. وأما المفلس بسبب الحكم عليه بالإفلاس لحق الدائنين الغرماء فتصرفه بالبيع موقوف عند الحنفية والمالكية، غير صحيح لدى الشافعية والحنابلة.
وأما المريض مرض الموت فتبرعاته عند الجمهور غير المالكية نافذة في حدود ثلث التركة، موقوفة في الزائد عن الثلث على إجازة الورثة. ولا ينفذ تبرعه من الثلث في مذهب المالكية في المنقول، وينفذ من العقار كدار وأرض وشجر ونحوها مما لا يخشى تغييره.
7 – بيع المُلْجَأ : وهو المضطر إلى البيع لتهريب أمواله من وجه ظالم. وبيعه فاسد عند الحنفية، باطل عند الحنابلة.
ثانياً ـ البيوع الممنوعة بسبب الصيغة :
يصح البيع بالاتفاق بتراضي العاقدين، وتوافق الإيجاب والقبول فيما يجب التراضي عليه من مبيع وثمن وغيرهما، وكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد دون أن يحدث بينهما فاصل. ولا يصح البيع في حالات، منها ما يأتي:
1 – بيع المعاطاة : المعاطاة: أن يتفق العاقدان على ثمن ومثمن، ويعطيا من غير إيجاب ولا قبول، وقد يوجد لفظ من أحدهما. وهو بيع صحيح عند الجمهور؛ لأن البيع ينعقد بكل ما يدل على الرضا بتبادل الملك في الأموال، سواء بالصيغة المعبرة عن الإرادة صراحة من إيجاب وقبول، أم بما يدل على الرضا عرفاً، اعتباراً بعرف الناس واحتراماً لعاداتهم السائدة فيما بينهم، ما لم تصادم نصاً من نصوص الشرع. فيصح البيع باللفظ أو الإشارة أو بغيرهما، ما دام يدل على المقصود من العلم بتراضي العاقدين، ولم يثبت اشتراط لفظ، فيرجع للعرف كسائر الألفاظ المطلقة. ولا ينعقد البيع بالمعاطاة عند الشافعية ( ) ، بل لا بد من الإيجاب والقبول في كل عقد بيعاً وإجارة ورهناً وهبة ونحوها؛ لأن اسم البيع لا يقع عليه، ولعدم توافر الدليل الظاهر المطلوب شرعاً الدال على الرضا؛ لأن البيع منوط بالرضا، لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) } [النساء:29/4] ولقوله صلّى الله عليه وسلم : «إنما البيع عن تراض» ( ) والرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر، وهو الصيغة، فلا ينعقد بالمعاطاة، إذ الفعل لا يدل بوضعه، فيكون المقبوض بالمعاطاة كالمقبوض ببيع فاسد، فيطالب كل عاقد صاحبه بما دفع إليه إن بقي، وببدله إن تلف.
وأجاز بعض الشافعية كابن سريج والرُوياني المعاطاة في المحقَّرات: وهي ماجرت العادة فيها بالمعاطاة، كرطل خبز، وحزمة بقل. وقال بعضهم: كل من وسم بالبيع، اكتفي منه بالمعاطاة، كالعامي والتاجر، وكل من لم يعرف بذلك لا يصح منه إلا باللفظ. وقال النووي في المجموع: وأما إذا كان يأخذ من البياع ويحاسبه بعد مدة ويعطيه، كما يفعل كثير من الناس، فإنه باطل بلا خلاف؛ لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة. وصحح النووي المعاطاة، فقال: المختار والراجح دليلاً الصحة؛ لأنه لم يصح في الشرع اعتبار لفظ، فوجب الرجوع إلى العرف، كغيره من الألفاظ ( ) .
2 – البيع بالمراسلة أو بواسطة رسول : يصح اتفاقاً، ويكون مجلس التعاقد هومجلس بلوغ الرسالة من العاقد الأول إلى العاقد الثاني، فإن تم القبول بعد هذا المجلس لم ينعقد العقد.
3 – بيع الأخرس بالإشارة المفهومة أو الكتابة : صحيح اتفاقاً، كالنطق من الناطق، للضرورة؛ لأن ذلك يدل على ما في فؤاده، كما يدل عليه النطق من الناطق، فإن لم تكن له إشارة مفهومة ولا يحسن الكتابة لم يصح عقده.
4 – البيع مع غائب عن مجلس العقد: لا يصح اتفاقاً؛ لأن اتحاد المجلس شرط لانعقاد البيع.
5 – البيع مع عدم تطابق القبول والإيجاب : لا يصح اتفاقاً، إلا إذا كانت المخالفة إلى خير، كزيادة المشتري على الثمن المتفق عليه، يصح بها العقد عند الحنفية، ولا يصح عند الشافعية.
6 – البيع غير المنجز : وهو المعلق على شرط أو المضاف لوقت في المستقبل: فاسد عند الحنفية، باطل عند الجمهور.
