مبررات التوقيف
القاضي أمجد لبادة رئيس محكمة بداية طولكرم
الحرية الشخصية تتعلق بكيان الفرد وصميم كرامته وهو مصدر قيمته كانسان وسبب تقدمة نحو المثل العليا وبدونها لا يستطيع ان يمارس اية حرية من حرياته الاخرى، ومن هنا جاءت الضمانات الدستورية والقانونية لهذه الحرية وظهرت القاعدة القانونية الشهيرة المتهم بريء حتى تثبت ادانته ولما في التوقيف من اعتداء خطير على الحرية الشخصية ولمّا فيه من خروج عن قرينة البراءة الامر الذي دفع بمنظمات حقوق الانسان الى المناداه بوضع ضمانات للحرية الشخصية، ونجحت هذه الجهود بولادة الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام1948 والذي ورد فيه بالمادة التاسعه (لا يجوز القبض على اي انسان او حجزه او نفيه تعسفيا) وأخذت هذه المبادئ تخرج إلى حيز النور في الدساتير والقوانين حيث نصت المادة 11 من القانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003، في الفقرة الأولى منه (الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفوله لا تمس) وفي الفقرة الثانية منه (لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشة أو حبسه أو تقيد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقا لأحكام القانون ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي ولا يجوز الحجز أو الحبس من غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون وتوسع الأمر في تنظيم التوقيف في التشريعات الجزائية الحديثه بشكل يكفل ممارسته في حدود الضرورة يقوم بقيامها وينقض بانقضائها وإن مبررات التوقيف تقسم إلى عدة أقسام وهي قسم ظاهر وقسم مستتر.
من مبررات التوقيف الظاهرة والتي جاء في توصيه للمؤتمر الرابع الدولي لقانون العقوبات المنعقد في روما خلال شهر تشرين ثان من عام 1953 بانه لا يجوز تبرير التوقيف الا اذا كان بقاء المتهم طليقا فيه خطر على المجتمع او عرقلة لسير العدالة او التهرب من العقوبات وبالتالي فان القسم الظاهر يتخلص فيما يلي:
أولا: التوقيف اجراء اقتضه ضرورات الأمن.
إذ إن التحقيق مع المتهم وذلك بتوقيفه من قبل سلطات التحقيق بعد ارتكابه بعض الجرائم الخطيره يعتبر في احيان كثيره لصالح المتهم نفسه وذلك في جعله بمأمن من انتقام المجني عليه، او ذويه وتخفيف من هياج الجمهور ضده والذي قد يثير سخطة مشاهدة المتهم طليقا فيندفع للاعتداء عليه بسبب ضعف ثقته بجهاز العدالة وعلى ذلك يرى البعض ان التوقيف هنا هو التضحية بحق المتهم في حماية نفسه من الاعتداء الذي قد يقع عليه، ومن جهة اخرى فهو حماية لامن المجتمع لمنع المجرم من العودة الى التكرار فعلته فهنا يجرى التحفظ على المتهم بابعاده عن مسرح الجريمة وعدم خلق شعور لدى العامة بضعف ايمانهم بسلطة القانون وكفالة القصاص من المجرم مما ينعكس سلبا على الامن العام وقد يكون في التوقيف تهدئة لنفوسهم وحفاظا على مشاعرهم كما انه يطمئن الاشخاص الذين شهدوا ضد المتهم.
ثانيا : التوقيف اجراء تقضته مصلحة التحقيق.
لا خلاف ان التوقيف هو احد اجراءات التحقيق فلا يباشره الا المحقق او المحكمة اذا خولها القانون ذلك ويثور التساؤل ما اذا كان يصح للمحقق اليه باعتبارات مصلحة التحقيق تقتضية او تبرره يذهب العديد من الشراح الى تبرير مشروعية التوقيف باعتباره من الوسائل المساعدة لقيام سلطة التحقيق بمهامها بالشكل المطلوب وبالسرعة الممكنة فالتوقيف من جهة يضع المتهم بمتناول يد المحقق الامر الذي يؤدي الى سرعة انجاز الاجراءات الجزائية للوصول الى الحقيقة وفي ذلك خدمة للمجتمع الذي يسعى الى اخلاء سبيل المتهم البريء والقصاص من المجرم بالسرعه الممكنة ليحدث العقاب اثرة والتوقيف من الجهة الاخرى يجعل المتهم بمنائ عن العبث بالادلة القائمة من قبله فيمحو اثر الجريمة المادي مما يجعل المعاينه والتفتيش غير مجديين كما يحول ايضا بين المتهم وبين شهود الاثبات في الحادث فلا يتمكن من التأثير عليهم ترهيبا او ترغيبا مما يؤدي الى ضياع معالم الجريمة والتوقيف من جهة ثالثه يحول بين المتهم وبين اتصاله بشركائه قبل القبض عليهم وهربهم ويمكنهم من اخفاء معالم الجريمة على انه يجب التسليم بان اجراء التحقيق السريع يحول بفضل الاجراءات المختلفه بتجنب كل تواطؤ يؤدي الى تزيف البينات او ضياعها.
