توضيح قانوني لإجراءات التحقيق الجنائي
هناك بعض إجراءات التحقيق التي تُعد منابع للأدلة وهي الإنتقال، والمعاينة، وندب الخبراء، والتفتيش، وسماع الشهود، والاستجواب، وليس لها أي ترتيب يجب اتباعه بل يبدأ المحقق بما يراه أكثر ملائمة بالنسبة لظروف كل جريمة ، وسيتضمن هذا المبحث دراسة هذه الإجراءات حيث سيتم تقسيمه إلى عبر خمسة مطالب وذلك على النحو التالي:
اولا ـ الإنتقال والمعاينة وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة والتصرف بها
يتضمن هذا المطلب ثلاثة فروع نخصصها على النحو التالي: الأول عن الانتقال والمعاينة، والثاني عن ضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة، والثالث عن التصرف في هذه الأشياء المضبوطة.
الانتقال والمعاينة:
الانتقال من أهم إجراءات التحقيق فهو يُسهّل مهمة المحقق بالوقوف السريع والمباشر على مكان الجريمة، وبذلك يتمكن من تصور مكان الجريمة وسماع الشهود الموجودين قبل مغادرتهم المكان، ويقف حائلاً دون الجاني أو المتهم أو حتى المجني عليه أو ذويهم من التأثير على الشهود أو محاولة طمس معالم الجريمة وتلفيق أدلتها).
والإنتقال من النقل وهو تحويل الشيء من موضع إلى آخر، وهو في مجال الإجراءات الجزائية عمل يقوم به المحقق، وقد يكون انتقاله لإتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق، وقد يكون للمعاينة، وقد يكون لأمر أخر كضبط متهم وإحضاره، أو تفتيش مسكنه، أو لسماع شهود، وانتقال المحقق أمر جوازي تفرضه أهمية الكشف عن الحقيقة وهو يخضع للسلطة التقديرية للمحقق وقد نصت المادة (79) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه “ينتقل المحقق ـ عند الإقتضاء ـ فور إبلاغه بوقوع جريمة داخله في إختصاصه إلى مكان وقوعها لإجراء المعاينة اللازمة قبل زوالها أو طمس معالمها أو تغييرها”، وبذلك فقد جعل المنظم انتقال المحقق جوازياً، لأن بعض الجرائم لا تستدعي ذلك مثل جرائم التزوير والرشوة.
والملاحظ أن النظام قد جعل هذه المهمة من واجبات رجل الضبط الجنائي، وعند الانتقال عليه أن يُبلغ هيئة التحقيق والإدعاء العام، فهي الجهة الأصيله للتحقيق في الجرائم، وعليه المحافظة على الآثار المتخلفة عن الجريمة، حتى لاتصل إليها يد الطمس والتلفيق، ويتأكد هذا الواجب في أحوال الجرائم المتلبس بها.
أما المعاينة فهي أحد منابع الأدلة بل هي الخطوة الحقيقية الأولى لإستجلاء غموض القضية وجمع المعلومات عنها، وتتمثل في إثبات حالة الشخص أو المكان أو أي شي آخر، ووصفه وصفاً دقيقاً وفاعلاً لما لذلك من فائدة في الكشف عن الحقيقة على أن يكون هذا الوصف كتابة، وقد تكون المعاينة مُقدِمةً يُبنى عليها إجراءات أخرى حاسمة وسريعة، كالقبض على المتهم أو سماع أقوال الشهود في موقع الحادثة حتى لا تخونهم الذاكرة وينسون تفاصيل الجريمة التي شاهدوها، أو قد يحاول المتهم أو أحد ذويه التأثير عليهم بترغيبهم أو ترهيبهم، ومن المفترض الا يحول المحقق دون إسعاف المصابين، ليس هذا فحسب بل يجب أن يكون هذا العمل أول إجراء يتم اتخاذه بعد الوصول إلى موقع الحادثة، وإذ ثبت وجود متوفين فعلى المحقق أن يعمل على حفظ جثثهم في أماكن آمنة حتى تصدر الأوامر بشأنها ، والمعاينة لمسرح الحادث وإثبات حالته بعد فحصه وما يحويه من أشخاص وأشياء والتحفظ عليها هي من واجبات رجل الضبط الجنائي العادية.
ضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة:
الضبط هو وضع اليد على كل ما يُفيد في كشف حقيقة الجريمة، أو يُسهم في التعرف على مرتكبها، وقد يكون ما يُضبط عقاراً أو منقولاً مملوكاً للمتهم أو لغيره، مهما كانت قيمته، سواءً كان بحوزة المتهم أو بحوزة غيره، شريطة أن يكون له علاقة بالجريمة المعنية ويفيد في كشف حقيقتها، ويُفترض أن تكون المضبوطات أشياء مادية، إنما إن كانت الأشياء معنوية فلا تصلح محلاً للضبط بل يمكن مراقبتها مثل المحادثات الهاتفية، والضبط قد يكون تالياً لتفتيش أو معاينة، وقد يكون إجراءاً مستقلاً فيُجيز نظام الإجراءات الجزائية للمحقق استصدار أمر من رئيس الدائرة التي يتبعها بتكليف من توفرت أدلة على حيازته أشياء لها علاقة بالجريمة أن يبرزها ليتمكن المحقق من الإطلاع عليها.
ومن المعلوم أن ضبط الأشياء ما هو إلا غرض أو أثر مباشر للتفتيش الذي يجب أن يتجه للبحث عن الأشياء المتعلقة بالجريمة التي من اجلها يجري التفتيش، ومع ذلك فإن الضبط قد لا يكون أثراً من آثار التفتيش فيجوز ضبط ما يُقدمه المتهمون، أو الشهود بإرادتهم فيكون هذا إجراء مستقل عن التفتيش، ويُمكن ضبط الأشياء الأخرى إذا كانت حيازتها تمثل جريمة، أو متعلقة بجريمة أخرى على أن يكون العثور عليها قد تم عرضاً دون سعي وراءها، ويجب أن تُحصر المضبوطات في محضر يبُيِّن ماهيتها والأسباب الداعية لضبطها.
التصرف في المضبوطات:
إن ضبط الأشياء المفيدة في كشف حقيقة جريمة والتعرف على مرتكبها، هو إجراء مؤقت إلى حين التصرف في الدعوى إما بإصدار أمر بالاّ وجه لإقامة الدعوى، أو قرار بحفظ الأوراق أو إحالتها إلى المحكمة المختصة وصدور حكم فيها، علماً أنه إذا كانت الأشياء المضبوطة مما يُعد حيازته جريمة فإنها لا تُرد وإنما تُصادر سواءً إدارياً أو عن طريق حكم قضائي، لكن إن كان المضبوط مباحاً وهو مما يتلف بمرور الزمن أو يستلزم حفظه نفقات تستهلك أكثر من قيمته، فأن المحكمة تأمر برده أو بيعه ويحفظ ثمنه لحين يسلم للمستفيد منه، أما إن كان مما يمكن رده إلى صاحبه أو الحائز له فإنه يرد إليه، ويحق لكل صاحب مصلحة أن يطالب المحقق برد أشيائه المضبوطة، علماً بأن الأصل في الرد أن تُسلم المضبوطات لمن كان يحوزها وقت ضبطها فإن قوبل طلبه بالرفض فله حق التظلم أمام رئيس الدائرة التي يتبعها المحقق، وإن كانت المضبوطات أوراقاً لصاحبها مصلحة عاجلة بها فقد أتاح له النظام أن يحصل على صورة منها، إلاَّ إن كان في ذلك ضرراً لسير التحقيق، وقد ألقت المادة (60) من نظام الإجراءات الجزائية على عاتق من يطلِّع على المضبوطات ويصل إلى علمه منها شيئ واجب المحافظة على سريتها، فإن خالف هذا الواجب فإنه يكون عرضة للمساءلة دون تحديد نوعية هذه المساءلة هل هي جنائية أم تأديبية أم غيرها ؟.
ثانيا ـ الاستجواب والمواجهة:
الاستجواب هو “مناقشة المتهم تفصيلياً في الأدلة والشبهات القائمة ضده ومطالبته بالرد عليها: إما بإنكارها أو إثبات فسادها، وإما بالتسليم بها وما يستتبع ذلك من اعتراف بالجريمة”.