ثالثاً ـ البيوع الممنوعة بسبب المعقود عليه (محل التعاقد ) :
المعقود عليه بالمعنى الأعم: هو المال المبذول من كلا المتعاقدين، ويسمى أحد البدلين مبيعاً، ويسمى الآخر ثمناً.
وقد اتفق الفقهاء على صحة البيع إذا كان المعقود عليه مالاً متقوماً محرزاً موجوداً، مقدوراً على تسليمه، معلوماً للعاقدين، لم يتعلق به حق الغير، ولم ينه عنه الشرع. واختلفوا في صفة بعض البيوع المنهي عنها على النحو التالي:
1 – بيع المعدوم أو ماله خطر العدم : كبيع المضامين (ما في أصلاب الذكور) والملاقيح (ما في أصلاب الإناث) وحبل الحبلة (نتاج النتاج) : باطل لا ينعقد باتفاق أئمة المذاهب الأربعة، للنهي عنه في الأحاديث الصحيحة.
2 – بيع معجوز التسليم : كالطير في الهواء والسمك في الماء، باطل لا ينعقد باتفاق المذاهب، للنهي الثابت عنه في السنة.
3 – بيع الدين نسيئة : وهو بيع الكالئ بالكالئ: باطل اتفاقاً، للنهي عنه شرعاً. وبيع الدين للمدين في الحال جائز اتفاقاً، وبيع الدين لغير المدين في الحال باطل عند الحنفية والحنابلة والظاهرية، جائز في المذاهب الأخرى.
4 – بيع الغرر الفاحش أو غير اليسير : وهو غير المتحقق الموجود، لا يصح اتفاقاً للنهي عنه، لكن منه ما هو باطل اتفاقاً كبيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة، ومنه ما هو فاسد في اصطلاح الحنفية باطل عند غيرهم: وهو بيع ضربة القانص والغائص والمزابنة (بيع الرطب على النخل، والعنب على الكرمة بثمر مقطوع، بالحزر والتخمين) والمحاقلة (بيع الحنطة في سنبلها بمثلها بالحرز والتخمين) والملامسة (تنجيز البيع بمجرد اللمس) والمنابذة (إبرام البيع بمجرد نبذ المبيع إلى المشتري أو بنبذ أحد المبيعات) وبيع الحصاة (ما تقع عليه الحصاة)، وبيع المجهول من أصناف متعددة أكثر من ثلاثة. قال ابن جزي المالكي ( ) :
الغرر الممنوع عشرة أنواع:
النوع الأول ـ تعذر التسليم كالبعير الشارد، ومنه بيع الجنين في البطن دون بيع أمه، وكذلك استثناؤه في بطن أمه، وكذلك بيع ما لم يخلق كبيع حبل الحبلة: وهو نتاج ما تنتج الناقة، وبيع المضامين: وهي ما في ظهور الفحول.
النوع الثاني ـ الجهل بجنس الثمن أو المثمون: كقوله: بعتك ما في كمي.
النوع الثالث ـ الجهل بصفة أحدهما، كقوله: بعتك ثوباً من منزلي، أو بيع الشيء من غير تقليب ولا وصف.
النوع الرابع ـ الجهل بمقدار المبيع أو الثمن، مثل الثاني: بعت منك بسعر اليوم، أو بما يبيع الناس، أو بما يقول فلان إلا بيع الجزاف يجوز.
ومثال الأول: لايجوز بيع القمح في سنبله للجهل به، ويجوز بيعه مع سنبله، خلافاً للشافعي، وكذلك لايجوز بيعه في تبنه، ويجوز بيعه مع تبنه، ولا يجوز بيع تراب الصاغة، ويجوز بيع الفول الأخضر والجوز واللوز في القشر الأعلى، خلافاً للشافعي.
النوع الخامس ـ الجهل بالأجل: مثل بعتك إلى قدوم زيد أو إلى موت عمرو، ويجوز أن يقول: إلى الحصاد، أو إلى معظم الدراس أو إلى شهر كذا، ويحمل على وسطه.
النوع السادس ـ بيعتان في بيعة: وهو أن يبيع مبيعاً واحداً بأحد ثمنين مختلفين، أو يبيع أحد مبيعين بثمن واحد، فالأول: أن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة نقداً، أو بعشرين، إلى أجل، على أن البيع قد لزم في أحدهما. والثاني ـ أن يقول: بعتك أحد هذين الثوبين بكذا، على أن البيع قد لزم في أحدهما.
النوع السابع ـ بيع ما لا ترجى سلامته، كالمريض في السباق.
النوع الثامن ـ بيع الحصى: هو أن يكون بيده حصى، فإذا سقطت وجب البيع.
النوع التاسع ـ بيع المنابذة: وهو أن ينبذ أحدهما ثوبه إلى الآخر، وينبذ الآخر ثوبه إليه، فيجب البيع بذلك.
