ضمانات المتهم اثناء مرحلة الاستجواب
بقلم: معالي موسى محكمة بداية نابلس
ضمانات المتهم اثناء مرحلة الاستجواب ما بين الواقع النظري والتطبيق العملي
من الضمانات المهمة التي دأب التوجه القانوني والقضائي على تحقيقها هي الحرية الواسعة للمتهم وهو يواجه التهمة المسندة إليه، بغية تحقيق كل السبل والوسائل القانونية التي تضمن له حق الدفاع عن نفسه، ونظرا لأهمية الاستجواب وخطورته واستنادا لطبيعته والدور الذي يتصف به إجراء الاستجواب أثناء التحقيق الجنائي فإن القانون نص على ضمانات بالنسبة للاستجواب سواء ما يتعلق بالجهة المختصة بالاستجواب أو ما يتعلق منها بحقوق وحرية الشخص المتهم، والاستجواب هو المرحلة التي يتم خلالها أخذ إفادة المتهم لدى النيابة العامة أو قضاة التحيقيق في بعض الأنظمة، وهي من أكثر المراحل التي تؤثر على طبيعة سير المحاكمة وصدور القرار بالإدانة أو البراءة وقد أنيطت هذه المهمة بالمحققين المخولين قانونا وهي النيابة العامة وفقا لقانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني حيث نصت المادة (95) “يتولى وكيل النيابة استجواب المتهم…”، ومنع أن يوكل غيره للقيام بهذا الإجراء أو حتى التفويض به في الجنايات، وذلك خلافا لبقية الاجراءات وعلى ذلك نصت المادة (55) من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني “1- تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق في الجرائم والتصرف بها 2- للنائب العام او وكيل النيابة العامة المختص تفويض… “، وذلك عدا استجواب المتهم في مواد الجنايات.
فلا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يستجوب المتهم وكل ما له هو سؤال المشتبه في أمره والذي قد يصبح متهما ولكن يجوز لماموري الضبط القضائي سؤال المتهم عند القبض عليه مثل سؤاله عن اسمه وعنوانه وسنه ومهنته واحاطته علما بالتهمة المنسوبه إليه، واثبات جميع الاقوال التي يدلي بها ولو اعترف، ولكن دون
مناقشته بهذه الاقوال ودون مواجهته بالشهود او غيره من المتهمين.
ان المشرع الفلسطيني اناط مهمة التحقيق ومنها الاستجواب للنيابة العامة واعتبرها صاحبة الاختصاص الاصيل والوحيد، اذ لا يجوز التفويض بهذا الاجراء، واذا كان يسجل لمشرعنا انه ابعد سلطات الضبط القضائي عن هذا الاجراء الخطير والهام لما له من اثار وعلى الرغم من هذا كان الاوفق لمشرعنا لو اناط بهذا الاجراء لقاضي التحقيق على اعتبار ان النيابة العامة هي صاحبة الولاية في الاتهام وجمع سلطتي الاتهام والتحقيق بيد جهة واحدة سيجعل كل من الوظيفتين التاثير على الاخرى مما يقلل من شان هذه الضمانه المهمة للشخص المتهم.
ان الاستثناء الممنوح لماموري الضبط القضائي في الاستجواب استنادا لحالة الضرورة ليس له ما يبرره ويشكل خطورة على ضمانات المتهم في الدفاع وانتهاكا لحقوقه ذلك ان الخشية من فوات الوقت يجب ان لا تكون ابد على حساب ضمانات ممنوحة للمتهم كذلك فإن هذا الاستثناء قد يصبح مبررا لتدخل سلطات الضبط القضائي وسلاحا بيدها من شأنه ضرب ضمانات المتهم بحجة الاستثناء متى رأت هي ذلك، فالمشرع الفلسطيني تناول الصواب عندما ابتعد وتجنب هذا الاستثناء.
واشير ايضا الى حق المتهم في معرفة التهمة الموجه اليه حيث تنص المادة 12 من القانون الاساسي الفلسطيني على “يبلغ كل من يقبض عليه أو يوقف باسباب القبض عليه او ايقافه ويجب اعلامه سريعا بلغة يفهمها بالاتهام الموجه إليه، وأن يمكن من الاتصال بمحام، وان يقدم للمحكمة دون تاخير وهذا ما اكدت عليه المادة 96 من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني والمادة 112/1 عندما نصت “يجب على القائم بتنفيذ المذكرة ان يبلغ مضمونها للشخص الذي قبض عليه ، وان يطلعه عليه”.