ويختلف الاستجواب ـ الذي هو من مهام سلطة التحقيق ولا يمنح استثناءاً لرجل الضبط الجنائي ـ عن السؤال وهو من الاختصاصات الأصيلة لرجل الضبط الجنائي، إذ أنه لا يتعدى سؤال المتهم عن التهمة بشكل عام لاستيضاح ما يجهله رجل الضبط الجنائي، ومع ذلك إذا ندبت جهة التحقيق رجل الضبط لإجراء عمل أو أكثر من أعمال التحقيق فله في حالة خشية فوات الوقت أن يواجه المتهم بغيره كشاهد على شفير الموت مثلاً، بشرط أن يكون هذا العمل مرتبطاً بما نُدب به من إعمال تحقيقية ، والمواجهة ماهي إلا استجواب، لأن كليهما مواجهة للمتهم بما يدور حوله من أدلة إثبات على ارتكاب الجرم، لكن الاستجواب مواجهة موسّعة تشمل جميع الأدلة القائمة قبله سواءً كانت قولية أو مادية مكتوبة أو وجاهية، بينما المواجهة مختصرة على دليل معين لذلك فإن المواجهة تدخل ضمن الاستجواب، وهذا ما نصت عليه المادة (66) من نظام الإجراءات الجزائية حيث قررت أن المحقق يندب غيره لإجراء بعض التحقيقات على أن يكتب ما يُريد أن يندب به، وللمندوب أن يجري أي عمل تحقيقي بل له إستجواب المتهم إن خشي فوات الوقت، على أن يكون هذا العمل متصلاً بما ندب به ولازماً لكشف الحقيقة، علماً أن المادة (65) من نظام الإجراءت الجزائية حظرت ندب رجل الضبط الجنائي لإجراء الإستجواب، لأنه من الإجراءات الخطيرة التي لابد أن يُمنح فيها المتهم ضمانات قضائية، إضافة إلى أن الاستجواب هو باب التوقيف الاحتياطي وهو عمل إجرائي محظور على رجل الضبط الجنائي، والإستجواب كما هو وسيلة للاتهام فهو وسيلة للدفاع فيجب عدم اعتباره مساعداً للإتهام فقط.
ولكي يكون الإستجواب صحيحاً، خالياً من العيوب سالماً من البطلان لابد أن يتوفر فيه شروط، وهي من قبيل الضمانات التي أحاط بها النظام هذا الإجراء الخطير لما فيه من مساس بحرية المتهمين وحقوقهم الأساسية وأهمها:
1. أن يجريه من يتمتع بصفة المحقق.
2. أن يكون المحقق مختصاً به نوعياً ومكانياً.
3. ألا يصاحبه تأثيرات خارجية من قبيل الإكراه المادي أو المعنوي.
4. إحاطة المتهم علماً بالتهمة المنسوبة إليه.
5. إتاحة الفرصة للمتهم أن يستعين بمن يدافع عنه، علماً أن المدافع ليس له أن يكون رقيباً على المحقق عند إجرائه، وليس له التدخل أو الكلام إلا بإذن المحقق وبإمكانه إبداء ملاحظاته في ورقه تُسلم للمحقق ليضمها إلى أوراق القضية.
ثالثا ـ أوامر التوقف، والإفراج المؤقت:
وقد تم تقسيمه إلى فرعين: الأول عن أوامر التوقيف، والثاني عن الإفراج المؤقت عن المتهم.
أوامر التوقيف:
كلمة التوقيف الأصل منها الفعل وقف، والموقوف “العين المحبوسة إما على ملك الواقف وإما على ملك الله تعالى، وتسميها بعض القوانين حبساً احتياطياً, وقد ورد تعريفه على هذا اللفظ بأنه “تعويق الشخص ومنعه من التصرف في نفسه، سواء كان ذلك في مسجد أو بيت أو غيرهما، وفي الشريعة الإسلامية الحبس أو التوقيف في تهمة مشروع، “فعن أبى هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة احتياطاً، أو قال: استظهاراً: يوماً وليلة.
والتوقيف من الأعمال الإجرائية التي لا يُمارسها إلا المحقق، ولا يُمكن ندب أي أحد في إجرائه لما فيه من تعرض مباشر وصريح للمتهم وحجز لحريته، ويكون اللجوء إليه لعدة أسباب:
1. بقاء المتهم موقوفاً، يُمكّن من تنفيذ العقوبة عليه في حالة إدانته وصدور حكم بذلك، إذ أن تفكيره قد يقوده إلى الهرب خاصة في الجرائم التي تنتظر عقوبة قاسية.
2. أن فيه منع وإعاقة للمتهم من العودة لارتكاب الجرائم، أو على الأقل مخالفة النظام، وقد يكون حبسه ذو فائدة له كحماية من الاعتداء عليه، وفي هذا غاية مهمة وهي حماية الأمن العام والنظام العام.