النوع العاشر ـ بيع الملامسة: وهو أن يلمس الثوب، فيلزمه البيع بلمسه، وإن لم يتبينه. وحاصل هذه الأنواع يرجع إلى بيع معجوز التسليم، وبيع المجهول، وبيع الأشياء المحتملة، وبيع الحصى وبيع المنابذة وبيع الملامسة.
5 – بيع النجس والمتنجس : لا يصح اتفاقاً بيع النجس كالخمر والخنزير والميتة والدم، ولا يصح عند الجمهور أيضاً بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالسمن والزيت والعسل الذي وقعت فيه نجاسة كفأرة مثلاً. وأجاز المالكية الاستصباح وعمل الصابون بالزيت النجس، وأباح الحنفية بيع المتنجس لغير الأكل كالدبغ والدهان والاستضاءة في غير المسجد، ما عدا دهن الميتة، فإنه لا يحل الانتفاع به، تنزهاً عن فعل اليهود، حينما حرمت عليهم الميتة أذابوها وباعوها وأكلوا ثمنها. وكذلك بيع المعازف (آلات الطرب) لا يصح في رأي الجمهور للنهي عن الانتفاع بها، وأجاز الظاهرية وبعض المالكية بيعها، للأحاديث الثابتة الدالة على جواز ضرب الدف ونحوه.
6 – بيع الماء : يجوز عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة بيع الماء المملوك، أو المحرز في الأواني، أو ماء العين أو البئر. وقال الظاهرية: لا يحل بيع الماء مطلقاً. واتفق العلماء على أنه لا يصح بيع الماء المباح أي الماء العام المشترك بين الناس؛ لأن الناس شركاء فيه وفي النار والكلأ والملح.
7 – بيع المجهول : البيع المشتمل على جهالة فاحشة في المبيع أو الثمن أو الأجل أو نوع المرهون أو الكفيل فاسد عند الحنفية، باطل في رأي الجمهور؛ لأنه يفضي إلى النزاع والخلاف.
8 – بيع الشيء الغائب عن المجلس أو غير المرئي : يصح في رأي الحنفية من غير رؤية ولا وصف، وللمشتري الخيار عند الرؤية، ويصح في رأي المالكية على الصفة، ويثبت فيه خيار الرؤية. ولا يصح مطلقاً عند الشافعية، والحنابلة في الأظهر.
لكن اشترط المالكية ( ) في البيع على الصفة خمسة شروط:
الأول ـ ألا يكون بعيداً جداً كالأندلس وإفريقية.
الثاني ـ ألا يكون قريباً جداً كالحاضر في البلد.
الثالث ـ أن يصفه غير البائع.
الرابع ـ أن يحصر الأوصاف المقصودة كلها.
الخامس ـ ألا ينقد ثمنه بشرط من البائع إلا في المأمون التغير كالعقار. ويجوز النقد من غير شرط.
ثم إن خرج المبيع على حسب الصفة والرؤية لزم البيع، وإن خرج على خلاف ذلك، فللمشتري الخيار.
ويجوز بيع ما في الأعدال من الثياب على وصف البرنامج ( ) ، بخلاف الثوب المطوي دون تقليب ونشر.
9 – بيع الشيء قبل القبض:
لا يجوز في رأي الحنفية بيع المنقول قبل القبض، للنهي عنه، ويجوز بيع العقار قبل القبض؛ لأنه مأمون التغير غالباً. ولا يجوز إطلاقاً في رأي الشافعية، لعموم النهي: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» ( ) . وخصص المالكية المنع في الطعام، سواء أكان ربوياً أم غير ربوي. وقصر الحنابلة المنع على الطعام المكيل أو الموزون أو المعدود، لحديث: «إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه» ( ) .
10 – بيع الثمار أو الزروع: باطل لا ينعقد اتفاقاً إذا كان قبل أن تخلق؛ لأنه معدوم. أما بعد أن تخلق: فإن كان قبل بدو الصلاح بشرط الترك أو الإبقاء، فلا يصح إجماعاً، والبيع فاسد عند الحنفية، باطل عند الجمهور. وإن كان بشرط القطع في الحال فيصح بالإجماع، وهو صحيح عند الحنفية إذا كان البيع مطلقاً عن الشرط، غير صحيح عند الجمهور.
وإن كان بعد بدو الصلاح، جاز بيعه على المفتى به عند الحنفية من رأي محمد بن الحسن ولو بشرط الترك إن تناهى عظمه، ويفسد إن لم يتناه عظمه. ويجوز بيعه مطلقاً ولو بشرط الترك في رأي الجمهور.
رابعاً ـ البيوع الممنوعة بسبب وصف أو شرط أو نهي شرعي :
يصح البيع اتفاقاً إذا اكتملت أركانه وشروطه، ولم يكن مشتملاً على صفة ضارة بالمجتمع، أو شرط مخالف لمقتضى العقد، أو لاعتبارات أخرى خارجة عن العقد، كما في الحالات التالية:
1 – بيع العَرَبون : لا يجوز عند الجمهور للنهي عنه في السنة، ويعد فاسداً عند الحنفية، باطلاً عند المالكية والشافعية إن كان على ألا يرد البائع العربون إلى المشتري، إذا لم يتم البيع بينهما. فإن كان على أن يرده إليه إذا لم يتم البيع، فهو جائز.