ثالثا: التوقيف اجراء يقتضيه تنفيذ العقوبة.
ان مراجعة الاحصائيات الجزائية في بلد ما يظهر بكل وضوح ان عددا كبيرا من الاحكام الغيابية تسقط لعدم التنفيذ ويعود ذلك الى سهولة فرار المجرمين بعدما تعددت سبل الانتقال وتيسرت ونتيجة لهذا كثرت الجرائم التي لا يلحقها العقاب بما قد يؤدي الى اختلال الامن في الدولة فالتوقيف بهذه المثابره يعتبر المساعد الضروري للاجراءات الجزائية حتى تؤدي الغرض المقصود منها لصالح الجماعه على ان هذا الوجه من مبررات التوقيف لا يؤخذ على علاته وانما يجعل استعمال هذا الاجراء مرهونا بظروف كل دعوى فهو لا يتخذ اصلا الا في حالات الضرورة فالمتهم الذي يكون له محل اقامة يجب ان يقدم للعدالة ضمانا لحضوره في جميع الاجراءات الخاصة بالتحقيق وتنفيذ الحكم عليه لمجرد طلبه وليس هناك من ضمان يوثق به الا شخصه اذ ليس له محل اقامة فاما ان تكون التهم الموجهه له خطيرة او بسيطة فالتهمة الخطيرة فان العقوبه المقررة لها قد تدفع المتهم الى التضحية بمصالحة الماليه وروابطه العائليه والفرار من وجه العدالة لذا ينبغي ان يتخذ حياله اجراء تحفظي وهو التوقيف اما التهمة البسطيه فانه لا يعقل ان يهدد المتهم بمصالحه ويلجأ الى الفرار لما سوف يؤدي اليه ذلك من تغير في سبل الحياه والاختفاء عن الانظار حتى تنقضي المدة المقرر لسقوط الدعوى الجزائية بمرور المدة.
أما المبررات المستترة لتوقيف.
فلعل أهمها حسب رأي بعض الفقهاء وهو وظيفه الاقرار او الاعتراف والتي تمارس يوميا في مكاتب المحققين اذ يجرى توقيف المتهم واخضاعه لالتزام او اكثر من التزامات المراقبة بغية استدراجه للاعتراف بالوقائع المسنوبه اليه وهناك الوظيفية الاصلاحية التي تتجلى في توقيف المتهم في كل مره تتوافر فيها هذه بينات جبرية و اكيده على ارتكابه الجريمة اذا يجرى توقيفه في مثل هذا الحال خاصه اذا كانت الوقائع في غاية الخطورة باعتبار انه سوف يصدر بحقه حكم نهائي بالادانة وذلك على وجه واضح ويعتبره التوقيف هنا بمثابة حكم ولكن تبرره المنفعه الاجتماعية المتمثله في ان كل جريمة يقابلها إجراء.
من كل ما تقدم نلخص الى ان مبررات التوقيف الرئيسية التي تناولها الفقة واخذت به التشريعات المقارنه تتخلص اما باعتباره ضمانه من ضمانات سلامة التحقيق او مراعاة الامن او تامين تنفيذ العقوبه او لغيرها من الاعتبارات الثانوية المتعلقة بالدفاع الاجتماعي وعليه فان مشروعية التوقيف تتوقف على توخي هذا الاجراء احد مبرراته التي اشرنا اليها على الاقل وايا كانت هذه المبررات فانها يجب ان لا تخرج هذا الاجراء عن طبيعة الاستثنائية بما يتطلب مباشرته في اضيق نطاق لما ينطوي من مساس بقرينة البراءة.
اترك تعليقاً