3. بقاء المتهم رهن تصرف سلطة التحقيق يكفل حسن سير الإجراءات.
4. منع المتهم من العبث بأدلة الجريمة، وطمسها أو التأثير على بعض أطرافها كالشهود.
5. قد يكون به فائدة شخصية تكمن في استفادة المتهم الموقوف من خلال معاملته باعتبار أصل البراءة فيه، وتظهر هذه الفائدة في حالة إدانته والحكم عليه بحيث تتغير معاملته وتصبح وفقاً لقواعد الحد الأدنى للمحكوم عليهم.
وبالرغم من أن كلاً من القبض والتوقيف إجراءين فيهما سلب لحرية المتهم، إلا أن القبض هو مفترض ضروري للتوقيف، فكل موقوف هو مقبوض عليه قبل أن يكون موقوفاً، إلا أن هناك فرق بينهما فالتوقيف ما هو إلا قبض مستمر، وقد عرَّف مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والادعاء العام لسنة 1417هـ التوقيف بأنه “مجموعة احتياطات وقتية للهيمنة على حركة المتهم بغية التحقق من شخصيته واتخاذ الإجراءات حياله”، وقد أحاط المنظم هذا الإجراء الخطير ضمانات تعد بمثابة قيود على السلطة المخولة به وأهمها:
1. يجب إلا يُوقف متهم إلا إثر استجواب، إذ قد يدحض الأدلة القائمة قبله ويأتي بما يُبرئه فيخلى سبيله .
2. يجب عدم اللجوء إليه إلا في الجرائم الكبيرة، بعد اعتراف إرادي وتلقائي أو توافر أدلة وبينات معقولة ترجح إدانته، وقد تصمنت المادة (112) من نظام الإجراءات الجزائية على أن تحديد الجرائم الكبيرة التي تستحق التوقيف يكون بالاتفاق بين وزير الداخلية ورئيس هيئة التحقيق والادعاء العام.
3. يجب أن يُبلَّغ كل موقوف بأسباب توقيفه، ويكون له الحق في الإتصال بمن يرى إبلاغه.
4. حتى لا تكون أوامر التوقيف محلاً لإرهاب الناس وتخويفهم وسيوف مسلطة على رقابهم، فلا يمكن تنفيذها بعد مضي ثلاثة اشهر من تاريخ صدورها ما لم تجدد.
5. لا يقوم به إلا من يتمتع بصفة محقق.
6. يُعامل الموقوف بأصل البراءة فيه، لذا فإن توقيفه يكون في أماكن خاصة فلا يخالط من صدر بحقه حكم دحض أصل البراءة فيه.
7. مبدأ العدالة يقتضي حسم مدة التوقيف من مدة العقوبة بعد الحكم بها.
الإفراج المؤقت:
عندما تزول مبررات التوقيف فإنه يُفرج عن المتهم مؤقتاً ، وبالرغم من أن نظام الإجراءات الجزائية قد أشار إلى وجود حالات للإفراج الوجوبي إلا انه لم يحصرها، ومن هذه الحالات :
1. إذا لم يكن بالتحقيقات ما يثبت أو يرجح وقوع جريمة، أو كان هناك جريمة لكن لم يثبت أو يرجح إسناها إلى المتهم أو صدر أمر بحفظ الأوراق، أو حفظ الدعوى ما لم يكن المتهم موقوفاً لسبب آخر.
2. إن كان الفعل المسند إلى المتهم يعد جريمة ولكنه ليس مما أُعتبر من الجرائم الكبيرة.
3. في غير جرائم القتل العمد أو تعطيل المنافع البدنية وجرائم الفساد في الأرض والسرقات إن أدى الموقوف جميع الحقوق الخاصة الناشئة عن الجريمة، أو أودعها على ذمة مستحقيها، أو تمكن من إحضار كفيل بها.
4. إن كان الفعل المسند إليه مما يجوز المعاقبة عليه بالغرامة فقط، وكان الموقوف معروفاً ومليئاً، وله محل إقامة في المملكة، أو أودع الغرامة أو نصف حدها الأعلى إن كانت ذات حدين، أو قدم كفيلاً مليئاً بأدائها.
5. إن كانت عقوبة السجن للجرم المسند إليه ذات حدين وكان قد أمضى أكثر من نصف حدها الأعلى أو سنة أي المدتين أقل، بشرط أن تكون صحيفة سوابقه خالية وليس هناك ما يدعو إلى التشديد.