وهو جائز لا بأس به عند الحنابلة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم أحله، لكن لم يثبت حديث كل من الفريقين.
2 – بيع العينة : وهو أن يظهر العاقدان فعل ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز، فيمنع ويقع باطلاً في رأي المالكية والحنابلة، للتهمة سداً للذرائع. وهو فاسد في رأي أبي حنيفة إن خلا من توسط شخص ثالث، وصحيح مع الكراهة في رأي الشافعية والظاهرية.
وبيع العينة ثلاثة أنواع ( ) :
الأول ـ أن يقول رجل لآخر: اشتر لي سلعة بكذا، وأربحك فيها كذا، مثل أن يقول: اشترها بعشرة، وأعطيك فيها خمسة عشر، إلى أجل، فإن هذا يؤول في رأي الإمام مالك إلى الربا؛ لأن مذهب مالك النظر إلى ما خرج عن اليد، ودخل فيه، ويلغي الوسائط، فكأن هذا الرجل أعطى لأحد عشرة دنانير، وأخذ منه خمسة عشر ديناراً إلى أجل، والسلعة واسطة ملغاة.
الثاني ـ لو قال: اشتر لي سلعة، وأنا أربحك فيها، ولم يسمّ الثمن، فهذا مكروه، وليس بحرام في مذهب مالك.
الثالث ـ أن يطلب السلعة عنده فلا يجدها، ثم يشتريها الآخر من غير أمره، ويقول: قد اشتريت السلعة التي طلبت مني، فاشترها مني إن شئت، فيجوز أن يبيعها نقداً أو نسيئة بمثل ما اشتراها به أو أقل أو أكثر.
3 – بيع الربا : ربا النسيئة وربا الفضل فاسد عند الحنفية، باطل عند الجمهور للنهي الثابت عنه في القرآن والسنة النبوية معاً.
4 – البيع بثمن محرَّم كالخمر والخنزير : فاسد عند الحنفية فينعقد بالقيمة، باطل عند الجمهور؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم ـ في حديث البخاري ومسلم ـ حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
5 – بيع حاضر لباد ( ) من الذين لا يعرفون الأسعار، وقيل: لكل وارد على مكان وإن كان من مدينة، وهذا هو المقصود الحقيقي من نهي الشرع. وهو بيع حرام لا يجوز للنهي عنه، وعلة النهي نبه عليها صلّى الله عليه وسلم بقوله: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» ( ) وذلك رفقاً بأهل البلد، فالشارع لاحظ مصلحة الجماعة وقدمها على مصلحة الواحد، ومنع أيضاً الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم في الرخص وقطع الموارد عنهم، وصورته: أن يجيء البلد غريب بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال، فيأتيه الحاضر، فيقول: ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر. وللفقهاء تخصيصات لعموم هذا النهي ( ) ، فقالت الحنفية: إنه يختص المنع (أي كراهة التحريم) من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر.
وقال الشافعية والحنابلة: إن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة من يريد بيعها بسعر الوقت في الحال، فيأتيه الحاضر، فيقول: ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر. قال ابن حجر في الفتح: فجعلوا الحكم منوطاً بالبادي ومن شاركه في معناه، وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب، فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين.
وجعلت المالكية البداوة قيداً. وعن مالك: لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلا من كان يشبهه، فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق، فليسوا داخلين في ذلك. وحكم هذا البيع فاسد ويجوز فسخه عند المالكية كالنجش، وصحيح عند الحنفية، وفيه الخيار عند الشافعية والحنابلة.
6 – تلقي الركبان : أي الذين يجلبون إلى البلد أرزاق العباد للبيع، سواء أكانوا ركباناً أم مشاة، جماعة أم واحداً. والتلقي محرم، وقال الحنفية: مكروه تحريماً، للنهي الوارد فيه: «لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد» ( ) وقد خرج الحديث مخرج الغالب في أن الجالب يكون عدداً، ويكون الجالب في الغالب راكباً.
اختلف العلماء في هذا النهي: هل يقتضي الفساد أو لا، فقيل: يقتضي الفساد، وقيل: لا يقتضي ذلك، وهو الظاهر؛ لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لايقتضيه، كما تقرر في الأصول، ولقوله صلّى الله عليه وسلم : «فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق» ( ) قال ابن تيمية في منتقى الأخبار: وفيه دليل على صحة البيع. فالراجح أن هذا البيع وبيع الحاضر للبادي صحيح غير فاسد، وهو رأي الحنفية، ويثبت فيه خيار الغبن عند الحنابلة والشافعية، ولا يجوز لحق أهل الأسواق ويكون فاسداً عند المالكية.
