الدور القانوني للطب الشرعي في اصلاح العدالة
مداخلة من إلقاء السيد/محمد لعزيزي، النائب العام لدى مجلس قضاء بجاية
المقدمة العامــة
إن إصلاح العدالة هو أحد المواضيع الأكثر جدلا في الساحة الوطنية ومرد ذلك عناية فخامة رئيس الجمهورية بهذا الموضوع منذ توليه مقاليد الحكم إذ بادر إلى إصلاح القطاع في إطار منظور شامل لإصلاح هياكل الدولة وأول لجنة نصبها كانت لجنة إصلاح العدالة التي قامت بعملية تشريح للقطاع إنتهت بتقديم توصياتها،
هذه التوصيات تكفل معالي وزير العدل عبر ما سطره من برنامج بمعالجة النقائص المسجلة إنتهاء إلى الندوة الوطنية لإصلاح العدالة التي وقفت وقفة تقييمية لما أنجز في ظرف الخمس سنوات الماضية، للوصول بالأداء القضائي إلى المطلوب وتحقيق عدالة قوية وعادلة.
إن إصلاح العدالة يمر حتما عبر تفعيل عدة عوامل تساهم مجتمعة في تحقيق الإصلاح ومن ضمن هذه العوامل نجد الطب الشرعي ودوره في القضاء الجزائي خاصة.
إن الطب الشرعي وإن كان موضوعا قائما بذاته إلا أن دوره هام في حسن سير الملف الجزائي وأن التحكم في موضوع الطب الشرعي إنما هو إدارة فعلية وفعالة في سير الملفات وترقية لحقوق الأطراف وأي خلل يشوب الموضوع يؤثر سلبا على الحريات والحقوق وحتى نستعرض هذا الدور لابد من الوقوف على ما يلي:
1/ تعريف الطب الشرعي
2/ علاقة الطب الشرعي بالعمل القضائي
أ – التسخيرة
ب – الجهات المسخرة
ج – تقرير الطبيب الشرعي
3/ القوة القانونية لتقرير الطبيب الشرعي (الخبرة)
أ – على مستوى المتابعة
ب – على مستوى الحكم
4/ آفاق الطب الشرعي
1 – تدعيم مجال الطب الشرعي
أ – عدد الأطباء
ب – الوسائل
ج – التكوين المشترك
الخلاصة العامة
1) تعريفه:
الطب الشرعي كلمة مركبة من الطب إشارة لكل ما هو طبي علمي وشرعي إشارة للشرعية بمفهوم القوانين والأنظمة.
يهتم الطب الشرعي بهذا المفهوم بدراسة العلاقة القريبة أو البعيدة التي يمكن أن توجد ما بين الوقائع الطبية والنصوص القانونية.
الطب الشرعي هو تخصص له عدة أبعاد البعد الأول طبي والبعد الثاني إجتماعي والبعد الثالث قضائي.
2/ مجالات الطب الشرعي أو علاقته بالعمل القضائي:
للطب الشرعي مجالات متعددة نتعرض لأهمها وهي:
الطب الشرعي الإجتماعي: M – L – Sociale يهتم بالعلاقة ما بين الطب الشرعي والقوانين الإجتماعية (طب العمل، الضمان الإجتماعي…)
الطب الشرعي الوظيفي: M – L – Professionnelle بمفهوم الوظيفة ويهتم بالعلاقة ما بين الطبيب الشرعي ووظيفته (تنظيم الوظيفة – الممارسة غير الشرعية للوظيفة – أخلاقيات المهنة…)
الطب الشرعي القضائي: M – L – Judiciaire والذي يهتم بالعلاقة ما بين الطب الشرعي والقضاء والذي نركز عليه، يتفرع منه:
الطب الشرعي العام: M – L – Générale يهتم بدراسة الجاني.
الطب الشرعي الخاص بالصدمات والكدمات والرضوض: M – L – Traumatologique يقوم بدراسة (الجروح – الحروق الإختناقات……)
الطب الشرعي الجنسي: M – L – Sexuelle ويهتم بدراسة (الإغتصاب – هتك العرض – الأفعال المخلة بالحياء – الإجهاض – قتل الأطفال حديثي العهد بالولادة………)
الطب الشرعي الخاص: يهتم بدراسة الجثة وعلامات الموت M – L – Thantologique.
الطب الشرعي الجنائي: M – L – Crimalistique والذي يهتم بدراسة وتشخيص الآثار التي يتركها الجاني في مسرح الجريمة.
الطب الشرعي الذي يتولى دراسات التسميمات M – L – Toxicologique.