6. إن كان تعيين الجرم المسند إليه متروك لسلطة القاضي التقديرية، وقد أمضى في التوقيف مدة لا يُنتظر أن يُعاقب أكثر منها.
7. إذا صدر حكم قضائي برد الدعوى، أو كانت العقوبة المقررة لا يقتضي تنفيذها السجن، ولم يكن الحكم نهائي، أو أن صدر حكم بالسجن وقد أمضى المحكوم عليه الموقوف مدة مساوية لها، أو تزيد عليها.
8. لا يجوز توقيف الأحداث الخامسة عشر إلا في الجرائم الكبيرة بأمر من المحقق ومصادقة رئيس الدائرة، ولا يجوز توقيف من هم دون الحادية عشر مطلقاً.
9. إذا انتهت مدة التوقيف المأمور بها دون أن يصدر أمر بتمديدها أو إن مضى على القضية مدة ستة أشهر والمتهم موقوف دون أن تدخل في حوزة المحكمة المختصة.
أما القانون المصري فقد أورد حالات الإفراج الوجوبي في المادة م(142) من قانون الإجراءات الجزائية باشتراط اجتماع الآتي:
1. مرور ثمانية أيام على استجواب الموقوف.
2. إذا يكون له محل إقامة معروف وثابت.
3. إذا كانت الجريمة المسندة إليه جنحة الحد الأقصى لعقوبتها سنة واحدة.
4. إن لم يكن المتهم عائداً وسبق الحكم عليه لأكثر من سنة.
ويجوز لسلطة التحقيق، سواءاً من تلقاء نفسها أو بطلب من الموقوف أن تأمر بالإفراج عنه، إذا رأت إن ذلك ليس فيه ضرر على مجريات التحقيق، دون وجود بوادر تعزز فرض هربه بشرط أن يتعهد بالحضور، وللمحقق أيضاً أن يأمر بالإفراج عن الموقوف إن أبدى تعاونه وأرشد السلطات إلى ما يعرفه من الأدلة مما يساعد في التعرف على بقية المتهمين في القضية التي أوقف بها أو ما يُماثلها في النوع أو الخطورة ، وأن يعين محلاً لإقامته يوافق عليه المحقق، علماً بأن ما يُصدره المحقق من إفراج وجوبي أو جوازي لا يعيق القبض على المتهم وتوقيفه من جديد إذا توافرت شروط جديدة تستدعي ذلك أو قويت الأدلة ضده، أو إن خالف أحد الشروط المفروضة عليه، وإذا دخلت القضية حوزة المحكمة فإن أمر الإفراج عن المتهم يؤول إليها حتى لو أصدرت حكماً بعدم الاختصاص.
رابعا ـ إنهاء التحقيق والتصرف في الدعوى.
لم يحدد نظام الإجراءات الجزائية المدة التي يستغرقها التحقيق، ومن ثم فإن ذلك يختلف من قضية إلى أخرى بحسب ظروفها وأهميتها وحجمها ونتائجها وعدد أطرافها، وقدرات المحقق وما يتوافر له من إمكانات وأمور مساعدة، إلا أن الإسراع في الإجراءات يُعد من القواعد الأساسية للتحقيق حتى لا يحدث تأخير يُلحق ضرراً بالمتهم الموقوف ويؤدي ذلك إلى حبس حريته وتعطيل أعماله وما إلى ذلك من المحافظة على مسرح الجريمة وبقاء أدلتها، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب حسن سير العدالة بحيث يحدث تسرعاً يؤثر سلباً على العدالة حيث أن المادة (114) من نظام الإجراءات الجزائية اقتضت أن مدة التوقيف لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم بعدها يجب أن تكون القضية بحوزة المحكمة المختصة أو يفرج عنه، وبعد أن تنتهي سلطة التحقيق من إجرائه يتبع ذلك التصرف بما أكملته من إجراءات، ويكون ذلك باتباع أحد طريقين:
الأول – حفظ الأوراق ويُصد به “صرف النظر مؤقتاً أو نهائياً عن إقامة الدعوى الجنائية أمام الجهة القضائية المختصة بناءاً على التحقيق”، ويترتب على الحفظ الإفراج عن المتهم الموقوف، إلا إن كان موقوفاً على ذمة قضية أخرى، وهذا الطريق يتبعه المحقق إذا كانت الأدلة غير كافية لإقامة الدعوى، ويصدر أمر الإفراج من رئيس الدائرة بتوصية من المحقق، ماعدا الجرائم الكبيرة التي تستوجب مصادقة رئيس هيئة التحقيق والإدعاء العام على أمر الإفراج أو من ينوب عنه، وهذا لا يؤثر على إمكانية إعادة فتح الملف في القضية إذا ظهرت أدلة جديدة من شأنها تقوية الاتهام، والحالات التي يلجأ فيها المحقق إلى هذا التصرف هي:
1. إذا كان الفعل المُسند للمتهم لا يُعد جريمة.