7 – بيع النجش : قال الشافعي: النجش: أن تحضر السلعة تباع، فيعطي بها الشيء، وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوّام، فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون، لو لم يسمعوا سومه.
فالنجش في الشرع: الزيادة في السلعة، ويقع ذلك بمواطأة البائع، فيشتركان في الإثم. وبعبارة أخرى: الزيادة في ثمن السلعة المعروضة للبيع لا ليشتريها، بل ليغر بذلك غيره. وسمي الناجش في السلعة ناجشاً؛ لأنه يثير الرغبة فيها ويرفع ثمنها. وقد أجمع العلماء على أن الناجش عاص بذلك.
وأما حكم البيع فمختلف فيه: فقال الظاهرية: إنه فاسد. وقال المالكية والحنابلة في المشهور عندهم: البيع صحيح ويثبت فيه الخيار للمشتري، إذا غبن فيه غبناً غير معتاد.
وقال الحنفية، والشافعية في الأصح: البيع صحيح مع الإثم، فهو مكروه تحريماً عند الحنفية، حرام عند الشافعية، لكن لا يكره النجش عند الحنفية إلا إذا زاد المبيع عن قيمته الحقة، فإن لم يكن بلغ القيمة فزاد لا يريد الشراء فجائز، ولا بأس؛ لأنه عون على العدالة.
وأما بيع المزايدة أو المزاد العلني وهو البيع ممن يزيد فجائز ليس من المنهي عنه، كما سأبين هنا وكما تقدمت الإشارة إليه.
بيع المزايدة : هو البيع على الصفة التي فعلها النبي صلّى الله عليه وسلم فيما يرويه أحمد والترمذي عن أنس: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم باع قَدَحاً وحِلْساً ( ) فيمن يزيد» وحكى البخاري عن عطاء: أنه قال: أدركت الناس لا يرون بأساً في بيع المغانم فيمن يزيد ( ) . وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن مجاهد قال: لا بأس ببيع من يزيد، وكذلك كانت تباع الأخماس، أي أخماس الغنائم. وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لم يروا بأساً ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث. قال ابن العربي: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث، فإن الباب واحد والمعنى مشترك.
والظاهر الجواز مطلقاً؛ لأن القدح والحلس في حديث أنس المذكور لم يكونا من ميراث أو غنيمة، ويكون ذكرهما خارجاً مخرج الغالب؛ لأنهما الغالب على ماكانوا يعتادون البيع فيه مزايدة ( ) .
وبيع المزاد : أن يعرض البائع السلعة على جمهور الناس، فيزيد في السعر من يشاء، ثم يستقر البيع على الشخص الذي يعرض آخر سعر.
وروي عن إبراهيم النخعي أنه كره بيع المزايدة، واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلم قال في مدبّر: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمان مئة درهم. قال الإسماعيلي: ليس في قصة المدبر بيع المزايدة، فإن بيع المزايدة: أن يعطي به واحد ثمناً ، ثم يعطي به غيره زيادة عليه.
ولفظ حديث أنس عند أبي داود وأحمد: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم نادى على قدح وحلس لبعض أصحابه، فقال رجل: هما علي بدرهم، ثم قال آخر: هما علي بدرهمين» .
8 – البيع وقت النداء لصلاة الجمعة : من حين يصعد الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، وعند الحنفية: من الأذان الأول.
وهو مكروه تحريماً عند الحنفية، صحيح حرام عند الشافعية، ويفسخ في المشهور عند المالكية، ولا يصح أصلاً عند الحنابلة.
9 – بيع العنب لعاصر الخمر: صحيح في الظاهر مكروه تحريماً عند الحنفية وحرام عند الشافعية، لاستيفاء العقد شروطه وأركانه الشرعية، والإثم بسبب النية الفاسدة أو الباعث غير المشروع. ومثله بيع السيف لمن يقتل به غيره ظلماً، وبيع الشبكة لمن يصطاد في الحرم، وبيع الخشب لمن يتخذ منه الملاهي.
وهو باطل في رأي المالكية والحنابلة سداً للذرائع، مثل بيع السلاح في الفتنة أو لقطاع الطريق، وبيع العينة المتخذ وسيلة للربا؛ لأن مايتوصل به إلى الحرام حرام، ولو بالقصد أو النية.
10 – بيع الأم دون ولدها الصغير أو بيعه دونها :
لايجوز حتى يستغني الولد، بسبب التفريق بينهما، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن التفريق بين المحارم، فقال: { من فرّق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } ( ) وأجاز المالكية التفريق بين الولد وبين والده، لكن ورد النهي عن ذلك أيضاً: { لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم من فرق بين الوالد وولده، وبين الأخ وأخيه } ( ) فهذا إن صح أولى بالعمل.
وحكم البيع الأول أنه فاسد لاينعقد في رأي الجمهور. وقال أبو حنيفة: إنه ينعقد البيع.
