الجريمة الالكترونية في القانون الفلسطيني
مع الانتشار الواسع لاستخدام الانترنت و عدم اتخاذ التدابير اللازمة للأمن والحماية، أدى ذلك إلى نشوء جرائم ناتجة عن ذلك الاستخدام، وهذه الجرائم إما أن تقع على الكمبيوتر ذاته، وإما أن تقع بواسطة الكمبيوتر حيث يصبح أداة في يد الجاني يستخدمه لتحقيق أغراضه الإجرامية.
ونظرا لازدياد الجرائم المتعلقة بالانترنت شرعت بعض الدول والمنظمات الدولية والاقليمية بوضع تشريعات جنائية خاصة لمكافحة جرائم الانترنت التي تعتبر ظاهرة مستحدثة في علم الإجرام ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي وضع اتفاقية حول جرائم الانترنت سنة 2001م، والتي أوصت فيها الدول الأعضاء باتخاذ كافة الإجراءات التشريعية أو غيرها حسب الضرورة لجعل الدخول إلى جميع أنظمة الكمبيوتر أو أي من أجزائه بدون وجه حق جريمة جنائية بحسب القانون المحلي، كما أوصت هذه الاتفاقية على مجموعة من المبادئ العامة المتعلقة بالتعاون الدولي في مجال الشؤون الجنائية، وحددت كذلك الإجراءات المتعلقة بطلبات المساعدة المتبادلة بين الدول الأعضاء في غياب الاتفاقيات الدولية.
أما في الدول العربية ومن ضمنها فلسطين فقليلا ما نجد تشريعات خاصة بمكافحة جرائم الكمبيوتروالانترنت.
في فلسطين لا يوجد تشريع خاص يتعلق بجرائم الكمبيوتر والإنترنت إلا أنه يمكن ملاحقة هذه الجرائم عن طريق تطويع نصوص قانون العقوبات الفلسطيني بحيث ينطوي تحت لوائها بعض الجرائم المتعلقة بالكمبيوتر كنصوص جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والإتلاف وغيرها. ولكن يهمنا أن نشير إلى أهمية التطور التشريعي لتحديد ماهية السياسة الجنائية الواجب إتباعها وفقا للقانون الأساسي المعدل 2003م، والذي أشتمل على الضمانات الدستورية الخاصة بمكافحة الجريمة إذ انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني ، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي،ولذلك فقد استطاعت السلطة الوطنية في فترة وجيزة من الزمن من إصدار رزمة من التشريعات القضائية المتطورة منها قانون السلطة القضائية، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون الإجراءات المدنية والتجارية، وما زال هناك مجموعة من التشريعات الجنائية الهامة تحت الإجراء في المجلس التشريعي من بينها مشروع قانون العقوبات والذي تعرض وبشكل مباشر في المواد (393-397) من الفصل السادس منه لجرائم الحاسب الآلي وهناك مشروع قانون الإنترنت والمعلوماتية، والذي مازال تحت الإعداد في ديوان الفتوى والتشريع بوزارة العدل والذي تضمن العديد من القواعد والأحكام والجرائم والعقوبات المستحدثة فيما يتعلق بالإنترنت والمعلوماتية.
أمن الإنترنت و إحترام حقوق الإنسان:
إن القوانين و المعاهدات الدولية المتعلقة بأمن الإنترنت تأخذ بعين الإعتبار أهمية خلق حالة من التوازن بين مستلزمات المحافظة على الأمن و بين الحقوق الأساسية للإنسان و منها حق حرية التعبير على وجه التحديد.
من القوانين الدولية الرئيسية التي تتعاطى مع جرائم الإنترنت هو ميثاق الإتحاد الأوروبي لجرائم الإنترنت رقم 185، حيث تم تبني هذا الميثاق في العاصمة بودابست بتاريخ 23-نوفمبر-2001. ويضم الميثاق كوثيقة قانونية دولية في هذا الموضوع أكبر عدد من الدول الموقعة حيث يصل عددها إلى 32 دولة كما أن العضوية مفتوحة لدول من خارج الإتحاد الأوروبي فقد صادقت الولايات المتحدة على الميثاق في عام 2006.
إن الميثاق الخاص بجرائم الإنترنت جدير بالإهتمام لأنه يتعاطى مع الجرائم و الجنح المتعلقة بمحتوى المواد فقط, كجرائم إستغلال الأطفال في مواد الإباحة الجنسية (المادة 9), و إنتهاكات حقوق الملكية الفكرية (المادة 10). بالإضافة إلى ذلك, فإنه و على الرغم من أن الجهات المطبقة للقانون ممنوحة سلطات تحقيق واسعة في القضايا المتعلقة بجرائم الإنترنت و الجنح الأخرى المرتكبة عن طريق إستخدام أنظمة الكمبيوتر, فإن هذه السلطات الممنوحة لهم و الإجراءات المتبعة لا بد أن تتماشى مع شروط الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان كما تم تفسيره من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة 15 على التالي:
الشروط و الضمانات
يتوجب على كل دولة موقعة أن تضمن أن التأسيس للإجراءات و القوانين و التطبيقات والتنفيذات المنصوص عليها في هذا المقطع كلها خاضعة لشروط و ضمانات يوفرها القانون الداخلي الخاص بكل دولة و هذا القانون الداخلي يجب أن يوفر حماية كافية لحقوق الإنسان و الحريات, من ضمنها الحقوق المنصوص عليها كجزء من مسؤولياتها كدول موقعة على ميثاق المجلس الأوروبي من عام 1951 لحماية حقوق الإنسان و الحقوق الأساسية, وعلى الميثاق العالمي للأمم المتحدة 1966 الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من القوانين الدولية الأخرى التي تتبع مبدء التناسبية.
يجب أن تتضمن هذه الشروط والضمانات – حسب تناسبها مع طبيعة الإجراء أو السلطة المعنية – على إشراف قضائي أو مستقل, وأرضية تبرر تطبيق الإجراء ووضع حدود على نطاق ومدة صلاحية السلطات الممنوحة وإجرائاتها.
كل دولة موقعة – للمدى الذي تراعى فيه المصلحة العامة و خصوصاً التطبيق السليم للعدالة – أن تأخذ بعين الإعتبار التأثير الذي قد تسببه هذه السلطات والإجراءات في هذا المقطع على الحقوق والمسؤوليات والمصالح المشروعة للطرف الثالث.
بالإضافة إلى ذلك فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص ” خلق ثقافة عالمية لأمن الإنترنت”، ينص على: أنه يجب أن تُطبق الإجراءات الأمنية بطريقة لا تتناقض مع القيم المعترف بها من قبل المجتمعات الديمقراطية ومن ضمن هذه القيم حق تبادل الأفكار والمعلومات والتدفق الحر للمعلومات, وضمان خصوصية وسرية المعلومات والإتصالات والحماية المناسبة للمعلومات الشخصية , والإنفتاح والشفافية.
اترك تعليقاً