2. إذا انقضت الدعوى الجزائية عامة أم خاصة.
3. إذا كانت الأدلة غير كافية لنسبة الجرم للمتهم، أو أن الوقائع المُسندة غير صحيحة.
4. إذا كان الفاعل مجهولاً، مع الاستمرار في البحث عنه.
وقد تضمنت م(62/1) من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية على هذه الحالات التي تُمكِّن المحقق من أن يُوصي بحفظ الأوراق إضافة إلى حالات أُخرى عُبِّر عنها في مشروع اللائحة التنظيمية للهيئة بالحفظ لعدم الملائمة .
ويقابل هذا التصرف الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى في قانون الإجراءات الجنائية المصري ، وذلك أن كانت الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو كانت مما يُقيد فيها القانون سلطة التحقيق بشكوى من المدعي بالحق المدني الذي لم يتقدم في دعواه أو تبين أن هناك سبباً لانقضاء الدعوى أو توافر أحد موانع العقاب كمن يُبلِِّغ عن جريمة أمن دولة هو مشترك فيها، وهذه كلها أسباب قانونية يُبنى عليها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، وهناك أسباب موضوعية كأن تكون الأدلة غير كافية لإسناد الجرم للمتهم، أو عدم صحة الواقعة المنسوبة إليه، أو أن الفاعل يظل مجهولاً، ويمكن إصدار هذا الأمر في حالة عدم الأهمية، وفي حالة أُصدر أمر بالحفظ يُفرج عن المتهم، وهذا كما هو الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يستوجب ذكر الأسباب التي بُني عليها ولا تقوم به إلا سلطة التحقيق إثر تحقيق تُجريه أي أنه لا يتم اتخاذه إلا بعد تحريك الدعوى، سواء كان هذا التحريك من قبل سلطة التحقيق مباشرة، أو ندبت به أحد رجال الضبط الجنائي، أو أنه مارسه بما يخوله النظام به في الحالات الاستثنائية .
الثاني: إحالة القضية إلى المحكمة المختصة في حالة كفاية الأدلة لتوجيه الاتهام، سواء كان المتهم موقوفاً على ذمة قضية، أو تكليفه بالحضور أمام المحكمة المختصة، وإن شملت لائحة الاتهام أكثر من قضية تختلف المحاكم المختصة بالنظر فيها إلا أنها محاكم متماثلة الإختصاص، فتكون الإحالة بأمر واحد إلى محكمة مختصة بأحد القضايا مكاناً، إنما إن كانت المحاكم المختصة بهذه القضايا غير متماثلة الاختصاص فتحال إلى أوسعها اختصاصا، كأن يشمل قرار الاتهام قضيتي سلب وانتحال صفة رجل السلطة العامة فتحال هاتان القضيتان بأمر إحالة واحد إلى المحكمة الشرعية باعتبارها صاحبة الاختصاص العام رغم أن القضية الثانية من اختصاص ديوان المظالم، والتصرف في الدعوى هو من الإجراءات التي لا يقوم بها إلا المحقق ومحظور على رجل الضبط الجنائي، وبالتالي لا يمكن أن يُندب بها، وإن كان المتهم موقوفاً وخرجت القضية من يد المحقق، فإن الأمر بالاستمرار في حبسه أو الإفراج عنه يكون من اختصاص المحكمة المحال إليها القضية، التي بإمكانها أيضا الأمر بإيقافه إن كان مفرجاً عنه.
خامسا ـ ندب الخبراء وشهادة الشهود:
يُعد ندب الخبراء والاستماع إلى شهادة الشهود من الإجراءات التي يلجأ إليها المحقق من أجل توفير الأدلة التي تساعده في كشف حقيقة الجريمة التي يُجري التحقيق فيها، وسيتم بحثه في فرعين: الأول عن ندب الخبراء والثاني عن شهادة الشهود.