11 – بيع الإنسان على بيع أخيه :
وصورته: أن يكون قد وقع البيع بالخيار، فيأتي في مدة الخيار رجل، فيقول للمشتري: افسخ هذا البيع، وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أحسن منه. والشراء على الشراء: هو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن. والسوم على السوم: أن يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع، ولم يعقداه، فيقول آخر للبائع: أنا أشتريه منك بأكثر، بعد أن كانا قد اتفقا على الثمن.
وقد أجمع العلماء على تحريم هذه الصور كلها، وأن فاعلها عاص ( ) ؛ للحديث: « لايبع أحدكم على بيع أخيه » ( ) أي في الدين، وهذا في رأي أكثر العلماء خرج مخرج الغالب،فلا اعتبار لمفهومه، وأنه يحرم أيضاً على بيع الكافر. وأما حكم البيع المذكور فمختلف فيه: فذهب الحنفية والشافعية إلى صحته مع الإثم. وذهبت الحنابلة وابن حزم الظاهري والمالكية في إحدى الروايتين عنهم إلى فساده، ولكن المعتمد في رأي المالكية وغيرهم ماعدا ابن حزم: بعد الركون والتقارب ( ) ؛ لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لايحرم اتفاقاً، كما حكى ابن حجر عن ابن عبد البر، فتعين أن السوم المحرَّم: ماوقع فيه قدر زائد على ذلك.
12 – بيع وشرط: وهو الذي يسميه الفقهاء بيع الثنيا، وللفقهاء تفصيل في حكمه.
فقال الحنفية، يفسد البيع بالشرط الفاسد: وهو الذي لايقتضيه العقد ولايلائمه ولا ورد به الشرع، ولايتعارفه الناس، وإنما فيه منفعة لأحد المتعاقدين كأن يشتري شخص قماشاً على أن يخيطه البائع قميصاً. ويصح العقد ويلغو الشرط الباطل: وهو ماكان فيه ضرر لأحد العاقدين، كأن يبيع إنسان شيئاً بشرط ألا يبيعه المشتري أو لا يهبه.
وقال المالكية: يبطل البيع والشرط، إن اقتضى الشرط منع المشتري من تصرف عام أو خاص، خلافاً للحنفية في الشرط الباطل. ويجوز البيع والشرط إن اشترط البائع منفعةنفسه، خلافاً للحنفية أيضاً في الشرط الفاسد. ويجوز البيع ويبطل الشرط إن عاد الشرط بخلل في الثمن، مثل: «إن لم تأت بالثمن إلى ثلاثة أيام، فلا بيع بيننا» فإن قال البائع: ( متى جئتك بالثمن، رددت إلي المبيع ) لم يجز، وهو المعروف عند الحنفية ببيع الوفاء.
ورأى الشافعية: أنه يصح العقد والشرط إن كان فيه مصلحة لأحد العاقدين كالخيار والأجل والرهن والكفالة. ويبطل البيع إن كان الشرط منافياً مقتضى العقد، مثل ألا يبيع المبيع أو لا يهبه، وهذا موافق للمالكية.
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يبطل البيع بشرط واحد فيه منفعة لأحد العاقدين، ويبطل بالشرطين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم : «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك» ( ) .
وبناء عليه، أجمع العلماء إلى أنه لا يجوز اشتراط السلف من أحد المتبايعين، إذا عزم مشترطه عليه، فإن أسقطه جاز البيع عند المالكية، ولم يجز عند الجمهور.
13 – الجمع في صفقة واحدة بين البيع وبين أحد ستة عقود: وهي الجعالة، والصرف، والمساقاة، والشركة، والنكاح، والقراض (المضاربة): هو فاسد ممنوع في المشهور عند المالكية.
وأجازه أشهب، ونقل ابن جزي ( ) أن ذلك وفاق للشافعي وأبي حنيفة.
وأجاز المالكية الجمع بين البيع والإجارة، وبين البيعتين في البيعة ويكون هذا من باب الخيار. ومنع الجمهور ذلك، واعتبر الحنفية البيع فاسداً، والشافعية والحنابلة اعتبروه باطلاً.
البيوع الباطلة لدى الشافعية ( ) :
هي كثيرة، أهمها واحد وثلاثون وهي:
1 – بيع ما لم يقبض إلا في ميراث وموصى به ورزق سلطان عيِّن لمستحق في بيت المال قدر حصته أو أقل، وغنيمة، ووقف، وموهوب استرجع، وصيد في شبكة ونحوها، ومُسْلَم فيه،ومكترى ومشترك ومال قراض، ومرهون بعد انفكاكه.
2 – بيع ما عَجَز عن تسليمه حالاً، كالطير في الهواء، إلا في ستة أشياء وهي: إجارة، وسَلَم، وغلة كثيرة لا يمكن كيلها إلا في زمن طويل، ومغصوب أو آبق لقادر عليه، وعَيْن من منقول أو عقار ببلد آخر و نحوه، فيصح البيع في كل منها وإن عجز عن تسليمه في الحال؛ لأن المشتري يصل إلى غرضه فيها.