الطب الشرعي العقلي: M – L – Psyciaterique الذي يهتم بدراسة مفهوم المسؤولية الجزائية (موضوع يدرس الركن المعنوي للجريمة) هام ويحتاج لوحده لملتقى خاص.
من خلال المواضيع التي يهتم بها الطب الشرعي والتي ذكرنا أهمها ولما كان العمل القضائي تعرض عليه هذه المواضيع في التعامل اليومي فإن العلاقة بين الطبيب الشرعي والقاضي أصبحت غنية عن كل وصف وتعريف.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتصل القاضي بالطبيب الشرعي (الوسيلة) هنا الجواب يجرنا حتما للكلام عن الوسيلة القانونية للإتصال وهي “التسخيرة”.
ما هي التسخيرة ؟
نقصد بذلك التسخيرة القضائية وليس الإدارية التي تصدرها الجهات الإدارية المختصة كالولاة.
لا يوجد تعريف قانوني للتسخيرة القضائية ولكن يمكن القول بأنها أمر يصدر للطبيب الشرعي قصد القيام بأعمال توصف “بالطبية القانونية”.
قد تكون كتابية وهي الحالة الأكثر شيوعا وقد تكون شفوية في حالة الإستعجال على أن تلحق كتابيا بعد ذلك.
من له حق التسخير ؟
يمكن تسخير الطبيب الشرعي من طرف :
1 – قضاة النيابة وهي الحالة المعروفة.
2 – قضاة التحقيق.ùvhtأطراف
3 – ضباط الشرطة القضائية ( أثناء التحريات الأولية).
4 – جهات الحكم ( رئيس المحكمة الجزائية – مخالفات – جنح – جنايات).
5 – غرفة الإتهام في إطار التحقيق التكميلي.
لذلك يكون شكلها إداريا إذا تعلق الأمر بالنيابة أو ضباط الشرطة القضائية، وعلى شكل أمر بالنسبة لقضاة التحقيق، وبواسطة حكم بالنسبة لرئيس المحكمة الجزائية وقرار بالنسبة لغرفة الإتهام.
ولما كانت حالة تسخير النيابة للطبيب الشرعي هي الاكثر شيوعا نركز عليها وبالتالي يقودنا ذلك للتعرض للخصائص أو الشروط الشكلية والموضوعية للتسخيرة.
فإذا كانت الشكلية عادة لا تطرح إشكالات كأن تكون معلومة المصدر، مؤرخة، موقعة، تعين الخبير (الطبيب) المعني بها فإن الشروط الموضوعية تستوجب الوقوف عندها لعدة أسباب.
1 – من حيث المهمة: على المسخـِِر تحديد مهمة الطبيب الشرعي بكل دقة وما المطلوب منه في سياق البحث عن الحقيقة، لتفادي العمومية واللجوء المبالغ فيه إلى التشريح العام وفي رأينا الشخصي تكليف الطبيب الشرعي بإجراء معاينة دقيقة وإن إقتضى الأمر القيام بعملية التشريح في حالة تعذر الإجابة.
2 – عادة ما تسلم التسخيرة في شكل ورقة وحيدة غير مرفقة بأي شيء يمكن توجيه الطبيب الشرعي لذلك نرى ضرورة إرفاقها على الأقل بـ :
أ – شهادة معاينة الوفاة الأولية.
ب – نسخة من التقرير الأولي.
ومما ينبغي التأكيد عليه بأنه كلما كانت الخبرة أي محتوى التقرير واضحة ودقيقة تعتبر نصف الجواب الوافي والمجدي للملف، لتفادي أي تأويل أو دراسة مخالفة للتقرير الطبي.
يمكن الإشارة لملاحظة هامة، أن الطبيب الشرعي متى سخر وفقا للقانون لا يستطيع رفض التسخيرة بل يجب الإمتثال لها، إلا في الحالات المعروفة كالعجز البدني أو المعنوي أو عدم الكفاءة المعترف بها أو وجود إمكانية الإستخلاف.
3/ القوة القانونية للخبرة ( تقرير الطبيب الشرعي )
La Valeure Juridique de L’expertise :
هنا يطرح كل الإشكال، بمعنى آخر هل التقرير ملزم للجهة المسخِرة أم لا؟ من الناحية القانونية الجواب لا يحتاج إلى أي تفكير ويكون بالسلب أنه غير ملزم ولكن هذا الجواب يحتاج إلى مناقشة وعلى مستويين:
المستوى الأول: المتابعة، على هذا المستوى ومتى كانت المتابعة تقوم على مبدأين أولهما قانونية المتابعة والثاني ملاءمة المتابعة فإن تقرير الطبيب الشرعي قد يكون حاسما في الحالة الثانية إذا خلص على سبيل المثال إلى إنعدام العجز في الضرب والجرح العمدي أو إنعدام أي أثر الإعتداء في حالة الجرائم الجنسية قد يكون سببا في إتخاذ إجراء الحفظ وإذا حركت الدعوى قد يكون سببا مبررا وكافيا لإنتفاء وجه الدعوى أو البراءة.
