بعض صور جريمة الرشوة و عقوبتها في القانون الجزائري
جريمتي تلقي الهدايا و تقديم الهدايا في ظل قانون 06/01
جريمة تلقي الهدايا
جريمة تلقي الهدايا من بين صور جريمة الرشوة المستحدثة و تعرف حسب المادة 38 من القانون 06/01 على أنها قبول الموظف العمومي لهدية أو أية مزية غير مستحقة من شخص في ظروف من شانها أن تؤثر في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه .
وحسب الاتجاه الذي أخذ به المشرع الجزائري في تجريم جرائم الرشوة وصورها باعتبار أن جريمة الرشوة تتكون من جريمتين منفصلتين أين لا يعد عمل أي فاعل فيها اشتراكا في عمل الفاعل الثاني, وإنما يعد عملا مستقلا يعاقب عليه بإنفراد
وبتطبيق نفس الاتجاه على جريمة تلقي الهدايا حسب المادة 38 من القانون 06/01 والتي جاءت في فقرتين ، نستنتج أن المشرع اخذ بثنائية التجريم إذ جرم وعاقب في الفقرة الأولى جريمة تلقي الهدايا من الموظف العمومي وفي الفقرة الثانية جرم وعاقب الشخص مقدم الهدايا أي اعتبرها جريمة مستقلة يستقل فيها عمل الموظف العمومي عن عمل الشخص مقدم الهدية, ولا يعد اشتراكا في تلقي الموظف العمومي للهدية .
وعليه فانه حسب المادة 38 من القانون 06/01 فانه يكون لجريمة تلقي الهدايا صورتان هما : جريمة تلقي الهدايا وجريمة تقديم الهدايا .
ويتضح من عمق هذه المادة توجه المشرع الجزائري في تجريم الرشوة بالاتفاق المسبق والذي إذا قامت الأدلة والقرائن على وجوده كانت الرشوة قائمة حتى ولو كانت المزية غير المستحقة سابقة على أداء العمل أو الامتناع عن أدائه ، وحتى لو لم يثبت الوعد أو العرض أو المنح
ومن هذا المنطلق لو لم تكن المادة 38 موجودة لامكن للراشي التأثير على المرتشي بعرض في شكل هدية دون الاتفاق معه على أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل ، وهنا يكون النموذج القانوني لجريمة الرشوة قاصرا على الإحاطة بهذا المنح المعزول عن أي اتفاق والذي سيؤثر لاحقا على قرار الموظف العمومي.
ويبقى لقضاة الموضوع تقدير طبيعة الهدية وهل من شانها التأثير في سير إجراء أو معاملة لها صلة بمهام الموظف، لان المشرع لم يقل من شانها التأثير في مهامه وإنما في إجراء أو معاملة بحد ذاتها . .
وعليه ,فالهدف من التجريم هو ليس الهدية بذاتها ، وإنما الظروف والوقائع التي يثبت منها تأثير الهدية على واجبات الموظف العمومي فهي تجرم بوصفها جزءا أو مرحلة سابقة أو وسيلة لمخطط الفساد والرشوة ولا تجرم إذا كانت معزولة عن أي قصد غير مشروع وصادرة عن حسن نية .
وعليه, فالمقصود من هذه الجريمة المستحدثة في ظل القانون 06/01 بالمادة 38 هو بالدرجة الأولى درء الشبهة عن الموظف العمومي .