3 – بيع حَبَل الحَبَلة: كأن يقول: إذا نُتجت هذه الناقة، ثم نتجت التي في بطنها فقد بعتك ولدها، أو بأن يشتري شيئاً بثمن مؤجل بنتاج ناقة معيَّنة، ثم نتاج ما في بطنها.
4 – بيع المضامين: وهي ما في أصلاب الفحول.
5 – وبيع الملاقيح: وهي ما في بطون الإناث.
6 – بيع بشرط إلا بشرط رَهْن أو كفيل أو إشهاد أو خيار، أو أجل، أو إعتاق، أو براءة من العيوب، فيبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه، أو نقل المبيع من مكان البائع أو قطع الثمار، أو تبقيتها بعد الصلاح، أو بشرط وصف يُقصد ككون الآلة الكاتبة تكتب بلغات معينة، أو بشرط ألا يُسَلِّم البائع المبيع حتى يستوفي ثمنه في الحال، أو بشرط الرد بعيب.
7 – بيع الملامسة: كأن يلمس ثوباً مطوياً أو في ظلمة، ثم يشتريه على ألا خيار له إذا رآه، اكتفاءً بلمسه عن رؤيته.
8 – بيع المنابذة: بإن ينبُذ كل منهما ثوبه على أن أحدهما بالآخر، ولا خيار إذا عَرَفا الطول والعرض، أو بأن ينبذه إليه بثمن معلوم.
9 – بيع المحاقلة: وهو بيع البر في سنبله.
10 – بيع ما لم يُمْلَك إلا في سَلَم، وإجارة وربا واقعين على ما في الذمة، فيصح كل منهما، وإن كانت المنفعة والمسلم فيه والمبيع غير مملوكة حالة العقد، فيصح بيع المسلم فيه، كقدر من البر صفته كذا، وثوب صفته كذا، وإن لم يكن عند المسلم إلىه شيء من البر أو الثياب حال العقد. ويصح إجارة شيء في ا لذمة، كأن أجره دابة في ذمته ليركب عليها إلى مكة مثلاً أول شهر كذا، ولم يكن في ملكه وقت العقد شيء من نوع الدابة ولاجنسها، وبحصلها بعد ذلك. ويصح مبايعة مال ربوي في الذمة بمال آخر في الذمة، كأن يبيع شخص لآخر صاع بُرّ مثلاً بصاع آخر في ذمته، ولم يكن واحد منهما مالكاً له حال العقد، ثم قبل تفرقهما من المجلس يحصلان ذلك بقرض أو اتهاب أو نحوهما، ويتقابضان قبل التفرق.
والدليل على بطلان بيع غير المملوك خبر: «لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك» ( ) وبناء عليه قالوا: بيع الفضولي باطل.
11 – بيع لحم بحيوان ولو غير مأكول، كبيع لحم بقر ببقر أو بشاة، أو بحمار للنهي في خبر الترمذي.
12 – بيع شاة لبون ( ) بمثلها. وكذا بيع كل حيوان مأكول أو فيه بيض بمثله، لجهالة ما يقابل اللبن ونحوه من الثمن، فهو كبيع درهم وثوب بدرهم وثوب.
13 – بيع الحصاة: كأن يبيعه من هذه الأثواب ما تقع عليه الحصاة.
14 – بيع الماء الجاري أو النابع وحده ولو مدة معلومة؛ لأنه غير مملوك وللجهل بقدره؛ لأنه يزيد شيئاً فشيئاً ويختلط المبيع بغيره، فيتعذر التسليم. فإن باعه بشرط أخذه الآن صح. فإن كان راكداً، جاز بيعه، بشرط تقديره بكيل أو وزن أو مسح بالأذرع.
15 – بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بغير شرط القطع، أي بشرط الإبقاء أو مطلقاً للنهي عن بيعها قبل الصلاح، أما بيعها بشرط القطع قبل الصلاح أو بغيره بعده فجائز. فإن باع نخلاً وعليه ثمرة مؤبرة، فهي للبائع، أو غير مؤبرة فللمشتري.
16، 17 – بيع رُطب بمثله أو بتمر، أو بيع عنب بمثله أو بزبيب، للجهل الآن بالمماثلة وقت الجفاف، لأنه «صلّى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم، فقال: فلا إذن» ( ) . لكن يجوز البيع للحاجة فيما دون خمسة أوسق ( ) .
18، 19 – بيع بُرّ بمثله أو بجاف، متفاضلين إن اتحد الجنس، للجهل بالمماثلة ولتحقق الربا.
20، 21، 22 – بيع لحم طري بمثله، أو بقديد، وبيع يابس بمثله متفاضلين إن اتحد الجنس، لتحقق الربا، مثل بيع لحم بقر بمثله متفاضلين.
ويلاحظ أن أنواع اللحوم والألبان والأدهان والسمك والخلول وأنواع الخبز أجناس مختلفة كأصولها، فيجوز بيع جنس منها بآخر متفاضلين، فيجوز بيع لحم بقر بلحم ضأن متفاضلين.