المستوى الثاني: المحاكمة، إن التقرير الذي ينجزه الطبيب الشرعي يشكل مصدر إقتناع قوي نظرا لقوته الثبوتية فإذا أخذنا على سبيل المثال جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة فإن التقرير هو الذي يظهر الأركان الخاصة للجريمة والتي تتمثل
في وجود أم – قامت بالولادة (ولدت فعلا) – المولود ولد حيا – قامت بأعمال مادية إيجابية (مارست عنفا على المولود – أو أعمال سلبية كالترك – هذا الإهمال أدى إلى الوفاة ).
المثال الثاني جناية بتر عضو أو فقدان إستعماله.
إن الطبيب الشرعي هو الوحيد المؤهل للقول إن كانت الإصابة أو البتر أصابت عضوا بالمفهوم الطبي.
المثال الثالث حالة الضرب والجرح العمدي المفضي للوفاة.
الطب الشرعي يوصف الجروح والعلاقة السببية بينها وبين النتيجة وهي الوفاة.
لهذه الإعتبارات فإن المدرسة الوضعية إنتهت إلى وصف أولي أرى فيه شخصيا قدرا كبيرا من الموضوعية والمتمثل في العبارة المشهورة:
“إذا كان القاضي قاضي قانون فإن الخبير قاضي وقائع”.
ومن هنا تبرز القيمة القانونية للتقرير الذي يحرره الطبيب الشرعي ويتوقف عليه مصير ملفات عديدة مطروحة أمام القضاء تمس حرية طرف وحقوق أطراف أخرى وبصفة عامة ” إدارة الملف الجزائي إدارة فعلية وفعالة ” وهو عين الإصلاح.
4/ آفاق الطب الشرعي:
نظرا لما ذكرته أعلاه فإن هذا المحور أعالجه في شكل توصيات.
1 – الإهتمام بموضوع الطب الشرعي وذلك بما يلي:
أ / رفع عدد الأطباء الشرعيين وتوزيعهم بصفة تسمح بأداء العمل القضائي لأن النقص الفادح لهذه الفئة رتب صعوبات جمة تتمثل في نقل جثث الموتى لمئات الكلمترات وبكل ما ترتبه العملية من صعوبات لكل الأطراف، وتنقل الضحايا المتعب لإجراء الخبرات المدنية وغالبا لا يحصل الضحية عن التعويض المادي بما يكفيه حتى لمصاريف النقل.
ب/ توفير الوسائل المادية لمصلحة الطب الشرعي لإنجاز المهمة في ظروف عادية فغالبا ما حضر الطبيب الشرعي وإنعدم العنصر الشبه الطبي أو استحال إجراء التشريح لرفض المكلف بحفظ الجثث العمل خارج ساعات العمل أو أيام العطل وعدم العثور على مفتاح غرفة حفظ الجثث ناهيك عن إنعدام أمانة خاصة للطبيب الشرعي لتحرير التقارير أو خط هاتفي يسمح له على الأقل الإتصال بالجهة التي سخرته.
ج/ دعم التكوين المشترك قضاء – ” طب شرعي ” لتجاوز بعض صعوبات الإتصال خاصة.
الخـلاصـــة
إن ترقية الطب الشرعي لجعله في مستوى حاجات المنظومة القضائية يقتضي بالضرورة أن يؤدي الطبيب الشرعي المهمة المطلوبة منه بفعالية ومهنية واخلاص من خلال تحرير تقرير واضح الصياغة ودقيق العبارة ويجيب بصورة موضوعية وعلمية عن الاسئلة المطروحة.
وبهذه الطريقة يستطيع القاضي تكوين اقتناعه الشخصي ويصل إلى مستوى التحكم والفهم الجيد للملف الجزائي المطروح عليه وذلك من شأنه أن يجعله يصدر أحكاما منصفة وعادلة ويفصل في النزاع دون اغماط أي طرف في حقوقه وذلك هو المحصلة والهدف المتوخى من عملية إصلاح العدالة برمتها.
اترك تعليقاً