المطلب الأول: جريمة تلقي الهدايا وأركانها
تتفق هذه الجريمة في بعض عناصرها مع جريمة الرشوة السلبية، وتختلف عنها في البعض الأخر، خاصة في القصد من التجريم والهدف من تقديم الهدية أو المزية غير المستحقة، وتتكون أركان جريمة تلقي الهدايا حسب المادة 38/ فقرة 01 مما يلي
1- صفة الجاني” أن يكون موظف عمومي * ركن مفترض *
2- قبول هدية أو مزية غير مستحقة * ركن مادي *
3- طبيعة الهدية و مناسبتها * ركن معنوي *
الفرع الأول : الركن المفترض – الموظف العمومي
تقتضي جريمة تلقي الهدايا أن يكون الجاني موظف عمومي
الفرع الثاني: الركن المادي
وهو قبول الموظف العمومي لهدية أو مزية غير مستحقة من شانها أن تؤثر في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه ، وعليه فينقسم الركن المادي إلى أربعة عناصر هي :
*النشاط الإجرامي
*محل الجريمة
*لحظة تلقي الهدية
*الغرض من تلقي أو قبول الهدية
أ / صور الركن المادي
المادة 38 من القانون 06/01 جاءت بعبارة “تلقي الهدايا” وهي العبارة التي تفيد الاستلام ,أي تسلم الهدية بمعنى وضع الجاني يده على الهدية ، لكن في المقابل في النص الفرنسي للمادة 38 استعمل المشرع عبارة “قبول” أي والتي لا تفيد بالضرورة أن الجاني استلم الهدية فعلا
وعليه نفهم من سياق النص أن المقصود هو تلقي الهدايا ، أي استلامها ، وليس مجرد قبولها كما في جريمة الرشوة السلبية التي يتحقق فيها القبول سواء تسلمها الجاني بالفعل أو الوعد بالحصول عليها قصد قضاء المصلحة فهذا يعد وجها للاختلاف بين جريمة تلقي الهدايا والرشوة السلبية .
استلام الهدية أو المزية
وهو التسليم الفعلي للهدية من طرف مقدمها للموظف العمومي ، سواء كان ذلك باتفاق مسبق بينهما بعد وعد بتقديم هدية ، أو باتفاق مسبق كان القبول فيه لاحقا للإيجاب وتم تنفيذ الاتفاق بالاستلام وقد يكون الاتفاق عرضيا يتلوه مباشرة تسليم الهدية وعليه يشترط الاستلام الفعلي ولا يكفي مجرد القبول لقيام الجريمة ولكن يشترط أن يكون استلام الهدية في ظروف من شانها التأثير في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهام الموظف العمومي .
والاستلام (إذا توافرت معه باقي الأركان ) يعتبر جريمة تامة ولا يمكن تصور الشروع فيه لان الشروع يعتبر بمثابة الجريمة التامة بسبب أن الهدف هو الظروف المحيطة بالجريمة التي من شانها التأثير على حسن سير الإجراءات والمعاملات والطابع الشكلي للجريمة جعل تجريم المحاولة غير لازم ، لكون مجرد المحاولة تعتبر بمثابة الجريمة التامة ، لكن بالرجوع إلى المادة 52من القانون 06/01 نجد أن جميع جرائم الفساد يعاقب على الشروع فيها .
وقد يكون الاستلام فعليا بإدخال الهدية في حيازة متلقيها ، أي الموظف العمومي ,أو حكميا بتسليمه مثلا: سيارة كهدية وتقدم له وثائقها على أن يسعى الموظف للذهاب لإحضارها فهذا يعد تسليما حكميا ،كما قد يكون الاستلام من طرف الموظف العمومي أو من طرف شخص وسيط ينوب عنه .
و تقوم الجريمة بمجرد الاستلام دون الحاجة لإحداث النتيجة ، بل يكفي أن يكون الاستلام في ظروف من شانها التأثير على حسن الإجراءات والمعاملات .
ب/ محل الجريمة
يقصد به حسب المادة 38 من القانون 06/01 الهدية أو المزية غير المستحقة وكان من الأجدر على المشرع التعبير عليه بمصطلح المزية كما فعل في نص المادة 25 من القانون 06/01 لان مصطلح المزية هو شامل ليشمل الهدية والعطية والهبة والجعل أو أية منفعة أخرى .
وقد تكون الهدية أو المزية مادية أو معنوية ، صريحة أو ضمنية ، مشروعة أو غير مشروعة ، كما قد تكون محددة أو غير محددة أو قابلة للتحديد, المهم انه لكي يعتد بالمزية فيجب أن تكون لها قيمة أو على الأقل وجود تناسب بين المصلحة المبتغاة والهدية المقدمة والمسلمة ، وذلك بالرغم من أن المشرع لم يشترط حدا معينا لقدر المال أو الهدية أو المنفعة
لكن يشترط في الهدية أو المزية أن تكون غير مستحقة ، أي ليس للموظف الحق في أخذها ، وفي هذه النقطة لا يمكن اعتبار المكافأة المقدمة من السلطات الوصية أو الرئاسية أو الترقيات بمثابة مزايا غير مستحقة بالرغم من انه في بعض الحالات يمكن أن تؤثر في السير الحسن للإجراءات أو المعاملات .