23 – بيع نجس ككلب للنهي عن ثمنه، وكخنزير.
24، 25 ، 26 – بيع حر وأم ولد ومكاتب.
27 – بيع حشرات كعقارب وفئران،إذ لا نفع فيها يقابل بالمال.
28 – بيع عَسْب الفحل : وهو أجر ضرابه، للنهي عنه في خبر البخاري.
29 – بيع عبد مسلم لكافر، لما في ملكه له من الإهانة.
30 – بيع الغرر كمسك في صوانه، وصوف على ضهر غنم، للجهل بقدر المبيع.
31 – بيع العرايا: وهو بيع الرطب على الشجر بتمر، أو العنب على الشجر بزبيب على الأرض في خمسة أوسق فأكثر، ويجوز فيما دونها بعد بدو الصلاح؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم رخص في ذلك في الرطب، وقيس به العنب؛ لأن كلاً منهما ربوي، وذلك إن خرص ماعلى الشجر وكيل الآخر، لا إن وزن أحدهما وخرص الآخر.
والبيوع المحرمة غير الباطلة عند الشافعية ثمانية ( ) وهي:
1 – بيع المصرَّاة: وهي الدابة التي يترك حلبها عمداً أياماً ليجتمع اللبن في ضرعها، فيتوهم المشتري كثرة اللبن فيها، فيقبل على شرائها. وهو بيع حرام صحيح، للنهي عنه في حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم: «لاتصروا الإبل والغنم..» .
2 – بيع الحاضر للبادي: وهو أن يتصدى شخص من أهل البلد لمن يريد بيع متاعه من أهل البادية أو غيرها، قائلاً له: لا تبع هذه البضاعة وانتظر حتى أبيعها لك تدريجياً، علماً بأن أهل البلد بحاجة إليها. وهو حرام لحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم: «لا يبع حاضر لباد» .
3 – تلقي الركبان: وهو استقبال القادمين بالبضائع خارج البلد لشرائها منهم بسعر أقل من ثمن السوق العام. وهو حرام لحديث أبي هريرة عند مسلم: «لاتلقوا الركبان للبيع» .
4 – الاحتكار: وهو تخزين البضائع التي هي أقوات الناس وانتظار غلاء أسعارها مع حاجة الناس إلىها. وهو حرام لحديث معمر بن عبد الله العدوي عن مسلم: «لايحتكر إلا خاطئ» أي آثم عاصٍ، للتضييق على الناس.
5 – بيع النّجْش: وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة دون قصد شرائها، لإيهام غيره بزيادة الثمن، وهو حرام لحديث عبد الله بن عمر عند البخاري ومسلم: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن النجْش» .
6 – السوم على السوم والبيع على بيع غيره والشراء على الشراء:
يحرم السوم على سوم غيره بعد استقرار الثمن، ويحرم البيع على بيع غيره قبل لزوم البيع في زمن خيار المجلس أو الشرط لتمكنه من الفسخ، بأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثل المبيع بأقل من هذا الثمن أو خيراً منه بمثل ثمنه أو أقل. ويحرم الشراء على الشراء في زمن الخيار بأن يأمر المشتري البائع بفسخ البيع ليشتريه بأكثر من ثمنه الذي اشتراه به غيره. والأدلة أحاديث وهي حديث البخاري ومسلم: «لا يسُم المسلم على سوم أخيه» وحديث الصحيحين: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» أو «لا يبع الرجل على بيع أخيه» زاد النسائي: «حتى يبتاع أو يذر» وفي معناه الشراء على الشراء. وحكمة التحريم الإيذاء وإثارة العداوة والبغضاء.
7- البيع لمن يعلم أن جميع ماله حرام: كأن يعلم أن مال المشتري ثمن خمر أو خنزير أو ميتة أو كلب، و أن كسبه غير مشروع كالرشوة أو اليانصيب أو القمار أو أجرة عمل حرام كالنواح والرقص ومهر البغي.
فإن لم يكن جميع ماله حراماً، بل كان خليطاً من حرام وحلال، كان التعامل معه مكروهاً، لحديث النعمان بن بشير: «الحلال بيِّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» .
8 – بيع الرُّطب والعنب لعاصر الخمر: يحرم بيع الرطب والعنب ونحوها كتمر وزبيب لعاصر الخمر والنبيذ، أي لمتخذها لذلك بأن يعلم منه ذلك أو يظنه ظناً غالباً.
ومثل ذلك بيع الغلمان المرد ممن عرف بالفجور بالغلمان، وبيع السلاح من باغ وقاطع طريق ونحوهما، وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية. أما إذا شك فيما ذكر أو توهمه فالبيع مكروه.
منقول للافادة
إعداد/أبو باسل محمد محمود محمد يوسف
المصدر
http://www.feqhweb.com/vb/t8021.html
اترك تعليقاً