ندب الخبراء:
مما لا شك فيه أن النواحي الفنية يكون لها أهمية في استجلاء ما يكتنف بعض القضايا من غموض، لهذا فإن النظام قد أجاز للمحقق الإستعانة بأهل الخبرة( وافترض النظام على الخبير المندوب أن يقدم تقريراً مكتوباً مراعياً الوقت المحدد له، وللمحقق استبداله بخبير آخر إذا لم يف بهذا الشرط، وللخصوم أيضاً الاستعانة بخبراء يحصلوا منهم على تقارير استشارية، والخبير هو أحد معاوني المحقق لأن هذا الأخير غير مُلم بالقضية بجميع جوانبها، ولاستكمال هذا النقص فيه فقد سمح له النظام الاستعانة بهم، ويجوز للخصوم رد الخبير إذا كان لديهم من الأسباب التي تجعله ليس محلاً للثقة على أن تلقى قبولاً من المحقق، وهناك بعض الحالات التي قد تختلط بها الخبرة مع أحد إجراءات التحقيق مثل التفتيش كأن يبعث المحقق شخصاً تناول بعض المواد التي يعتقد بأنها مخدرة إلى مستشفى لإجراء عملية غسيل لمعدته وإخراج ما تحويه من هذه المواد.
شهادة الشهود.
الشهادة في اللغة تأتي بعدة معاني:
1- البينة: وهي الدليل والحجة وسُميت بينة لأنها تفصل بين الحق والباطل وتأتي بمعنى المعاينة: شاهدت الشيء إذا عاينته، والبينة “إسم لكل ما يبين الحق ويُظهره وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم وإرتفاع الأشكال بشهادتهم”.
2- العلم: قال تعالى }شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18}{ (آل عمران)، وتأتي بمعنى الخبر القاطع والحلف ومنه قوله تعالى} وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8}{ (النور).
3- الحضور: لأن الشاهد يحضر بنفسه إلى مجلس القضاء ليدلي بشهادته.
والشهادة في اصطلاح الفقهاء هي:
1- “إخبار صدق لإثبات حق بلفظ أشهد بمجلس القضاء، فيخرج بذلك شهادة الزور لأنها إخبار بكذب، ويشترط لها العقل والبلوغ والولاية، وركنها هو اللفظ المتعلق بالأخبار”، وجاء تعريفها أيضا بأنها الإخبار عما في يد غيره بأنه لغيره وليس له، وكل من أخبر أن ما في يد غيره من يشهد عليه هو لغيره الذي يشهد له فهو شاهد .
2- “والشهادة مشتقة من المشاهدة، فالشاهد يُخبر بما شاهده ومنه قوله تعالى } فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ُ{185}{( البقرة) أي علمه برؤية هلاله أو إخبار من رآه أو علمه بلفظ خاص” .
3- “إخبار عن مشاهدة وعيان لاعن تخمين وحسبان”.
والإخبار على ثلاثة ضروب: إما إخبار بحق للغير على آخر وهي الشهادة أو أخبار بحق للمخبر على آخر وهي الدعوى أو إخبار للمخبر على نفسه وهو الإقرار، قال تعالى } وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ {106}{( المائدة)، فقد أضافها الله تعالى إلى نفسه تشريفاً وتكريماً لها وتعظيماً لأمرها ، والشهادة قد تكون إلزام بحق الله تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {8} { (المائدة)، وقد تكون في حقوق الناس كقوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ.. {135} { (النساء)، وقد تكون شهادة على الناس لمعاصيهم ومخالفتهم أوامر الله تعالى وعدم ترك نواهيه ومنها قوله تعالى }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {143} { (البقرة) .