ج/ علاقة الجاني بمحل الجريمة وسبب الهدية وهدف التجريم
الأصل حسب المادة 38 من القانون 06/01 أن يستلم الموظف الجاني الهدية أو المزية غير المستحقة لنفسه ، إلا انه يمكن أن يستلمها لنفسه ليقدمها لغيره وفي هذه الحالة يبقى الفعل مجرما في حق الموظف العمومي ، ولا يجوز للموظف الذي تلقى الهدية الدفع بأنه لم يستلم الهدية لنفسه ولكن لغيره ، والغير في هذه الحالة عموما ما يكون في وضعيتين :
* مساهم بمساعدة أو معاونة الموظف متلقي الهدية أو مقدم الهدية، كان يتوسط بينهما وفي هذه الحالة يعد شريكا.
.* مستفيد من الهدية ، دون ان يتدخل في تسلمها ، ويعد بذلك مخفي وتطبق عليه أحكام المادة 387 من قانون العقوبات بشان الإخفاء لأشياء متحصلة من جنحة متى توافرت الأركان خصوصا العلم بالمصدر الإجرامي لتلك الأشياء
والسبب من تقديم الهدية هو التأثير على حسن سير الإجراءات أو المعاملات التي لها صلة بمهام الموظف دون اشتراط طلب تقديم العمل أو الامتناع عنه ، لأنه في هذه الحالة تتحول الجريمة إلى رشوة
ومناسبة تلقي الهدايا وقبولها لا يشترط فيه قضاء مصلحة ذلك أن المشرع لم يربطه بأداء عمل أو لامتناع عن أداء عمل
وعليه فلتحقق الغرض من الهدية يجب توافر عنصرين :
1- من شان الهدية أن تؤثر في معالجة ملف أو سير إجراء أو معاملة
أي يشترط لقيام الجريمة أن يكون لمقدم الهدية أو المزية غير المستحقة حاجة أو مصلحة أو مظلمة أو مطلبا معروضا على الموظف العمومي الذي قبل واستلم الهدية أو المزية ومثال ذلك أن يأخذ المطلب شكل الدعوى القضائية أو العريضة الإدارية أو الترشح لمشروع أو التظلم أو الطعن في قرار
ولم يربط المشرع تلقي الهدايا بقضاء حاجة ، خلافا لما في جريمة الرشوة السلبية التي ربط فيها المشرع قبول الهدايا بأداء عمل أو الامتناع عن أدائه كما لا يشترط أن يطلب مقدم الهدية من الموظف العمومي قضاء حاجاته في مقابل تقديم الهدية لأنه في هذه الحالة تتوفر إحدى صور الرشوة , بل يكفي أن تقدم له الهدية في ظروف يكون فيها ملف أو إجراء أو معاملة خاصة بمقدم الهدية موضوع قيد الدراسة لدى الموظف ، وان يستلم الموظف الهدية مع علمه بذلك
وبالمقابل ، تتفق جريمة تلقي الهدايا من الموظف العمومي والرشوة السلبية في شرط تلقي الموظف العمومي قبل إخطاره بالأمر ، أو قبل البث فيه, أي في لحظة تلقي الهدية ، أما إذا تلقاها بعد البث في الأمر فلا جريمة ، أي أن المكافأة اللاحقة غير مجرمة
2- أن يكون الإجراء أو المعاملة لهما صلة بمهام الموظف العمومي
المشرع استعمل عبارة” لها صلة بمهام ” وفي المادة 25 من القانون 06/01 استعمل عبارة “من واجباته” أي من اختصاصه ، وبالمقارنة بين العبارتين نجد أن عبارة “لها صلة بمهامه” أوسع من “من واجباته” ذلك أنها تشمل الاختصاص وكذلك الأعمال التي من شان وظيفة الموظف أن تسهل له أداء هذا الإجراء أو المعاملة أو كان من الممكن أن يسهل له .
وعليه فانه يشترط أن يكون الإجراء أو المعاملة التي بسببها تم تقديم الهدية له صلة بمهام الموظف العمومي.