وجاءت المادة 211 من تعليمات النائب العام الفلسطيني مؤكدة على هذه الضمانه ثم جاء النص على هذا الحق في التشريعات العالمية وهذا ما جاء في المادة 9/2 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان “لكل شخص الحق في ان يعلم اسباب القبض عليه عند اجراء القبض وله الحق في ان يعلم التهمة المسندة اليه بالسرعة الممكنه”.
انه ومن خلال مجموع النصوص التي نادت بهذا الحق للمتهم، لهو تأكيد على اهمية ووجوب هذه الضمانه بالنسبة للشخص المتهم، اذ لم يكتفي مشرعنا الفلسطيني بالنص عليها في قانون الاجراءات الجزائية بل ذهب الى ابعد من ذلك عندما ورد التأكيد عليها في المواد الدستورية، وبذلك فان المشرع رفع مستوى هذه الضمانه لحد المبادىء الدستورية والتي لا يعلوها اي قانون، كذلك فان المشرع لم يقتصر أهمية وضرورة توضيح المحقق للمتهم التهمة المسندة اليه ووصفها القانوني في مرحلة التحقيق الابتدائي امام النيابة العامة وانما اوجبها ايضا في مرحلة الاستدلال والقبض من قبل مأموري الضبط القضائي ذلك ان هذه الضمانة تعتبر من ابسط الضمانات الممنوحة للافراد في مواجهة القبض التعسفي، لأن في القبض خروج عن الاصل (الحرية) ولا بد من معرفة سبب هذا الخروج اي لا بد ان يكون مبررا ولا يكون ذلك الا من خلال هذه الضمانه ويمكن القول انه والى جانب الدستور والقانون فقد اكدت المواثيق الدولية على هذه الضمانه يترتب عليه البطلان لخروجه عن النص ذلك انه “لا اجتهاد في مورد نص”.
وحق المتهم في الصمت اثناء استجوابه حق هام من حقوق المتهم فقد تناول مشرعنا الفلسطيني هذه الضمانه في المادة (97) من قانون الاجراءات الجزائية بقولها “للمتهم الحق في الصمت وعدم الاجابة على الاسئلة الموجه إليه”. ولا يفسر صمته او امتناعه عن الاجابة اعتراف منه ومن خلال هذه النصوص أرى أن مشرعنا أبدى اهتماما بهذه الضمانه عندما افرد لها نصوصا في القانون على خلاف ماذهب اليه المشرعين المصري والاردني، ذلك ان المتهم بريء حتى يثبت العكس بحكم قضائي بات، ويستخلص من ذلك انه لا يفهم ان صمت المتهم هو قرينه ضده، ذلك ان المتهم ان رأى في صمته وسيلة للدفاع عن حقه مارسه وان شاء ورأى في اعطاء افادة حماية لحقه ودفاع عنه اعطاها فالامر يخضع لاختياره وهذا الحق في الصمت يقتصر على ما يتعلق بالجريمة وكيفية ارتكابها دون ان يمتد ذلك الى البيانات الشخصية للمتهم اذ لا مجال له في هذه الظروف الامتناع عن الرد على ما يوجه له من اسئلة لها علاقة باثبات شخصيته.
ان دعوة محامي المتهم لحضور الاستجواب حق اصيل للمتهم وضمانه اساسية لممارسة العدالة، وتكمن في وجود المحامي الى جانب المتهم وهو يواجه اتهامات ارتكاب جريمة هو تطمين له في الدفاع عن نفسه وجعل اجابته على الاسئلة الموجهة اليه تتسم بالصراحة والدقه وتعبر عن ارادته مما يسهل عملية الاستجواب للتوصل الى الحقيقة وضمانه لسلامة الاجراءات وتطابقها مع القانون ويجعل منه رقيبا على تصرفات المحقق، ومشاركة المحامي في اجراء الاستجواب يتيح له المشاركة في الاسئلة التي يمكن ان يوجهها المحقق للمتهم فتقوي الناحية الفنية للاستجواب وتتحقق فيه وظيفته كوسيله دفاع للمتهم ايضا.
فقد نصت المادة 102/1 من قانون الاجراءات الفلسطيني بانه “يحق لكل من الخصوم الاستعانة بمحام اثناء التحقيق واوجب المشرع انه على المحقق تنبيه المتهم الى حقه بالاستعانه بمحام وان يتم تدوين هذا التنبيه بالمحضر وهذا ما نصت عليه المادة 69 من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني ولكن اجازت المادة 98 من نفس القانون استثناءا استجواب المتهم دون حضور محام في ثلاث حالات وهي التلبس وحالات الضرورة والاستعجال وحالة الخوف من ضياع الادله على ان تدون موجبات التعجيل في المحضر.