أما تعريف الشهادة في القانون:
فهي “إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو أدركه بحاسة من حواسه عن هذه الواقعة بطريق مباشر ، والشهادة هي إدلاء الشاهد بما لديه من معلومات حصل عليها عن طريق اتصاله بالواقعة التي يشهد بها عن طريق أحد حواسه ويكون ذلك أمام سلطة التحقيق، وهذا ما يجعلها من إجراءات التحقيق، فإن كانت أمام سلطة الاستدلال فلا تعد من إجراءات التحقيق، والشهادة قد تكون مباشرة نتيجة لإدراك الشاهد لما يشهد به بإحدى حواسه، فهي تعبير صادق عما تضمنه الإدراك الحسي للشاهد خاص بواقعة معينة قد يكون شاهدها أو سمعها أو وصلت إلى إحدى مداركه الأخرى بطريقة مباشرة، على أن يكون هذا التعبير مطابقاً ونقلاً لحقيقة الواقعة إلى المجلس القضاء، وأن يكون صادراً ممن تقبل شهادته بعد أدائه اليمين، وقد تكون شهادة غير مباشرة تسمى بالشهادة السماعية أو الشهادة على الشهادة، وقد اختلف الفقهاء في قبولها، وهناك الشهادة عن طريق الشائعات التي تنصب على الرأي الشائع بين الناس، وهي لا يحتج بها وإن كان بعض الفقهاء اعتبروها في إثبات الوفاة والزواج والنسب لأنها أمور مقصور حضورها على فئات وأشخاص معينين وهي قائمة على الاستفاضة.
وهناك أنواع أخرى من الشهادة سواء بالإنابة القضائية والشهادة بالقسامة والتي تدور بين وصفين أحدهما على أنها وسيلة للإثبات في جرائم القتل مجهولة الفاعل، والآخر بأنها نوع من الشهادات للإثبات والنفي، ويشترط فيها اللْوث وهي خمسين يميناً مبتدأة من أولياء الدم ضد من يتهمونه بأنه القاتل فيستحلون دمه عند الإمام مالك وعند الجمهور فيه الدية، فإن لم يحلفوا وُجهت اليمين إلى المتهمين فإن حلفوا صانوا دمائهم وعليهم الدية وهناك من يرى أن نكول أولياء الدم عن اليمين لا يوجهها إلى المتهمين ولكن الدية على بيت مال المسلمين، حتى لا يظل دم في الإسلام ، ونستظهر من ذلك برؤيا عصرية أن القسامة تقلل من القضايا التي تحفظ لجهل فاعلها أو بما يسمى (ضد مجهول)، لأن دفع الدية فيه شفاء لنفوس أولياء الدم وإطفاء لغيظهم وغضبهم، إضافة إلى شعورهم بأن هناك من يهتم بأمرهم، وهذا دون إخلالٍ بدور الأجهزة الأمنية في متابعة البحث عن الجاني ليتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة لينال ما يستحقه من العقاب.
والأصل أن للخصوم الحق في طلب سماع من يشاءون من الشهود ويرون أنه مفيد لهم، ولكن الأمر يرجع إلى السلطة التقديرية للمحقق في إجابتهم لطلبهم أو ردهم حسب ما يظهر له من أهمية الشهادة وفائدتها لإظهار الحقيقة .
وشهادة الشهود هي من منابع الأدلة، بل هي من طرق الإثبات المعتبرة لجميع الجرائم لاسيما الحدود والقصاص فلا يحكم بهما إلا بإقرار أو شهادة بعد توافر شروطهما وضوابطهما الشرعية، إلا أن عدم اكتمال هذه الشروط والضوابط لا يحول دون عقاب المتهم ، ويشترط في الشاهد أن يكون أهلاً للشهادة ومع ذلك قد تتوافر فيه شروط الأهليه ويمنع من أداء الشهادة لوجود سبب من أسباب عدم الصلاحية، فالقاضي لا يمكنه الجمع بين صفتي قاضي وشاهد في واقعة وآن واحدة، وأيضاً شهادة المتهم على غيره من المتهمين بنفس الواقعة، ويسمع المحقق الشاهد فإن تعددوا يمكنه التفريق بينهم كما يمكنه مواجهتهم مع بعضهم البعض، أو مع أحد المتهمين لأن ذلك أدعى للتوصل إلى أدلة لإثبات الواقعة، وعلى المحقق واجب تدوين الشهادة والتوقيع عليها مع الشاهد والكاتب ، وعليه أيضاً أن يدوِّن معلومات كاملة عن الشهود ببيان أسمائهم وألقابهم وأعمارهم ومهنهم ووظائفهم، مع اعتبار أهمية عدم الكشط أو الشطب أو الحشر أو ما يدل على التغيير في الكتابة إلا بعد مصادقة الشاهد والكاتب والمحقق على ذلك، وإن كان الشاهد مريضاً أو حال دون حضوره حائلاً يُعذر معه فيمكن سماع شهادته في مكان وجوده.
اترك تعليقاً