ونظرا لان الهدف من التجريم هو درء الشبهة, فانه في هذه الحالة على الموظف العمومي أن لا يقبل أي هدية مقدمة له من طرف شخص له ملف عنده أو معاملة ,فمثلا على القاضي عدم قبول أو تلقي أي هدية من المتقاضي ولا يهم هنا الغرض .
ولكن في حالة افتراض وجود علاقة صداقة أو علاقة عائلية ، ويتلقى الموظف هدية مع جهله لوجود ملف أو معاملة عنده فهنا لا تقوم الجريمة, الا انه توجد حالة تقوم فيها الجريمة وهي الحالة التي يكون فيها الملف ليس عند الموظف ولكنه حتما سيصل إليه
الفرع الثالث: الركن المعنوي
جريمة تلقي الهدايا ، هي جريمة قصدية وعمدية ، أي تقتضي لقيامها توافر القصد العام الذي يتكون من العلم والإرادة ، أي علم الموظف العمومي الذي تلقى الهدية بتوافر جميع أركان الجريمة ، أي يعلم انه موظف عمومي حسب مفهوم المادة 02فقرة ب من القانون 06/01 والعلم فيه مفترض في هذه الحالة لأنه لا يعذر بجهل القانون, وإرادته بتلقي هدية أو مزية مع علمه بان من قدمها له عنده ملف أو إجراء أو معاملة عنده .
فالقصد العام وحده كاف لقيام الجريمة، ولا يشترط القصد الخاص والمتمثل في التلاعب بالوظيفة العامة واستغلالها لان ذلك يدخل في عنصر العلم الذي يعتبر احد عناصر القصد العام .
ويشترط توافر القصد العام لحظة تلقي أو استلام الهدية، لأن القصد اللاحق لا يعتد به,بل يعتد بالقصد المعاصر للحظة ارتكاب النشاط الإجرامي ويبقى عبء إثبات القصد الجنائي على النيابة العامة, والواقع أن إثباته جد صعب .
ولا تقوم الجريمة في حالة انعدام القصد الجنائي
جريمة تقديم الهدايا وأركانها
وهي الجريمة المنصوص والمعاقب عليها بالمادة 38/02 من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته حيث يتعلق الأمر فيها بشخص سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا يقدم لموظف عمومي هدية أو مزية غير مستحقة في ظروف من شانها أن تؤثر قي سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهام الموظف العمومي
وقد وقع اختلاف في اعتبار مقدم الهدية كشريك للموظف العمومي الذي تلقى هدية وبالتالي يستمد وصفه الإجرامي من وصف الفاعل الأصلي الذي هو الموظف العمومي، أم اعتباره بمثابة فاعل أصلي في جريمة مستقلة أخرى وهي جريمة تقديم الهدايا
وهذا الإشكال تسببت فيه الصياغة التي جاءت بها المادة 38 من القانون 06/01 في فقرتها الثانية
إلا انه ونظرا إلى كون المشرع الجزائري اخذ بنظام ثنائية التجريم في تجريم جرائم الرشوة وما شابهها فإننا نقول أننا نعتبره كفاعل أصلي في جريمة تقديم الهدايا وذلك إذا توافرت باقي الأركان
الفرع الأول: صفة الجاني
إذا كان المشرع يشترط في جريمة تلقي الهدايا صفة معينة في الجاني وذلك باعتباره موظف عمومي حسب المادة 02 فقرة ب من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته ، فان المشرع لم يشترط صفة معينة في الجاني في جريمة تقديم الهدايا ، إذ يمكن أن يكون الجاني أي شخص طبيعي أو أي كيان خاص .
الفرع الثاني: الركن المادي
يتحقق بتقديم هدية أو مزية غير مستحقة للموظف العمومي ومنحها له ، في ظروف من شانها أن تؤثر على إجراء أو معاملة لها صلة بمهام الموظف العمومي أي يجب أن يكون للشخص مقدم الهدية مصلحة عند الموظف العمومي أو إجراء أو معاملة أثناء لحظة تقديم الهدية .
وعليه فالركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر وهي :
السلوك المادي – المستفيد من المزية – غرض تقديم الهدية
اترك تعليقاً