ومن اهم ضمانات الدفاع ايضا تمكين المتهم ومحاميه من الاطلاع على ما تم ويتم من اجراءات التحقيق ذلك ان مجموع الضمانات كل متكامل، واذا ما فقدت حلقة من مجموع هذه الحلقات، فقدت مجموع الضمانات معناها، ويعتبر حق الاطلاع على مجريات التحقيق هو الحلقة الاساس بمجموع هذا الحلقات وهنا تكمن اهميته ووجوبه وذهب مشرعنا الفلسطيني لتاكيد مثل هذه الضمانه حيث تنص المادة (98) من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني ” للمحامي الحق في الاطلاع على اقوال المتهم ….”
ان الاستجواب المطول والذي يكون من خلال مناقشة المتهم مناقشة تفصيلية تمتد لساعات طويله هو صورة من صور التعذيب المعنوي والبدني التي يتعرض لها المتهم فيرغم على الادلاء باعترافات لا تطابق الحقيقة، الامر الذي يترتب عليه البطلان كونه يئثر على ارادة المتهم فيفقدة القدرة على الاجابة بحرية واختيار، وان السرعة في استجوا ب المتهم من شانها تكوين دفاعه وممارسته على الوجه الصحيح واذا ماتم التحقيق في وقت سريع تكون افادة المتهم قريبة الى الحقيقة وفرصته باعادة التفكير وخلق مبررات للدفاع عن نفسه اقل ان لم تكن معدومه وانطلاقا من هذه الاهمية فقد ورد التاكيد على ضمانه السرعة في استجواب المتهم بالتهمة المسندة اليه ونصت المادة (107) من قانون الاجراءات الفلسطيني “1- يجب على مدير المركز او مكان التوقيف ان يسلم المتهم خلال اربع وعشرين ساعة الى النيابة العامة للتحقيق معه ،2- يستجوب وكيل النيابة المتهم المطلوب بمذكرة حضور في الحال، اما المتهم المطلوب بمذكرة احضار فعلى وكيل النيابة ان يستجوبه خلال اربع وعشرين ساعة من تاريخ القبض عليه “كما نصت المادة (105) من ذات القانون “يجب ان يتم الاستجواب خلال اربع وعشرين ساعة من تاريخ ارسال المتهم الى وكيل النيابة الذي يامر بتوقيفه او اطلاق سراحه”.
“يأمر وكيل النيابة من تلقاء نفسه باجراء الفحوصات الطبية والنفسية للمتهم من قبل الجهات المختصة اذا راى ضرورة لذلك او بناء على طلب المتهم او محاميه وهذا ما نصت عليه المادة (100) من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني وهذه الضمانه للمتهم لضمان سلامته الجسدية والمعنويه اثناء الاستجواب والتوقيف وتاكيدا منه على حرمة المساس بالمتهم.
عدم تحليف المتهم اليمين ضمانه مهمة من ضمانات المتهم وأن المشرع الفلسطيني وفي مادته 83/2 نص على انه “تعفى اصول المتهم وفروعه وزوجته من حلف اليمين…” والعلة من هذا التحريم هو حماية تلك الاسرة من الانهيار والتفكك فيما لو الزموا على حلف اليمين والشهادة ضد بعضهم.
ومن هنا وفي ضوء ما تناولناه ونظرا لاهمية الاستجواب وخطورته لضمان وجوب التطبيق وعدم الخروج عن النص نلخص هذا الامر في ان مخالفة أي ضمانة من ضمانات الاستجواب يترتب عليه البطلان. إضافة إلى أن ترك هذه المهمة بيد النيابة العامة وهي سلطة الاتهام، معناه ترك تقدير الادلة بيدها وكثيرا ما تهمل تحقيق دفاع المتهم استنادا على ادلة الاتهام وهذا ينعكس بدوره على أوامر التحيق الابتدائي حيث تتجه في الاغلب الاعم من القضايا، إلى إحالة الدعوى للمحاكمة، وقد لا تكون ادلة الاتهام كافية للحكم عليه وفي ذلك ضياع لوقت المحاكم فضلا عما يصيب المتهم من اضرار مادية ومعنوية.
اترك تعليقاً